أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - أدونيس وعمامة رامبو














المزيد.....

أدونيس وعمامة رامبو


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7168 - 2022 / 2 / 20 - 13:25
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أركيولوجيا العدم
١٢١ - أدونيس وتعريب رامبو


في بلادي
حيث يحيا الناس من دون عيون ..
حيث يبكي الساذجون ..
و يصلون ..
و يزنون ..
و يحيون اتكال ..
منذ أن كانوا يعيشون اتكال ..
و ينادون الهلال :
" يا هلال ..
أيها النبع الذي يمطر ماس ..
و حشيشياً .. و نعاس ..
أيها الرب الرخامي المعلق
أيها الشيء الذي ليس يصدق" ..
دمت للشرق .. لنا
عنقود ماس
للملايين التي عطلت فيها الحواس

مقطع من قصيدة للشاعر السوري نزار قباني بعنوان "خبز وحشيش وقمر" نشرت عام 1956، تعطي صورة عن حالة الحصار العقلي والخمول الفكري والضمور والتخلف الإجتماعي في ذلك الوقت، من الإيمان بالخرافات والغيبيات والتواكل والخضوع والخمول والسير وراء الاساطير وانتظار معجزات السماء وسلطة الدين المدمرة، وكذلك تأثير "الحشيش" على العقول العربية مختلطا بالمواويل والأغاني والتواشيح الطويلة والتي لا تنتهي، وكذلك البطولات الخيالية المتمثلة في شخصيات رجالية وفحولية مثل أبوزيد الهلالي - العنتريات التي ما قتلت ذبابة.
أحدثت هذه القصيدة في حينها - رغم ضعفها الجمالي وكونها نصا مباشرا أشبه بالمنشور السياسي ـ زوبعة سياسية في سوريا وفي العالم العربي، فقد طالب بعض السياسيين ورجال الدين بمصادرة الديوان، وطالب بعضهم بفصل نزار قباني من السلك الدبلوماسي الذي كان يعمل به آنذاك، وطالب البعض الآخر بمحاكمته، غير أن الوضع الإجتماعي والسياسي يبدو اليوم أكثر سوءا من هذه السنوات الغابرة.
وها هو شاعر سوري آخر، أدونيس، بعد مرور أكثر من 34 عاما على تنديد نزار قباني بـ "تعطيل الحواس" في هذه القصيدة بواسطة الدين والخرافة والحشيش، ها هو أدونيس يمجد فكرة "تعطيل الحواس"، لدى الشعراء والمتصوفة وذلك من أجل أن يكون الشاعر "رائيا" لما لا يرى وشاهدا على عالم المجهول واللامرئي واللامحسوس، وذلك في نصه الذي حاول فيه تعريب الشاعر الفرنسي أرثور رامبو، بعنوان "رامبو - مشرقيا، صوفيا".. نُشرت هذه الدراسة في مجلّة "مواقف"، العدد 57، عام 1989، ثمّ في كتاب "الصوفيّة والسورياليّة" 1992. وفي هذه الدراسة يتخذ أدونيس وجهة نظر لا عقلية وما ورائية فيما يخص الواقع وفيما يخص التجربة الشعرية وبحاول أن يطرد العقل وينفيه نهائيا من المجال الفني والإبداعي : "حين نبطل فعل الحواس، نبطل ما يفصلنا عن الجوهر العميق للأشياء. تبدو الحياة آنذاك تآلفا كاملا، ويبدو الإنسان والطبيعة واحدا. في هذا المناخ تقوم العلاقات المباشرة الحية بين الموجودات، ويزول كل ما يفصل الإنسان عن الإنسان، وكل ما يعطل البراءة الأصلية" (ص244) وهذه النظرة المثالية التي تضع العالم الحقيقي داخل الأنا، هي مناقضة تماما لفكرة رامبو عن الأنا التي هي في العالم، وليست الأنا التي تحتوي العالم لأنها مثل بقية الكائنات يمكن للوعي أن يدركها كالشجرة والكرسي والسحاب - "الكون موضوع خارجي عند الأول - أي الغربي، وهو عند الثاني - أي الصوفي - داخلي - هو قلب وسريرة (ص241). ولا شك أن أدونيس يتبنى هذه النظرة الماورائية والسحرية ويدافع عنها في هذه الدراسة عن السريالية والصوفية.
يسعى أدونيس في هذا النص إلى إظهار رامبو في جلباب مشرقي ويضع على رأسه عمامة صوفيّة، ويعتبر أنّ شعره لا يحتوي على أيّ أثر مهمّ للثقافة اليونانية، أو للثقافة "اليهودية - المسيحية"، ويستخلص أنّ تجربته فريدة داخل الثقافة الفرنسية نفسها وغريبة عن الشعر الفرنسي، وأن نصّه المفتوح على عالم التخييل والحلم والغرابة السحرية، يعارض الثقافة الغربية التي تتأسس على العقلانية المنطقية الديكارتية. بالنسبة إلى أدونيس، رامبو يؤكد "ما كانت الصوفية العربية قد أكدته، تجربةً وكتابةً، في كل ما يتّصل، على الأخصّ، بتعطيل فعل الحواسّ بغية الوصول إلى حالة من الشفافية، تخترق كثافة العالم الخارجي المادي إلى شفافيته، بحيث يسمع الشخص ما لا يسمع، ويرى ما لا يرى" (ص 232)، وذلك بالإشارة إلى دعوة رامبو إلى "تشويش وخلخلة الحواس"، والتي ترجمها أدونيس إلى دعوة لـ"تعطيل" الحواس والتي يعبّر عنها رامبو في رسالته المسماة "رسالة الرائي".
ذلك أن الشاعرآرثور رامبو، أدرك بطريقة حدسية حقيقة في غاية الأهمية، أصبحت محل إهتمام الفلسفة والدراسات الفينومينولوجية فيما بعد، وهي تعالي الأنا أو الإيغو وكونه جزء من العالم وكائنا مثل بقية الكائنات ويمكن أن يكون موضوعا لوعيي تماما كالآخر، وذلك في الرسالة المسماة "رسالة الرائي - lettre du voyant " التي كتبها إلى جورج إيزامبارد Georges Izambard في 13 مايو 1871 حيث يقول: "أنا هي آخر. الأسف للخشب الذي يجد نفسه كمانا". وبعد يومين، يردد نفس الفكرة في رسالة مكملة لرسالته الأولى إلى بول ديميني Paul Demeney، قائلا : "لأن أنا هي آخر. إذا استيقظ النحاس بوقا clairon، فليس ذلك خطأ منه. هذا يبدو لي أكيدا : أنا أحضر تفتح تفكيري : أنظر إليه، أستمع إليه". وهي فكرة واضحة تثبت ما قلناه سابقا، الأنا التي تفكر مغايرة للأنا التي تقول أنا أفكر. فالوعي يستطيع أن ينعكس على ذاته ويتأمل نفسه مفكرا. وهذا بطبيعة الحال لا علاقة له بالتفسير الصوفي الذي أراد أدونيس أن يعطيه لهذه الفكرة في النص الذي حاول فيه تعريب وبالتالي تغريب أرثور رامبو.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجرذ المحاصر
- الوعي وال - أنا - المتعالية
- الساحرة
- المعرفة عند الحلاج
- الحلاج
- ليلة الحشيش والبيرة
- النمل وكأس المساء
- المتسكع
- الشاعر الصوفي
- عن القهوة والبطيخ
- الشعر والصوفية
- الأنا والغيرية
- الشك
- تعرية الله
- الوعي وتكوين ال - أنا -
- الحجرة
- رواية -النسخة- لدوستوييفسكي
- عن الإنس والجن
- السرير
- العودة للحياة


المزيد.....




- رحلة عبر الزمن..استكشف الكنور الخفية في العُلا بالسعودية
- شاهد لحظة انتشال ناجٍ من تحت الأنقاض بعد 100 ساعة من زلزال م ...
- Blue Origin تكشف سبب فشل الإطلاق الأول لصاروخها الثقيل
- لوبان عن رد فعل موسكو على الحكم: روسيا تعيد لنا درس الديمقرا ...
- واشنطن توافق على بيع الفلبين 20 مقاتلة -إف 16-
- الولايات المتحدة.. حقائق جديدة تكشف تورط مكتب التحقيقات الفي ...
- الجيش اللبناني يغلق معبرين غير شرعيين مع سوريا
- بعد فضيحة -ذا أتلانتيك-.. والتز متهم باستعمال بريد -جيميل- ا ...
- -معجزة طبية-.. علماء يطورون علاجا يعيد البصر المفقود
- مرشح ترامب لمنصب السفير الأمريكي في لندن يتعهد بإقناع البريط ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - أدونيس وعمامة رامبو