|
لاتسرع في سيرك
سمير عبد الرحيم اغا
الحوار المتمدن-العدد: 6412 - 2019 / 11 / 18 - 10:58
المحور:
الادب والفن
- لا تسرع في سيرك
بصوبة بالغة يتلمس طريقه من بين الأجساد المحتشدة في العتمة المهيمنة ،يتشرب إيقاع الحياة عبر الأثير ، ثمة أشخاص تنسحب من خلفه مثل الأصابع يندفعون إلى الشارع ، يدهشهم منظرهم وخروجهم في هذا الوقت ، بعد عبوره الشارع انفجرت عبوة ، لم يدر رأسه لير الآثار ، لم يعد يهتم لرؤية جثة متناثرة أو دماء تسيل ، أو بيت ينهار ، يراوغ ويتشدق بالمقبرة العامرة التي تناسلت فيها الجماجم ، ولم يسرع في سيره ، ولو أسرع في سيره فمن يدري لعله يصل إلى متفجرة أخرى ، لم يتباطأ .. لعل ذلك يقذف عليه رصاص قناصة ، أو طلقات طائشة يرميها المسلحون كل حين ، في سنوات الاحتلال من قبل( أمريكا ) خزن أثقالا من الطعام والحاجيات ، ثم اكتشف أن الموت لا يبعده من هذا كله ، الجوع يطارده ، فلم خزن هذه الحاجيات : أين الحقيقة ..؟ ربما يحتل المسلحون بيته ، سمع اصواتا سرعان ما استحالت الى صراخ ، وشتائم ورصاص ، رآهم يجوبون الشوارع مشيا ، ما أوسع بنادقهم ، شتمتهم عجوز سمراء تبيع اليابس والحناء في بسطة صغيرة فرشتها في زاوية شحيحة من الشارع، ركض وهو احدهم ، عينه اليسرى ترف كثيرا ، وجد شلة من حاملي السلاح يحاولون اقتحام باب بيته بالقوة ،كأنهم يقرعون طبول الموت ، و لو اقتضى الأمر لنسف الباب ، لا يهم ... المهم يدخلون البيت .. أصبح يتلهى بهذيانات أفكاره الشائكة التي لن يسمعها سواه ، الجيران يقولون لهم: - البيت مشغول دعني ادلك على صاحبه . حين جاء صاحبه طلب منه المفتاح ليؤكد لمحاولي الاحتلال أن البيت مشغول ومسكون ، بكل بساطة ناولهم المفتاح ، لم يخف من البنادق المرفوعة والذخيرة المثبتة بخصورهم ، لم يرتعب من نظراتهم ، ولا من عددهم و بنادقهم ، فتح باب البيت ، دخل المسلحون بكل فخر وقوة ، يحاولون تكذيب كلام الجيران ، دخلوا المطبخ ، سمعوا صوت الثلاجة .. فتحوها .. كان فيها الطعام جاهزا ، .. وعلى الشرفة شاهدوا غسيلا منشورا .. والماء يقطر منها ، بل ويقطر من الحنفية على سلة الصحون ، شاهدوا كل ذلك في البيت ، بصفاء ذهن حاد علم ما سيفعلونه به وعليه باي ثمن تجنب شرورهم التي قد تصيبه .. وهو في غفلة منهم ، مع ذلك لم يقتنعوا ..توزعوا في غرف البيت وقالوا : - كم عدد افراد البيت ..؟ - اربعة اين هم ..؟ - في بيت الجيران نظر إلى بعضهم البعض وقلوبهم شتى ، لم يقل شيا رغم انه بحاجة كبيرة للدفاع عن حقه ، .. انتبه وسابق لحظة تهجمهم بكلمتين ، (سأخرج من النص على عجل واصرخ : أنا .. أنا ) أثناء انسحابهم إلى اعلى سمعهم ، كانوا قد ادركوا الدور الأرضي وتحاوروا ، صرخ احدهم بصوت الآمر: " هيه احترس يا غبي " يقينا انه آمرهم يخاطب مستجدا او مرتزقا او مغبونا انتزعوه من مدرسة ثانوية ليقولوا له انهم ذاهبون للاشتراك في تظاهرة او لمحاربة عناصر اجنبية مخربة تسللت الى البلاد كما اعتادوا ان يقولوا .لا ينبغي ان اسأل عن كل شيء يتناثر بعيدا .لكن الدوي والصياح يدميان جريان اللحظة ، انقاس شبحية تحفر الريح سوادا ، وترفع الموصل ثوبها وتطير .. تطير وخلفها تطير عائلات على ركام الصيحة ، - آه لو يعلمون كم تعبت وجازفت وكم جاهدت وسعدت لكي يبنى هذا البيت ..! وألان ( يريد من يريد ) ان يقدم له دليل على بيته الحقيقي ..بيت ذو باب زجاجي مسكور ، لم يبق ألا أن يطلبوا هويته ليتأكدوا ان الصورة الملصقة عليها هي نفس الصورة المعلقة في البيت ، جاء عدد من الجيران.. كل يحمل مسدسا وبندقية ، لم يكن يعرف ان جيرانه لديهم بنادق ومسدسات ، فجأة داهمه فرح كبير . ليرى من حوله كل هؤلاء ، وهو الذي يحس بالوحدة ، لكن وجود المسلحين حوله أعاد الخوف والرعب إلى كل كيانه ، الكل ينظر إلى الآخر .. أطلق احد المسلحين رصاصة من النافذة ، هرب الفرح ودب الخوف ، خرج الرصاص وخرج المسلحون ، في الخوف يغدو الشارع أطول من المعهود ، والدقائق أيضا ، التفت إلى جيرانه للاطمئنان عليه ، وقال : - لا تخافوا لم يعد يصغي الى احد ، رغم ان البيت لم يحتل ، لم ينهب ، أنا لا أزال فيه ، ولم أمت او اقتل ، لم يحدث لي شيا ، كأنه يفكر في أمور كثيرة ، كان عليه ان يجيب ، ماذا افعل بعد اختفاء الموت ..؟ - لم لم تهرب ان كنت خائفا .؟ - لقد هاجر خوفي وانا باق لأهاجر بطريقة ما - لكنك تتلف نفسك - ستسوء الأمور أكثر - حاذر .. الموت قريب منك ادرك أخيرا فداحة الامتداد العميق في العزلة ، خرج من زحام الفراغ ، ضرب الباب بقدمه ليواجه الرصيف المغبر ، الذي راح يميد أمامه ويموج بعشرات الجثث المقطوعة ، لم يعرف أسماء ووجوه هذه الجثث ، الوجوه مشوهه مخيفة مما جعل الصدمة تعقد لسانه اكتفى بالنظر إلى واحدة لا ذراع لها ، عرفها ، ( لا لن اقفز إلى القتلة واضربهم بيدي ) انحنى إلى وجهها المشوه ، بشراهة في جدران بيتها ، ارتبك في بادئ الأمر رمقته بنظرة خاطفة وسر يعرفه ، قال في نفسه : - أنها جثة العجوز السمراء
#سمير_عبد_الرحيم_اغا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طبية وعامل
-
ازهار جامعية بيضاء
-
انا ونبيل وسؤدد
-
سيرة ذاتية
-
صور حب جامعية
-
( أرواق عنب ندى فوزي ...................رسائل امرأة من زمن آ
...
-
فراشات جامعية
-
صورتان
-
يوميات دفتر جامعي
-
سر اسعد
-
صورة رقم 59
-
حادثة طريق
-
مندوب العبيدي ... بيدر شعرك ممتلى بك
-
لاتتركوا النارنج وحيدا
-
التشكيل الجمالي في اسلوب التقطيع (في مرآة الحرف )للشاعر اديب
...
-
احب الرياضة
-
وصايا الجامعة وحكاية ابي
-
اوراق طالب جامعي
-
آليات النشاط الادبي والثقافي في الجامعة
-
البوم طالبة جامعية
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|