أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى المنعوعي - سيكولوجية الشخصية الرئيسة في الرواية -رجل لا اثر له يسكنني- للكاتب أحمد بطاح .















المزيد.....

سيكولوجية الشخصية الرئيسة في الرواية -رجل لا اثر له يسكنني- للكاتب أحمد بطاح .


مصطفى المنعوعي

الحوار المتمدن-العدد: 6856 - 2021 / 4 / 1 - 00:37
المحور: الادب والفن
    


سيكولوجية الشخصية الرئيسة في الرواية
"رجل لا اثر له يسكنني" للكاتب أحمد بطاح .


إذا كانت الشخصيات متغيرة في أدوارها الاجتماعية، ومتحولة في ترابطاتها الثقافية، وضرورية في إنشاء مسار الأحداث، فإن مشيئة الكاتب قد تجعلها ثابتة في أدوارها وفي مكانتها، غير أن كاتب الرواية اختار السكون في الادوار لكل الشخصيات، والتغير النفسي للمسكونة بالرجل الذي لا أثر له، فهي متقلبة في وعيها (فقدان الذاكرة) ومتقلبة في لا وعيها (البحث عن الرجل الذي لا أثرله)، قد أضفى على الرواية بعدا سيكولوجيا، وبهذا الصدد تحمل الرواية تصورا سيكولوجيا حول الأنا والآخر، فكل مسافة بينهما في الرواية مسكونة بالوعي من خلال البحث عن الذات واللاوعي من خلال من يسكنها (الرجل الذي لا أثر له)، لذلك ظلت الشخصيات ثابتة في أدوارها وظلت هي متقلبة.
كل تأويل محتمل يستطيع أن يخرج به القارئ يكون ممكنا عندما تتفاعل الشخصيات وتتكاثف الأحداث راسمة خارطة طريق حول الرهانات التي فكر فيها الكاتب وهو يكتب، ( ماذا يريد؟) والتي فكر بها عندما أنهى ما كتب،(المرجعية المؤطرة ) لأن رواية ( رجل لا أثر له يسكنني) لا تتجه بالقارئ نحو تأويل وحيد وحاسم، وهذا يحتاج إلى معرفة التوقف المؤقت الذي كان يعيشه الكاتب مع روايته (الحالات النفسية و ليس الذهنية)، يتوقف ثم يستمر في فعل الكتابة عن شخصية محور علاقاتها البحث عن مخرج لأزمة نفسية، فيضفي مسألة سيكولوجية على مسار الأحداث، أن الرواية في حقيقة الأمر مشحونة بحمولة سيكولوجية، فالمسافة بين الاستمرارية والقطيعة برهة من الزمن كفيلة بأن تجعل المكتوب مفكرا فيه مادام التوقف المؤقت يعكس الحالات النفسية المتقلبة عن المكتوب عنها.
رغم أن مسار الأحداث يتجه نحو فقدان من لا أثر له، إلا أن عملية البحث معكوسة لا تظهر معالمها إلا عندما يكون البحث عن الذات أساس الازمة، فعندما فشلت الشخصية الرئيسية في حياتها، بفعل تقلبها نجح هو في تمرير رهان مركب المخرجات ينم عن الأنا المسكونة بأثرها أكثر مما هي المسكونة بغيرها "لا أثر له".
إذا لم يستطع الكاتب إذن أن يترك قارئه في صراع مع ذاته، من أجل أن يستوعب تعدد المخرجات فإن مقروءه لن يرفع القارئ إلى مستوى المساءلة، وهي بالنسبة لي مساءلة ذواتنا لا مساءلة ذاته.
حينما يكون أيضا بين المقروء والقارئ صوت حاضر لا يموت بقدر ما يتجدد حضوره داخل كل فقرة في المقروء، فإن حضوره واجب على القارئ لا ليدافع الأول عن رهاناته أو لتبرير اختياراته، بل لأنه أخرج نصه في النهاية ولا يبقى النص كما أخرجه، لذلك فالنص لا يقتضي بموت المؤلف سوى تجدد في معنى النص، مادام لا نص موضوعي ومستقل يبوح به بحيث أن كاتبه تركه، وهذا ما يدفع القارئ كما يقول بارث إما أن يتواطأ معه أو أن يتواطأ عليه.
إذا أخذنا بعين الاعتبار أن هذه الكتابة الروائية كتقنية للتخلص من وهم حقيقة الشخصية-سيكولوجيا- أدركنا مفتاحا نحو البحث عن الخفي في الرواية، أي البحث عن الأنا في"ميسون" بدل البحث عن الاخر "محمد عالي" أو "عزيز" فيه. وبالتالي البحث عن أشياء لا يفهمها الآخر لأن المبحوث عنه في حقيقة الأمر هو الأنا .
جدير بالذكر أن النص لا يكتب بمجهود ذهني فقط، بل بفعل الانفعالات النفيسة والإيماءات الرمزية التي تفعل فينا ما لا يفعله الذهن –اننا نقرأ /نكتب بأجسادها أيضا- والملاحظ في الرواية، نظرا لتوقف المستمر ربما عن الكتابة والعودة اليها يفرض على الذهن كما على الجسد -فوظائفهما متداخلة في فعل الكتابة -أدراك المغزى من اختيار تلك النهاية لشخصية المسكونة بمن لا أثر له والمسكونة بأثر فهمها لذاتها. إن سيكولوجية الشخصية (المكتوب) هي ما يتحكم في سيكولوجية الكاتب، فظل الترميز حليفهما.
لتوضيح ذلك لابد من الغوص في التجربة الداخلية للكتابة بألمها ولذاتها، فعندما يصف الكاتب الشخصيات (شكلها، أدوارها، مكانتها)، يثير فينا استفهامات حول الشخصية المسكونة بالرجل الذي لا أثر له، حيث لا تظهر قوتها إلا عندما تكون أقسى على نفسها، وليس على غيرها.
هكذا هي الشخصية التي يسكنها رجل لا أثر له، بالرغم من أن الرواية تفتح على المسكونة بالأثر أكثر من مصير، هل يسكنها " شخصية عزيز أوشخصية محمد عالي"؟ أم يسكناها معا ؟ أو لا يسكناها أصلاأي هل تسكنها ذاتها أكثر من غيرها؟
إن الرواية فعلت(تشديد العين )معادلة سيكولوجية حول موضوع البحث عن الأنا المتمثلة في الذاكرة، وحول ثنائية البحث بين المصرح به "البحث عن الرجل الذي لا أثر له والمضمر البحث عن الذات"، إذ يمكن أن نرفع في هذه المعادلة المجهول حتى يصبح معلوما، فما تركته شخصية ميسون من ارتباك نفسي لذاتها، أدى الى تقلبات في نفسيتها، وهذا ما يجعل الكاتب يدمج تصورا متمثلا في العقدة البيرومية عند المحلل النفسي لاكان: ( الخيالي، الرمزي، الواقعي) حاضرة في الشخصية التي تبحث عن الزوج "الواقعي في الشخصية" و تضمر البحث عن العاشق " الخيالي " وتبحث عن ذاتها " الرمزي".
فكلما تداخل الخيالي بالواقعي عند الشخصية الأولى أصبح الرهان الحقيقي مدفون في وعيه، وهو الذي كتب تحت انفعالات سيكولوجية مررت شخصية قوية مضمونا و ضعيفة شكلا، أي أنها قوية مع/على ذاتها، لكنها ضعيفة أمام غيرها.
هل يمكن أن يكون المغزى السيكولوجي قادر على جعل المكتوب بمثابة المكان الوحيد الذي يحاول الكاتب أن يسكنه وأن يعيش فيه لحظة من الزمن؟ فهذه الشخصية القوية في ذاكرتها، هي من يفقدها، هل يلامس الجنون عبقريتها أو ان الرجوع الى الطفلة فيها حتى تمارس عفويتها أهم من بحثها عن من لا أثر له ، لان السكون الحميمي يتمثل في حقيقة الامر عندا تقوم الذات بتطفيل سلوكها ؟

أنا لشخصية الأساسية، وهذا ما أسعى إلى تفكيكه، ميسون الممزقة أحاسيسها بين الرجلين، لم تكن كذلك لولا المعاناة النفسية التي تجعل من تاريخ شخصيتها، تاريخ قطائع عن الذات" الرمزي" واستمرارية العلاقة مع الغير "خيالية واقعية"، إذ أن أول نكبة أعدها لها الزمن كفيلة بجعل نهايتها تراجيدية، فالشخصية ميسون مستقلة وعاشقة بالمعنى الرمزي" عشق المعرفة المرتبطة بعلم النفس تحديدا " وعاشقة أيضا بالمعنى الخيالي " البحث عن تاريخ شخصيتها، عن الذكريات" ، فهي تحاول البحث عن الزوج فلا تجد إلا العاشق، هكذا تدخل الذات في مفارقة الدائرة حيث نقطة البداية فيها هي النهاية ( التداخل بين الواقعي و الخيالي في الدائرة البيرومية عند لاكان)، حتى ظلت الشخصية متبوعة بأثر رجلين، أي أصبحت شخصيات في ذات واحدة كلما ابتعدت عن ذاتها و هذه واقعيتها ( تشديد الياء)، وشخصية واحدة كلما اقتربت من نفسها وهذه رمزيها( تشديد الياء).
فهي تحس بنفسها كما لو أنها لا تفكرعندما توجد بقرب من "شخصية عزيز" وتفكر كما لو أنها لا تحس عندما تبحث عن الزوج "شخصية محمد عالي"، يصبح التفكير مصدر قلقها حينما لا تجد الزوج، ويصبح الإحساس مصدر ألمها حينما تجد العاشق، وبالتالي مصير حياتها مرهونة بالزوج المبحوث عنه، وبالعاشق الباحث عنها، فمسار الاحداث يدفع بمصير الشخصية نحو حافة الجنون، لان عملية البحث الأولى هي البحث عن ذاتها وعن علاقة حميمية معها أولا.
يتوقف الكاتب عند قوة ذكائها في حواراتها الثقافية والفكرية التي أدارتها مع الشخصيات ( ضابط الشرطة، عزيز..)، ليعكس عادة غير مألوفة ثقافيا داخل المجتمع الصحراوي، فعندما تفتنك المرأة بعقلها قبل جسدها-حسب التصوير الروائي- و تجد من يخاطب قلقها،و تجد من يتواصل معها بمضمون معرفيقبل أن يفتن بشكلها، قادر على امتلاكها، و هنا يقلب عادة المجتمع على رأسه و يعكس تصورا خارج العقلية الذكورية بالمجتمع الذي يقدم الجسم على الفكر، غير أنها في الرواية شخصية تعرف الثنائية الديكارتية بين الفكر والجسد من خلال دراستها للفلسفة الغربية. لكنها تظل حبيسة العقدة البيرومية لدى التحليل النفسي، أي أن الرمزي " التفوق، الاطلاع، البحث عن المعرفة..." يظل أقل انعكاسا عليها، حيثما سقطت في دائرة العقدة فإن الرمزي هو ذاتها المفقودة، وبالتالي ينبغي البحث عن المفقود فيها لا المفقود عنها.
هل ظل الاشكال العالق في باطن النص محوره الانا (البحث عن الذاكرة) أو محوره الغير (الباحث المتخصص في الذاكرة)؟
في حقيقة الامر لا تبحثميسون سوى عن نفسها و عن أثر ذاتها عليها، اثر التداخل بين الخيالي والرمزي في دائرة وعيها،( وهنا أعتقد أن الكاتب استخدم أدوات التحليل السيكولوجي وطبقه على الشخصية). أن ما يهمنا هو الدمج المفتعل بين البعد السيكولوجي والبعد الادبي في الرواية، حيث ذهبت الأحداث باتجاه عملية البحث بطريقة مركبة: المبحوث عنه "محمد عالي" يصبح باحثا عنها، لكن دلالة التعقيد السيكولوجي في الرواية يتمثل في كونه باحثا متخصصا في الذاكرة التي هي تبحث عنها في الأصل، يبدو أن الكاتب أراد منحنى ذو دلالة سيكولوجية لشخصيته الرئيسية.
لنتأمل العلاقات التي جمعتها بشخصيات ذكورية " محمد علي، عزيز، حميد" و على اختلاف أدوارهم ومكانتهم فان التركيبات الذهنية الذكورية احتملت العقلية التحررية للمرأة وانبهرت بها، فتجد "ميسون" مدركة لما يسعى اليه :شخصية عزيز كما مع شخصية حميد، لكن المألوف الذكوري يصطدم بالمفعول الثقافي الذي يميز شخصيتها كامرأة مثقفة تحاول تكوين ذاتها باستمرار، هكذا يضعنا أمام استثناء أنثوي في المجتمع الصحراوي ، يدفع بالترميز ( البحث عن الانا أكثر من البحث عن الغير) إلى جعل التصور السيكولوجي المتمثل في :
إن الرجل الذي لا يسكن الذاكرة لا أثر له، وليس هناك رجل يسكنها لا أثر له، لأن الذاكرة مسكونة بالأنا قبل الآخر، فالمتأمل للحوارات في الرواية التي تتحدث عن جدلية الوجود المشترك بينهما، فتجعل كل علاقة حميمية ممكنة فاشلة، أما العلاقة الناجحة_ هذا هو المفقود واقعيا لا رمزيا في شخصية الرواية_ هي العلاقة الحميمية مع الأنا.
يصطدم الرجل الذي لا أثر له بامرأة ذو تكوين ثقافي واسعة ( تتكلم بلغتين و تفكر بمرجعيتين عربية و غربية) تحبس أنفاس الهيمنة الذكورية بفضل تكوينها و المفعول الفكري و الثقافي الذي ميزها، غير أنها تستوعب أنها مملوكة لمعايير المجتمع أكثر من كونها مالكة لنفسها، لا تتحكم في نفسها مادام الغير يقلب موازين شخصيتها( لاحظ تقلبها مع عزيز)، فالمجتمع الذي لا يقيم وزنا للمرأة إلا من خلال جسدها، غالبا ما تقوم ضده وتنتفض عليه سرعان ما تستسلم لطقوسه وهيمنته أو تساعد على ذلك في كثير من الأحيان، وميسون استثناءا كما هو ملاحظ إذا أسقطنا شخصيتها على المجتمع المفروض أنه يكتب عليه.
فمعركة البحث أثارت مسارا مزدوجا ، كما قلت انفا، فهي باحثة (عن الزوج) و مبحوث عنها (العاشق)، بحيث كان الحظ ضدها لا معها كلما ارتمت في وجود مشترك لا في الوجود الذاتي الحميمي، وبما إنها شخصية مثقلة بحمولة ثقافية تجعلها منفصلة عن القواعد الاجتماعية إلا أنها ظلت بجانب المعايير والضوابط الاجتماعية، وهكذا ظلت الشخصية مجادلة لنفسها ( عندما تتحدث مع ذاتها) أكثر مما هي محاورة لغيرها،لأنها تبحث في دواخلها عن ذاتها، فتكون أكثر جدلا مع الذات، ولو أنها تحاور غيرها.
أراد الكاتب أن يمارس نوعا من القطيعة مع تاريخ شخصيتها، أي أن يقطع مع لا وعيها في حقيقة الأمر "الخيالي" لا مع وعيها "الواقعي" حتى أسفر عن حل للمعادلة النفسية المتمثلة في البحث عن توازن الذات الذي لا يتحقق الا عندما تبحث عن نفسها "الرمزي"، لكن الرواية لا توضح ماذا وقع عندما أخبرها زوجها أن اسمها مريم وليس ميسون ؟ فكيف لها أن لا تعرف نفسها حتى يعرفها الآخر لها؟
هل هي فعلا صدمة الحادثة أم صدمة الأثر؟
يتركنا الكاتب أمام لغز يدور حوله موضوع الذاكرة " الأحلام، الوعي، الواقع، المخابرات، التخصص في التحليل النفسي..."، بمعنى أوضح يضعنا أمام تاريخ شخصية، أمام تقلبات في الشخصية، فإذا جمعنا فيها البحث "عن المعرفة أولا و البحث عن الزوج ثانيا والبحث عن الذكريات الجامعية ثالثا" أدركنا أن تقلبها في بعدها عن ذاتها وهو ما يرمز إليه الكاتب على المستوى السيكولوجي. لأن أهم ما لم تبحث عنه إلا ترميزا هي معرفة حقيقة الأنا، فالأنا بالنسبة لها غامضة لكما صوبنا رحلة السفر داخلها.
ما الدافع الذي جعل الكاتب يتخذ هذه النهاية لمرأة ذات تكوين ثقافي ومسؤولة وواعية بمسؤولياتها أن تفقد ذاكرتها، وكان من المفروض أن تكون مثالا ونموذجا يجر نحو نهاية مفهومة؟
لقد جسدت الحوارات التي أدارتها حول السيكولوجية في مساحة الرواية مكانةمهمة وبالضبط تلك المرتبطة بالتحليل النفسي، فمكانة هذا التخصص العلمي في الرواية مقصود، يتمثل حول قضية الذاكرة "المتخصص فيها مبحوث عنه بسبب التخصص، والباحثة عنه فاقدة للذاكرة"، يمكن إذن إيجاد همزة وصل بين البحث عن الذات والبحث عن الآخر، فالرواية تضعنا أمام البحث عن الأنا ، بدل البحث عن الآخر الذي يسكنها كما هو ظاهر في الأحداث، لأن قلب فعل السكون يبرر المعادلة سيكولوجيا، فالخفي هو البحث عن الذاكرة، والانا بشكل عام، وليس البحث عن من لا أثر له.
ومما يثير الدهشة أن شخصية ميسون بمثابة ذوات في شخصية واحدة "ميسون قبل الحادثة، مريم بعد الحادثة "، تتشخصن في أحضان الغير ويتم تعبئتها بأدوار متعددة كلما ابتعدت عن نفسها "الخيالي، الواقعي"، بالمقابل من ذلك فكلما اقتربت من ذاتها إلا و أدركت حقيقتها "الرمزي" ، فالرواية تقدم لنا رجلا لا أثرله هو المبحوث عنه بفعل كونه باحثا متخصصا في الذاكرة(شخصية محمد عالي) والرجل المترسخ في مكان الذاكرة " شخصية عزيز" الباحث عنها، هذا البحث الخارجي، جعل ميسون تبتعد عن ذاتها.
إذا ما لاحظنا أن الشخصية الأولى في الرواية فقدت الذاكرة، والشخصية الثانية متخصصة فيها، أدركنا أن من كان في الذاكرة هو المفقود فيها لا عنها، وبالتالي تنعكس الرواية على رهانها ويصبح من الممكن القول إن الشخصية الرئيسة فقدت ذاتها وأصبح السكون السيكولوجي حليفها، وأصبح العنوان مقلوبا " امرأة لا أثر لها تسكنني" لأن أناها أولى بأن تسكن (الضمة على التاء) والتي دام البحث عنها معلقا في رمزية شخصيتها.
لقد صورتها الاحداث بالباحثة عن الزوج المتخصص في الذاكرة و أصبحت هي بدونها، مما يجعل سؤالا مشروعا حول أهمية الحمولة السيكولوجية التي يريد الكاتب أن يضمرعنها، فالمدخل مزدوج يتأسس على مقصود الرواية الأدبي رجل لا أثر له يسكنني ويتأسس على بعد سيكولوجي امرأة فقدت عقلها تسكنهما " محمد علي، عزيز" ولا تسكن نفسها، لأن المجهول ( البحث عن الأنا) ظل ترميزا والمعلوم في الرواية ظل واقعيا ( البحث عن من لا أثر له) .
هل كل هذا الألم سببه الذاكرة أم فقدانها؟ هل عملية التذكر هي محرك الأثر أم غياب هذه العملية هو المحرك الفعلي ؟
تتسارع الاحداث و تتصارع المرجعيات داخل الوقائع عندما خص الكاتب هذه الشخصية بمعادلة سيكولوجية تتداخل فيها مستويات الدائرة البيرومية ليضمر أثرها السيكولوجي في شخصيتها .
اقتضى الامر أن ننتظر لفك الشخصية و تفكيك عناصرها حتى نهاية الرواية( فقدان الذاكرة) لنفهم هذا التشابك الحاصل الذي يجعل ميسون تبدأ حياتها من نقطة في الدائرة حتى تنتهي عند نفس النقطة، لأن كل عمليات التغير بدأت من تأثير الخيالي "ذكريات الماضي" و الواقعي عليها" البحث عن الزوج"، في حين ظل الرمزي " البحث عن المعرفة، عن الذات..." ثابتا وأساسيا في جذب الشخصية نحو التعاطف معها، رغم النهاية المأساوية .
إن شخصية ميسون في الرواية كسيدة اختفى زوجها عنها و التزمت بالواجب الأخلاقي من خلال البحث عنه، لم تدخل عملية البحث حتى تسقط في الذكريات، وبالتالي تجعل عملية التذكر حاضرها ماضيا، وهكذا يكون الكاتب قد وضع رجلين لا أثر لهما بدل رجل واحدقادر على إخراجها من عزلتها مع ذاتها الى علاقات مستمرة مع رجل في الماضي يحضر صدفة ويدوم حضوره فيها، ورجل غائب لم يحضر إلا بعد فقدان الذاكرة.
أين هي الأنا إذن، في ظل هذا الترامي عن خارجها؟ هكذا هو شكل الدائرة لا تدري ما نقطة البداية فيها ولا نقطة النهاية؟
لكن تستطيع البحث عن نفسها بدل البحث عن الغير، فمادامت نتيجة البحث عن الاخر تؤدي الى فقدان الهوية، فان البحث عن الذات هوما يرسخها .
ذ. مصطفى المنعوعي



#مصطفى_المنعوعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الحلقة الاولى مترجمة : متي يعرض مسلسل عثمان الجزء السادس الح ...
- مهرجان أفينيون المسرحي: اللغة العربية ضيفة الشرف في نسخة الع ...
- أصيلة تناقش دور الخبرة في التمييز بين الأصلي والمزيف في سوق ...
- محاولة اغتيال ترامب، مسرحية ام واقع؟ مواقع التواصل تحكم..
- الجليلة وأنّتها الشعرية!
- نزل اغنية البندورة الحمرا.. تردد قناة طيور الجنه الجديد 2024 ...
- الشاب المصفوع من -محمد رمضان- يعلق على اعتذار الفنان له (فيد ...
- رأي.. سامية عايش تكتب لـCNN: فيلم -نورة- مقاربة بين البداوة ...
- ماذا نريد.. الحضارة أم منتجاتها؟
- 77 دار نشر ونحو 600 ضيف في معرض مكتبة الإسكندرية للكتاب


المزيد.....

- الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة / محمد الهلالي
- أسواق الحقيقة / محمد الهلالي
- نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح ... / روباش عليمة
- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى المنعوعي - سيكولوجية الشخصية الرئيسة في الرواية -رجل لا اثر له يسكنني- للكاتب أحمد بطاح .