|
راضية النّصراوي/ راهبة النّضال ومصدح الحرّيّة
الطايع الهراغي
الحوار المتمدن-العدد: 7062 - 2021 / 10 / 30 - 01:59
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
عادة سيّئة بكلّ المقاييس، مستفحلة في تونس-والوطن العربيّ عموما -،لا إكرام للمناضل ولا اعتراف بقيمته وهو حيّ يُرزق،والإشادة بمناقبه، بكثير من المبالغة وبشكل مجانيّ بعد وفاته أو تقاعده، مبالغة تحتّمها عقليّة التّكفير عن الذنب، فيفقد "التّكريم" والاعتراف معناه ويصبح أقرب إلى الواجب الثّقيل المشدود إلى لحظة فرضت نفسها فرضا بحكم قانون العادة، كواجب لا بدّ منه تهرّبا من كلّ لوم
1/ لمسة الوفاء لراضية النّصراوي(مفرد في صيغة الجمع)نريدها كسرا لهذه العادة المشؤومة في وقت قد تكون فيه راضية ككلّ مناضل، حسّاس بالضّرورة وبالتّعريف،في حاجة إلى كلمة حقّ ،إلى إعلاء،إلى مساندة معنويّة اعتباريّة بالأساس. مؤازرة راضية ومحيطها[معارفها/ أصدقاؤها/ رفاقها/ عائلتها الموسّعة والمضيّقة] واجب (إن لم يكن ديْـنا) أخلاقيّ وفكريّ وسياسيّ وإنسانيّ .قد( قـد) نخالفها الرّأي، قد لا نشاطرها قناعاتها،ومع ذلك،وربّما لذلك، لا نملك إلاّ أن نُكبر عنادها ونفخر ب"مكابرتها"، بصمودها، بإصرارها على أن تكون هي، راضية النّصراوي لا غيرها . قلّة هم الذين لا تبادلهم آراءهم ومواقعهم ومواقفهم، ولكنّك تجد نفسك في أكثر من محطّة تدافع عمّا عنه يدافعون، وتتخندق حيث يتخندقون. فتجد متعة وجماليّة في مخالفتهم ومشاكستهم والدّفاع عنهم في ما أنتم فيهم مختلفون،وأحيانا على طرفي نقيض. البعض قد نختلف معه في مقارباته وشكل نضاله ومداخله ولكنّنا لا نختلف فيه.وليس الأمر بالسّهل لأنّه يتطلّب مقوّمات ندر من يحوز عليها،وقلّ من يوليها اعتبارا. من جماليّة الاختلاف تولد التّمشّيّات السّليمة وتُصقل،تزهر الأحلام،تتجذّر الرّؤى وتمّحي المسافات. 2/ راضية النّصراوي تصارع المرض كما صارعت لعقود "أمراض" حكم بورقيبة وبن علي والتّرويكات التي جثمت على صدور التّونسيّين كجائحة عضال. مؤازرة راضية موقف تمليه الاعتبارات السّياسيّة والأدبيّة والفكريّة والأخلاقيّة أيضا. هو ديْــن وليس مجرّد واجب. هو ردّ اعتبار لمن اكتوى باختيار وعن قناعة بمتعة الدّفاع عن الآخرين وتبنّى قضاياهم العامّة كقضيّة خاصّة به. فعانق الخاصّ العامّ وبه امتزج وفيه ذاب . كان ذلك أيّام الجمر وليس أيّام نضال الصّدفة المرميّ كمعاني الجاحظ على قارعة الطّريق( مع خالص الاعتذار لشيخ المعتزلة) ومناضلي الصّدفة الذين نزل عليهم الإلهام دفعة واحدة، بعضهم كانوا يجمّلون ما يخجل نظام بن علي من تجميله،وإذا نُعتوا بالقوّادة يجيبون في زهو وتبجّح وخيلاء بما أجاب به بخيل الجاحظ .قالوا له "أنت بخيل" .قال: "لا أعدمني الله هذا الإسم" ، والبعض الآخر كانوا طابورا للتّرويكات، كلّ التّرويكات، باغتهم الوعي باستفحال الفساد وداهمهم الوحي بمخاطر الإسلام السّياسيّ مباشرة بعد ليلة ليست ككلّ اللّيالي،ليلة مقمرة زاهيّة،فُضِّلت على كلّ اللّيالي، ليلة خير من ألف شهر، إنها ليلة القدر: 25جويلية،وتناسوا ما كانوا فيه وعليه من "ضلال" و"تــيه" فاعتنقوا فتوى من كانوا يسبّحون بحمده صباح مساء وأيّام الآحاد والعطل رسميّها وافتراضيّها ولم يتبرّؤوا منه إلاّ عندما تبيّنوا الخيط الأبيض من الخيط الأسود وتيقّنوا أنّ رياحا عاصفة أقعدته، ولسان حالهم يردّد : التّوبة النّصوح، وإن كانت جدّ متأخّرة، كالصّلاة تجبّ ما قبلها،ونحن مع الواقف حتّى لو كان طريّا كمنديل العروس.
3/ الانتصار للمناضلين هو ردّ اعتبار لمن اختار أن يكون صوت التّونسيّ المكتفي رغما عنه بشؤونه اليوميّة والمثقل بالهموم، صوت العاجز عن ترجمة تبرّمه إلى فعل وكلمة وموقف،صوت من رام السّكينة طمعا في أمان أيّام كانت معارضة بورقيبة و صنيعته بن علي مجازفة، أيّام "الشراذم الضّالّة" التي "تصطاد في الماء العكر". تلك الأيّام الحالكات حيث كانت كلمة "لا" مروق عن الصّراط المستقيم وكفر بنِعم الحاكم ومخاطرة يعسر التّكهّن بفداحة عواقبها، أيّام كان المناضل "يحتاج" من يدافع عنه لا ليكسب قضيّته. فذلك أمر شبه مستحيل بل لكي لا يشعر أنّه ريشة في مهبّ الرّياح، لكي يتمثّل قيمة ما ما ركب المخاطر من أجله . راضية "راهبة النّضال" كما سمّتها إحدى صديقاتها، "قدّيس بزيّ مقاتل" (محمود درويش).لقد فرضت نفسها كمناضلة لا كامرأة باعتراف كلّ "الملل"و"النّحل" أصدقاء وأعداء بمن فيهم الحكّام (ويا للمفارقة). إحدى أيقونات الدّفاع عن الحرّيّات الفرديّة والعامّة -وما أقلّهنّ- لمّا كان للكلمة وقع وللنّضال معنى. كلّ شيء بثمن،للنّضال ضريبته وللموقف حسابه العسير، والدّفع بالحاضر وبدون تقسيط. فأن تتبنّى قضايا "النّاس من بلدي" معناه أن تستعدي الحاكم والبوليس والمسؤول المركزيّ ( الوزراء) والجهويّ (الولاّة) و"السّادة" مسؤولي حزب الحاكم (وليس الحزب الحاكم)أيّا كانت مراتبهم،ولِم لا أحزاب الدّيكور التي أجهدت النّفس وتفنّنت في إرضاء "الحاكم" وكان شغلها الشّاغل أن تسوّق لسياسات حزب الدّستور وجنيسه التّجمّع الدّستوريّ الدّيمقراطيّ أكثر ممّا تروّج لسياساتها، وغالبا ما تكون على حسابها؟. 4/ البعد الحقوقيّ واجهة من واجهات [بحكم الاختصاص كونها محامية]،فلراضية صولات وجولات سياسيّة في أكثر من محطّة. يكفي التّذكير بالجراح (أوسمة) التي خلّفتها لها عصيّ جلاوزة بن علي (مارس 2005) في وقفة احتجاجيّة على زيارة مجرم الحرب عدوّ الإنسانية سفّاح الفلسطينيّين شارون إلى تونس بمناسبة قمّة المعلومات، ووقفتها يوم14 جانفي2011 أمام مقـرّ وزارة الدّاخليّة ( رمز الاستبداد كما يترجمه شعار: وزارة الدّاخليّة وزارة إرهابيّة) بيافطة خُــطّ عليها "أطلقوا سراح وطني". قد يفاجئك البعض بملاحظة لا تخلو من غرابة ومن بعض الوجاهة أيضا عن ذلك "الزّمن الجميل"[ لا علاقة له بالحنين إلى الماضي]حيث الفرز أسهل والنّضال أمتع والمزايدات أقلّ استفحالا. وقد يصدمك البعض ممّن تغلبهم الأهواء السّياسيّةء الآن والحين، بمواقف وتعاليق صبيانيّة سياسويّة،لا طعم ولا رائحة، لا موجب لها، ولا محلّ لها من الإعراب .مواقف تغيب وتغيّب فيها الاعتبارات الأخلاقيّة والأدبيّة، لكي لا نتحدّث عن اعتبارات سياسيّة وفكريّة لا نرى من اللّائق الخوض فيها أصلا في هذا المجال، وفي موضوع محدّد و في مسألة بعينها: تمكّن المرض من راضية واستماتتها في الدّفاع عن حقّها في حبّ الحياة ما دام في القلب نبض من الحياة. نقطة إلى السّطر .
5 / راضية النّصراوي يجوز أن يختلف معها البعض، بل قد نختلف معها جميعا . ولكن يُفترض أن لا يختلف فيها أحد. لو كان لي معها اختلاف (وليس خلافا)،أنا الذي في لحظات اختلاء بالذات وفي حساب عسير لها - وليس معها- وقسوة عليها أختلف مع ذاتي وأدينها ، لو كان لي معها اختلاف لتغاضيت عنه بوعي وأجّلته بقرار(هذا اسمه لكلّ مقام مقال، وشعبان ليس قحطان، وعمرو ليس عمر) ولثبّتّ: ما دام لا يجمعني بها غير بعض التّقاطع، ومادمنا على اختلاف في ما حكمت جملة من المعطيات بأن لا يكون إلاّ محلّ اختلاف،أتمنّى لها القدرة على مقاومة المرض بنفس العزيمة التي بها جابهت صلف أعدائها وبعضا من بني جلدتها في قضيّة( قضايا) ليست قضيّتها وحدها، عسى أن تزوّدها محن الأيّام بما يلزم من العناد، سلاحها في مقارعة البؤس والبأس ونكد الزّمن.لراضية كلّ الاعتراف، كلّ الوفاء ،وكلّ الاعتذار عمّا لحقها من أذى من صغار القوم، بعضهم من ذوي القربى.
#الطايع_الهراغي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في نقد اليسار في تونس/جائحة النّقد المنفلت من عقاله
-
النّخبة في تونس/متى تطير السّمرة وتحضر الفكرة؟؟
-
-تونس المريضة حسّا ومعنى-/ عنق الزّجاجة ومرض التّوهّم
-
خصوصيّات التّجربة التّونسيّة وعذاباتها
-
تونس/جوائح الأمّيّة السّياسيّة
-
دفاعا عن الثّورة التّونسيّة / متى نطلّق الأوهام؟؟
-
تونس: مكرالتّاريخ وتشعّب الرّهانات.
-
تونس: -ما هكذا تورد يا سعد الإبل-
-
تونس: شرّ البليّة ما يّضحك وشرّ البلايا ما يهتك
-
النّخبة التّونسيّة وورطة التّاريخ
-
غسّان كنفاني في ذكرى استشهاده / الشّاهد والشّهيد
-
جائحة الكورونات وجوائح الحكومات/ مرض الغباء
-
الشّيــخ إمـــام في ذكرى رحيله السّادسة والعشرين / ما كلّ ال
...
-
الشّهداء يتماوتون ولا يموتون / بعض الانتصارات أشدّ عارا من ا
...
-
إرادة التّحرير في فلسطين / النّظام العربيّ في محكمة التّاريخ
-
- أرض البرتقال الحزين - / - جذور تستعصي على القلع -
-
فلسطين ، إرادة التّحرير/ تهافت الهرولة إلى التّطبيع
-
محمد علي الحامّي في ذكرى وفاته / عِبرٌ واعتبار
-
من لا أرض له لا بحر له ، ولا منفى
-
محنة الإضراب عن التّفكير// جاحة التّراشق بأطباق التّراسل
المزيد.....
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|