|
نشوء دولة اليعاربة
سعد سوسه
الحوار المتمدن-العدد: 6834 - 2021 / 3 / 7 - 16:48
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
موقع عمان وأهميته : تقع عمان في اقصى جنوب شرقي الجزيرة العربية ، تحيطها البحار من جهات ثلاث : الجنوبية والشرقية والشمالية ، وتطوقها صحراء الربع الخالي من جهتها الغربية، وتمتد سلاسل جبال الحجاز موازية للساحل ، فتقسمها على قسمين : (الباطنة) وهي منطقة الساحل ، و(الظاهرة) وهي المنطقة الداخلية ( 1 ) . ولموقع عمان اهمية بالغة ، اثر بقوة في سير احداثها التاريخية وتحديد موقعها السياسي( 2 ) . فقد ادت موانئ الساحل العماني دورا كبيرا في تجارة المحيط الهندي (الهند-شرق افريقيا –البحر الاحمر) ، فموقعها على مدخل الخليج العربي جعلها الوسيط المفضل للتجارة بين الشرق والغرب ، فضلا عن تجارة الخليج نفسه ( 3 ) . الامامة الاباضية اهم محرك لتاريخ عمان : والى جانب الموقع ، كان انتشار الاباضية (ترجع الاباضية باصولها الاولى للعراق زمن عبد الله بن اباض (127-132هـ) والذي اشتهر بخروجه على عبد الملك بن مروان الاموي، لكن الخروج الفعلي على شكل ثورة حدث زمن مروان الثاني،) ( 4 ) . في عمان محركا مهما لتاريخها و(الاباضية) فرقة معتدلة من فرق الخوارج تختلف عن الفرق الخارجية المتطرفة الاخرى في نواح عدة منها : انهم لا يعدون المسلم غير الخارجي (مشركا) لذا فهم يرفضون القتل لاسباب دينية ، فعرفوا بالتسامح ( 5 ) . ومن الناحية السياسية فهم لا يعدون وجود الامامة امرا اساسيا لا مفر منه ، اذ يمكن الاستغناء عنها في حال قيام ظروف غير ملائمة ، وهو ما يسميه الاباضيون(الكتمان) . وفي هذه المرحلة ، عندما لا يقوى الاباضيون على اعلان الامامة او الافصاح عن ارائهم ومبادئهم ، يقومون بالدعوة الى مذهبهم سرا ، لذا فان هذه المرحلة تمثل ادنى مراحل الضعف وبسببه تلجأ الدعوة الى (الكتمان) لبناء نفسها والاستعداد لمرحلة(الظهور) . ويعود تقرير امر الانتقال من مرحلة الكتمان الى مرحلة الظهور الى مشايخ القطر . ازدهرت الدعوة الاباضية في عُمان منذ منتصف القرن الثامن الميلادي ، وانتخب الجندي بن مسعود اول امام فيها حوالي عام(749)أو (750) ، وبدأ الاباضيون يحكمون وفق ما يسمونها (امامة الظهور) (عندما يكون الاباضيون قادرون على قهر عدوهم، يصبح اعلان الامامة فرضاً واجباً ، وينتخب واحد منهم يعرف بـ(امام الظهور ) او (امام البيعة) ، ينظر : غانم العجيلي ، قيام سلالة اليعاربة ، ص28-29، ويجب ان يكون المرشح للامامة فقيهأ تقياً ، يعرف بعد الانتخاب بـ(الامام العالم) ، ولكن في حالات طارئة ، حين تكون البلاد معرضة للخطر الجسيم ، يرجع الى الذين يتمتعون بمؤهلات عسكرية ومقدرة قيادية واضحة ، ويسمى في هذه الحالة (امام الشراة) ، أي : التضحية ، يفسره قولهم "شريناانفسنا لدين الله، فنحن الشراة" أي: بيع الدنيا لقاء اجر الاخرة ، او شراء الاخرة بالدنيا ، ولهذا فان المنتخب ملزم بالمثابرة والجهاد الديني والسياسي حتى الموت) ( 6 ) . وساد المذهب الاباضي لدى الازد اكبر قبائل عمان . وطبقا للعقيدة الاباضية ، يتم اختيار الامام عن طريق اجتماع اهل الحل والعقد من العلماء والفقهاء وكبار الشيوخ ، حيث يجتمعون في جلسة تحاط بالسرية ، وبعد المداولة والتمحيص يعلنون اختيار من اجتمعت الاراء على اختياره ( 7 ) .
التفكك الداخلي والصراع بين الامامة والنبهانيين : ظلت ممارسة انتخاب الامام تسير ، بلا انقطاع مدة اربعة قرون ، لتتوقف قرابة القرنين من الزمان ، سيطر أثناءها النبهانيون (ينتمي بنو نبهان الى قبيلة العتيك العربية الازدية العمانية العريقة ، التي ينتمي لفروعها المهلب بن ابي صفرة القائد العماني الذي قضى على غلو ابن الازرق ) ( 8 ) . على السلطة ، ليواجهوا سلسلة من الثورات الاباضية التي اسفرت عن بعث الامامة من جديد بداية النصف الاول من القرن التاسع الهجري - النصف الاول من القرن الخامس عشر الميلادي ( 9 ) . لذا فان عهد بني نبهان يمثل مرحلة في تاريخ عمان احتجبت فيها الامامة ، ويميل المؤرخون الى استخدام كلمة (ملوك) لوصف حكام الدولة النبهانية ، ليثبتوا انفصال نظامها عن الزعامة الروحية التي تمثلها الامامة لدى الاباضيين الذين هم غالبية سكان عمان ، تعاقب حكم النبهانيين على البلاد لمدة تقارب خمسة قرون ، ومر بمرحلتين ، عرفت الاولى بعهد النباهنة الاوائل واستمرت اربعمائة سنة ، وعرفت الثانية بعهد النباهنة المتأخرين وعانت عمان خلالها مصاعب مختلفة ، اوهنت البلاد ، وادخلتها في حالة من الانقسام والفوضى العارمة ، واستنادا الى وصف المؤرخين العمانيين فانها مرحلة مظلمة من تاريخ بلدهم ، عانى العلماء فيها من اضطهاد مخيف ، فاحرقت الكتب ، وضيق على النشاطات الدينية والتربوية ، وتعرض العمانيون لانواع مختلفة من القمع ، وصودرت الممتلكات والاراضي ، مما أرغم بعض القبائل على الانتقال الى داخل البلاد ، او الهرب منها (10 ) ، وانغمس ملوك بني نبهان المتأخرين في حياة الترف والبذخ والملذات ، وتركوا امور البلاد تغرق في فوضى داخلية ادت الى تدهور خطير . مثل النبهانيون نظاما سياسيا دنيويا ، وهو اسلوب يتناقضُ مع التقاليد الاباضية القائمة على اختيار الائمة الذين اتصفوا بالزهد والتقشف ، وعدم احتكار أي قبيلة او اسرة الحكم لنفسها بالوراثة ، اذ اتخذ النبهانيون اسلوب الوراثة الملكي الذي واجه معارضة العُمانيين ، وابرز تحدٍ واجهته عمان في عهدهم ، هو افتقارها الى حكومة مركزية قوية تستطيعُ فرض وجودها على البلاد ، وفي اوائل القرن الخامس عشر الميلادي اشتدت المعارضة لسلطة النبهانيين ، وحققت نجاحا واضحا ، تمثل بانتخاب الحواري بن مالك (1406-1435) اماما في نزوى (نزوى) : مدينة مهمة من مدن عمان ، يبلغ ارتفاعها عن سطح البحر نحو (1900) قدم ، انظر : ابو سليمان المعولي ، قصص واخبار جرت في عمان) وعلى الرغم من عجز الامام الجديد عن بسط سيطرته على ارجاء عمان ، والاطاحة بحكم النبهانيين ، الذين تركز وجودهم في عاصمتهم بهلا (بهلا) : احدى مدن المنطقة الداخلية ، تقع غرب نزوى ، وهي مشهورة بصناعة الفخار)، كان عهده استهلالا بشر بقرب عودة الشرعية ، اذ تحقق بعض الاستقرار لاجزاء مهمة من مناطق الظاهرة ، وفي عهد الامام محمد بن اسماعيل (1500-1535) ، انكمشت سلطة النبهانيين ، لتقتصر على بهلا والرستاق ((الرستاق) : مدينة قديمة ، يعود تاريخها الى ما قبل الاسلام ، وبها قلعة مشهورة تقع في منطقة الحجر الغربي . المعولي)، بعد ان تمكن ملك هرمز(برزت دولة هرمز كأهم منطقة لتجميع السلع التجارية أواخر القرن الثالث عشر الميلادي ، وظلت خاضعة لعدة سنوات للاسر التي كانت تحكم في كرمان الفارسية ، الا انها استغلت الاضطرابات التي اعقبت الغزو المغولي الفارسي ، واخذت باتباع سياسة اكثر استقلالية ، وسرعان ما مدّ حكامها سيطرتهم على قلهات وغيرها من مدن ساحل عمان ، ويمكن تحديد المدة ما بين عامي ، 1270 و1507 ، مرحلة خضوع ساحل عمان لهرمز) من بسط هيمنته على ساحل الباطنة، التي مارسها عن طريق تابعين له ، اتخذوا مراكز لهم في قلهات (قلهات مدينة تقع عن الساحل الشرقي بين صور وسيوى او طيوى)، ومسقط (مسقط ويطلق عليها اسم الكوت المغولي)، . المصادر ( ) 1 . لوريمر ، ح.ج. دليل الخليج ، القسم الجغرافي ، ج1 ، ترجمة : مكتب الترجمة بديوان امير قطر ، الدوحة، ص 80-81 . ( ) 2 . من تاريخ الخليج العربي ، سلسلة ثقافية عسكرية تشرف على اصدراها الكلية العسكرية ، بغداد ، 1972 ، ص76-77 . ( ) 3 . شوقي عبد القوي عثمان ، تجارة المحيط الهندي في عصر السيادة الاسلامية ، الكويت ، 1990 ، ص176-177 . ( ) 4 . عائشة السيار، دولة اليعاربة في عمان وشرق افريقيا، ط1، دار القدس، بيروت، 1975، ص106-127. ( ) 5 . صالح العابد ، دور القواسم في الخليج العربي ، 1747-1820 ، بغداد ، مطبعة العاني ، 1976 ، ص38؛. ( ). 6 . دينا محمد الادهمي ، الاوضاع السياسية في الخليج العربي في ظل التسلط البرتغالي 1515-1650، رسالة ماجستير ، كلية الاداب – بغداد ، 2002، ص101 . ( ) 7 . مصطفى عقيل الخطيب ، التنافس الدولي في الخليج العربي 1622-1763، المكتبة العصرية ، بيروت ، 1981 ، ص110 ( ) 8 . وزارة الاعلام – سلطنة عمان ، عمان في التاريخ ، لندن ، دار اميل للنشر ، 1995، ص166. ( ) 9 . جمال زكريا قاسم ، الاصول التاريخية لقضية عمان ، المجلة التاريخية المصرية ، م12 ، 1964-1965، ص168-169. ( )10 . حسين عبيد غباش ، عمان الديمقراطية الاسلامية ، ترجمة : انطوان حمصي ، ط1 ، بيروت ، دار الجديد ، 1997 ، ص89 .
#سعد_سوسه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مفهوم المادية
-
سياسة بريطانيا ومواقف المؤسسة الدينية من التطورات السياسية ا
...
-
قران المسلمين
-
دور بريطانيا في قرار الحكومة العراقية بنفي علماء المؤسسة الد
...
-
دور بريطانيا في قرار الحكومة العراقية بنفي علماء المؤسسة الد
...
-
سياسة بريطانيا تجاه موقف المؤسسة الدينية من انتخابات المجلس
...
-
سياسة بريطانيا تجاه موقف المؤسسة الدينية من المعاهدات العراق
...
-
سياسة بريطانيا تجاه موقف المؤسسة الدينية من تتويج فيصل ملكاً
...
-
سياسة بريطانيا تجاه موقف المؤسسة الدينية من تتويج فيصل ملكاً
...
-
الجذور الاجتماعية والفكرية لعلماء المؤسسة الدينية السنية في
...
-
الجذور الاجتماعية والفكرية لعلماء المؤسسة الدينية السنية في
...
-
الجذور الاجتماعية والفكرية لعلماء المؤسسة الدينية السنية في
...
-
الجذور الاجتماعية والفكرية لعلماء المؤسسة الدينية السنية في
...
-
سياسة بريطانيا تجاه موقف المؤسسة الدينية من قضية النصولي :
-
الجذور الاجتماعية والفكرية لعلماء المؤسسة الدينية الشيعة في
...
-
الجذور الاجتماعية والفكرية لعلماء المؤسسة الدينية الشيعة في
...
-
الجذور الاجتماعية والفكرية لعلماء المؤسسة الدينية الشيعة في
...
-
سياسة بريطانيا تجاه موقف المؤسسة الدينية من تمرد الاثوريون
-
سياسة بريطانيا تجاه موقف المؤسسة الدينية من التجنيد الإجباري
...
-
محاولات الإدارة البريطانية احتواء ولاء المؤسسة الدينية
المزيد.....
-
الكونغو الديمقراطية: غوما تحت سيطرة المسلحين … دمار ونهب وال
...
-
قولوا وداعًا لأمريكا.. ترامب يُعيد تهديد مجموعة -بريكس- إذا
...
-
الخارجية الروسية: إجراءات شطب -طالبان- من قائمة الإرهاب مستم
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن شن غارات على أهداف لـ-حزب الله- في الب
...
-
بريدنيستروفيه ومولدوفا تتفقان على خطة أولية لتوريد الغاز
-
أبرز مواصفات الهاتف الجديد من -Nothing-
-
اكتشاف بكتيريا خطيرة في بعض منتجات الدجاج التي تورد إلى روسي
...
-
-فينشينزو.. رجل المافيا-.. عدالة العصابات وتهجير السكان لاست
...
-
العبور من الثورة إلى الدولة في سوريا
-
سعيّد يمدد حالة الطوارئ في تونس حتى نهاية العام
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|