جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)
الحوار المتمدن-العدد: 6815 - 2021 / 2 / 16 - 11:54
المحور:
الادب والفن
مضى عهد الجامعة كحلم عابر .. كان لكريم فيه صولات ، وجولات في داخل الجامعة ، وخارجها قبل ان يتعرف على زميلته سامية ، ويرتبطون بعلاقة عاطفية شبه مستقرة انتهت بزواج ناجح .. لولا غيرتها المفرطة ، وتصيّدها للفلتات والشوارد .. لم تأت غيرتها على زوجها الوسيم كريم من فراغ ، فتعدد علاقاته العاطفية قد نزعت عنه الثقة ، وولدت هاجساً من الشك ، وعدم الثقة لدى زوجته مما عكر على حياتهم استقرارها .. لم ينجو كريم نفسه من المنغصات ، ولم يحظى بأي نوع من السكينة في علاقته معها ! حتى ساءت الامور في اكثر من مناسبة … !
راودته فكرة الانفصال أكثر من مرة ، وبدءْ حياة جديدة مع أمرأة أخرى ، لكن حبه لها ، وخوفه من ان لا يكون البديل افضل .. منعه من ارتكاب مثل هذه الحماقة ، ربما الغيرة هذه التي تنغص عليهم حياتهم يحسده عليها الكثير من الازواج الذين يعانون من برود مشاعر زوجاتهم ، ولامبالاتهن .. لذلك قرر ان يُكمل مشوار حياته معها حتى النهاية .. آملاً في اصلاحها يوماً ما … !
يأتي كريم من عمله ، تنتظره سامية حتى يذهب الى قيلولته ، وتبدء في تفتيش ملابسه بدقة ، تشمها ان كان فيها عطر نسائي مثلاً ، وكأنها تبحث عن دليل لجريمة افتراضية موجودة في هاجسها المرضي فقط .. تتسلل خلسةً ، وتخطف موبايله ، وتفتش فيه ، وعندما وضع شيفرة عليه اعترضت ، واتهمته بأن لديه سراً يحاول اخفاءه ، او ربما شيئاً يخجل منه ، فأضطر المسكين ان يلغي التشفير مجاراةً لجنونها … !
استخدم معها كل الطرق ، ولم ينجح في واحدة منها ، وكانت هذه هي المحاولة الأخيرة :
يقول مهدداً : هل تدرين حبيبتي انني كنت عاقلا اكثر مما ينبغي ، وبحاجة الى لمسة من التهور والجنون .. ؟
ماذا تقصد .. ؟ يبدو عليها القلق ، والحيرة …
أشعر بأنني متهم في كل الاحوال ، فلماذا لا افعلها ، فانا في الحالتين مُدان ، خلاص .. مُدان بفعل .. افضل من مُدان بدون فعل ولا ذنب ، اليس كذلك ، سومتي ؟ يُكمل : شكك هذا يمكن ان اشبهه بأشجار تنبت في الارض دون بذور ، اي لا اصل لها .. تجيبه بنصف سخرية : تكلم بالعربي رجاءً ، وبدون فلسفة .. !
يرد : طيب ، شكك هذا يوقظ في داخلي كل مكامن الجنون التي كنت عليها قبل الزواج ، وربما يدفعني يوماً الى ممارسته .. لماذا في اعتقادك خُلق الجنون اذن ؟ اتدرين .. العقل لم يعد نافعاً في هذا الزمان ! أعتقد مفهوم وواضح !
تصمت .. وكأنها تستعيد كلامه الخطير هذا ، وتدوّره في ذهنها .. ينتظر دقيقة حتى تستقر كلماته في وعيها ، ثم يعاجلها : خذي وقتك حبيبتي .. فكري جيدا فيما قلت ، وأنا في الانتظار .. !
يأتي المساء .. يجلسون على التلفزيون بعد ان نام الاطفال .. في سهرة رومانسيه بريئة .. يشاهدون فيها فلماً عاطفياً ، وهي في كامل زينتها .. ترتدي فستان ضيق يكاد ينطق بتفاصيل جسدها .. رائحة عطرها كهبة نسيم منعشة ، تبدو مثل زهرة متألقة .. تجلس اقرب ما تكون اليه .. يسيل لعابه .. يقرب وجهه نحوها ، تبعده برقة .. يتبادلان ضحكات هادئة ، ويدور حوارهم في همس حتى لا يوقظا الاطفال ، والحب يرفرف حولهم ، ومداعبات من طرفه لترطيب الاجواء .. تُقبله على خده ، وتتملص من مداعباته بغنج .. لاحظ انها منذ بداية السهرة ، وهي تبدو مشغولة الفكر ، وتنظر له نظرات غريبة يفهمها جيداً .. لقد أعتاد على قراءة ملامحها ، وحتى افكارها .. حاول مداعبتها لامتصاص توترها ليصفو الجو وتمر السهرة بسلام .. ! فجأةً ينفرج فمها عن ابتسامة غامضة ، ثم تبادره ، ونبرة السخرية واضحة في صوتها :
حبيبي كرومي .. من هو عباس ؟
بُوغت بالسؤال فعلاً ..
أي عباس هذا .. ؟ يكمل : حبيبتي ، لماذا تفسدين علينا بهجة اللحظة وجمالها .. ؟
ترد : لا تجاوب على سؤال بسؤال .. تريد كسب الوقت حظرتك حتى تهيئ عذر من اعذارك الجاهزة تضحك به على الغبيه سامية .. يهمهم بينه وبين نفسه : الحمد لله.. اخيرا عرفتْ هذه الحقيقة .. !
بماذا تبرطم .. ؟
يجيبها وهو يزفر زفرة طويلة ساخنة .. في اشارة لنفاذ صبره : احسني اختيار الفاظك رجاءً .. !
أمسك الاثنان عن الكلام .. توتر الجو ، وتجمعت السحب .. يعقبها صمت بارد .. يقول في نفسه مداريا ضيقه : يبدو ان كلامي كان مجرد صرخة في البرية ! وإن تغييرها بات امنية مستحيلة !
تعود وهي مازالت في نفس تحفزها :
من هو عباس ؟ مصرة ، وكأن السؤال مشدود على لسانها … !
بعدين .. ؟! اي عباس هذا ؟ يضع يده على جبهتها يسألها : أنتِ محمومة .. ؟ ترفع يده بعصبية : بعيد الشر عني ، انشاء الله اللي يكرهني ، يجيبها بلامبالاة : لا احد يكرهك ، كلنا نحبك خاصة الاحمق الماثل امامك .. تلاسنه : وهل تحتاج ان تكون احمق حتى تحبني .. محاولاً اغاضتها : جائز .. تتجاهل جوابه الجارح ، وتعود :
من هو عباس .. ؟ وهي تحرك اصابعها بتوتر ، وتضرب بقدمها على الأرض بحركات متتابعة .. !
يبدء في التضايق فعلاً من طريقتها في توجيه السؤال :
انتِ راكبك اليوم جني اسمه عباس .. من اين جئتِ بهذا الاسم .. ( لحظة صمت ) ثم ، أخاف تفتشين في موبايلي ، حظرتك ؟ تجيب : مو مهم .. يجيبها محاولاً الدفاع عن نفسه ، وقد بدء صوته في الاحتقان : كيف مو مهم .. هل تقبلين ان افتش في موبايلك .. ؟ تُقدم له موبايلها بعصبية ، وبمنتهى الثقة :
تفضل .. أخذ راحتك ، فتش على كيفك .. !
يرد : انا لا اتدخل في خصوصيات احد .. تجيبه : وهل انا احد ؟ اقصد حضرتك او اي شخص آخر ، ثم غامزاً : فهذه ليست اخلاقي .. ! ماذا تقصد ؟ هذه إساءة لن انساها … ! يرد : انتِ من اجبرتيني على قول ذلك .. لا تزال مصرة على موقفها :
خليك صريح ، وجاوب .. من هو عباس .. ؟!
تراقب الكلمات التي تسقط من فمه ، وتتأمله مستمتعة بمظاهر الحيرة التي تبدو على وجهه .. تيقن بانه كان يحاور الهواء .. ينفذ صبره ، اقول لك يا ستي ما دمتي مصرة .. بصوت ساخر :
عباس هذا الذي في ذهنك .. موظف معي .. ابيضاني ، طويل القامة ، ثم غامزاً في اشارة ضمنية اليها : مو مثل بعض الناس قصار القامة .. يواصل : أزرق العينين ، شعره اشقر … !
تقاطعه بضحكة جافة :
جوابك العائم المخادع هذا ما يمشي معي .. تتصور أنا غبية حتى يعبر علي هذا الملعوب القديم .. اسم صاحبتك ، وتموه عليه باسم عباس .. انا حبيبي ما تعبر علي هذه الألاعيب .. قديمة شوف غيرها .. بعدين تعال اقول لك انا قصيرة القامة .. ها .. ؟ تعال نقيس منو يطلع قصير القامة أنا ام انت ؟!
يتجاهل طلبها وهو يردد :
لعن الله الشك الذي يفرق بين القلوب المتحابة .. تجيبه وهي تنظر اليه بلهفة ، وحب : لا عيني اطمئن انا احبك يا ملعون ، يشعر بدفء المودة ، وهي تتسرب اليه .. يرد في نعومة متودداً ، ومتملقاً كعادته : وانا احبك يا حلوة ، أموت فيكِ .. ! يتبدد الصمت ، ويعاود المكان يقظته ، ويتفشى الدفء ، والهدوء من جديد … !
من المؤكد انه بات يعرف من واقع خبرته معها ان ليس هناك من حل لهذه المشكلة المستعصية الا .. بحبة او ملعقة شراب قبل النوم .. يحملها ، ويحتويها بين ذراعيه القويتين ، وهو يرتجف من وطأة الرغبة ، يشم رائحة الوهج المنبعث من جسدها الدافئ .. تتظاهر بغضب مصطنع ، ومقاومة باردة لا معنى لها ، ثم يهدء جسدها تدريجياً ، ويستكين .. تستسلم له مثل طفلة .. يتفجر جسدها بشوق عارم ، ويُشرق وجهها بابتسامة رضا خفية ، ثم .. يتلاقيان في قبلة طويلة ، وهم في طريقهم الى الفراش .. !!
#جلال_الاسدي (هاشتاغ)
Jalal_Al_asady#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟