|
نيتشة في الترجمات العربية: الملحد في الغرب مومن في الشرق (فليكس الفارس نموذجا)
عذري مازغ
الحوار المتمدن-العدد: 6497 - 2020 / 2 / 22 - 13:38
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
تتمة للمقال السابق: "نيتشة والترجمة العربية" لكن الغريب في الأمر أنه يورد جمله بنكهة افتخار ليصل من حيث لا يعلم إلى انتقاد ماركس كما لو انه هو صاحب "هكذا تكلم زرداتش". لقد ذكرني باستنتاج مفاده هو ان " الفكر العربي، في جداله، هو فكر عابر للقارات".. لكن وحتى لا نظلمه بإخراج سياق جدله مع نيتشه الذي انطلق فيه من "هكذا تكلم زراداتش" مرورا بداروين (نظرية الإنتخاب) وصولا إلى ماركس والإتحاد السوفياتي يلزمنا الأمر كأمانة أن نقول بأن كل هذا العبور القاري والتبحر ليس اكثر من مقتطفات من كتابه "منابت الأطفال" الذي ينهيه بإيمانه العميق بالعدم توهجا في الله، يقول: " أما نحن أبناء هذا الشرق الذي انبثق فيه الحق انصبابا من الداخل بالإلهام لا تلمسا من الخارج، فلنا هذا المسلك المفتوح منفرجا أمامنا للاعتلاء والخروج إلى النور بعد هذا الليل الطويل إذا نحن اخذنا بروح ما أوحاه الحق إلينا لا بترقية الزراعة والصناعة ولا بنشر التعليم والتهذيب ولا بجعل البلاد جنة ثراء وتنظيما، تنشأ الأمة ويخلق الشعب الحر السعيد" إنه نفس الشيء كما في مقدمة محمد الناجي في ترجمة "الفجر" نص يتوخى تقديم كتاب محتواه نقيض لما تقوله مقدمة المترجم، نص لمقدمة تحتفل بالروح الدينية والعدمية نصرا للشرق المجيد الذي لا يهمه لا التعليم ولا الإرتقاء ولا التنظيم، نص يعدم بهجة الحياة ويراها ظلاما في توق إلى الوجود النير الغير موجود اصلا إلا في مخيلة المومن.. وبعد هذا التمهيد الطويل من مقتطفات كتاب المترجم يعود ليستدرك تناقضه مع محتوى الكتاب باعتبار أن تمهيده الموجز هذا ليس مجال لبحث فلسفة نيتشة مع دس بعض الروح الإنتقائية من قبيل ان يأخذ المتلقي من نصوص نيتشة ما يناسب إيمانه، غير ان الذي يأتي بعد هذا الإستدراك أخطر من الإستدراك نفسه إذ راح المترجم يتأول فلسفة نيتشة تأويلا دينيا اعتمادا على تأويل مفهوم إرادة القوة عند نيتشه لتصبح في الأخير هي الله نفسه ويصبح نيتشة مسلما بقدرة المترجم وهذا ما سنلاحظه في مستهل يقول فيه: " إن نيتشه يعلن إلحاده بكل صراحة ويباهي بكفره غير اننا لا نكتم للقاريء الكريم أن ما قرأناه بين سطوره (....) يحفز بنا إلى القول بأننا لم نر كفرا أقرب من الإيمان من طفر هذا المفكر الجبار (...)" ثم هذا ما سنراه أيضا في متن التقديم حين يتطرق لصحراء نيتشة وأسدها، لكن الشيء الوحيد الذي لا يراه المترجم وعلله بكون نيتشة ينتقد الصورة المشوهة للمسيحية هو نقد في عمقه الفلسفي موجه ايضا لكل دين أو على الأقل في الجانب الأكبر لانتقاده يمس كتلة الروح وكتلة العقل الديني وكتلة الأخلاق والفضيلة والمواساة ومفهوم الجهاد (التضحية بلغة نيتشة) أي كل ما يشكل في الدين قاعدته الروحية ومنه الدين الذي عندنا أيضا نحن الشعوب المسلمة حيث أن المترجم يحلو له أن يعلل نقد المؤلف للمسيحية المشوهة ولا يرى بحس النقد نفسه وجود إسلام مشوه او ان يضع في اعتباره مثلا أن لدينا نفس "الصورة المشوهة" للإسلام كإسلام البخاري وابن تيمية مثلا والذي منه يغدق الشرع الإسلامي.. في سياق شرح نشيد الصحراء لزراداتش استعان فليكس المترجم ب"روبرت ريلنجر" أستاذ بجامعة فيينا( يذكر عنه فقط أنه عالم وملم بفلسفة نيتشة) لتاكيد ما إذا كان فكه لرموز النشيد موفقا ليأتي رد هذا الأستاذ موجبا تماما وليتلقفها الأستاذ فليكس على عواهنها وكأن الترجمة تتم بالعواطف: " أرى خلاصة معنى النشيد في فقرته الاولى المكررة في آخره، فإن نيتشة قد رمز بالصحراء إلى الوجود القاحل الذي لا غاية له (...) أما كلمة "صلاة" فقد أصبتم في ترجمتكم إياها "حيا على الصلاة"، هذا وقد يكون النبي محمد هو المرموز إليه بأسد الصحراء ونذيرها حسب تأويلكم" ترجم الكاتب التونسي علي مصباح كلمة "صلاة" ب "سلاة" يعني تركها كما هي في النسخة الإنجليزية وكتب إشارة في الهامش يشير إلى ذلك معللا الأمر كونها لا زمة تهليل في المزامير (العهد القديم) والتي تقابل كلمة هللويا وأشار: "لم نترجمها بكلمة عربية متداولة مثل ياللروعة! أو مرحى!" مشيرا في نفس الوقت إلى ترجمة فليكس التي ترجمتها على انها "حيا على الصلاة" "الغاية تبرر الوسيلة" هذه المقولة البراغماتية هي من يؤطر مقدمة فليكس، ليس الترجمة في حد ذاتها بل غياب فيلسوف "جبار" كما يسميه فليكس في المكتبات العربية (وهذا ما ردده في مقدمة ترجمته أكثر من مرة) ولكي نترجم له بعض أعماله، لكي نوجده في المكتبات العربية علينا أسلمته بشكل يبدو كفره كفرا بذاته من حيث اتى وإيمانا من حيث انتهى إلينا، إلى صحرائنا القاحلة (هذا أيضا مضمون مقدمته النقدية وليس التقديمية التي هي أيضا مرافعة ضد نيتشة من خلال مثاقفته بروح الشرق)، والغاية هنا تبدل حتى مضمون الترجمة ولا يهم كيف سيتلقاها القاريء "الكريم" كما يصفه دائما المترجم فليكس، لا حظوا الفرق بين ترجمتين لنفس النص وهو نشيد الصحراء السابق الذكر، نص فليكس الفارس ونص على مصباح: نص فليكس: "إن الصحراء تتسع وتمتد فويل لمن يطمح إلى الإستلاء على الصحراء يا للمهابة! يا للبداية تليق بمهابة صحراء إفريقيا تليق بأسد أو بنذير يهيب بالناس إلى مكارم الأخلاق إنها لروعة لم تسلط عليكما ياصديقتي عندما أتيح لي انا ابن أوربا أن اجلس عند اقدامكما تحت ظلال النخيل. حيا على الصلاة" نص علي مصباح: "الصحراء تمتد وتتسع وويل لمن يحمل صحاري في داخله ــ ها! يا للمبهابة! إنه فعلا لأمر مهيب! بداية لائقة! بمهابة إفريقية بما يليق بأسد، أو بقرد يزعق بمواعظ اخلاقية ــ لكنها لا تساوي شيئا امامكما صديقتي المحببتين، أنتما اللتين تسنى لي لأول مرة، أن اجلس عند اقدامكما تحت النخيل ــ سلاة! لا شك أن مضمون الترجمتين شاسع فحتى القرد في ترجمة علي مصباح كان مقابله كلمة "نذير" التي هي الاسد التي هي محمد باعتبار الأسد رمز لمحمد النبي في مقدمة فليكس أما الجملة بعد كلمة نذير فهي تحمل مدلولا مناقضا لمدلول التي تأتي بعد قرد في ترجمة الأستاذعلي مصباح.
#عذري_مازغ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نيتشه والترجمة العربية
-
صراع أجيال
-
صفقة وحيد القرن
-
أشجار الأطلس ليست كأشجار -لاندوشين-
-
هل انتهت الأزمة الامريكية الإيرانية؟
-
حي درب القنصلية
-
اجفناش!
-
إشكالية الشعر والغناء في الأمازيغية الكلاسيكية، حين يتلاشى ا
...
-
أماحول (من حكايا المهجر)
-
من جديد: تونس والأسئلة المؤرقة
-
تونس والأسئلة المؤرقة
-
قليل من النزاهة أيها القضاة المغاربة
-
تونس، من -ثورة الياسمين- إلى ثورة -النبق-
-
المرأة المنجمية في غالداميس أثناء الحرب الأهلية الإسبانية ال
...
-
خلاصات فايسبوكية
-
مقارنة بين دولة كافرة ودولة جارة مسلمة حول اغتصاب النساء
-
عيدكم أضحية مباركة
-
إزوار
-
جدلية المصور وإيصال الحقيقة والإنقاذ أو الإسعاف
-
-ليس فيهم من درس!!!؟؟-
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|