أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرازق أحمد الشاعر - عزيزي القارئ، هل أنت عنصري؟














المزيد.....

عزيزي القارئ، هل أنت عنصري؟


عبد الرازق أحمد الشاعر

الحوار المتمدن-العدد: 6683 - 2020 / 9 / 21 - 09:46
المحور: الادب والفن
    


ذات تاريخ في بلاد لا يعنيك أن تعرف مكانها، توقف طفل أمام لافتة تقول"كلاب للبيع". دفع الطفل باب المتجر بيمناه، وتقدم نحو صاحب المحل الذي كان مشغولا بإعداد طعام لجرائه التي لم تكن تكف عن النباح. سأل الطفل: "كم ثمن كلابك يا سيدي؟" فقال الرجل: "تتراوح أسعارها بين الثلاثين والخمسين دولارا. هل ترغب في شراء أحدها؟" وضع الطفل يده في جيبه، وأخرج بعض العملات، وقدمها للرجل قائلا: "إليك ثلاثة دولارات إلا الربع، يمكنك أخذها." ضحك صاحب الحانوت من سذاجة الفتى، وقال: "يا عزيزي، البيع هنا نقدا. وطالما أنك لا تمتلك المال الكافي، يمكنك الانتظار حتى تدخر المبلغ المناسب." كان الرجل على وشك الانصراف، لكنه قبل أن يولي الفتى ظهره، وجد يد الصغير تمسك بمعصمه وفي عينيه نظرة متوسلة. في تلك اللحظة، خرجت زوجة البائع من غرفة داخلية، وخلفها تتقافز خمسة جراء ذات زغب. لفت انتباه الطفل الجرو الأخير، فقد كان يمشي متثاقلا، ولا يقفز عاليا كرفاقه. فقال دون تردد: "سأشتري هذا الجرو."
قال صاحب المحل: "إلا هذا. يمكنك أن تشتري أي جرو شئت، لكنني لا أنصحك بشراء هذا." نظر الفتى مندهشا إلى كلبه المختار، وقال: "ولماذا؟" فقال الرجل: "لن يستطيع هذا السمين أن يقفز مثل بقية الجراء، ولن يخف للقائك حين تعود إلى المنزل. ولن يعدو خلفك أثناء جولاتك الصباحية، ولن يقفز فوق كتفيك أبدا، لأنه ببساطة كلب أعرج." قال الفتى: "ولكنني أريد هذا الكلب بالذات." فقال الرجل: "يمكنك أن تأخذه إن كنت مصرا دون مقابل، فهو لا يساوي ثمن السلسلة التي ستلفها حول عنقه." غضب الطفل كثيرا، ووضع المبلغ في يد صاحب المتجر، وقال: "سأنقدك نصف دولار كل أسبوع حتى أسدد ثمنه كاملا غير منقوص، فهو لا يقل في شيء عن رفاقه." فغر الرجل فاه، ووقف ذاهلا أمام الطفل الملغز، لكن دهشته اختفت بعد أن كشف المشتري الصغير عن ساق حديدية تمتد من حذائه حتى المفصل.
كثيرا ما ينظر أحدنا إلى أخيه نظرة احتقار ودونية، لا لشيء إلا لأنه سُلب نعمة أو حُرم عطاء منّ الله به عليه، وكأن صاحب العاهة أو الإعاقة قد أراد بكامل وعيه أن يتجرع شعور النقص صباح مساء وهو يرى الناس حوله يمارسون حياتهم الطبيعية دون عرج. فليس من حق الفقير أن يجلس إلى جوار أصحاب الياقات البيضاء فوق طاولة طعام واحدة. وليس من حق أبناء الطبقات المتوسطة أن ينزلوا حمام سباحة مع أصحاب البشرة البيضاء والعيون الزرقاء والشعر الأصفر. ولا يحق لفقير أن يضع نجوما فوق كتفيه أو ميزان عدالة خلف ظهره ليمارس حقه الطبيعي في العرج دون أن يسخر منه أحد.
مجتمعنا طبقي بامتياز يا سادة، ولا تقتصر مشاعر الكبر والأنفة على أصحاب الكروش المنتفخة والمناصب الرفيعة، ويمكنك عزيزي القارئ أن تختبر مشاعرك الإنسانية حين تمر على عامل نظافة تنبعث روائح مخلفات بيتك من أكمامه البرتقالية المتسخة. أو حين تجمعك طاولة قطار بأحد المعاقين ذهنيا. فإن وجدت نفسك تضم ثيابك وتتحاشى الرجل تحاشيك كلب أجرب، فاعلم أنك رجل فيك جاهلية. وإن أسقطت مالك في يد فقير خوفا من لمس راحته باعتباره نجسا أو روثا بشريا، فاعلم أن الله قد سلب منك نعمة الفهم والوعي والقناعة. وإذا قام أحدهم وأجلسك مكانه لأنك أرفع مكانة أو أعلى وظيفة، فتيقن أنك تمارس عنصرية بغيضة وإن حفظت كل شعارات الحرية والكرامة والمساواة. وإذا وقف أحدهم بين يديك، وقد تلعثمت شفتاه وجف ريقه واصطكت مفاصلة لمجرد أنك تجلس على كرسي لا يستطيع أمثاله الاقتراب منه، فاعلم أنك قد تخليت عن آدميتك للمنصب، واستسلمت للتقسيم الغبي الذي لم ينزل به الله سلطانا.
ذات يوم، التقى معرور بأبي ذر وغلامه، وكان أبو ذر وفتاه يرتديان حلتين متماثلتين في اللون والقماش، ولم يكن من عادة السادة والخدم أن يرتديان الثياب نفسها، فتعجب معرور مما رآه، فقال له أبو ذر: "إني ساببت رجلا، فعيرته بأمه، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا ذر، أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية. إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم.)) ويقال أن الرجل الذي عيره أبو ذر بأمه كان بلال بن رباح بأن قال له: "يابن السوداء."
أخيرا، لا تحقروا من شأن الكلاب التي بها عرج، واعلموا أن النقص الذي يعتري أحد البسطاء لا يحقر أبدا من شأنه. فلا تنظروا إليه نظرة دونيه، ولا تبيعوا فقراءكم بثمن بخس حتى لا تكونوا كصاحب المتجر الذي ظلم كلبه وأهان غيره، ولا تعودوا لجاهلية قد عافاكم الله من رغامها، وعضوا على إنسانيتكم بالنواجذ.

[email protected]



#عبد_الرازق_أحمد_الشاعر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سلام دي جانيرو
- وداعا بتول .. قصة لم تكتمل
- أطفال الرب
- صفارات الإنذار


المزيد.....




- المؤرخ الإسرائيلي توم سيغيف: الصهيونية كانت خطأ منذ البداية ...
- دول عربية تحظر فيلما بطلته إسرائيلية
- دول عربية تحظر فيلما بطلته الإسرائيلية
- عن -الأمالي-.. قراءة في المسار والخط!
- فلورنس بيو تُلح على السماح لها بقفزة جريئة في فيلم -Thunderb ...
- مصر.. تأييد لإلزام مطرب المهرجانات حسن شاكوش بدفع نفقة لطليق ...
- مصممة زي محمد رمضان المثير للجدل في مهرجان -كوتشيلا- ترد على ...
- مخرج فيلم عالمي شارك فيه ترامب منذ أكثر من 30 عاما يخشى ترح ...
- كرّم أحمد حلمي.. إعلان جوائز الدورة الرابعة من مهرجان -هوليو ...
- ابن حزم الأندلسي.. العالم والفقيه والشاعر الذي أُحرقت كتبه


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرازق أحمد الشاعر - عزيزي القارئ، هل أنت عنصري؟