أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حوا بطواش - وقفة مع الذات














المزيد.....


وقفة مع الذات


حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)


الحوار المتمدن-العدد: 6549 - 2020 / 4 / 28 - 20:57
المحور: الادب والفن
    


* كلام ع الماشي

المشي في الصّباح الباكر على شوارع القرية، عندما يبزغ نور الصباح الجديد مبدّدا ظلمة الليل ويولد النهار، هو تجربة فريدة لها سحرٌ خاصٌ لا يعرفه إلا القرويّون. البيوت المتراصّة مغلقة على أصحابها، ما تزال مستغرقة في النوم. لا صوت هنا إلا همسات الريح، ووقع خطواتي على أسفلت الشوارع.
في هذه الأيام، أيام الحجر الصحي والعزلة البيتية، حيث الانفراد مع النفس أو العائلة، لا بد من وقفة مع الذات تفرضها عليك العزلة لإعادة التفكير في حياتنا وإعادة النظر فيما آلت إليه أحوالنا.
تتوالى الأيام رتيبة، متشابهة، تتعاقب الشهور دون أن نشعر بقيمة الوقت الذي يمرّ ويولّي، تنقضي السّنون وفي ظنّنا أنّنا نركض وراء أحلامنا، ولا ندري أننا في الواقع نعيش قابعين في سجن أوهامنا.
نعمل ونركض. نركض ونعمل. بلا توقّف. هكذا، ننجرف وراء الحياة. وفجأة، نجد أنفسنا أمام واقع لم نخطّط له، ولم نكن نتوقّعه على الإطلاق. سنواتٌ تمرّ دون أن نحسّ، ولا ندري: إلى أين نركض؟ لماذا نركض؟ وماذا نريد؟
حياتنا تحوّلت إلى سلسلة لا متناهية من الضغوط والهموم، نعمل ونركض بين البيت والعمل، والعمل والبيت. لا شيء يبهجنا. لا شيء يلهمنا. لا محطة نقف عندها لنفكّر ونتأمّل أو حتى لنروّح عن أنفسنا.
لا نعرف ماذا نريد حقا في هذه الحياة وإلى ما نطمح. نسير مع التيار. نقبل ما تعرض علينا الدنيا. نرتاح إلى حياة الراحة والركود، ننشغل بلقمة العيش. لا وقت نجده للتوقف ولا للتفكير، لا للحلم ولا للطموح. لا وقت نملكه حتى لإصلاح ما تعطّل في حياتنا. الوظائف اليومية، المشكلات الصغيرة، الضغوطات العملية، المهمات اللامتناهية، الهموم الحياتية... كلّها جاثمة على صدورنا كالصّخور.
نحتاج أحيانا إلى هذه الوقفة مع الذّات، لنفكّر قليلا بأنفسنا، لنبحر عميقا في دواخلنا، ونسأل: هل هذه هي الحياة التي كنا نرغب ونحلم بها؟
هل درسنا الموضوع الذي كنا نحبّه في الجامعة؟
هل نعمل في الوظيفة التي كنا نريدها؟
هل تزوجنا من الشخص الذي كنا نتمنّاه لأنفسنا؟
هل نعيش حياة ذات معنى؟
هل هي الحياة التي خطّطنا لها؟
نكتشف أننا لم نكن نخطّط لشيء.
نحتاج لوقتٍ مع أنفسنا، نهدأ فيه ونروق. هي وقفةٌ نفكّر فيها، نحلم ونخطّط، نستنشق هواءً نقيًّا يُجدّد طاقاتنا ويُنعش الرّوح. ومن يدري؟ ربما عندئذٍ يمكننا أن نفعل شيئًا جديدًا ومختلفًا لم نفعل مثله في حياتنا.
نحتاج الصّدق مع الذات، فالصدق مع الذات هو الصدق مع الآخر. نحتاج أن نحمل رؤيتنا الخاصة بنا، رسالتنا الخاصة التي لا نشبه بها الآخرين، بل نشبه أنفسنا.
نحتاج أن نعيش أحلامنا ونحقّق طموحاتنا ونعيش بما تمليه علينا رغباتنا، ونفكّر ضمن معتقداتنا وآرائنا ونمارس هواياتنا التي تدفع بنا نحو متعة الحياة. نحتاج إلى ما يشحن أنفسنا بالطاقة الإيجابية ويزوّدنا بالنشاط والحيوية كي نكمل رحلة الحياة الشّاقة بسهولة أكثر وفرحة أكبر.
الحياة رحلةٌ قصيرة نعيشها، رحلة مؤقّتة، قبل أن نرحل وننتقل إلى الرحلة الأبدية. الحياة جميلة حين نراها بعين الأمل والتفاؤل، وتعيسة حين نراها بعين البؤس والتشاؤم.
هناك من تجري أيامه بطيئة، متأنّية، يقتله الشعور بالرتابة، لا تفاصيل جديدة يقحمها بين ثنايا الأيام. وهناك من تجري أيامه مسرعة، متكرّرة. يحاول أن يبحث عن اللهفة في مكان ما كي يطلق ضحكة من القلب تعيد إليه التّوق إلى الحياة.
ها هي الزهور تفتّحت لاستقبال الصباح، تصافح ضوء الشمس.
أمشي وحدي على الشوارع، أتأمّل مستمتعة بكل شيء من حولي. زقزقة العصافير المغرّدة، نسيم الصّباح العليل الذي يهبّ على وجهي، الهدوء الذي يكتنف كل شيء من حولي، وذلك الصّمت الذي يسبق العاصفة، قبل أن تستيقظ القرية إلى الحياة، إلى يوم جديد، نستأنف فيه رحلتنا من الركض وراء تفاصيل الحياة.

كفر كما
28.4.2020



#حوا_بطواش (هاشتاغ)       Hawa_Batwash#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- «مسافة أمان» مساحة من الفرح والعذاب
- رسائل ليست كالرسائل
- ثمن الاختيار
- أحبّك اليوم
- التغيير واللغة
- أحيانا أريد أن تذهب
- كيف أحببتُ اللغة العربية - الحلقة 2
- كيف أحببتُ اللغة العربية - الحلقة 1
- الصّراحة جارحة
- ليلة الرّحيل الأخير
- فن الإغراء الفاشي
- إمرأة تحب نفسها
- الهاربة 2
- الهاربة 1
- انتظار
- فيسبوك، خواطر وتأخير
- ابتسامة جدي
- الدفتر
- قلب في مهب العاصفة
- عازفة البيانو


المزيد.....




- اصدارات مركز مندلي لعام 2025م
- مصر.. قرار عاجل من النيابة ضد نجل فنان شهير تسبب بمقتل شخص و ...
- إنطلاق مهرجان فجر السينمائي بنسخته الـ43 + فيديو
- مصر.. انتحار موظف في دار الأوبرا ورسالة غامضة عن -ظالمه- تثي ...
- تمشريط تقليد معزز للتكافل يحافظ عليه الشباب في القرى الجزائر ...
- تعقيدات الملكية الفكرية.. وريثا -تانتان- يحتجان على إتاحتها ...
- مخرج فرنسي إيراني يُحرم من تصوير فيلم في فرنسا بسبب رفض تأشي ...
- السعودية.. الحزن يعم الوسط الفني على رحيل الفنان القدير محم ...
- إلغاء حفلة فنية للفنانين الراحلين الشاب عقيل والشاب حسني بال ...
- اللغة الأم لا تضر بالاندماج، وفقا لتحقيق حكومي


المزيد.....

- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حوا بطواش - وقفة مع الذات