سعيدي المولودي
الحوار المتمدن-العدد: 6927 - 2021 / 6 / 13 - 17:50
المحور:
الادب والفن
( في رحيل الشاعر الكبير: سعدي يوسف)
وحيدا يتقد، غريبا، فجأة ينطفئ صوته في المرفأ البعيد، لم يعرف غير الطريق المكللة بالعواصف والخطو الموشى بلون الأرض، والبلاد كلما اقترب من ظلها انتأت، ولا يبقى غير الجراح تغطي ملامحه القانية التي تسكنها أعشاب" ابو الخصيب" المرصعة بالدموع...
الأخضر بن يوسف يلتف بطوق النسيان، في منعطف الدرب الموازي، ويبدأ ركضه المترع نحو الشمس، ولا أحد يراه، يده الواحدة المغرقة في الصراخ تخترق موج الجدران وتملأ بوح الرايات المهزومة كأوراق الشجر، يشرع اليبس في إيواء الماء ويتهاوى حلم النهر في لبلاب من هباء..
لم تعد للأخضر بن يوسف مشاغله.
كل العواصم تتداعى والطقوس المسائية انهارت والمنزل الريفي من أرباض لندن عاد قفرا، يساومه الرماد..
لا قهوة بعد الآن في الصباح
المتوحد يتقدم في لجة الفراغ،
الليل حق كما الموت حق،
والأخضر رفيق الضباب يودع الجميع.
منذ زمان ، والشيوعي الأخير يستقل القطار، قطار الضواحي والمنافي، لم يكن في العراق، أو في دمشق أو في عدن أو القاهرة أو بيروت حيث تنقض الصواريخ أو سيدي بلعباس أو باريس.، ولم يكن له باب ليطرقه أو شباك لينظر فيه، أو مرآة ليسافر في نورها.. استكملت الدنيا مغالقها، والممر إلى الطريق بلا رفيق..
ما أطول الحياة...
لم يفكر الشيوعي الأخير قليلا إلى أين يذهب، كل شيء كان هامدا تحت ضوء المحطة..
ما أجمل السفر
ما أجمل الرحلة
جنة المنسيات حيث المأوى للجميع..
في البصرة اليوم رايات سود، والشيوعي الأخير كان قرر ألا يدخلها إلا تحت الراية الحمراء، ومازال صداه يتردد في وحشة الأرجاء:
أنا: البصرة. بيتي ونخلتي.
أنا: هذا الفرات. النهر والفخر.
أنا: بغداد. الجدار الأخير.
والليل أطبق، ولا أحد بعد اليوم يقول: صباح الخير.
لم يعد في الحياة متسع للحياة، والشيوعي الأخير يدخل ظلمة الموت في ريف لندن، يغمض عينيه، واثقا من دمعته الأخيرة:
(قل لأهلي: بين دجلة والفرات، هناك اسم واحد
هو ما ظللت لأجله، أبدا أغامر
هو أول الأسماء
آخرها
وأعظمها
وما يصل الحمادة بالسماء:
هو العراق الأول...)
#سعيدي_المولودي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟