|
المترجمون العرب ومتلازمة الأنحياز/ الجزء الثاني
اشواق سلمان حسين
(Ashwaq Salman)
الحوار المتمدن-العدد: 7033 - 2021 / 9 / 29 - 20:09
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
متى سيقتنع العرب إن الله ليس بحاجة للدفاع عنه ؟ ومتى سيجرؤون على وضع الآراء المخالفة لمعتقداتهم وميولهم الفكرية ودياناتهم بين يدي شعوبهم دون خوف او وجل؟ ومن هذا المنطلق نتساءل وعلى سبيل المثال ، لماذا يمنع تدريس نظرية التطور في الكثير من الدول العربية ؟
المتدينون بمختلف دياناتهم يملؤون مشارق الأرض ومغاربها ومن جميع الأعراق والأجناس، لكن العرب تحديداً دون غيرهم هم من يخشون كل ما يخالف دياناتهم وآراءهم بل ويعملون على ايقافه من التسلل بينهم بمختلف الوسائل. كنت قد تطرقت في الجزء الاول من طرحي لموضوع ( المترجمون العرب ومتلازمة الإنحياز) الى ما يقع فيه اغلب المترجمين العرب من مغالطات متعمدة من قبلهم لتزييف الحقائق التي يرون من وجهة نظرهم انها تشكل تهديداً لدياناتهم او مذاهبهم او ما يعتنقونه من افكار ، وقد تناولت في هذا الصدد كتاب ( اكتشاف المسلمين لأوروبا _The Muslim discovery of Europe) لبرنارد لويس ، واليوم سأتناول لنفس الغرض كتاب ( إميل _Emile) لجان جاك روسو ، حيث سأسلط الضوء على التباين والأختلاف بين ترجمتين للكتاب احداها للمترجم (عادل زعيتر) ، والاخرى ل (نظمي لوقا).
قرأت كتاب ( إميل ) في بادئ الأمر بترجمة ( عادل زعيتر ) وهي ترجمة متينة لا يختلف اثنان على براعتها ، رغم اني وجدت ان المترجم قد بالغ بعض الشئ في استخدام بعض المفردات الغير معروفة إلا عند متمرسي القراءة والضليعين في اللغة ، مما يجعل الأسترسال في قراءة الكتاب بطيئا الى حدٍ ما. كان المترجم ( عادل زعيتر ) حتى الصفحات الأخيرة من الكتاب ملتزماً وحريصاً على امانة ترجمته ونقل محتوى الكتاب للقارئ كما أراده المؤلف دون تغيير او تزييف ، وقد اسرني ذلك خاصةً واني كنت قد مررت في قراءاتي السابقة بترجمات اثارت استغرابي في تغيير معاني المفردات على غير ما جاء به المؤلفون ، لكن وللأسف وما ان وصلت للصفحات الأخيرة من الكتاب حتى استوقفتني عبارة كان من غير المعقول ان يستخدمها فيلسوف مثل ( روسو ) ، فليس من المعقول إستخدام عبارات إسلامية بحتة مثل ( الرجال قوامون على النساء ) على لسان فيلسوف مثل روسو ، ولماذا يقلب المترجم قصد ( روسو ) في حث المرأة على احترام الرجل ونأسلمه الى انه قوامة عليها؟ فشتان ما بين المعنيين. لم تكن النسخة الإنجليزية للكتاب بين يدي في حينها ، فرأيت ان ابحث في ترجمات اخرى لأتحقق من تلك العبارة ، فوجدت ترجمة ل ( نظمي لوقا ) ، وكانت ترجمة واضحة بسيطة وخالية من التعقيدات التي تنفر القارئ ، لكن ما لفت انتباهي قبل الشروع في قراءة الكتاب هو عدد صفحاته البالغة ( 351 ) ، في حين ان عدد الصفحات بترجمة ( زعيتر ) هي ( 558 ) يعني ان الفرق ( 207 ) من الصفحات ، وهذا ما اعطاني سبباً آخر غير التحقق من العبارة إياها بأن اقرأ الكتاب من بدايته وللمرة الثانية بترجمة ( لوقا ) ، فوجدت انه قام بحذف اجزاءاً مهمة جداً من الكتاب وهي : *وصية ( روسو ) لصوفيا عروس إميل ، وكانت من اروع الوصايا التي تحث على الإحترام المتبادل بين الزوجين ولم اجد ( روسو ) فيها قد أحط من قدر المرأة ابداً او جعلها خادمة للرجل على حد تعبير المترجم ( نظمي لوقا ) حيث قال في مقدمته : "من المفارقات الطريفة حقاً ان ( روسو ) الشاعر صاحب الحرية في التربية والسياسة ، يرتد سلفياً ، محافظاً ، بل رجعياً حين يتحدث عن المرأة ، فهو لا يرى لها حقاً في تربية كتربية الفتى ، وإنما تربى الفتاة لتكون خادمة للفتى ، تمسح على آلامه ، وتهيئ له حاجاته من ملبسه وطعامه." وهنا اقول لحضرة المترجم ، لا أعرف كيف تناقض نفسك وقد قمت بنفسك بترجمة مخاطبة ( روسو ) للمرأة وهو يوصيها بتربية ابناءها ، فكيف تقول ان ( روسو ) لا يعطي الحق للمرأة بتربية الإبناء في حين انه يخاطبها بما يلي : "اني اتجه إليكِ انتِ بالخطاب ايتها الأُم الحنون ، اسقي هذه النبتة الصغيرة وتعهديها قبل ان تموت ، فيوماً ما ستكون ثمراتها قرة عينك ، وبادري الى إحاطة روح ولدك بحِمى متين" اي تناقض هذا واي حكم قد حكمته على ذلك المسكين ( روسو ) الذي لم يجد الإنصاف لا في عصره ولا من قِبل مترجمين من أمثالك ، وقد وقع كتابه بيديك فلم تكن اميناً ابداً وقد طرحت اعظم ما كتبه ( روسو ) من دون وجه حق ، ومن منحك الرخصة لتحذف وتشطب على مزاجك حروف ( روسو ) الثمينة التي لا تضاهيها ملايين الكتب منك ومن امثالك الذين لن يكونوا امام ( روسو ) إلا مجرد هباء.
*المقطع الآخر الذي حذفه ( لوقا ) هو مقطع لا يستهان به من حديث ( كاهن سافوا ) الذي يتعلق بالدين وهو من اخطر ما جاء في الكتاب وبسببه تعرض ( روسو ) لمحاربة الكنيسة وغضبها وادانتها للكتاب لدرجة انها قامت بحرقه. ولا افهم هذا التصرف من المترجم سوى انه انحياز بكل معنى الكلمة ، فهو بهذا قد البس نفسه وبوضوح عباءة الدين الذي لم يستطع ان ينتزع نفسه منها ، فبدى واضحاً تحيزه لمسيحيته خصوصاً ، وللدين عموماً ، فإن كان هذا المترجم مريضا بمتلازمة الإنحياز ، فلماذا ينشر فيروسات ذلك المرض ، وباذلاً كل جهوده في إستغفال القراء؟
من وجهة نظري فأنا لا انصح ابداً بقراءة الكتاب بترجمة ( نظمي لوقا ) لما فيها من عدم امانة لنقل ما اراده المؤلف ، ولا اعرف متى سيتخلص العرب من عقدة إدخال الدين في كل ما يقع بين ايديهم ، وما اشرت اليه في ما سبق من عدم امانة الكثير من المترجمين العرب في نقل افكار المؤلف ، هو خير دليل على ذلك.
وأليكم بعض من الجزء المحذوف من حديث ( كاهن سافوا ) المطول ، الذي اقتبست منه هذه السطور:
" الشعوب منذ ان عَنَّ لها ان تجعل الرب يتكلم ، جعله كل واحد منها يتكلم وفق ذوقه ، وحمله على قول ما يريد ، ولو استمع الى ما قاله الرب لقلب الإنسان ما وُجد غير دين واحد على الأرض. فالعبادة التي يطلبها الرب هي عبادة القلب ، وتكون هذه على نمطٍ واحد دائماً عند إخلاصها ، ومن الزهو الأخبل ان يتصور ان الله يبالي كثيراً بشكل حُلة القسيس وبنظام الكلمات التي ينطق بها وبالحركات التي يأتيها عند المحراب وبجميع ركعاته. الله يريد ان يُعبد بالروح والصدق وهذا الواجب ملائم لجميع الأديان وجميع البلدان ولكل إنسان. وانظر الى هذا الإختلاف بين النِّحل ( المذاهب او الأديان ) السائدة للأرض والتي تتهم كل واحدة ما سواها بالكذب والضلال ، فأسأل : ( ايها على حق؟) فيجيب كل واحد عن هذا بقوله : ( نِحلتي ) ويقول كل واحد : ( افكر انا وجميع اتباعي تفكيراً صادقاً ، واما الآخرون فكلهم على ضلال ) ، وأسأل ( كيف تعرفون ان نِحلتكم هي التي على الحق؟) وأُجاب عن هذا بكلمة : ( ذلك لأن الله قال هذا ) ، وأسأل : ( ومن يقول ان الله قال هذا؟) ويُقال لي : ( هو قسيسنا الذي يعرف ذلك جيداً ، وهو يقول لنا ان نؤمن هكذا فنؤمن ، وهو يقول مؤكداً إن جميع الذين يقولون غير هذا يكذبون ، فلا نستمع اليهم."
#اشواق_سلمان_حسين (هاشتاغ)
Ashwaq_Salman#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المترجمون العرب ومتلازمة الأنحياز/ الجزء الاول
-
كلنا في الحياة مجانين
-
الأرملة بين اضراس التخاريف ومخالب العادات الأجتماعية.
-
المتعصبون_جنون الإيمان
-
الدين في حدود مجرد العقل
-
هذا هو الإنسان
-
لماذا النشوء والتطور حقيقة؟
-
هل الحب فن؟
-
كانديد ، مراجعة ورؤية فلسفية
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|