فاضل خليل
الحوار المتمدن-العدد: 6973 - 2021 / 7 / 29 - 15:05
المحور:
الادب والفن
حين نغالي انحيازا لأمر ما ، وحين ننجذب لفكرة ما حد المبالغة في التزامها ، والانتصار لها ، غالبا ما نسقط بالخطأ ونبتعد عن الصواب .
في قمة سيادة الواقعية في روسيا القيصرية ، وفي قمة انتصار المدرسة الروسية الواقعية في المسرح من خلال نجاح ستانسلافسكي في إدارته لمسرح موسكو الفني . يوم كان لكل فرقة كاتبها الذي تتباهى بمنجزه ، كان مسرح موسكو الفني يتباهى بكاتبه الكبير انطوان تشيخوف . التف الجميع حول منجزه المسرحي ، وكان يوما مشهودا يوم أنجز مسرحيته الشهيرة [ بستان الكرز ] حين التف حولها كل فناني المسرح لإنجازها على أفضل وجه . يوما وأثناء مرحلة القراءة للمسرحية من قبل فريق العمل ، وكان تشيخوف يحضر التمرين ، هب أحد الفنانين الشباب المتحمسين للمؤلف : أنطوان تشيخوف و للواقعية ، مبديا وجهة نظره وتصوراته في كيفية تحقيق الواقع في هذا النص الواقعي – وكيف انه يقترح استخدام باب تراثية كبيرة ، عند فتحها أو غلقها يحصل صريرا يوحي بقدمها ويعطي إيحاءا لا نقاش عليه من الواقعية ، وكيف أن نسيج العنكبوت سيلف المكان من سقوفه حتى أرضه التي تتدلى على حيطانها العناكب ، و .. و .. و... إلى غير ذلك من المقترحات التي تقارب الفن من الحياة ، ولا تجعل الفرق بينهما كبيرا . قاطعه هنا تشيخوف ساخرا مبتسما وهو يسأله :
- هل شاهدت لوحة للرسام الواقعي الكبير كرامسكوي ؟
- نعم ، شاهدت له العديد من الرسومات الواقعية .
- من المؤكد انك لاحظت ، كم هي قريبة من الواقع ؟
- كثيرا ، بل تكاد ، تكون هي الواقع .
- أليس كذلك ؟ لكنها لوحة فنية وليست واقعا . أليس كذلك ؟؟
- صحيح ، تكاد صورة الإنسان فيها تنطق .
- صحيح ، لكنها من المستحيل أن تنطق ، لأن النطق في اللوحة ليس من اختصاص الفنان كرامسكوي . أتدرى لماذا ؟
- طبعا ، لأنها لوحة وليست الحياة الحقيقية .
- تماما .. مثلما لا يمكننا قطع أنف حقيقي لأنسان ، كي نلصقه أنفا لوجه إنسان اللوحة . هل يمكننا ذلك ؟
- لا طبعا .
- أتدري لماذا ؟
- لماذا ؟؟
- لأننا سوف نشوه الإنسان بقطع أنفه ، مثلما نشوه اللوحة بابتعادها عن لغة الفن فيها ... فالفن فن ... والحياة حياة .
وهكذا فأن المغالاة في الانحياز لأية قضية قد تشوه المسعى وتبتعد عن الحقيقة وتعطي ما نريد في غير وجهه الذي أردناه له . وهذا بعيد وليس في صالح التوجهات مهما كانت صحيحة . فاقتطاع الأصل سيشوه الأصل والصورة .
#فاضل_خليل (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟