أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمال عبد العظيم - يوتوبيا احمد خالد توفيق .. عودة الى اللامعقول















المزيد.....


يوتوبيا احمد خالد توفيق .. عودة الى اللامعقول


جمال عبد العظيم

الحوار المتمدن-العدد: 6319 - 2019 / 8 / 13 - 00:38
المحور: الادب والفن
    


يقينا لم يكن احمد خالد توفيق يقرأ المستقبل او يطلع على الغيب . هو فقط اطلع على النوايا السيئة التي يكنها الحكم للشعب المصري . وكان خير معبر عن اللحظة التي عاشها وهي لحظة نهاية وانحلال الجمهورية المزيفة التي اسسها جمال عبد الناصر . والتي ارادها جمهورية فخرجت من تحت يده ملكية عسكرية يتوارثها الضباط . وبينما تطلق هذه المملكة زفرتها الاخيرة اعتنق حكامها سياسة المحافظين الجدد . والتى تسعى لالغاء الادوار الاجتماعية للدولة و الغاء الطبقة الوسطى و زيادة الاغنياء غنى و الفقراء فقرا . وقد قفز احمد خالد توفيق في روايته يوتوبيا الى النتائج النهائية لتطبيق سياسة المحافظين الجدد . فأقام عالمين الاول هو عالم من يملكون كل شئ ويعيشون في مدينة منعزلة ذات اسوار وتحصينات . والاخر هو عالم من لا يملكون اي شئ ويعيشون في خيام او بيوت خشبية في عشوائيات وخرابات بلا اي خدمات . اما الطبقة الوسطى فقد اختفت وعليه فهي غير موجودة على الارض في احد الاحياء او المدن مثل الطبقتين العليا والدنيا . ويقف هنا احمد خالد توفيق الابن البار للطبقة الوسطى يدق ناقوس الخطر للضحايا الذين على وشك السقوط في الهوة السحيقة . ويهيب بهم ان يتحركوا لايقاف هذا الجنون الذي اصاب الطبقة الحاكمة . انه سعار لا يمكنها البرء منه حتى ان البعض وصف سياسة النيوليبرالي بأن الرأسمالية قد بدأت تأكل نفسها . وارى ان الاصوب انها قد بدأت تأكل شعوبها .
وتكمن صرخة التحذير في رسم معالم الطبقتين والعالمين اللذان صنعتهما الرواية . فهما معا قد هبطا سلم الترقي الى اخر درجاته وغادرا الانسانية بلا امل في الرجوع . وتحولوا الى كلاب مسعورة تعيش بلا دين ولا اخلاق ولا قضية ولا تاريخ و لا ضمير ولا شرف . والناس في كلا العالمين يعيشون الحياة البيولوجية وحدها وتتحكم الغريزة في سلوكهم . و يمارسون الزنا والفحش والشذوذ وتعاطي المخدرات . بل و يمارسون القتل بدافع اللهو والمرح والمغامرة وكسر الملل بالنسبة للمترفين. وبدافع تمويل نفقات الطعام والمخدرات بالنسبة للمهمشين .
وقد استعان الكاتب بمذهب فلسفي ساد المسرح والادب عقب الحرب العالمية الثانية ويسمى اللامعقول . ووصف من خلاله الحياه الجنونية والعبثية لهاتين الطبقتين . حيث يعتمد هذا الاتجاه على توجيه صدمة تخرج المتلقي عن نطاق الحياة اليومية والسلوك المعتاد . ويعيش عالما وحشيا همجيا . حيث الانسان في ادب اللامعقول ليس هو الانسان النموذج بل انسان مبتذل في كل تصرفاته . واللامعقول هو شكل من اشكال الاعمال الفنية التي تجعل المتلقي محملقا منتبها من الدهشة والاستغراب . وهو يعد ابنا شرعيا للحرب العالمية الثانية واهوالها والتي بدت مثل لحظة جنون جماعي عاشتها البشرية فخلفت عشرات الملايين من القتلى والمصابين . وقتها كان الشعور الانساني العام انه لاقيمة لاي شئ في الوجود وان كل شئ هو محض عبث . لان شيئا من العلم او الحضارة او الدين او الفن او الانسانية لم تمنع الانسان من هذه الوحشية التي انحدر اليها . وتحت هذه القناعة تأكد وجود الاتجاه العبثي الذي كان قد اطل برأسه عقب الحرب العالمية الاولى . و بعد ان فقدت كل الاشكال الفنية التقليدية قدرتها على الاقناع كان لابد من الخروج والتمرد على المسرح والادب التقليدي . اي ان ادب اللامعقول كان رفضا وتمردا على الادب التقليدي وكل الاشكال الفنية التقليدية . او كما يقول الدكتور/ محمود السمرة ان ادب اللامعقول هو حلقه من سلسلة ثورات على المفهوم التقليدي للادب والفن . ودعوة الى كسر القاعدة وبناء الغريب في سبيل تصوير الانسان الضائع الذي لا يعرف مصيره ولا يجد للحياة اي معنى . ويغلب على مسرح العبث وادب اللامعقول سمات هي اللامنطقية وانعدام الحبكة ، الافكار غير المتسلسلة وغير المنطقية ، المزج بين التراجيديا والكوميديا (التراجيكوميديا) . فالاولي تعبر عن القوى الكونية المتحكمة في الانسان بينما تعبر الكوميديا عن حال الانسان امام هذه القوى ، وفي اللامعقول ايضا لا يوجد زمان و لا مكان ، وهو يتخلي عن الانسان النموذج "البطل" ليحل محله انسان نكرة تافه ، كما لا يوجد صراع ولا عقدة درامية لها بداية ووسط ونهاية . ولا يوجد تتابع او تسلسل زمني للاحداث . والاتجاه العبثي يعتمد كثيرا على الرمز ولا يقدم حلا بل صراع مفتوح بلا بداية ولا نهاية . ويمكن القول ان اتجاه اللامعقول يعنى اكثر بالعقل الباطن . وهو يعتبر الحياة كارثه ومأساة ألمت بصاحبها ولهذا فالموت ليس سيئا تماما في ادب اللامعقول.
ولا يعد احمد خالد توفيق اول من كتب ادب اللامعقول او العبث . فقد سبقه اخرين مثل : توفيق الحكيم في ( مسرحية طالع الشجرة ) يوسف ادريس ( الفرافير _ المهزلة الارضية )
صلاح عبد الصبور ( المسرحية الشعرية مسافر ليل ) ولكن هؤلاء جميعا كتبوا ادب اللامعقول في الستينات وكانت الحياة وقتها معقولة تماما وهو ما يجعل الاتجاة العبثي وقتهم مجرد موضة او تقليد للغرب . ومن هنا تأتي عبقرية احمد خالد توفيق حيث استدعى اتجاه اللامعقول بعد ان دخلت مصر بالفعل مرحلة العبث واللا معقول السياسي والاقتصادي والاجتماعي . حيث قلة لا تزيد علي 2% من الشعب تستولى على الوطن باكمله وتعتصر خيرات الارض وطاقات البشر لمصلحتها وحدها . ومع الوقت توحشت ولم تعد تقنع الا بافتراس الشعب و مص دمه . والاستيلاء على نصيبه من الدخل القومي مع تخلي الحكومة نهائيا عنه . هذا ما تنفذه السياسية المصرية بخطى حثيثة منذ عهد مبارك . وقد سبقهم الكاتب الى النهايات المأساوية قبل ان يصلوا اليها بفضل فهمه العميق لسياسة المحافظين الجدد وما تسببه من كوارث . وبفضل الخيال الجامح الذي صنع حياة مخيفة تصدم المتلقي . ومعنى ذلك ان توفيق بحسه الادبي المرهف ادرك ان الاشكال التقليدية من الاداب و الفنون فقدت قدرتها الاقناعية . وان عليه لكي يصل الى جيله ان يلجأ لاشكال صادمة . ولم تمنعه لغته المفككه احيانا والخبرية اكثر منها ادبية احيانا اخرى من الوصول لجيله . وذلك لسببين اولهما ان في هذا الجيل من تخرج في الجامعة ويرتكب اخطاء املائية . كما انه جيل لا يعبأ باللغة ويستخدم كلمات مختصرة على السوشيال ميديا تبدو احيانا كالشيفرة . وثانيهما ان اتجاه العبث او اللامعقول الذي استعاده توفيق لا يعبأ اصلا باللغة بل يتمرد عليها هي نفسها . ولا يثق بها كأداة اتصال بين البشر ويراها عاجزة عن النفاذ الى الاعماق فلا تحمل الا كل ما هو سطحي . ولغة اللامعقول او العبث قد تكون مشوشة او بكلمات متناقضه المعنى مع بعضها . حتى قيل بحق ان مسرح العبث يذهب الى ما وراء اللغة . كما ان الحوار العبثي يأتى مبتورا غامضا وغير موضوعي ليكون تأكيدا على عدم صلاحية اللغة للتواصل .
وفي النهاية فان احمد خالد توفيق يعد تعبيرا دقيقا للغاية عن جيله الغير مرغوب فيه . حتى انه برز من خارج المؤسسة الرسمية مستغلا الميديا الجديدة والتي هي سمة هذا الجيل . ومن الممكن اعتباره اديب السياسيين اذ تتبع مذهب اقتصادي هو النيوليبرالي المطبق في مصر وراح يرسم شكل الحياة طبقا له . وبالفعل استبق الكاتب النظام وكشف جنون وكارثية سياسة المحافظين الجدد . فتنبأ بان الاثرياء الفاسدين مختطفي الوطن سيهربون الى مدينة جديدة يختبئون فيها من غضبة الجياع . ان روايته يوتوبيا تعد صيحة لايقاظ الغافلين قبل ان تطحنهم سياسة النيوليبرالي . ومن ناحية الشكل الفني فقد استخدم مدرسة اللامعقول وكانت مناسبة تماما له وللموضوع وللحظة الكارثية التي يعيشها المصريين الان حيث فقدت كل الاشكال الفنية قدرتها على الاقناع . يرحم الله الاديب المناضل احمد خالد توفيق .



#جمال_عبد_العظيم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هذه هي صفقة القرن : تنازل العرب عن الارض والسيادة لصالح اسرا ...
- لماذا اطلقت امريكا المارد الايراني من القمقم
- مظاهر العبودية في المجتمع المصري
- هل يكتفي العسكر ب67 سنة هزيمة
- هل ينجح ترامب فى اعادة الاخوان الى مزرعة الشيطان
- مصير الطبقة العاملة فى زمن المحافظين الجدد
- المخابرات الامريكية وحملة # اطمن_انت_مش_لوحدك
- غسيل دماغ الاخوان فى سجون السيسي
- المراة العربيه المعاصرة والبحث عن شهرزاد
- الحمله الصليبيه على السودان
- الاعلام وتزييف الوعى
- هذه هى اوروبا التى تريدها امريكا
- كيف تستمر امريكا القوة العظمى الوحيده
- قادة الخليج يدشنون اسرائيل الكبرى
- علم نفس الجماهير
- رائحة الانسان
- كيف انتصر سعد زغلول بشعب اعزل على الجيش المسلح
- الموساد قتل ديانا بطلب من العائله المالكه البريطانيه
- اشرف مروان هو قاتل جمال عبد الناصر
- الخلافه الاسلاميه المزعومه


المزيد.....




- من دون زي مدرسي ولا كتب.. طلاب غزة يعودون لمدارسهم المدمرة
- فنان مصري يتصدر الترند ببرنامج مميز في رمضان
- مجلس أمناء المتحف الوطني العماني يناقش إنشاء فرع لمتحف الإرم ...
- هوليوود تجتاح سباقات فورمولا1.. وهاميلتون يكشف عن مشاهد -غير ...
- ميغان ماركل تثير اشمئزاز المشاهدين بخطأ فادح في المطبخ: -هذا ...
- بالألوان الزاهية وعلى أنغام الموسيقى.. الآلاف يحتفلون في كات ...
- تنوع ثقافي وإبداعي في مكان واحد.. افتتاح الأسبوع الرابع لموض ...
- “معاوية” يكشف عن الهشاشة الفكرية والسياسية للطائفيين في العر ...
- ترجمة جديدة لـ-الردع الاستباقي-: العدو يضرب في دمشق
- أبل تخطط لإضافة الترجمة الفورية للمحادثات عبر سماعات إيربودز ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمال عبد العظيم - يوتوبيا احمد خالد توفيق .. عودة الى اللامعقول