|
موت الاحزاب . الدولة البوليسية تفرغ الاحزاب من مضمونها . ( 16 )
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 6037 - 2018 / 10 / 28 - 17:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
المغرب في اول دستور، اقر نظام تعدد الأحزاب ، ورفض نظام الحزب الوحيد ، كما رفض الأحزاب الدينية ، والأحزاب الإثنية ، والشوفينية . ان رفض النظام لنظام الحزب الوحيد ، واخذه بنظام التعدد ، لم يكن الهدف منه دواعي الديمقراطية ، وتعدد الآراء ، بل انّ الهدف ، كان هو تشتيت نظام الطبقات التي تعبر عنه الأحزاب ، وكان إيجاد وسيلة لتفريق الرأي العام ، ومن ثم اللعب على الاختلافات بعد تزكيتها ، والدفع بها الى حد الانفجار . اما رفض النظام للأحزاب الدينية ، فكان خوفا من مشاركته تمثيل المسلمين ، واحتكار الدين من قبل الأحزاب ، حتى لا يسقط في الازمة التي عصفت بشاه ايران . لذا سنجد ان الصراع على اشده ، بين النظام الذي يأخذ ( بأمارة امير المؤمنين ) ، ويعتبر ان ما يجمعه مع الامة وليس الشعب ، هو عقد البيعة الذي يعطيه سلطات استثنائية خارقة ، وتعجيزية ، وغير مرئية ، لأنها مستمدة من القرآن ، ومن الإسلام ، فتجعل أي مشكك في هذه التمثيلية ، مارقا، وخارجا عن الاجماع ، وقد يصل الامر الى احد التكفير ، مع ما يستتبع ذلك من نتائج قد ترقى الى جرائم كما حصل مع عمر بنجلون ...... وبين الأحزاب الدينية التي تنافس النظام التمثيلية الدينية ، ولا تعترف له بالتمثيل الديني ، ولا بعقد البيعة التي تصرح بعض الحركات ، ان تكون العلاقة عبارة عن مبايعة تتحدد مقتضاها سلطات الأمير ، او الوالي ، او الملك ، او السلطان ، وانْ تكون مُوثقة بعقد مع ممثلي الامة ( العلماء ، الائمة ، اهل الحق والعقد ، الفقيه ، المرشد .. ) ، وحتى إذا زاغ ولي الامر في سلوكه ، وخرج عن نص العقد، جاز للوصيّين على الدين ازالته وتنحيته . اما رفض النظام للأحزاب الاثنية والشوفينية ، فمرده تجنب اية محاولة لتقسيم الأرض ، وتقسيم الخيرات ، والثروة ، وتقسيم الرعايا الذين هم دائما في خدمة الأمير . فالنظام يريد وحدة الأرض ، حتى يستمر في الاستغلال للخيرات وللثروات ، وحتى يبقى جاهه عظيما وقويا . وهنا نفهم المواجهة الصارمة مع ما حصل بالريف ، كما نفهم تصلب موقفه من نزاع الصحراء الغربية حيث الفوسفاط ، والمعادن ، والسمك . ان تاريخ الأحزاب في المغرب لا يعود الى الخمسينات ، بل يعود الى بداية الثلاثينات من القرن الماضي . وهنا فإننا سوف لا نتناول هذه الحقبة ، لأننا عالجناها في رسالتنا المقدمة في سنة 1987 تحت عنوان " الحركة الماركسية اللينينية المغربية 1965 – 1983 " ، وهي تتكون من 450 صفحة من الحجم الكبير. لان خلال هذه الفترة من التاريخ ، لم تكن الأحزاب تطرح في جدول اعمالها ، مطلب الحكم . لكن بعد الخمسينات وبالضبط بعد الانشقاق الذي عرفه حزب الاستقلال في سنة 1959 ، وتأسيس حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية من قبل البرجوازية الصغيرة ، تغيرت المطالب السياسية جذريا ، فأضحى الحزب الجديد يركز على مطلب الحكم لا على مطلب الحكومة . فالنموذج الذي كان الحزب يفكر في بناءه ، هو جمهورية برلمانية ليس على الطريقة الاوربية ، بل جمهورية عربية . وهنا سنجد التأثير المباشر لحركة القوميين العرب ، وللحزب الاشتراكي الناصري ، وحزب البعث العربي ، خاصة في شقه السوري ، كما كان هناك تأثير قوي لنموذج الدولة الجزائرية التي كانت تقودها جبهة التحرير الوطني . سيبدأ الصراع السياسي للحزب مع النظام عند طرح المسألة الديمقراطية ، وعند طرح الدساتير على التصويت . فالحزب كان يقاطع كل الاستحقاقات بسبب انها تتم ضمن دستور ممنوح ، وليس دستور الشعب الذي تقره الجمعية التأسيسية . سيصل التصادم اوجهه القصوى بأحداث 3 يوليوز 1963 ، وبالأحداث الذي نظَرت فيها محاكمة مراكش في سنة 1970 ، كما سيصل باندلاع احداث 23 مارس 1965 ، وباختطاف وقتل المهدي بن بركة في 29 أكتوبر 1965 . هذا دون ان ننسى مشاركة الحزب الجنرال محمد افقير ، انقلاب الطائرة في غشت 1972 . فالفقيه محمد البصري قبل الانقلاب ، زار اكثر من مرة الكلونيل أمقران الذي كان يعالج بباريس من ورم سرطاني بالرئة . أدى فشل الانقلاب العسكري ، واختطاف الجنود ، والضباط ، وضباط الصف الذين شاركوا في انقلاب مدينة صخيرات في سنة 1971 ، وانقلاب الطائرة في سنة 1972 من السجن المركزي بالقنيطرة ، وترحيلهم في سنة 1973 صوب سجن تزمامارت الرهيب ، الى اندلاع انتفاضة مسلحة كان يقودها الفقيه محمد البصري رغم انه تنكّر لها وتنكّر للضحاياها ، وهي الاحداث المعروفة ب " احداث خنيفرة مولاي بوعزة .. گلميمة " . الصراع حول وعن الحكم ، لم يقتصر فقط بين النظام وبين الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، لكن ستخرج الى الوجود حركات سياسية قوية ، ركزت كل أنشطتها على الحكم ، وليس على الحكومة . فكما ان الاتحاد الوطني للقوات الشعبية كان يطمح لبناء جمهورية عربية برلمانية ، فان منظمات الحركة الماركسية اللينينية المغربية " منظمة الى الامام " ، " منظمة 23 مارس " ، " حركة لنخدم الشعب " ، ناضلت من اجل بناء جمهورية ديمقراطية شعبية ، رغم الاختلاف بين هذه المنظمات من حيث الارتباط بنظرية ، كالماوية ، او الستالينية . إذن النظام الذي استشعر بالخطر يحدق به من كل جانب ، وشارك فيه حتى الجيش وبالتنسيق مع الاتحاد الوطني ، بدأ يفكر في كيفية تطويع الأحزاب والمنظمات المعارضة ، وبدأ يعمل في اتجاه افراغها من محتواها الثوري ، ومن تحويلها من أحزاب تعارض الحكم ، الى أحزاب تطالب فقط باقتسامه ( الملكية البرلمانية ) على الطريقة المغربية ، الى أحزاب تطالب فقط بالمشاركة في الحكومة ، ليحصل لها شرف تنفيذ وتطبيق برنامج القصر ، وهو ما اضحى واضحا منذ المؤتمر الاستثنائي للاتحاد في يناير 1975 . وللشروع في إنجاح المخطط ، كان لزاما على النظام ان يبحث ، عن قضية او موضوع ، يعطيه بعدا استراتيجيا ، يجعل كل الأحزاب ترتبط به ، وتدور في كنفه . فكان ما ابتكره من عامل لتغيير خريطة القوة ، واستحقاقات المطالب ، هو طرح قضية الصحراء في سنة 1974 /1975 . هكذا نجح النظام في تغيير مطالب الأحزاب ، ونجح في جعلها جزء منه لا ضده ، فاصبح النظام عند الجمهوريين البرلمانيين بمثابة عدو ثانوي ، ولم يعد عدوا أساسيا ، وفي مرحلة قصيرة من الصراع ، سيتحول النظام الى نظام وطني ، ومحرر للأقاليم التي كانت تحت الإدارة الاسبانية . سينجح النظام كذلك بسبب قضية الصحراء ، في بث التفرقة والانشقاق في وسط منظمة 23 مارس ، بحيث أضحت الأغلبية التي كانت تصدر جريدة ب " 23 مارس " في باريس ، جزءا من مواقف النظام إزاء الصحراء ، وبعدما ابتعدت عن منظمة الى الامام التي اطلقت على مناضليها اسم العدمية ، ستنحاز بدون شروط ، للتحالف مع حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، وحزب التقدم والاشتراكية . اما المعارضة التي ظلت متمسكة بموقفها ، فهناك المعتقلون السياسيون بسجون النظام ، وهناك " رابطة العمل الثوري ّ التي ستحل نفسها في وقت سابق ، ولتنظم كأفراد ، وليس كتنظيم الى حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي . لقد نجح النظام كذلك ، وبسبب المواقف المختلفة من الصحراء بين جماعة عبدالرحيم بوعبيد الذي كان يراهن على اصلاح النظام من الداخل ، وجماعة الاختيار الثوري برئاسة الفقيه محمد البصري ، وبعد البيان العام الصادر عن المؤتمر الاستثنائي في يناير 1975 ، الى خروج جماعة الفقيه واعلانها الانفصال عن الحزب ، وتأسيس حركة الاختيار الثوري التي راهنت على نزاع الصحراء لقلب نظام الحكم في المغرب . وهنا فالتنسيق كان على اشده مع القيادة في قصر المرادية الجزائرية . ان طرح النظام لقضية الصحراء ، سيعجل ببث الاختلافات الجذرية بين رفاق الامس " القاعديون " و " رفاق الشهداء – رفاق المهدي وعمر " ، كما سيتسبب في عرقلة اشغال المؤتمر الوطني السادس عشر للاتحاد الوطني لطلبة المغرب ، وسيتسبب في افشال المؤتمر الوطني السابع عشر في سنة 1982 . وهو نفس الفشل سيكون مصير اللقاء التنسيقي بين منظمة الى الامام ، وحركة الاختيار الثوري بجامعة نونتير في باريس في سنة 1978 . إذن كيف استطاعت الدولة البوليسية ان تفرغ الأحزاب من مضامينها ليس الثورية ، بل حتى الإصلاحية ، وتحولها الى كائنات صدفية فارغة أصبحت ملتصقة بالدولة ، وليس هذه من يلتصق بها ، كما كان الحال في الستينات وسبعينات القرن الماضي ؟ الدولة البوليسية البارعة في المقالب المختلفة ، وحبك المؤامرات المتعددة ، كانت تضع في أولوياتها في المعالجة ، الاهتمام ، والانكباب على الأحزاب الكبرى التي كان لها صيت داخلي ، ولها صيت خارجي من خلال الشعارات المرفوعة ، والأيدولوجيات المُعتنقة . لذلك فهي لم تكن تهتم بالأحزاب الصغيرة الاّ نادرا ، حين تبدأ بالظهور داخلها ، تيارات قد تخلق بعض الازعاج المُركّب ، لعمل الدولة في التصدي للأحزاب الكبرى ، او تيارات قد تعطل هدف الدولة البوليسية الرئيسي الأول ، وتضعف من مستوى معالجته للظاهرة قيد الاهتمام . وفي سبيل الوصول الى تهجين الأحزاب المعارضة ، والانتهاء بتركيعها ، بعد ان دفعت بها للقطع جذريا مع ماضيها الذي يميزها ، فهي عملت على تلغيمها ، واختراقها ، بدسّ الموالين على مستوى القيادة والاطر المتقدمة ، والدفع بهم لاحتلال مراكز مهمة في المكاتب السياسية ، والكتابات الوطنية ، واللجان الإدارية ، كما كانت تشرف على اعداد موالين بالقطاع الطلابي ( الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ) ، والدفع بهم الى الالتحاق بتلك الأحزاب ، اثناء العمل الطلابي ، وعند التخرج من الكلية ، فهم كانوا عيون البوليس في الجامعة حيث تتواجد فصائل طلابية متعددة ، وعيون البوليس في الحزب ، ومن خلالهم عيون في الأحزاب الأخرى ، بحكم التنسيق ، والعمل المشترك بين الأحزاب ، بغية استعمالهم في التحكم في مفاصل الأحزاب ، والتحكم في حركتها ، بخلق لوبيات من الوشاة العملاء ( تيارات ) ، الذين تكون مهمتهم بالطبع ، وبعد التوجيهات هي العرقلة ، وعند الاقتضاء الشروع في الانشقاق لإضعاف الأحزاب . كان الاهتمام الأول للدولة البوليسية منصبا على حزب الاتحاد الوطني / الاشتراكي للقوات الشعبية . فبعد الانتفاضة المسلحة في 3 يوليوز 1963 ، والاحداث التي تسببت في محاكمة مراكش في سنة 1970 / 1971 ، والمشاركة في انقلاب الطائرة في سنة 1972 ، مرورا بأحداث 3 مارس 1973 المسلحة . وقبلها المواقف السياسية الجذرية التي اتخذها الحزب منذ طرح اول دستور ممنوح ، ومن البرلمان ، أضحت الحاجة ماسة لضبط التوازنات ، والتحكم في السلوكات ، وتوجيه العمل الحزبي بما يصب في مشاريع النظام ، ويصب في مخططاته . هكذا وبعد دفع الموالين العملاء داخل الحزب للتحرك ، ستأتي قرارات 30 يوليوز 1972 ، لتؤسس لنمط حزبي جديد عمّا ساد قبل هذا التاريخ ، وساد منذ الانفصال عن حزب الاستقلال في سنة 1959 ، وتأسيس الحزب الجديد " الاتحاد الوطني للقوات الشعبية " . فقرارات 30 يوليوز ستقسم الحزب الى جناحين لا تنظيمين : جناح الرباط الذي سيصبح طيّعاً لتنفيذ قرارات الملك ، وهو ما اطلقوا عليه بالجناح السياسي التقدمي ، وجناح الدارالبيضاء الذي ارتبط بنقابة الاتحاد المغربي للشغل . بعد الانتفاضة المسلحة في 3 مارس 1973 ، وبعد فشل انقلاب الطائرة ، سيتدخل الحسن الثاني شخصيا ليفرض على عبد الرحيم بوعبيد اسم " الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية " ، بدل " الاتحاد الوطني للقوات الشعبية " ، وذلك للقطع مع تاريخ هذا الحزب في مواجهة النظام ، ومحو فكرة مطلب الجمهورية من اجندات الحزب ، وحتى يصبح الحزب الجديد " الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية " جزءا من النظام لا خارجه ، مدافعا عن النظام لا ضده ، وحتى يوظفه احسن توظيف ، في التخندق الى جانب أطروحة القصر من نزاع الصحراء الغربية . في هذا الباب وحتى يتم القطع النهائي مع ماضي الاتحاد الراديكالي الثوري ، سيدفع الحسن الثاني بقيادة الاتحاد الموالية برئاسة عبدالرحيم بوعبيد الى عقد المؤتمر الوطني الاستثنائي في يناير 1975 ، الذي حول الحزب من حزب ثوري هدفه الجمهورية ، الى حزب إصلاحي برلماني ، اضحى متشبثا ب ( المنهجية الديمقراطية ) التي تراوحت من الملكية البرلمانية على الطريقة المغربية ، أي تنازل الملك عن البعض من سلطاته ، لفائدة نظام نيو- ملكية تنفيذية ، بمسحة نيو- ديمقراطية مغربية . لكن الأساس كان هو الالتفاف عن المطالب الديمقراطية الحقيقية ، التي ستصل مع التقدم في معركة الصحراء ، الى مجرد المطالبة بالمشاركة في الحكومة وليس في الحكم ، تحت قيادة ملكية بررت اطلاقيتها ( مطلقة ) ، باسم الظروف الاستثنائية التي يمر منه المغرب بسبب حرب الصحراء . هكذا ستنجح الدولة البوليسية في افراغ الحزب من كل مضامينه بما فيها الإصلاحية ، وتحولت المنهجية الديمقراطية من نيو – ملكية تنفيذية باسم نيو - ديمقراطية مغربية ، وستنجح في تغيير المعنى الحقيقي من المنهجية الديمقراطية ، ليصبح مختزلا في المشاركة في انتخابات صاحب الجلالة ، والمشاركة في حكومة الملك ، للحصول على شرف تطبيق برنامج الملك ، الذي يعطيه الدستور كل السلط ومفاصلها ، ويجعل منه وحده الممثل الاسمى للامة ، وليس برنامج الحزب الذي يختفي لصالح برنامج القصر، بمجرد الإعلان عن نتائج الانتخابات . وإذا تمعنّا في الصورة المأساوية للحزب الذي تحول الى اسم لشگر ، وفقد تاريخه الذي اصبح مختزلا فقط في العنوان كعلامة تجارية للاسترزاق ( البرلمان والحكومة ) ، لجزمنا من ان الدولة البوليسية نجحت في اخضاع وتركيع الجميع ، ولجزمنا ان ما يسمى بالأحزاب الصدفيات الفارغة تعيش على حساب النظام لا العكس . لقد عيّن الحسن الثاني في المؤتمر الخامس للحزب ،عملاءه وعيونه فيه ، عبدالواحد الراضي ، وفتح الله ولعلو ، وفرضهم على عبدالرحيم بوعبيد الذي ادخلهم الى المكتب السياسي ، في حين عيّن ادريس البصري العديد من الكتاب العامين للكتابات الوطنية بالمدن الكبرى ، فاصبح بالحزب عيون تعمل مباشرة مع الملك ، وعيون أخرى تعمل مع وزارة الداخلية . وما حصل للاتحاد الاشتراكي ، نفسه حصل لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي ، ولحزب التقدم والاشتراكية ، ولحزب الطليعة ، و الاشتراكي الموحد ، وحصل للكنفدرالية الديمقراطية للشغل – حزب المؤتمر . الجميع اصبح أحزابا ملكية بامتياز . إنّ ما كان يجهله الفاعلون السياسيون ، والفاعلون المشتغلون بالسياسة ، انه كان هناك صراع خفي بين أحزاب القصر ، وبين أحزاب وزارة الداخلية ، وهو صراع كان يُدار بشكل سرّي ، وسلس ، وبدون ادراك القصر لحقيقة الصراع ، بسبب التعتيم الذي كانت تمارسه الوزارة على القصر . فعندما كان يتضح لديوان الوزير ان حزبا ما ، بدأ يحاول الابتعاد ، او يحاول ان يتخلص من سلطة الداخلية بالهروب الى الاحتماء بسلطة القصر ، كانت الآلة البوليسية تحرك بسرعة البرق، لتحدث انشقاقاً في الحزب الذي يحاول التخلص من سلطة الداخلية ، فكانت تدفع بجواسيسها الى الانتفاضة التي تنتهي بأسيس حزب جديد ، يكون في يدها للتحكم في الساحة ، وفي مصدر المعلومة . هنا نذكر بخروج الحزب الوطني الديمقراطي عن حزب التجمع الوطني للأحرار الذي زعيمه هو صهر الملك ، وخروج جبهة القوى الديمقراطية عن حزب التقدم والاشتراكية ، وخروج الحزب الاشتراكي عن منظمة العمل الديمقراطي الشعبي ، وخروج مجموعة الثمانية برئاسة العنصر عن الحركة الشعبية .....لخ . لقد نجحت الدولة البوليسية في تركيع الأحزاب ، ونجحت في تحويلها الى مجرد صدفيات تتحرك بالعنوان ، وليس بالمضمون ، كما جعلتها تعيش على حساب القصر الذي أصبحت تتسابق لخدمته ، حتى يحصل لها شرف تنفيذ برنامجه . لكن الذي لم تنتبه له الدولة البوليسية ، انها تسببت في قتل الأحزاب التي كانت تلعب دور المتنفس الوحيد للازمات ، وبعد ان جعلت الساحة فارغة وعاقرة ، تكون قد تسببت للنظام الذي مكنّها من المغرب ومن المغاربة ، في اكبر خطر يواجهه ، الذي هو الفراغ . وحيث ان الطبيعة لا تقبل الفراغ ، فإن هذا ، ومع خصوبة الساحة ، والوضع الاجتماعي المتفاقم ، والآخذ نحو الأكثر من التدهور ، واستفحال الازمة الاقتصادية ، وثقل حرب الصحراء المهددة بالانفصال ، والارتفاع المهول للأسعار ..... قد يسبب في الطوفان القادم ، وقد يسبب في الدخول الى المجهول . ان اعظم خدمة سددتها الدولة البوليسية للشعب ، هي انها عزلت نفسها ، وعزلت معها النظام ، شعبيا وامميا ، ووسعت من القاعدة العريضة للمعارضة الشعبية ، التي لا تقودها الأحزاب الملكية ، بل تقودها الجماهير الشعبية عبر طول ربوع المغرب . ان ما حصل بجرادة ، والريف ، وصفرو ، وزاگورة ...... وان انتفاضة 20 فبراير ، لم تكن من صنع الأحزاب التي تتآمر وتآمرت عليها ، بل كان من صنع الجماهير والشباب الواعي الرزين المعطل، رغم توافره على شواهد جامعية . فالمعارضة اليوم لم تبق نخبوية كما كان الحال سابقا ، بل أصبحت معارضة جماهيرية وشعبية ، يقودها شباب نبعوا من قلب الشعب ، وليس من قلب الحكم . هكذا تكون الدولة البوليسية ، ببطشها ، واستبدادها ، وقمعها ، وارهابها ، وبسبب امّيتها ، قد ساهمت من حيث لا تدري ، في استحضار أسباب الطوفان او المجهول ، وتكون قد ساهمت من حيث لا تدري ، في توسيع قاعدة المعارضة للاختيارات اللاّشعبية واللاّوطنية . فشكرا للدولة البوليسية البليدة . ( يتبع )
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طلقات في عز الليل
-
آه يا وطني -- يا اجمل بلاد في العالم
-
أراك في عيون إخوتي الصغار . أراك في عيون الثوار ( 1 )
-
الوطنيون في خطاب الملك
-
المغرب الى اين . ( 15 )
-
اجتماعات جنيف المقبلة حول الصحراء
-
وتستمر الدولة البوليسية الفاشلة في سياسة الهروب الى الامام (
...
-
رغم تدمير الدولة البوليسية لكل القيم ، ومع ذلك تستمر في الهر
...
-
عندما تريد افراغ منظمة ثورية مسلحة من ثوريتها
-
خطر الدولة البوليسية اخطر من خطر الدولة الدكتاتورية ( 12 )
-
تتمة الحلقة العاشرة حول رفض الشعب لتغوّل واستبداد الدولة الب
...
-
هل ناصر الزفزافي في طريقه الى الشهادة .
-
هل اقترب حل نزاع الصحراء الغربية .
-
فدرالية أم كنفدرالية لمستقبل الصحراء
-
خريطة الطريق لمواجهة تغوُّل ، وبطش ، وقمع الدولة البوليسية (
...
-
طريق واحد لا طريقان للرد على تغوّل الدولة البوليسية ( 9 )
-
حين يسرق البوليس الدولة ويحوّلها الى دولة بوليسية . يبقى هنا
...
-
سجل أنا عدمي ( 7 )
-
بعد الخطاب الملكي الذي حرره عملاء الدولة البوليسية ، تبقى طر
...
-
ما العمل في وضع مزري كالذي نحن فيه عربيا ومحليا ودوليا ( 5 )
المزيد.....
-
بوغدانوف يبحث مع وفد من حماس المستجدات في غزة ويؤكد أهمية ال
...
-
الجدل حول شراء غرينلاند لم ينته بعد.. ورئيسة وزراء الدنمارك
...
-
بيل غيتس وصورة -الملياردير المثالي-
-
ترامب يعلق رسومه الجمركية على المكسيك -شهرا-
-
الرياض.. برنامج أمل التطوعي لدعم سوريا
-
قطاع غزة.. منطقة منكوبة إنسانيا
-
الشرع لـ-تلفزيون سوريا-: النظام كانت لديه معلومات عن التحضير
...
-
مصراتة.. سفينة مساعدات ثانية إلى غزة
-
جنوب إفريقيا تعلن عن إجراءات محتملة ردا على قرار ترامب وقف ت
...
-
مصر تصدر خرائط جديدة لقناة السويس.. ما أهميتها وتفاصيلها؟
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|