أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال الجزولي - المَصْيَدَة!















المزيد.....

المَصْيَدَة!


كمال الجزولي

الحوار المتمدن-العدد: 471 - 2003 / 4 / 28 - 04:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


                                  

     صديق وزميل يسارى كاتبنى على بريدى الخاص منتقداً تحفظى ، الأسبوع قبل الماضى ، على خطة المفكر اليسارى العراقى الكبير فالح عبد الجبار التى كان قد اجترحها قبل أسابيع من اجتياح قوات الاحتلال لبغداد ، بعنوان "الحملة ضد الحرب جيدة ، ولكن ليست جيدة بالقدر الكافى". ورغم عدم اقتناعى بإحجامه عن طرح رأيه بنفسه مباشرة ، كون القوى الوطنية عموماً ، واليسارية منها بخاصة ، أحوج ما تكون لشفافية الحوار الجهير فى ظروف الارتداد القسرىِّ الذى تشهده المنطقة الآن إلى مرحلة ما قبل الاستقلال السياسى ، إلا أننى مضطر ، أخلاقياً ، لاحترام رغبته ، على أية حال ، دون أن يمنع ذلك ، بالطبع ، من تلخيص فكرته الأساسية ومناقشتها.
     ينعى علىَّ صديقى العزيز عدم واقعيتى المتمثلة ، حسب قوله ، فى إغفال ما يسميه "القوة الشاذة" التى كدَّستها الشمولية فى بلداننا ، من أجهزة قمع عسكرية وبوليسية ومخابراتية يسَّرت لها خنق الطاقات الثورية وشلَّ إرادة التغيير لدى شعوبنا بالكامل. هذا المناخ هو المسؤول ، على حدِّ تعبيره ، عن "المأزق" الذى طوَّح بأفضل القوى الوطنية الديموقراطية واليسارية إلى المنافى القصيَّة ، وحصرها ، تماماً ، بين فكَّى خيارين أحلاهما مُرٌّ: فإما الرضوخ للأمر الواقع والقبول بالاستسلام النهائى ، أو الاستعانة على هزيمة هذه الأنظمة "بقوة شاذة" مضادة تتفوَّق عليها ، وهى بالضرورة قوة أجنبية (!) ولأن الخيار الأول مستبعد ، فقد ضرب صديقى مثلاً لجدوى الخيار الثانى بما أسماه "الحالة الفرنسية" فى خواتيم الحرب الثانية ، حيث استقبل الفرنسيون بالزهور جيوش الحلفاء التى جاءت "لتحريرهم" من النازى .. الخ.
    ومع تقديرى للمنحى "العملى" البادى فى هذا الأسلوب من التفكير ، إلا أننى لا أكاد ألمح وجهاً للمقارنة بين "الحالة الفرنسية" وبين "الحالة العراقية" ، أو "العربية" عموماً باعتبار ما ستؤول إليه الأوضاع حتماً إذا ما تواصل هذا "الزحف التحريرى المقدَّس" للجيوش الأمريكية والبريطانية! ففى الحالة الأولى كانت فرنسا ترزح تحت الاحتلال الألمانى فى إطار المشروع النازى الرامى لفرض نزعته العنصرية الاقصائية الدموية على العالم بأسره ، الأمر الذى استنهض ، بالمقابل ، أقوى ما فى هذا العالم من طاقات "المقاومة" لذلك الخطر الداهم ، والتى أفضت ، فى أبرز مآلاتها المنطقية ، لانهيار النظام الاستعمارى القديم ، ونشر رايات التحرر والديموقراطية أوسع من أىِّ وقت مضى. أما فى الحالة الثانية فنحن بإزاء قوة إمبريالية لطالما اجتذبتها إلى هذه المنطقة مخايل "إسرائيل العظمى" أو "روما الجديدة" ، وأسالت لعابها فيها رائحة النفط وغيرها من الثروات ، فانطلقت تتوسَّل للهيمنة عليها بأقصر الطرق وأيسرها كلفة: الاحتلال فى صورته المباشرة والاستعمار بشكله القديم ، مستهدية بأكثر الأيديولوجيات ديماغوغية ، وأسطرة للواقع ، واستغراقاً فى لجج الاستيهامات الثيولوجية الكثيفة: أيديولوجيا التحالف المسيحى الصهيونى.
     الهدف ، فى الحالة الأولى ، بحكم الظرف التاريخى وتوازن القوى ، أوان ذاك ، كان "تحرير" فرنسا من قبضة النازى ، فى حين لم يكن خافياً فى الحالة الثانية ، ومنذ البداية ، أن الهدف ، هو إعادة تكبيل الشعب العراقى ، ومن ثمَّ بقية شعوب المنطقة تباعاً ، بذات القيود الاستعمارية التى سبق لها أن تحررت منها قبل أكثر من نصف قرن ، فبأىِّ بصيرة يمكن الخلط بين الحالتين؟!
    واستطراداً ، وبرغم أثر "الأممية الثالثة" فى تنميط الأحزاب الشيوعية الأوربية فى قالب "المركز البلشفى" الأب ، إلا أن ذلك لم يحل ، وفق حميد بن عزيزة ، دون أن تصغى هذه الأحزاب مليَّاً للمهام التى طرحتها على جبهتها ، بإلحاح ، دمدمة الحرب الثانية. فبالنسبة للحزب الشيوعى الفرنسى ، على سبيل المثال الذى أورده صديقى العزيز ، لم يعد الموقف من تلك الحرب مطابقاً لطرح لينين تجاه الحرب الأولى من حيث تحويلها إلى حرب أهلية غايتها تحقيق "الهزيمة الثورية" ، بل أصبحت مهمة الحزب البحث عن أفضل تماثل مع حركة التحرر من خطر النازية ، وهى ، بلا شك ، مهمة ذات طبيعة ديموقراطية بالأساس. لذلك فقد انخرط ، بلا أدنى تردد أيديولوجى ، فى صيغة العمل الجبهوى العريض المناهض للاحتلال. وبالنتيجة فإن فرنسا تحرَّرت من الاحتلال الألمانى ، كما وأن الحلفاء لم يحتلوها لأنهم ما جاءوا أصلاً لاحتلالها ، علاوة على أن الجبهة الشعبية التى انخرطت فى المقاومة الوطنية الباسلة خرجت بنصر مؤزر أضفى على الحزب الشيوعى الفرنسى ، الذى اختار الطريق الصحيح بالنضال من أجل تكوينها فى منتصف ثلاثينات القرن المنصرم ، طابعاً جماهيرياً لا مثيل له.
    قد يقول قائل: ولكن القمع الوحشىَّ المتطاول عسكر مجتمعاتنا بالكليَّة ، وأجهز على أبسط مظاهر مدنيتها المفترضة ، حتى أضحى الانسان العربى نادماً ندامة الكسعى على أىِّ يوم رفع فيه عقيرته مطالباً بخروج المستعمر الأوربى (!) وربما يتزيَّد البعض فيستشهد بخروج مليونى جزائرى مؤخراً (إثنين مقابل كل شهيد) مُرَحِّبين بزيارة الرئيس الفرنسى لهذا البلد ، وهم يهتفون: "فيزا شيراك" (!) فقد كرهوا حتى مواصلة الحياة فى الوطن الذى استرخصوا أرواحهم ، ذات يوم ، فى سبيل استقلاله (!) أو بالتعبيرات المرعبة التى أطلقها بعض العراقيين أمام كاميرات التلفزة العالمية ، بينما هم يتراكضون خلف أنين المعتقلين المنبعث من جوف الأرض دون أن يعثروا على منفذ يوصل إليهم ، فقد فرَّ السجَّانون بالخرائط: "لا نريد كرامة ولا مجداً ولا شيئاً من هذا "الغثاء" الذى شبعنا منه (!) نريد فقط أن ننام دون أن يفزعنا، منتصف الليل ، طارق على الباب"!
    ومع ذلك فإن السؤال الحرَّاق الذى لا مفرَّ من مجابهته هو: هل أمسى قدَرُ الوطنيين والثوريين قبول الاستقالة من التاريخ ، تحت شعار "الواقعية" ، والاستكانة "لمصيدة" المفاضلة المفجعة بين القضيتين "الوطنية" و"الاجتماعية" التى ما انفكت تنصبها لهم دوائر الهيمنة الاستعمارية ، وبالأخص للمعارضات المستجيرة بها ، حدَّ الاستخزاء أمام جحافل الغزاة ، والاستسلام لاحتلال الأوطان؟! أم أن قدَرَهم هو أخذ النفس بالشدَّة الواجبة فى مواجهة ميراث العلقم هذا ، وإجراء المراجعات المستحقة ، دون أدنى شبهة مكابرة ، للأخطاء المريعة التى انتهت بقضايا شعوبهم إلى الأيدى الأجنبية ، كشرط لازم على طريق الدفع بطاقات هذه الشعوب للافلات من حصار "الصدمة والهول" ، إلى ساحات المبادأة والفعل ، فى سياق مشروع مرموق لنهضة لا تضحى بالقضية "الوطنية" فى سبيل القضية "الاجتماعية" ، ولا بالقضية "الاجتماعية" فى سبيل القضية "الوطنية"؟!
    أما بعد ، يصعد طائر الفينيق من رماده أو لا يصعد .. تلك هى القضية ، إعادة لصياغة المسألة الشكسبيرية فى خلفية المشهد العربى الراهن (!) وبالغاً ما بلغت شراسة الصراع الاجتماعى ، فإن "الوطنية" تظل قيمة حيَّة لا تقبل القسمة على اثنين (!) ومشروع النهضة "الوطنية" قد تنسلخ فيه حياة أجيال بأكملها ، بكل ما يقتضى ذلك من تضحيات .. مزيد من التضحيات ، إلا إذا أمكن الاستغناء عنه (!) أما إذا لم يكن ذلك ممكناً ، فمَنْ ذا الذى يشترط  للانخراط فيه أن يراه متحققاً حال حياته أو .. فليأت الاستعمار من النوافذ بعد إذ جرى طرده من الأبواب؟!
  

 

 



#كمال_الجزولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عِبْرَةُ ما جَرَى!
- خُطَّةُ عَبدِ الجَبَّار!
- دارْفُورْ: وصْفَةُ البصِيْرةْ أُمْ حَمَدْ


المزيد.....




- أسقطه عن اللوح ونهش ذراعه.. شاهد ما حدث لراكب أمواج هاجمه قر ...
- تأثير غير متوقع من -ميلتون-.. طفلان يعثران على طيور مدفونة ح ...
- مفتي عُمان ينعى يحيى السنوار: لحق بأسلافه -المجاهدين-
- المخابرات الكورية الجنوبية: بيونغيانغ ترسل قوات لمساندة روسي ...
- ميلوني من بيروت: استهداف اليونيفيل -غير مقبول-
- مصير حماس بعد -ضربة- مقتل السنوار.. وهل تتوقف الحرب في غزة؟ ...
- برلمان ألمانيا يقر حزمة أمنية جديدة ومجلس الولايات يرفض جزءا ...
- مصر تحذر من استدراج المنطقة لحرب واسعة تداعياتها بالغة الخطو ...
- لبنان يستدعي سفير إيران في بيروت بعد تصريحات قاليباف في -لحظ ...
- لافروف يوجه رسالة لإسرائيل عن لجوئها للاغتيالات السياسية وضر ...


المزيد.....

- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .
- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال الجزولي - المَصْيَدَة!