أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شكيب كاظم - علي خيون يجوس بمبضعه أدواء ألمجتمع في روايته (بين قلبين)















المزيد.....


علي خيون يجوس بمبضعه أدواء ألمجتمع في روايته (بين قلبين)


شكيب كاظم

الحوار المتمدن-العدد: 7012 - 2021 / 9 / 7 - 11:43
المحور: الادب والفن
    


ينفتح الفضاء الروائي لرواية ( بين قلبين) الصادرة سنة ٢٠١٥ في ضمن سلسلة (سرد)، التي تصدرها دار الشؤون الثقافية العامة ببغداد؛ ينفتح فضاء الرواية على شارع الأميرات، بحي المنصور البغدادي الراقي الأنيق، و(ليلى) ابنة الأستاذ الجامعي (عاهد كمال الدين)، تسير متوجهة نحو بيت (زهير الماجد)، الذي لم تزره منذ مدة طويلة، تتعرض وهي تسير وحيدة في هذا الشارع الهادىء، إلى معاكسات شاب نزق، لا يلبث أن يطلق لسيارته العنان، بعد أن واجه صدوداً، لتنهال الذكريات- وهي في سيرها- بما يشبه الاسترجاع، الذكريات القريبة والبعيدة، منذ أيام الدراسة في كلية الصيدلة، حيث عقد الحب البريىء النقي بين قلبين؛ قلب ليلى وقلب زميلها المؤدب (رياض الأمين)، الذي اغتنم إنهاءه الدراسة وتخرجه صيدلياً، فاصطحب أمه وأخته لدارة الأستاذ الجامعي الدكتور عاهد كمال الدين، المؤرخ، الذي يواجهه بتعال وجفاء، كونه مازال غض العود ليس بمكنته تهيئة عش الزوجية، لكن الأب المثقف دارس التاريخ- مما يؤكد ازدواجية الإنسان، وإن ثمة افتراقا بينا بين المظهر والمخبر-كان يرنو نحو (عصام) نجل الثري زهير الماجد، هذا الأب الوصولي، الأقرب إلى نهج المرابي، جعله الروائي (علي خيون) الذي سيجوس بمبضعه أدواء المجتمع العراقي، جعله يدفع ضريبة باهظة، إذ تتعرض دارته في حي المنصور إلى ضربة جوية، أثناء حرب كانون الثاني ١٩٩١- وما أكثر حروبنا!-تحيل الدار ركاما، ولم يعثر عليه إذ تشظى، سوى العثور على ساعته المربوطة على رسغه!
انهيار منظومة القيم
لقد دأب الكثير من الكتاب والروائيين، على تلافي توجيه النقد لتصرفات الناس، اغلب الناس، مجاملة لهم وهذا قصور فادح في عملية الكتابة التنويرية، التي تعنى بكشف الخطايا الخلقية، من أجل علاجها وتسليط الضوء عليها، لا أن ندس الرأس في الرمال.
الروائي علي خيون يوجه أصابع الاتهام إلى الناس، في محاولة منه لكشف هذا السلوك المجافي لأسس الحياة الرصينة وتعريته، الذين عاثوا فساداً ونهباً وتدميراً وحرقاً لمرافق الحياة في البلد، ما أن رأوا اختلال الأمن، واختفاء القانون والدولة، حتى انقلب (جزاع) الخادم في بيت زهير الماجد، وزوجته (صبرية) اللذين كان زهير وزوجته، يغدقان خيرهما عليهما، ما أن رأوا انفلات الزمام، حتى انقلبا إلى وحشين مفترسين، غادرا منزل زهير الماجد، ليستوليا على أحد البيوت المطلة على شارع أبي نواس، كما سرقا- يعاونهما (عباس) أخو صبرية- البيتَ الحكومي المجاور؛ جارهما الذي غادره حراسه لواذاً وهم يرون الحال الفوضوي، ولم تَسْهَ صبرية وزوجها واخوها حتى عن شبابيك دار الجار! فاقتلعوها، واقتلعوا المرمر والسيراميك الذي يكسو واجهة الدار!
وهذا الرجل الذي سحب من المصرف كل ما يملك، كي يعالج زوجته، يتوجه إلى ليلى في صيدليتها بحي المنصور، يشتري الدواء له ولزوجته، ما أن يغادر الصيدلية حتى يفجعه مرآى الزجاج الجانبي لسيارته المهشم بقسوة، والمبلغ الذي استولى عليه الفاعلون.
(بين قلبين) الرواية التي قسمها علي خيون إلى قسمين، يؤرخ الأول للحياة في بغداد منذ ١٥ تشرين الأول ٢٠٠٢، وحتى التاسع من نيسان ٢٠٠٣وتبخر الدولة العراقية، والثاني الذي شاء علي خيون أن يبدأ به بفاصل سنة؛ أي في ١٥ تشرين الأول ٢٠٠٣ وحتى ٢٠٠٤، واندلاع الفوضى والانفجارات والاغتيالات وظهور الإنسان على حقيقته، لا يرعوي ولا يعف عن ارتكاب أوسخ الدنايا، فهذه (ناهد) ابنة (فاضل) المقاول، الذي شعاره من يتزوج أمه فهو عمه! أما من افِلَ فهو لا يحب الآفلين! والذي يدس نفسه في كل عهد وزمان، فيأخذ ما يشاء بشتى الطرق، ولكل مرحلة طريقها الخاص! وها هو يدس أنفه مع الجدد ويحصل على مقاولات مربحة، إنه كالمنشار! ناهد هذه تتعرف إلى الأستاذ الجامعي الدكتور عاهد، في تلك الحفلة التي أقامها زهير الماجد في دارته، فتوقعه في حبائلها، مشترطة عليه أن يسجل داره باسمها كي ترضى به زوجا، فيذعن الشيخ المسكين لطلبها وتستولي على الدار الفارهة، ناهد الخداعة هذه توقعها شرورها في شرك فاجر آخر عاشرها سفاحا وقتا طويلاً، ولا يقبلها زوجة شرعية إلا إذا سجلت باسمه نصف العقار، الذي ورثته ، لا بل سرقته من ذلك الأستاذ الجامعي.
ويواصل الروائي المبدع علي خيون، كشف أدواء هذا المجتمع الذي حطمته سنوات الديكتاتورية، والحروب طويلة الأمد، والحصار الذي أتى على كل قيمه، والمهم أن رأسه لم يتبخر! ألم يقل مرة وهو يتمشدق في قتال ثلاث وثلاثين دولة: اتبخرنا؟! نعم أنت لم تتبخر، لكن تبخر المجتمع العراقي، وتبخرت قيمه وفضائله!
يواصل الروائي علي خيون، توجيه عدساته المكبرة إلى هذه الأدواء وهذه الخطايا، واقفا عند وصولية ( لميس) ابنة ذلك الضابط الكبير، التي تتعرف في تلك الحفلة التي أقامها- كما ذكرت آنفا- زهير الماجد في دارته الأنيقة الفارهة، تتعرف إلى (أنور) المقدم الطيار؛ ونجل الأستاذ الجامعي عاهد وشقيق ليلى الصيدلانية، ويتقدم لخطبتها، وتشتعل الحرب؛ حرب سنة ١٩٩١، فيؤمر بتنفيذ عملية إنتحارية بطائرته، غير أن طائرته تُسَقط ويقع في براثن القنابل العنقودية، ويخسر يده اليسرى، ويطول عليه الأمد أسيراً، حتى ظن معارفه الظنون، فتغتنمها لميس، لتتعرف إلى (سعيد) إبن فاضل المقاول الذي لا يحب الآفلين! لكن بعد لأي يعود رياض من الأسر ويراها في أحضان هذا السعيد!
لكن من أجل أن يكون العمل الروائي واقعياً، ومقبولاً ومتماهياً مع حقائق الحياة والأشياء، وإن الدنيا ليست دناءة وسقوطا أخلاقيا وانتهازية، بل ثمة جوانب إيجابية ومشرقة، ولولاها لأمست الحياة جحيما، ومن هذه الشخوص الإيجابية ليلى الصيدلانية، على الرغم من تلك الهفوة التي ارتكبتها مع ( عصام)؛ ابن زهير الماجد- الذي عقد عليها شرعا وأضحت زوجته- ضعفت أمام إغراءاته فأسلمت نفسها له، وما درت أن الحرب ستأكله وشيكا، وأمست حياتها كالمعلقة، فلا هي متزوجة وليست مطلقة.
ظلت ليلى نموذجا إيجابيا، تساعد الفقراء في صيدليتها، تحنو على ( نجيبة) أم زوجها عصام، بعد تلك الفاجعة التي حاقت بها، وظلت بسيطة حتى مع الخادمة صبرية
ولأن الحياة أمست لا تطاق، بعد هذا العصف القاتل الذي ضرب الحياة العراقية بعد ٢٠٠٣، فإن الروائي المتألق علي خيون- الذي عرف بأسلوبه المركز ولغته التعبيرية الراقية الجميلة- ولأن ليلى هذا النموذج الإيجابي في الحياة، ما عاد بمكنتها مواصلة الحياة مع هذا الركام المجتمعي، فلا مناص من أن يضع حدا لهذه العذابات، بعد فقد الزوج الحليل، فلا هو أسير ولا هو شهيد، وبعد استحواذ ناهد، ابنة المقاول فاضل ، على دار أبيهم الذي إقترن بها، وبعد تحطم شقيقها أنور المقاتل الطيار، تحطمه جسديا بفقده يده، ونفسيا بفقده خطيبته التي خانته، ما عاد يشدها إلى الحياة شيىء.
تذهب إلى المصرف لاستبدال نقودها القديمة، فتلتقي مصادفة، ولعلها مفارقة؛ تلتقي برياض الأمين، زميلها السابق في كلية الصيدلة، والمتقدم لخطبتها، الذي لم يقبله أبوها لفقره! وقد وَخَطَ الشيبُ شعر مفرقه، رأت ولكن يا لهول ما رأت؛ مجموعة من المسلحين تهاجم سيارة زهير الماجد، الذي جلب- هو الآخر- نقوده القديمة كي يغيرها، تقتله وتسرق نقوده، ثم دوي انفجار هائل يضع حدا لحياة ليلى عاهد كمال الدين.
ويتألق الروائي والقاص العراقي المبدع علي خيون، وهو يصور تهويمات ليلى الأخيرة، منتقلة نحو ذلك العالم الأثيري، الذي ينتقل إليه الإنسان مغادرا حياته الدنيوية نحو اللا أين!
"اقول لكم من عل حيث لا يمكن أن تروني: إنني أموت، لكن موتي حياة!
هدأ المكان تماماً، ولاحظ الجميع أن رجلاً يحمل كيسا من النقود، يدور حول جسد ليلى المسجى في الشارع، تأمل وجهها، وألقى ما في يده مذعورا، وهو يهز يدها بقوة: -ليلى
عندئذ جثا إلى جوارها، وانخرط في البكاء، بينما تطوع عدد من المارة ليقدموا لهما المساعدة الممكنة، وسمع رياض أحدهم يسأله:
- أهي قريبتك؟ هيا، لننقلها بسرعة إلى المستشفى، ما فتئت تتنفس!
كان يتأمل مشدوها، المصحف الصغير الذي لاح لعينيه يتدلى من عنقها.
وتبسم، على الرغم مما هو فيه، لذكرى جميلة، جمعت بين قلبين"ص١٩٨



#شكيب_كاظم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بيت الشعر هذا لم يقله الجواهري الكبير بل قاله عماش
- من التاريخ العراقي الحديث إضراب أواخر آذار ١٩ ...
- الدكتور محمد حسين آل ياسين وبعض توصلاته البحثية
- تناقض بين المَظهَر والمَخبَر سلامة موسى ودعوات للعامية واللا ...
- حق المناقشة
- حق التوضيح والإيضاح الصحافة في عهد عبد الكريم قاسم
- هل بالإمكان أحسن مما كان؟ عبد المجيد لطفي كاتب متشعب الاهتما ...
- حين تتواشج المدن روحا ومعنى جمال العتّابي يقرأ من داخل المكا ...
- رشدي العامل شاعر احترام الذات والرومانسية والقصيدة المكثفة؛ ...
- المُسْتَدْرك على كتاب (حديث الثمانين).. مذكرات الطبيب كمال ا ...
- المفكر عزيز السيد جاسم يدرس العلاقة المعقدة بين المثالية وال ...
- حسب الشيخ جعفر في (الريح تمحو والرمال تتذكر) عودة للذائذ الم ...
- هذا النقد نجيب محفوظ: احترام المنجز والمتلقي
- حديث الأربعاء
- مذكرات مصطفى علي دقة التدوين ونزاهة القول وصراحته
- وثيقة صحفية تعود إلى العام 1957 الصحفي الرائد الأستاذ عادل ع ...
- رزاق إبراهيم حسن.. كاتب المقال الأدبي النقدي
- رسائل التعليقات
- عودة إلى كتاب لم يأفل مع العصور من كتب رواية دون كيخوته.. ثر ...
- (الصخب والعنف) لوليم فوكنر.. رواية الجنوب الأمريكي


المزيد.....




- بعد مسيرة حافلة وجدل كبير.. نجمة كورية شابة تفارق الحياة في ...
- ما الأفلام التي حصدت جوائز البافتا لهذا العام؟
- سفيرة الفلكلور السوداني.. وفاة المطربة آسيا مدني بالقاهرة
- إيهاب الؤاقد :شاعر يقتل الحظ والفوضى !
- الفنان وسام ضياء: الدراما عليها الابتعاد عن المال السياسي وع ...
- لون وذاكرة.. معرض تشكيلي لفناني ذي قار يشارك فيه نحو 60 فنان ...
- إطلاق الدورة الـ14 من جوائز فلسطين للكتاب
- وفاة المطربة آسية مدني مرسال الفلكلور السوداني
- ليلى علوي تخطف الأضواء بالرقص والغناء في حفل نانسي بالقاهرة ...
- -شرفة آدم-.. حسين جلعاد يصدر تأملاته في الوجود والأدب


المزيد.....

- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شكيب كاظم - علي خيون يجوس بمبضعه أدواء ألمجتمع في روايته (بين قلبين)