|
الظاهرة السارترية ح 10 في الوجودية الواقعية ج1
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 7061 - 2021 / 10 / 29 - 15:11
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
في الوجودية الواقعية أنا موجود كماهية مميزة لها حدودها ونمطها الذي يميزها عن بقية الموجودات بما تحمل مما يسميه سارتر الوجود للذات، هذا الوجود الماهوي أعتبر لاحقا على أنه هو الوجود الجوهري الحقيقي من خلال الوعي بدرجاته من الوعي التشكيكي مرورا بالوعي التأملي ثم الوعي بالحاجة "الرغبة" ثم الوعي بالقرار، وصولا للعمل والتجسيد ليعطي نتيجة لا نقول نهائية ولكنها تحصيلية لهذه السلسلة من التحولات والتبدلات الوجودية، التي لوحدها حق كشف الماهوية ثم أكتشاف الوجود، هذا الخط الوجودي الذي ركز على السارتريون ومن قبلهم البعض من الفلاسفة والمفكرين الذين قالوا بأسبقية الماهية على الوجود ضمن مجموعة من المقولات التي حددت هيكلية الفلسفة الوجودية المعاصرة. نجن لا ننكر حقيقتين أوليتين لتأسيس مفاهيمنا عن الوجود والماهية، الحقيقة الأولى أن وعينا بالأشياء لاحق لوجودنا كذوات قادرة على الوعي طبيعيا وليس من خلال عامل خارجي منفصل، فالوعي هو نتاج الوجود وممارسة الوعي نتيجة أكتشاف الذات له، فالتلازم بين الوعي والوجود تلازم جوهري بدونه لا يمكن أن تكون هناك عملية كشف أو أكتشاف لاحق، النقطة الأخرى أو الحقيقة الثانية أن لا ماهية توصيفية بدون وجود حقيقي مسبق، فلكي يكون الوجود للذات حقيقيا لا بد للوجود بالذات أن يكون قبل ذلك حقيقيا أيضا، فالوجود للذات يخضع بوجوده وعدمه لوجود الوجود بالذات في عملية تلازمية مطلقة، وإلا لا يمكن للعدم الفلسفي أن يكون لذاته لأنه أصلا فاقدا لوجوده بالذات. من هنا ننطلق في ترتيب الأولوية مقدمين السبب أولا على النتيجة والعلة على المعلول وليس العكس، فالوجود بالذات وجود ضروري لما سواه والضروري مقدم على كل ما هو إنعكاس لهذه الضرورة، مهما كانت التبريرات ومهما كانت زاوية النظر حتى لو تعاملنا مع الوجود كمادة طبيعية، فإنها بهذا الوجود المجرد تمتلك سلوكا طبيعيا خاصا بها من خلاله وبه تطور وتكامل مع قوانين النشأة فأوجدت لنا عنصريها الذاتي والهدفي، بمعنى لو أنتزعنا هذا السلوك الطبيعي من أصل المادة لا يمكنها وتحت أي ظرف أن تتطور، فماهية الوجود أصلية لأن الوجود بماهيته والماهية بالوجود في علاقة كاشف ومكشوف. إن التعويل على الوعي في فهم الوجود والذي يتبلور بالماهية التوصيفية أصلا هو نتيجة لما في الوجود من خاصية القوة في ذلك، والوعي لا يصنع خارج دائرة الوجود وإلا عد وعيا فوقيا أو خارجيا طارئا لا أصيل، وكل لا أصيل نتاجه لا أصيل ومحتمل أن يكون شيئا من الوهم أو العدم الوصفي، نحن إذا موجودون لأننا موجودون أصلا وماهيتنا تجلي لهذا الوجود الذي يملك الحس والإدراك وصناعة الوعي، بعمليات تنبع من قانون المادة الوجودي " لا وعي بلا سبب ولا سبب بدون وجود"، هذا القانون يملك من القوة المنطقية ما تجعله أيضا حكما مطلقا بعيدا عن المثالية والميتافيزيقيا التأملية. أعطني وجود قادر على أن يعي بظروفه التكوينية ستجد أن هذا الوجود هو عين ماهيته بلحاظ تعريف الماهية الفلسفية، حتى الإنسان الذي كان محور دراسة سارتر والوجوديين يكشف عن ماهيته من خلال كونه موجود وليس من كونه نظرية، نعم كان الإنسان بذاته وجودا طبيعيا لكن هذا الوجود له ذات الماهية التي يمتلكها الوجود لذاته وبها أكتشف أن ماهيته الجوهرية الحقيقية ليست إلا إكتشاف لوجوده الأول وبه أستعان على أن يكون عنصر مميز، وإلا مثلا ماهية الحيوان هي ذاتها بالوجود وللوجود بالرغم من أنه يعي وجوده بالفطرة والطبيعية لا بالعقل والسعي والإنطلاق، الفرق بين كلا الماهيتين عند الإنسان وعند الحيوان ليست الرغبة والحاجة والإرادة بالوعي، ولكن كون الوجود بذاته للإنسان قادر على أنتاج أنواع متعددة للوجود للذات كونه يملك بالذات القوة على فعل هذا. إذا ليس وجود الوجود بالذات هو نتيجة الوجود للذات ولا الماهية هي من تكتشف الوجود الأول أبدا، حتى في قضية خلق الله للإنسان والتي جاءت في سياق تبرير الماهية على أنها الأصل وحسب فهمنا للمقصد والنص الديني، لا يوجد مطلقا ما يؤيد أن الله خلق الإنسان ككائن بهذا الشكل النهائي دون أن ذلك عبر وجودات مختلفة وعبر تجربة لا تعني أن الله لم يكن له تصورا ما قبل الخلق ولكن أختار في النهاية أحسن تقويم، والأختيار لا بد أن يكون دوما عبر تعدد النماذج، فخلق وجود الإنسان أولا وجعل فيه القدرة على الوعي وإمكانية التطور والقوة على التغيير، هنا وصل الإنسان بوجوده لأحسن تقويم بمعنى بلغ الإنسان بهذه العناصر ما مكنه من تشكيل ماهيته التي أرادها الله أن تكون أحسن تقويم، مع الفرق أن الله خلق الحيوانات بذات الطريقة لكنه لم يمنحها عناصر حسن التقويم، فبقيت هي كما هي وتطور الإنسان بوجوده بالذات. الواقعية في فهم الوجود والماهية تقول أننا وجدنا على النحو الذي فيه ماهيتنا الأصلية التي تمتلك الوعي وتمتلك الإرادة وتمتلك الرغبة في التحرك هو الوجود الحقيقي الجوهري، الذي منه تعددت وتنوعت الماهيات التوصيفية اللاحقة، وجدنا لسبب ولم نوجد لعبث، نعم وجودنا كان وقتيا ومتغيرا ومتحول من شكل لأخر، لكننا لا نسأل عمن منح هذا الوجود تلك الخواص بالذات وللذات، لا بد أن من كون الوجود فعل ذلك، قد يكون الله أو تكون قوانين صنعها الله لا فرق، العلة إذا من التصميم وبالتصميم الأول وليس بما تظهره التصاميم من وجود وماهية متنوعة طالما أنها لا تخرج عن ذلك التصميم النموذج، من ضمن هذا التصميم الكيفي والكوني أننا سنذهب إلى عالم أخر لكنه ليس عدما وليس لا وجود بل الغاية من هذا التحول أن تستمر تجربة الوعي بالتجديد، الوعي الذي يحتاج في كل مرة إلى وعي متطور ومغاير وقابل للإكتساب طالما أن وعيينا الأول لم يعد يتحرك وفق عزم التصميم وألياته الأولى، فالعدمية التي يتخذها البعض بأن وجودنا كونه خارج إرادتنا عدم، والحقيقة إن الإرادة وليد الوعي المحسوس، والوعي وليدة الإدراك بالضرورة، والإدراك وليد وجود ممكن ومتمكن من أن يكون مالكا لمدركات حسية وعقلية، وهذا كله في الوجود بالذات وليس فقط وجودا للذات. العبثية التي ينادي بها البعض على أن وجودنا ليس أكثر من فرصة عابثة تجرنا جبرا إلى خارج مديات الإرادة الفردية في أن نكون وجود حقيقي، هذه نتيجة لا منطقية ولا يمكن قبولها في ظل نظام تكويني مستمر وأزلي وأبدي لا يخطئ، ولو كان خاطئا أو ممكن عليه الخطأ في مرحلة ما سيكون الأرتداد الخطئي ممكن في كل المراحل، وبالتالي سيكون مجرد منظومة غير منضبطة وغير أصلية لا يمكنها أنتاج وجود متكرر بذات الكيفية والكونية، فالوجود ليس عبثيا بقدر ما كان وعي البعض هو عبث، حينما يريد أن يخضع الجزء البعضي فوق الكل التكويني، فلا يحصد إلا نتيجة غير علمية وعملية يفهمها تماما، لكنه ينسبها خطأ للوجود كله لأنه لم يستجيب له كجزء بعضي. الوعي إذا وعي بما في الوجود من أحتمالات وأختلاف في مسالك الوصول للنتائج، فالوعي ليس قالبا ولا نموذجا يمكن إدراكه في أي لحظة، الوعي تجربة من تجارب الوجود في الوجود، أي تجربة الوجود بالذات في داخل إطاره بغض النظر عن قول البعض أن بعض الوعي جاءنا قالبا مسلفنا ونموذجا جاهز، هذا إن وجد أيضا يخضع لتجربة الوعي بالوجود ولا يمكن أن يمر هكذا بلا فحص، ونتاج كل الوعي التجريبي هذا هو مجمل المعرفة الوجودية سواء التي تتعلق بالمثاليات الأخلاق الدين القيم الحب الكراهية الخير والبشر، وأيضا ينتج لنا معرفة بالوجود من داخله من قوانين المادة والطاقة والفيزياء والكيمياء، فما لم يجرب الوعي بذاته لا يمكن أن يقبل به على علاته مع أفتراض أن بعض الوعي خارجي أو فوق ميتا موضوعي.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رواية جان فالجان البغدادي ح المتحف البغدادي 2
-
رواية جان فالجان البغدادي ح المتحف البغدادي 1
-
رواية جان فالجان البغدادي ح الطوبجي
-
رواية جان فالجان البغدادي ح البيروتي
-
الظاهرة السارترية ح9
-
الظاهرة السارترية ح 7
-
الظاهرة السارترية ح 8
-
الطاهرة السارترية ح 6
-
الظاهرة السارترية ح5
-
الظاهرة السارترية ح3
-
الظاهرة السارتية ح4
-
الظاهرة السارترية ح2
-
الظاهرة السارترية ح1
-
مسك الختام
-
وجودية أم طبيعية
-
عبد الله
-
خريف وربيع... الله والإنسان
-
نظرية الشيطان ج2
-
نظرية الشيطان
-
أصطناع العدو .... نظريات وتأريخ
المزيد.....
-
الرسوم الجمركية.. ترامب يعلن تطورًا جديدًا بعد اتصال مع رئيس
...
-
الشرع يتحدث لـ-تلفزيون سوريا- عن معركة إسقاط النظام: خطط لها
...
-
ترامب يفرض رسوماً جمركية إضافية.. فمن الدول المتأثرة وكيف رد
...
-
أحمد الشرع يبدأ أولى زياراته الخارجية إلى السعودية ويؤدي منا
...
-
تبون يتحدث عن شرطه الوحيد للتطبيع مع إسرائيل، ما هو؟
-
نور عريضة تتحدث لترندينغ عن حملتها مع هيفاء وهبي ضد التحرش ا
...
-
-مخاطرة بأمننا-.. شولتس يهاجم المحافظين بسبب تشديد الهجرة
-
حكومة غزة: الاحتلال الإسرائيلي يماطل في تنفيذ البروتوكول الإ
...
-
رئيس الوزراء الكرواتي يعلق على فكرة ترامب حول فرض رسوم على ا
...
-
على خلفية تصريحات ترامب.. غرينلاند تخطط لتشديد قيود التبرعات
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|