سليم نصر الرقعي
مدون ليبي من اقليم برقة
(Salim Ragi)
الحوار المتمدن-العدد: 6155 - 2019 / 2 / 24 - 20:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا شك لدي ومن خلال كل التجارب السابقة أن بقاء هذا العجوز الثمانيني القعيد المصاب بالشلل البدني والذهني(*) - وأقصد هنا الرئيس الجزائري (بوتفليقه) - على سدة الحكم هو أفضل من الفوضى (غير الخلاقة!) كالتي حدثت في ليبيا وسوريا واليمن بعد ثورات الربيع العربي الرهيب!.. ذلك الربيع الطفولي البريء الذي حوله الاسلاميون (الاخوان + الدواعش) بتعنتهم وبتطرفهم وفقرهم السياسي إلى خريف دموي مخيف!!... خريف يجعل الولدان شِيبًا ويجعل الشعوب العربية تفكر ألف مليون مرة قبل أن تخرج لتتمرد على حكامها في لحظة غضب أو لحظة حلم رومانسي أو حتى لحظة شيطان!.... كل هذا صحيح سواء فيما يتعلق بالجزائر أو حتى ما يجري من حراك شعبي في السودان!(**).. فالحذر من الانزلاق للفوضى حذر حقيقي له ما يبرره خصوصًا في ظل انعدام الرشد السياسي لدى النخب السياسة العربية وغير العربية في منطقتنا سواء النُخب التي تتمحك بالعلمانية والليبرالية أو النخب التي تتمحك بالإسلام وتطبيق الشريعة أو تلك التي تتمحك بالهوية القومية!.. فالجامع المشترك بين هذه النخب العربية والامازيغية والعلمانية والاسلاماوية هو غياب الحكمة السياسة وفقدان الرشد والميزان المتمثل في الواقعية والعقلانية السياسية!.. العقلانية والواقعية السياسية التي تعني أول ما تعني: رفض الانجرار خلف المشروعات الطوباوية غير الواقعية وغير العملية (المشروعات العلماناوية أو الإسلاماوية أو القوماوية العروبية أو الأمازيغية!)... والتي تعني ثانيًا مراعاة الفروق الأساسية بين مجتمعاتنا العربية والمسلمة وبين المجتمعات الغربية التي سبقتنا في اقامة نظم ليبرالية تقدس الحريات الشخصية ثم نظم ديموقراطية تمنح المواطنين والشعب الحريات السياسية، فلا يمكن لعاقل أن يتصور استنساخ التجربة الليبرالية والديموقراطية والعلمانية الغربية بملابساتها التاريخية وخصوصياتها الثقافية والمحلية وتطبيقها بحذافيرها (فتوكابي) في مجتمعاتنا العربية والمسلمة!!.. هذا رأي لا يمكن أن يقول به عاقل!!.. عاقل واقعي عليم يفهم طبيعة السياسة ويفهم قوانين التغيير السياسي وحركة الواقع الاجتماعي ويفهم حقيقة التنظيم السياسي للمجتمعات!... لذا في ظل غياب هذا الرشد والنضج السياسي الكافي لدى نخبنا السياسية وحتى النخب المثقفة - للأسف الشديد - فإن المخاوف والمحاذير من أية ثورة شعبية واحتمال انزلاقها نحو الفوضى غير الخلاقة أي الفوضى المُدمرة وغير المُعمرة تظل مخاوف جدية لها ما يبررها وألف ما يبررها!!.. ولكن مع ذلك يجب على هؤلاء الحكام والقادة أن يتعظوا هم أيضًا من هذه التجارب الرهيبة وأن يعملوا على تفكيك الألغام السياسية والاقتصادية التي تتسبب في تهييج الشارع السياسي وتفجير هذه الثورات الهوجاء!.. عليهم أن يخجلوا من أنفسهم وأن يخصصوا ولو عشر دقائق في الأسبوع للنظر إلى وجوههم في المرآة!!.... خصوصًا السيد (بوتفليقة) الذي بلا شك أنه جاء للسلطة في الجزائر في وقت حرج وكان له دور لا يمكن انكاره في تحقيق الاستقرار العام وتحقيق السلم الاجتماعي بعد الفوضى الدموية الرهيبة التي شهدتها الجزائر عقب ثورة شعبية تطالب بالديموقراطية في عصر (الشاذلي بن جديد) انتهت إلى فتح الباب أمام الشعب لانتخابات ديموقراطية حرة ونزيهة استغلها الاسلاميون المتطرفون ((جبهة الانقاذ الاسلامية)) لاستخدامها كرافعة للسلطة من أجل الاستيلاء الدائم على الدولة والانقلاب على العملية الديموقراطية وفرض نظام اسلامي شمولي وفق فهمهم للدين والدنيا والدولة وهو فهم قاصر وملغوم يثير المخاوف والشكوك بالفعل!!... وبالتالي كانت نتيجة ذلك التطرف والتعنت والاستعجال السياسي الاسلاماوي عودة العسكر للمشهد بدوافع أمنية تتعلق بالاستقرار العام والخوف من ((المجهول!؟)) أي كما حصل في مصر بعد ثورة يناير!!... فالتجربة تثبت لنا بشكل عملي أنه في حالة حصول انفتاح سياسي ديموقراطي ودخول الاسلاميين لحلبة الصراع السياسي على السلطة تكون النتيجة هو اجهاض الحلم الديموقراطي من خلال تحالف قوى محلية وقوى دولية للحيلولة دون حكم الاسلاميين لهذه البلدان!... وأنا بصراحة أتفهم كل هذه المخاوف المحلية والدولية من حكم الاسلاميين فهم - بهذه المشروعات الطوباوية والتوجهات الراديكالية والنزعات الشمولية وغياب الحكمة السياسية والفهم الشامل المتكامل والمتوازن للدين - بالفعل يمثلون تهديدًا لا للمشروع الديموقراطي وحسب بل ربما للوحدة الوطنية، انظر ما جرى في السودان وفلسطين وليبيا من انقسام وطني بسبب تعنت الاسلاميين!!، أقول هذا لأنني أتفهم ظروف قدوم بوتفليقة للحكم ودوره في اخماد الفتنة والفوضى التي حدثت بسبب الهيجان والاعصار الاسلاموي الذي اجتاح الجزائر في آواخر الثمانينات!... ولكن بصراحة استمرار بتوفليقة - بعد كل هذه السنوات - وترشحه للمرة الخامسة هو أمر غير حميد ولا يبشر بخير!.. خصوصًا وأنه في ظروف صحية سيئة جدًا جعلته قعيدًا شبه مشلول لا يتحرك إلا على كرسي متحرك !!.... مشهد مخجل بالفعل للجزائرين والعرب والمسلمين لهذا الرئيس العجوز المقعد المنتهية صلاحيته وهو يتقدم للترشح للرئاسة !!... بل والله إنها مهزلة!!... أليس في الجزائر رجل قوي أمين يمكن أن يقود هذا البلد العربي المسلم الكبير والعظيم غير هذا العجوز المريض المقعد!!؟.. ووالله لو كان نظام الحكم في الجزائر نظام حكم ملكي دستوري لكان الأمر مقبولًا لحد ما بل ربما اقتضى الأمر إحالة هذا الملك للتقاعد أو الحجر عليه واحلال ولي عهده محله، فمن الصحة السياسية للدول والمجتمعات أن يكون الرئيس الذي هو رمز الوحدة الوطنية والسياسية للدولة ورمز الاستقرار - شخصًا قويًا وأمينًا لا أن يكون شخصًا عجوزًا هرمًا شبه ميت يتنقل على كرسي متحرك!!.... الشيء المؤكد لدي أن بوتفليقة - بهذا الوضع الصحي البدني والذهني الحرج - لم يعد يملك من أمره شيئًا وليس هو سيد قراره!.. إنما هو تابوت سياسي متحرك بعجلات!.. تابوت يختفي من خلفه أو بداخله (الحكّام الفعليون) للجزائر الذين يستخدمون هذا الرجل العجوز المقعد الذي بلغ سن التقاعد منذ سنوات طوال كواجهة سياسية لتمرير مصالحهم المالية وسلطانهم الفعلي على الدولة الجزائرية وعلى مصادر الثروة في البلد!!... هؤلاء هم من يصرون على استمراره في الحكم كواجهة لهم لأن هذا ما يحقق مصالحهم ومصالح حلفائهم أو ربما أسيادهم في فرنسا!.... أعتقد جازمًا بأن الشعب الجزائري وبعد كل تلك التجارب الكبيرة والمريرة التي مر بها بات قادرًا على اختيار حكامه وقادته من خلال انتخابات حقيقية ونزيهة وليست انتخابات شكلية (مفبركة)!... الشعب الجزائري اليوم وصل للسن الرشد وتفوق حتى على نخبه السياسية التي لا زالت تعيش في بروجها العاجية ويجب السماح له بأن يقرر مصيره ويختار من يقوده.. فبقاء بوتفليقة - وهو بهذا العمر وهذه الحالة الصحية البدنية والذهنية الحرجة - على رأس السلطة والله هو أمر مخجل يندى له الجبين، أمر مهين لكرامة الجزائريين، فالشعب الجزائري وقد تجاوز سن الرشد السياسي وبكل التجارب المريرة والكبيرة السابقة هو من أول وأكثر الشعوب العربية الأجدر والأحق بحكم ديموقراطي ليبرالي حقيقي، لا أقول علماني أو اسلامي ، بل نظام حكم وطني ديموقراطي ليبرالي يتماهى مع ثوابت وثقافة الشعب الجزائري المسلم التي يختلط فيها المكون العربي بالمكون الأمازيغي في لحمة الهوية الوطنية الواحدة!.
********************
سليم نصر الرقعي
كاتب ليبي مقيم في بريطانيا
(*) ليس من العار أو العيب أن يكون الانسان شخصًا عجوزًا مريضًا أو عاجزًا يتنقل على مقعد متحرك بعجلات!، فأنا لا أقصد هنا بالحديث عن حالة السيد الرئيس بوتفليقة النيل من كرامته الإنسانية، فمن الناحية الشخصية والإنسانية له كامل الاحترام ولكن أن يرشح شخصًا - وهو بهذا العمر وبهذا الوضع الصحي الحرج وهذا العجز البدني والذهني – نفسه لتولي منصب رئاسة دولة فهذا – لعمرك - هو الشيء المعيب والمخجل بل والمهين للشعب!!.. فكيف إذا كان هذا العجوز العاجز والمريض يرشح نفسه للمرة الخامسة!!؟؟.. هنا مكمن النقد والاعتراض والاستهجان!
(**) بصراحة أنا أنظر بعين الشك والارتياب لما يجري في السودان وبالرغم من أنني بينت موقفي من نظام البشير مرارًا وتكرارًا باعتباره يمثل نظام انقلاب الاسلاميين على الشرعية الديموقراطية التي تمخضت عنها الانتخابات التي اعقبت الثورة على النميري ثم إذ بهذا الضابط الذي أحضره الاسلاميون للسلطة ينقلب عليهم كما انقلب عبد الناصر على الاخوان.... أقول بالرغم من موقفي هذا من نظام البشير واعتباره نظامًا عسكريًا انقلابيًا تدثر بشعارات ثورية ووطنية ودينية للبقاء في الحكم إلا أن هذه الانتفاضة الأخيرة أشعر بأن خلفها أجندة سياسية ما (؟) فهي من جهة جاءت عقب زيارة البشير لبشار الأسد في سوريا وهو أمر أغضب الاسلاميين أشد الغضب!، ومن جهة هذه الانتفاضة توافقت مع زيارة الرئيس التشادي للكيان الصهيوني ثم زيارة رئيس وزراء هذا الكيان لاتشاد!... لذا بصراحة أنظر بعين الشك إلى الدوافع وراء تحريك الشارع السوداني في هذا القوت بالذات مع أنني أدعم أي جهد سياسي وشعبي عقلاني وواقعي لإحداث انفتاح سياسي ديموقراطي في السودان فالشعب السوداني كالشعب الجزائري ثار مرارًا وتكرارًا من أجل الحرية وقدم تضحيات كبيرة وكثيرة وبالتالي فهو جدير بحكم ليبرالي ديموقراطي وفق الخصوصيات المحلية السودانية!
#سليم_نصر_الرقعي (هاشتاغ)
Salim_Ragi#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟