أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - ثلاثون عامًا على ميلاد الجميلة














المزيد.....


ثلاثون عامًا على ميلاد الجميلة


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6025 - 2018 / 10 / 16 - 15:40
المحور: الادب والفن
    


مَن يُصدِّق أن تلك العصا النحيلةَ، في يد ذلك الرجل، أخطرُ من سيفٍ وأقوى من سيلٍ من الرصاص. أولئك البشرُ الواقفون والجالسون والراقصون والصادحون فوق خشبة المسرح الكبير في دولة الأوبرا المصرية، أولئك الذين من طينة سماوية لا تُشبه طينة الأرضيين، أولئك هم أربابُ الفنون الرفيعة في مصر الذين كانوا الضمانة الحقيقية لحرية مصر وسموّها، والحائطُ الصدُّ الذي حما وعي مصر الجمعي من الخضوع للاحتلال الإخواني البغيض؟
عصًا بيضاءُ نحيلة في يد المايسترو أحمد عاطف، قائد أوركسترا القاهرة السيمفوني، أقوى أثرًا من رصاصة في قلبِ جاحدٍ. فالرصاصةُ تقتلُ الجاحدَ وتُصفّيه، بينما الموسيقى التي تطيرُ من طرف العصا، تُذيب قلبَ الجاحد، فيرقُّ ويرهفُ ويتحوّل إلى رؤوف رحيم. نجلسُ في المسرح الكبير، بدار الأوبرا المصرية الجديدة، أبصارُنا معقودةٌ بطرف تلك العصا التي تحملُ طاقةً سحرية مدهشة، وتخلقُ عوالمَ غنيّةً بالفرح، حاشدةً بالحياة والبشر والتواريخ والذكريات. مَن يُصدّقُ أننا، نحن الراهنين، نحلم بأن نُنصتَ إلى الموسيقى التصويرية لفيلم قديم نُحبُّه، تعزفه الآن أوركسترا القاهرة السيمفوني عزفًا حيًّا نراه ونسمعه؟! “الأيدي الناعمة"، "بياعة الجرائد"، "أخطر رجل في العالم"، "أمبراطورية ميم"، "تايتانيك"، من تأليف: علي إسماعيل، محمد عبد الوهاب، ديمتري كاباليفسكي، ستيلفو شيبرياني، وغيرها. ومَن يُصدّق أن تصدح حنجرةُ الصوليصت الجميلة، إيمان مصطفى، مع أوتار الكمانات والتشيلو والهارب، بنغمات موسيقى فيلم "تايتانيك" بطبقات صوتها الأوبرالية الجهورة والحادة، فنتساءل عن تلك الآلة الموسيقية الربانية التي وضعها اللهُ في تلك الحنجرة الاستثنائية. ومَن يصدق أن جار طفولتي قد أصبح اليوم هو المايسترو "مصطفى حلمي"، يقود الآن فرقة الموسيقية العربية لتعزف لنا الأغاني الوطنية العظيمة التي مسّت قلوبَنا في صبانا وطفولتنا.
أعلم أن الكتابةَ عن الموسيقى بالكلمات، خطيئةٌ وعبثٌ. فلا شيء يصف الجمالَ إلا أن تراه وتسمعه وتنهل من مائه بشغف حتى ترتوي. الكتابة عن الموسيقى تشبه أن تصف لكفيف شكلَ السماء وتلك اللوحات التي ترسمها الغيوم برقائق الجليد، والطيور التي تقطعُ اللوحة بأجنحتها، أو أن تصف بالكلمات الفقيرة عطرَ وردة لحظة تسقط عليها قطرةُ ندى. ما كان ينبغي أن أكتب عن الموسيقى لأن اللغة قاصرةٌ عاجزةٌ. كل ما هنالك أنني وددتُ أن أشكر أولئك على الموسيقى التي يغزلونها لنا في دولة الأوبرا العظيمة، فيجعلوننا نسترد إنسانيتنا التي تتسرّب من بين أصابعنا مع كل دمعة طفل يبكي جوعًا أو خوفًا، ومع كل زفرة أم ثكلى فقدت وليدها في لحظة شهادة. ليس علينا إلا الصمتُ. لأن الصمتَ في حرم الجمال جمالُ. نصمتُ ونتركُ النغمَ ينساب من حولنا من كل صوب مثل شلال عذب من النور؛ وأفكر لو أن الحكومةَ المصرية قد فرضتِ واجبًا قوميًّا يُلزم المواطنين بالذهاب للأوبرا مرةً في الأسبوع؟! هل تختفي الجريمةُ! أعتقد هذا. لو جِيء بالمُخرّبين أعداء الحياة، لحضور الأوبرات والباليه والموسيقى العربية والكلاسيكيات الروسية والألمانية، لابد سوف يخرجون على عكس ما دخلوا. سوف ترقُّ قلوبُهم، وتشفَّ أرواحُهم فيتبدّلون. الموسيقى تُربّي الروح. تُهذِّبُها. تُشذِّبُها من النتوءات والبثور، وتُنقِّيها من الشوائب. لذلك قال أفلاطون: "علّموا أولادَكم الفنون، ثم أغلقوا السجون."
اليومَ تُتمُّ الجميلةُ عامَها الثلاثين. "دار الأوبر المصرية"، التي يروق لي أن أُسميّها "دولة الأوبرا"، لأنها دولةٌ مكتملةُ الأركان، بشعبها وقوانينها وزيّها الرسمي وجنودِ جيشها ودستورها الحاكم. فأشكر كل من وضع طوبة في هذا الحصن التنويري الهائل، حصن الفرح البهي، لأنه يمنحني الفرحَ كلما اخترقت قلبي الهمومُ والكدَر. اليوم حقٌّ عليّ أن أقول: شكرًا لسيدة الأوبرا إيناس عبد الدايم، عصفورة الفلوت، ووزيرة الثقافة، التي جعلت من الأوبرا قِبلةً يحجُّ إليها كلُّ ذي شغف بالجمال، وشكرًا للدكتور مجدي صابر، مدير الأوبرا، وأستاذ الباليه. وشكرًا للخديوي إسماعيل، الذي شيّد لنا دار أوبرا القديمة عام 1869. وشكرًا لإمبراطور اليابان الذي أهدانا دار الأوبرا الجديدة بعد احتراق الأولى عام 1971. وشكرًا لكل شخص يعمل في دولة الأوبرا الجميلة، لأنكم تمنحونا الفرح. كل سنة وكل خشبات مسارح الأوبرا مُضاءة بالفرح والنور.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سوق برقاش... يا سيادة الرئيس!
- ليزا وأطفالي …. وقانون الطيران
- الرئيس يستثمر في الإنسان في مؤتمر شرم الشيخ
- الرئيس يستثمر في الإنسان
- مُعلِّمةُ البيانو
- كمال الجنزوري …. فارسُ البسطاء
- الطريق إلى العمّ نجيب
- دولة الأوبرا في حضن البتول
- يهودُ مصرَ …… المصريون
- دمشاو هاشم …. احذروا القُبلَةَ الخائنة
- رجاء الجميلة … سلامتك
- طوبَى لصُنّاع الفرح
- أشهرُ صفقة باب في التاريخ
- هرمُ الإسكندرية ... والشيخُ سيد
- حين يفترسُنا العشقُ سرًّا
- دموعٌ على جديلة … وآيسبرج على حُفاة!
- بوق نذير: -أنتِ ماحساش بالناس-!
- هل تعرفون المصريين الأرمن؟
- أسئلةُ -جوجان- الصعبة
- المتحف الكبير … هديةُ مصرَ للعالم


المزيد.....




- -فلسطين.. شعب لا يريد الموت-.. كتاب جديد لآلان غريش
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 177 مترجمة للعربية معارك نارية وال ...
- الأزمة المالية في كردستان تؤدي إلى تراجع النشاطات الثقافية و ...
- جمال سليمان من دمشق: المصلحة الوطنية السورية فوق كل اعتبار ( ...
- جمال سليمان يوجه رسالة بعد عودته لدمشق عن جعل سوريا بلدا عظي ...
- إبراهيم اليازجي.. الشخصية التي مثّلت اللغة في شكلها الإبداعي ...
- -ملحمة المطاريد- .. ثلاثية روائية عن خمسمائة عام من ريف مصر
- تشيلي تروي قصة أكبر تجمع لفلسطينيي الشتات خارج العالم العربي ...
- حرائق كاليفورنيا تلتهم منازل أعضاء لجنة الأوسكار وتتسبب في ت ...
- بعد غياب 13 عاما.. وصول جمال سليمان إلى سوريا (فيديو)


المزيد.....

- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - ثلاثون عامًا على ميلاد الجميلة