|
ديوان تقاسيم على وتر القوافي مشرف محمد بشارات
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 6909 - 2021 / 5 / 25 - 19:13
المحور:
الادب والفن
بعض الشعراء يمليون أن أن يكون موضوع/فكرة الديوان واحدة، ومنهم من يعمل على الإبحار في أكثر من موضوع، محاولا أن يقدم للمتلقي كل خبرته ومعرفته الشعرية في ديوانه، وديوان "تقاسيم على وتر القوافي" من هذه الدواوين، فالشاعر "مشرف محمد بشارات" يعمل جاهدا على أمتاع القارئ، من خلال تقديم أكثر من موضوع وأكثر من شكل.من هنا سنأخذ بعض النماذج لهذا التشكيل والتنوع في الديوان، ونبدأ بالهم الوطني الفلسطيني، يقول في قصيدة "سنرجع يا فلسطين": "عقود سبعة مرت وجرح الأرض لا يشفى فمن جرح إلى جرح ومن منفى إلى منفى متى يا أمتي نصحو ونمحو الذل والزيفا ويرجع كل من رحلوا إلى بيسان أو حيفا ويرحل كل من حملوا إلينا الموت والعنفا محال أننا ننسى بلادا تعجز الوصفا هنا يا هنا عكا هنا صفد هنا يافا بطيب العيش نشفى" ص19، إذا ما توقفنا عند فاتحة القصيدة نجد الشاعر يكثف فكرة الألم ويختزلها في البيت الأول، عندما تحدث عن رقم سبعة الذي يأخذنا إلى فكرة الاستمرار والديمومة الطويلة، كما أن تكراره للفظ "جرح" ثلاثة مرات أكد على فكرة الوجع وعلى استدامته، وكأنه من خلال الأرقام سبعة وثلاثة (المقدسة) والدائمة يريد أن يتحدث إلى حجم المأساة التي حلت واستدامت على الفلسطيني، ونلاحظ تكرار لفظ "منفى"، وهذا أيضا منسجم مع واقع المأساة الفلسطينية التي بدأت في عام 1947 واكتملت في عام 1967، فالمنفى بدأء منهما، وهذا ما يجعل فاتحة القصيدة أعمق مما يظهر على السطح، حيث يتجاوز المضمون/الفكرة والجرح العادي إلى ما هو أبعد وأعمق. بعدها يدخلنا الشاعر إلى المعركة وما فيها من صراع، ليس من خلال الفكرة التي يطرحها فحسب، بل من خلال الألفاظ المجردة أيضا، فالمتلقي يصل إلى أن هناك صراع من خلال: "نصحو ونمحو/الذل الزيفا، يرجع/رحلوا/يرحلوا" فهو يتحدث بتناسق عن مرحلة التحرير التي تبدأ "نصحوا" من سباتنا، ثم "نمحوا" ما أحدثه المحتل من خراب، بعدها يرجع من "رحلوا" من وطنهم كرها وغصبا، "ويرحل" ما أتى ليقتل ويهجر الأمنين من عكا وصفد يافا، وبهذا تكون طريقة تقديم (الأحداث/الأفعال) متناسقة ومنسجمة مع مراحل التحرير. وإذا ما توقفنا عند القصيدة نجد الشاعر يستخدم البحر القصير، وهذا ما جعل القصيدة بعيدة عن الشرح والأستفاضة بالحديث عن التفاصيل ، فقد وظف كل كلمة في القصيدة لتكون في مكانها الصحيح، وهذا يأخذ القارئ إلى فكرة القصيدة، الوجع والمنفى الفلسطيني الذي وصل إلى الذروة ولم يعد يحتمل أكثر، فكان لا بد من الاختصار والتكثيف فلم يعد هناك مجال للشرح والخوض في تفاصيل من المفترض أن تكون معروفة للمتلقين. أهم أداة للشاعر هي اللغة، فهي من تجعله شاعرا، وهي من تمنحه الفرح وتخفف عليه من وطأة الواقع القاسي، فالشاعر دون كتابة/لغة يمسى شخصا عاديا، ولا يستطيع أن يبدع أو يتألق، لهذا يهتم الشعراء بالكتابة، كحال المرأة والطبيعة والتمرد، في هذا الديوان يقدم الشاعر "مشرف محمد بشارات" أكثر من قصيدة عن الكتابة واللغة والشعر والشعراء، منها قصيدة "لغة الضاد": "ضاد تضيء على مدى الزمان ضاد يحار بوصفها الثقلان ضاهت لغات العالمين جميعها وأضاء وجه الكون بالقرآن صف الجميع على مناهل مائها والماء عذب بلاغة وبيان ضرب من الأوهام وصف جمالها لغة الكتاب وآية الرحمن ضاع الخليل ببحرها وعروضها وأطل بالألوان والأوزان ضاقت (بسبويه) آية نحوها النحت والإعراب مسألتنان ضمت لها بين اللغات سيداة إذ كان ميزها عظيم الشأن ضرغامها وهزبرها أو ليثها أسد تلونها صنوف معان ضرب المهند تلونها صنوف معان سيف يضيء بقبضة الفرسان" ص36، نلاحظ أن الشاعر يركز على حرف الضاد ليس من خلال فكرة القصيدة فحسب، بل من خلال ألألفاظ أيضا: "تضيء، ضاهت، أضاء، ضرب(مكررة)، ضاع، ضاقت، ضمت، ضرغامها" وما يحسب له تقديم نماذج حية على عظمة اللغة العربية من خلال: "ضرغامها، وهزبرها، ليثها، أسد،" "المهند، سيف" ونلاحظ أنه يقدم نماذج قوية وليست أفعالا عادية، فهو لم يتناول مثلا الألفاظ المتعلقة بالجلوس/القعود وما شابه، وهذا يخدم فكرة قوة لغة الضاد. وإذا ما توقفنا عند القصيدة نجد الشاعر يفتتحها بألفاظ بيضاء: "تضيء، ضاهت، أضاء" وقد أقرنها أيضا بتفاصيل ناعمة وجميلة: "الزمان، العالمين، بالقرآن، الماء، عذب، بلاغة، بيان" وهذا يفتحز القارئ على التعرف/التقدم من هذا البهاء المتعلق بلغة الضاد، بعدها يدخلنا إلى بعض من ساهموا "الخليل، سبيويه" في أكتشاف أهمية وميزة لغة الضاد وممن ساهموا في (شرح قوانينيها)، ومن ثم يقدم لنا نماذج حية تؤكد على ميزتها وجمالها من خلال تعدد الألفاظ التي تواكب كل مرحلة/حالة من الحالات. وبهذا تكون طريقة التقديم منسجمة مع الفكرة والألفاظ والمعاني، فبدا بنيانها مرصوص ومتين، ولا يمكن أن يكون فيه أية عيوب. الشعراء هم فلاسفة الزمان وحكماء العصر، لهذا نجدهم يهتمون بما هو أعمق/أبعد من مجرد الحديث عن مشكلة ما، في قصبدة " القلب السليم" يقدم الشاعر رؤيته للحياة قائلا: " إذا ضاقت بلاد الله يوما وأدمى سهمها قلب الكريم فلا تجزع فذا دأب الليالي ولا تقطع فذا دأب اللئيم وطن الخير في كل النوايا فإن الخير في القلب السليم
فإن يرموك في سهم عظيم فلا يرمى سوى الهدف العظيم تظن سماحة الأحرار ضعفا ويحسب علة صبر الحليم وما عرفوا بأن النفس ترقى بفعل الخير والحب المقيم" ص71، سنتجاوز عن الفكرة التي تحملها الأبيات، ونركز على علاقة الألفاظ بالفكرة، ففي النهي الأول "تجزع، تقطع" اقرن بالله، فبدا المقطع (ديني/مقدس) متماثل مع ما يطرح (الدين) في موضوع الصبر والجلد. في المقطع الثاني والذي يتحدث عن الوطن، نجد تكرار للفظ "الخير" والذي اقرن بألفاظ بيضاء "القلب، السليم" فبدا جمال البيت من الداخل/الألفاظ والخارج/الفكرة. أما المقطع الثالث فنجده متناسق ومتكامل، (تكرار) يرموك/يرمي، عظيم، العظيم" وتكامل بين "الهدف/سهم". أما المقطع الرابع فقد كان التداخل بين الألفاظ الناعمة والقاسية: "سماحة/ضعفا، علة/الحليم" تشير إلى وجود (صراع/مشكلة)، وعندما ختمها بألفاظ بيضاء "عرفوا، ترقى، الخير، الحب، المقيم" أكد على النتيجة الهادئة والجميلة التي يوصل إليها "السمح/السماحة". وبهذا يصل المتلقي إلى الفكرة من خلال مضمون القصيدة، ومن خلال توقفه عند الألفاظ المجردة. الديوان من منشورات وزارة الثقافة الفلسطينية، الطبعة الأولى 2021.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التعدد والوحدة في رواية -وشهقت القرية بالسر- تبارك الياسين
-
الاسطورة والواقع في قصيدة -هنا غزة ... بتوقيت الدماء- هيثم ج
...
-
ثنائية الواحدة في قصائد محمد عياف العموض، وجيه مسعود، كميل أ
...
-
فلسطين العادية والمتمردة في -فلسطين- واثق العبدالله
-
التألق في ديوان -أنا نهم- أحمد العارضة
-
كيف تم قتلي سعيد يوسف حج علي عودة
-
رواية يعقوبيل ناصر قواسمي
-
التضحية وجمالية تقديمها أحمد حسيان
-
عناصر الفرح في -عبرت الطريق- عبد السلام عطاري
-
الأدب والأحداث الميدانية -صاروخ تاه- وجيه مسعود
-
الأمنية وأثرها في قصيدة -رُبّما سوفَ نرجِعُ عمّا قريبٍ- كميل
...
-
الدهشة في مجموعة -ماذا لو- سمير الشريف
-
معضلة السفر في كتاب -حرية مؤقتة- ناصر عطا الله
-
الصور والتشكيل في ديوان -منسي على الرف- عامر بدران
-
صوت المرأة في رواية -أنثى- ديانا الشناوي
-
التناسق في قصيدة - أدرّب القلب - جراح علاونة-
-
اللغة في ديوان -صيحة الحنظل- سليمان الحزين
-
شجاع الصفدي زلة منام
-
قصة -قراءة من وراء الزجاج- نزهة الرملاوي
-
عز الدين المناصرة ديوان قمر جرش كان حزينا
المزيد.....
-
المفكر التونسي الطاهر لبيب: سيقول العرب يوما أُكلنا يوم أُكل
...
-
بعد مسيرة حافلة وجدل كبير.. نجمة كورية شابة تفارق الحياة في
...
-
ما الأفلام التي حصدت جوائز البافتا لهذا العام؟
-
سفيرة الفلكلور السوداني.. وفاة المطربة آسيا مدني بالقاهرة
-
إيهاب الؤاقد :شاعر يقتل الحظ والفوضى !
-
الفنان وسام ضياء: الدراما عليها الابتعاد عن المال السياسي وع
...
-
لون وذاكرة.. معرض تشكيلي لفناني ذي قار يشارك فيه نحو 60 فنان
...
-
إطلاق الدورة الـ14 من جوائز فلسطين للكتاب
-
وفاة المطربة آسية مدني مرسال الفلكلور السوداني
-
ليلى علوي تخطف الأضواء بالرقص والغناء في حفل نانسي بالقاهرة
...
المزيد.....
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
المزيد.....
|