أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نهاد ابو غوش - صناعة الإحباط














المزيد.....

صناعة الإحباط


نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)


الحوار المتمدن-العدد: 7024 - 2021 / 9 / 19 - 12:32
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


نهاد أبو غوش
يزدحم جدول أعمالنا الوطني بأحداث مميزة، تثير الرأي العام، فيتفاعل معها المواطن العادي مع المسؤول والأكاديمي، مع الشباب والنساء والشيوخ، الناشط الفاعل والمراقب، الموالي والمعارض، وهذا الأمر بحد ذاته ليس سلبيا بل على العكس يدل على حيوية شارعنا ومجتمعنا الفلسطيني، ومدى اهتمام المواطنين والمواطنات بالشأن العام، وهي ميزة غائبة عن كثير من المجتمعات المتقدمة والنامية على حد سواء.
وقد فتح انتشار الانترنت وأدوات الاتصال الحديثة، ووسائل التواصل الاجتماعي الباب واسعا أمام مشاركة كل الناس والفئات في الإدلاء بآرائهم في الشأن العام، وهي ليست ميزة حسنة فنشجعها ولا هي سيئة فترفضها، ولكنها حقيقة فرضت نفسها وباتت اتجاها إجباريا لنمط الحياة الحديثة ولا يمكن الاستغناء عنه تماما مثل الاختراعات والأجهزة الحديثة التي بات الكل يقتنيها ويعتمد عليها في جُلّ شؤونه.
ما يلفت الانتباه في طريقة تفاعل جمهورنا مع الأحداث، حدّة الآراء وتطرفها وانتقالها السريع من النقيض إلى النقيض، فحادث معين يمكن له أن يرفع معنويات الناس ويرتقي بمزاجها إلى أعلى مستوى ممكن، لكن حادثا معاكسا في الاتجاه يمكن له أن يقلب الصورة تماما. وهذا ما جرى فعليا خلال هبة القدس ومواجهات شهري نيسان وأيار بما في ذلك معركة "سيف القدس" والحرب الرابعة على غزة، وتكرر الأمر عينه مع واقعة الهروب البطولي للأسرى الستة، أو تحررهم الذاتي من سجن جلبوع، فقد وصلت معنوياتنا العامة إلى الذرى مع خبر الهروب، ثم انتكست معنويات بعضنا إلى الحضيض مع توارد أخبار إعادة القبض عل بعضهم.
ولا تقتصر المشكلة على اختلاط الحابل بالنابل، ومساهمة الجميع في التحليل وإبداء الرأي، فهذا حق لهم بالطبع، ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في سهولة تشتيتنا ومُشاغلتنا وإلهائنا، والتلاعب بمواقفنا ومعلوماتنا وبالتالي بآرائنا وسلوكنا. وهذه ليست عملية بريئة على الإطلاق، لأن ثمة جهات معادية لديها خطط وبرامج وموازنات، ومدعومة بوسائل هائلة التأثير من أجهزة استخبارية ووسائل إعلام ، ووسائل تواصل اجتماعي، بل إن لها منافذ ليست متاحة لنا كأفراد ولا كجماعات، للتاثير على الاتجاهات والميل العام لوسائل التواصل هذه والشركات التي تملكها وتديرها مثل (فيسبوك) و(تويتر) و(يوتيوب) وغيرها.
ولا يمكن لجهات التاثير المعادية أن تنفذ إلى مواقفنا وآرائنا، ولا أن تؤثر في توجهاتنا، إلا من خلال الصدوع والشقوق الداخلية التي يتيحها بنياننا الداخلي، السياسي والاجتماعي والثقافي، فعلى سبيل المثال ثمة ميل جارف لقبول الروايات السلبية والمحبطة، مثل رواية الوشاية بمكان الأسرى وما ترتب على هذه الدعايات المغرضة من اتهام صبياني ومتعجل وأرعن لمدينة الناصرة، قلعة الوطنية الفلسطينية عبر تاريخها، مع أنه كان واضحا مسؤولية أبواق الاحتلال عن ترويج هذه الفرية.
وبالتدقيق في الروايات التي رافقت قضية الأسرى نلاحظ أن الروايات الميالة لافتراض السوء رافقت هذه القضية منذ بدايتها، بدءا من الزعم أن الموضوع هو محض مسرحية وفيلم يهدف الاحتلال من ورائه إلى اغتيال الأسرى وتصفيتهم، أو التغطية على أحداث أخرى في غزة أو القدس. بل ثمة من ادعى بهتانا وافتراء أن ثمة خيانة في صفوف الأسرى أنفسهم، وابتدأ مسلسل اللطميات وجلد الذات المعتاد، من خلال الادعاء الذي لا يستند إلى اي أساس، بأن الخونة والجواسيس هم نسبة كبيرة في صفوف الشعب، وأننا لا نستحق وجود مثل هؤلاء الأبطال الستة في صفوفنا، وأن الشهامة والبطولة والفداء انتهت مع إعادة اعتقالهم، وهي ادعاءات ومزاعم تتكرر مع كل عملية باهرة ينفذها أبطال أفراد مثل اشرف نعالوة وعمر أبو ليلى وأحمد جرار وصالح البرغوثي ومنتصر الشلبي وغيرهم.
ثمة أسباب كثيرة لهذه الظاهرة، بعضها يرتبط بالمجتمعات التي تشبه مجتمعنا مثل المجتمعات العربية، وبعضها يرتبط بالمجتمع الفلسطيني، ولعل منها ما يرتبط بخصائص وسمات اجتماعية وثقافية ونفسية. من أسباب هذه الظاهرة ضعف ثقة الناس بالمؤسسات الرسمية، والخطاب الرسمي، ومصادر الأخبار ووسائل الإعلام الرسمية، وضعف ثقة الناس كذلك بالقيادات الرسمية والشعبية، والأطر السياسية، وبالتالي لجوء الناس لمصادرها الخاصة التي تفتح أبواب الخزعبلات ونظريات المؤامرة والإشاعات، التي يستمع لها الناس بشغف، ثم يرددونها كأنها حقيقة.
ومن الأسباب الواجب ذكرها ايضا، تاريخنا الحافل بالهزائم والنكسات والخيبات، حتى أن فئات واسعة باتت تعتقد أن الهزيمة قدرنا المحتوم، أما الانتصارات والإنجازات فهي ليست من اختصاصنا ولا تليق بنا، ولا شك أن المحتلّ يسعى جاهدا إلى تكريس قناعات كهذه لدينا تقرّ بعلوّه وتفوقه، مقابل ضعفنا ودونيتنا وصولا إلى عدم جدارتنا بالحرية والاستقلال.
ثمة ايضا فئات وأفراد وجماعات تمتهن صناعة الإحباط واليأس، وتشغل نفسها بترويج معتقدات من قبيل "كل الناس حرامية، ومعظم الناس خون أو انهم جاهزون لأن يكونوا كذلك" ربما ينشأ ذلك عن عقد نفسية، أو عن تجربة شخصية بائسة، ولكنه أيضا منطق يصدر عمن يسعى لتبرير عيوبه وأخطائه وتسويغ تقاعسه وقعوده وإحجامه عن اي عمل إيجابي، قد تكون هذه الفئة قليلة العدد، ولكنها حقا كبيرة التأثير، لا سيما وأنها تعمل بوعي أو من دون وعي مثل طابور خامس وكامتداد لأدوات الاحتلال فهي تنقل ما يريد الاحتلال نقله وتكريسه في صفوفنا.
مسؤولية صُنّاع الراي العام من إعلاميين ومثقفين كبيرة في صناعة الأمل بدل الإحباط، الأمل المستند إلى الحقائق والوقائع والعلم وليس إلى الخرافة والأوهام، فتاريخنا فيه كثير مما يمكن له أن يشحذ الأمل، ويدحض الأباطيل، ويشق طريق شعبنا نحو الهدف الذي نستحقه دونما ادنى تردد: الحرية والاستقلال.



#نهاد_ابو_غوش (هاشتاغ)       Nihad_Abughosh#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عالم يحكمه الجشع
- ضغوط إسرائيلية خشنة وناعمة لتهبيط سقف المقاومة
- الاستهداف الدائم لغزة ومقاومتها
- عن سبل إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيل دورها
- تحرر أسرى جلبوع يعزز خيار المقاومة (3)
- الأسرى في عيون إسرائيل: اتفاق أوسلو أهملهم (2)
- الأسرى الفلسطينيون في عيون إسرائيل: قتلة مخربون أم طلاب حرية ...
- التذبذب الحاد في مزاج الناس: من النقيض إلى النقيض
- أعظم من خلاص فردي (2)
- أكبر من هروب .. أعظم من خلاص فردي
- يليق بنا الفرح كما تليق بنا الحرية
- في بطولة الهروب الكبير للحرية
- مسيحيو الشرق والتنوير: حالة فلسطين (1)
- الأولوية لترتيب صفوفنا وأوضاعنا الداخلية
- المرأة الفلسطينية والاضطهاد الثلاثي المركب
- الانتهاكات المضاعفة للحريات
- المصالحة الفلسطينية والاستفادة من التجارب الدولية
- المركزية غير الديمقراطية
- جبل البابا
- خيري منصور: ثورة فن المقالة الصحفية


المزيد.....




- وزير الخارجية البولندي لروسيا: أليس لديكم ما يكفي من الأراضي ...
- عباس يحض حماس على تسليم الرهائن وارتفاع عدد قتلى قصف إسرائيل ...
- صحيفة: مسؤولون أوكرانيون يخشون قطع ترامب للمساعدات العسكرية ...
- معطلة منذ أكثر من 10 سنوات.. البرلمان التونسي يسحب مشروع قان ...
- وزير العدل الجزائري: عقوبة المضاربة ستمتد من 30 سنة حتى المؤ ...
- مئات الشاحنات والآليات العسكرية الأمريكية تغادر قواعدها من س ...
- حرائق الغابات تجتاح مشارق القدس والسلطات الإسرائيلية تعلن ال ...
- مراسل RT: ست غارات أمريكية على منطقة آل سالم بمحافظة صعدة
- من -الحسم الكامل- إلى التهدئة المشروطة.. الجيش الإسرائيلي يض ...
- بيان مصري يحدد المسموح لهم بالسفر إلى السعودية ودخول مكة


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نهاد ابو غوش - صناعة الإحباط