عبد الرزاق السويراوي
الحوار المتمدن-العدد: 6514 - 2020 / 3 / 14 - 11:19
المحور:
الادب والفن
ما تبقى من خيوط ظلام الفجر , لفظ أنفاسه الأخيرة أمام زحف الأشعة الذهبية لقرص الشمس الآخذ بالإرتفاع التدريجي في الإفق الشرقي .ثمّة عصفور , بكّرَ هو الآخر في التحليق لكنه لم يشأ الذهاب بعيدا في طيرانه عن الأشجار الكثيفة التي تشبّعتْ أوراقها الخضر بندى الليلة الماضية . كانت الأشجار أشبه بدائرة مفتوحة من أحد أطرافها وتحديداً عند بوابتها الوحيدة فيما توسط فسحتها الداخلية الواسعة والمعشوْشبَة , بيت بطابقين . أوراق الأشجار المواجهة للشمس من الجهة الشرقية , تزداد تألّقاً ولمعاناً كلّما إرتفع قرص الشمس في الإفق فبدتْ في لمعانها كما لو أنّها طُُليتْ بذرات ناعمة لمسحوق زجاجي ملّون .العصفور ما زال متواصلاً في طيرانه , يرتفع مرّة أو يهبط , ليقترب كثيرا من الحافات العليا للأشجار فيكاد يلامسها بجناحيه لولا أنّه يتحاشى وببراعة أنْ يصطدم بها فيسارع بالعودة الى الإرتفاع عالياً . السكون قبضة محكمة تهيمن على المكان , إلاّ من حفيف لا يكاد يُسمع لشجرة تقع الى يسار البوابة , بل الى جوارها تحديداً , بينما جهتها المعاكسة لإتجاه الشمس , حيث الفسحة الكبيرة للغابة من الداخل , فأنّها ما زالت تسبح بظلمة ظل خفيف لم تنله بعد سهام أشعة الشمس , وثمة صبي أسند ظهره الى جذعها الضخم . العصفور يواصل طيرانه , ورأس الصبي يتحرك باحثا عن هدف ما , عيناه ترصدان كرادار يلاحق هدفه بدقة متناهية . وفي لحظة مباغتة إنفصلتْ عن جناح العصفور , ريشة صغيرة راحت تهبط ببطء ملحوظ وهي تدور بشكل حلزوني لتبتلعها اغصان إحدى الأشجار. ردّة فعل العصفور كانت سريعة , فضاعف من حركة رفيف جناحيه في محاولة للإرتفاع نحو الأعالي ,هرباً منْ خطر يستشعره , غير أنّ ريشة أخرى نُتفتْ من جناحه الآخر لتسقط كما الريشة الأولى فأعقبتها بعض قطرات من الدم بانت وهي تشرب ضوء الشمس , كحبّاتِ مسبحة حمراء إنفرطتْ بغتة . إزداد رفيف جناحي العصفور أكثر من ذي قبل ثم تباطأ ليسكن تماما وهو يهوي نحو الأسفل ليسقط فوق العشب , غير بعيد عن الشجرة العملاقة التي تجاور البوابة حيث يجلس الصبي الذي رسمتْ شفتاه في هذه الوهلة , إبتسامة يدرك مبعثها , وهو يتابع حركة العصفور فوق العشب التي بدأتْ بالتلاشي التدريجي ثم لتنعدم كليّاً .
#عبد_الرزاق_السويراوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟