|
عزيزي طارق الطاهر : ماذا بعد مفاجآت نجيب محفوظ ؟
محمد القصبي
الحوار المتمدن-العدد: 6001 - 2018 / 9 / 22 - 03:04
المحور:
الادب والفن
يسألني الصديق الكاتب الصحفي طارق الطاهر: -هل قرأت العدد الجديد ؟ كان يعني عدد هذا الأسبوع من صحيفة أخبار الأدب التي يرأس تحريرها أجبت :لا ..ليس بعد ..ماذا به ؟ قال مبتسما ربما في زهو :مفاجأة ! ولم يزد .. هرعت إلى الصحيفة .. تصفحتها ..لأنتهي إلى أن تلك الابتسامة التي رافقت سؤاله إن كانت تفيض من شعوره بالزهو ..فهو محق .. وماكانت مفاجأة واحدة تباغتك عبر صفحات الملف الثماني والعشرين الذي أعده عن شيخ الرواية العربية نجيب محفوظ ، بل مفاجآت ..إن كان بعضها ربما معروفا لجيل العواجيز الذي أنتمي إليه ..فغالبيتها ..ربما جميعها مازال مستورا عن الأجيال الجديدة. لذا أحسن رئيس تحرير أخبار الأدب حين عنون الملف الذي أمضى وفريق التحرير بالصحيفة شهورا في إعداده ب" مفاجآت نجيب محفوظ لا تنتهي بالرحيل .. ومن بين تلك المفاجآت مكتبة صاحب نوبل ، والتي تحتوي على 1095 كتابا مهداة من مؤلفيها إلى كاتبنا العبقري ..وقد بذل طارق الطاهر جهودا مضنية من المراسلات والاتصالات مع كبار المسئولين بوزارة الثقافة وهيئاتها المختلفة ، ليتمكن من الوصول إليها في مخزن ملاصق للجهة الخلفية من المجلس ، حيث مازالت مكنوزة في العشرات من "الكراتين "ليتفحصها ويفاجئنا بما كتب على صفحاتها الأولى من إهداءات بأقلام مؤلفيها إلى أديبنا العبقري .. وليس هذا وصفي لصاحب الثلاثية ..بل هكذا نعته صاحب عودة الروح توفيق الحكيم ، حيث كتب الحكيم في مستهل النسخة التي أهداها إلى محفوظ من كتابه "رحلة الربيع والخريف " : إلى عبقري الرواية والقصة نجيب محفوظ .مع وافر المحبة والإعزاز .توفيق الحكيم 1968 ومما يجذب الانتباه في هذا الإهداء أن الحكيم المشاع عنه انتماؤه إلى هذا الصنف من البشر الذي "يقتصد" في كل شيء " حتى في التعبير عن مشاعره ، أو على الأقل لايبالغ ،يصف نجيب محفوظ بعبقري القصة والرواية ! وبالطبع هو بكلماته هذه لم يتجاوز الحقيقة ، فهكذا كان محفوظ .. عبقري الحكي في عالمنا العربي ، ولآابالغ إن قلت ،مازال بلاخليفة ! بل أنه – الحكيم أعني- وبعد خمسة عشر عاما من صياغته لهذا الإهداء يقدم ما يشبه الشرح عبر إهداء آخر تصدر صفحات كتابه " مصر بين عهدين " حيث كتب في النسخة المهداه إلى شيخ الرواية العربية : إلى نجيب محفوظ الذي بنى للرواية العربية طوابق شاهقة ، في الوقت الذي توقف فيه جيلنا عند الطابق الأول .توفيق الحكيم 1983" . والقاريء الممعن لتلك الإهداءات سيجد أنها تفصح عن لغة التعامل بين الكبار ، فها هو الكاتب الكبير ثروت أباظة يستهل نسخة من كتابه "جنوب السماء " الذي أهداه لمحفوظ بتلك العبارة "إلى أستاذي وأخي ومثلي الأعلى شمس الرواية العربية ومشرقها نجيب محفوظ .حبي كله " ثروت أباظة الأكبر سنا يخاطب محفوظ ب" أستاذي ومثلي الأعلى " ! إهداء كتبه ثروت أباظة متكئا على مشاعر صادقة ليظهر كيف نجح هذا الجيل في تكريس أخلاقيات التواصل الانساني الراقي في المشهد الثقافي.. ولايحيد الروائي العراقي عن هذا السبيل حين قال في إهداء روايته " خطوط الطول ..خطوط العرض " لصاحب نوبل :" إلى أستاذ الجيل نجيب محفوظ الذي بثباته وعطائه المتميز ، النموذج الذي يجب أن يحتذى مع المحبة . 29/3/1984".
في 17 نوفمبر 1970 أهدى المفكر الكبير محمود أمين العالم كتابين لمحفوظ ..وكان إهداؤه في مستهل كتاب "معارك فكرية " كالتالي " إلى صاحب القلم المناضل – المبدع الأستاذ نجيب محفوظ .مع أعمق تقديري ومحبتي ." فهل كان محفوظ مناضلا ..كما وصفه " العالم "؟ نعم ..قلما .. كقاريء رأيته هكذا ، وأظن أن ملايين المتلقين عبر العالم العربي يشاركونني تلك الرؤية ،حكي نجيب محفوظ استهدف تثوير الدماغ المصري والعربي..سياسيا وثقافيا واجتماعيا . لكن السؤال :كيف كان نجيب محفوظ خارج صومعة الكتابة ؟ الشائع أنه حتى في حواراته وتصريحاته الصحفية كان دبلوماسيا ..وحريصا على ألا يثير غضب أحد ..لم يكن أبدا من هواة تفجير المعارك كالعقاد أو يوسف إدريس مثلا .. ..فهل ثمة حقيقة مغايرة كشف عنها ملف أخبار الأدب ؟ حوار - لم ينشر من قبل- أجرته معه سيزا قاسم يوم 16مارس عام 1978وهي تعد رسالة الدكتوراة المعنونة ب "في بناء الرواية ..دراسة مقارنة لثلاثية نجيب محفوظ ..عبر هذا الحوار نرى محفوظ على غير ما أشيع عنه ،حيث يمطر محدثته بالعديد من التعليقات الساخرة التي تنال من شرائح يراها أديبنا العبقري متاريس تعرقل تطور المشهد الثقافي ،بل المشهد العام كقوله "ننادي بقاعدة الرجل المناسب في المكان المناسب ولانطبقها " "النقاد الشيوعين حاجة صعبة جدا لايرضيهم سوى الهتاف ". "لدينا نقاد متسرعون وكسالى" وكما نرى ..خلال حوار واحد أطلق الرصاص على نوعيات من البشر اشتهروا ب "لسانهم الطويل " كالشيوعيين والنقاد ، بل والحكومة حين قال "ننادي بقاعدة الرجل المناسب في المكان المناسب ولانطبقها . طويت الصفحة الأخيرة من ملف مفاجآت نجيب محفوظ " سعيدا بهذا الإنجاز الصحفي والثقافي البارز ، لكن سعادتي يشوبها شيء من كدر النرجسية ..ذلك لو علمت بأمر هذا الملف ، لو أخبرني الصديق طارق الطاهر بمشروعه المحفوظي لوضعت بين يديه حوارا أظنه فريدا ،أجريته مع صاحب نوبل ،ونشرته في صحيفة السياسي المصري بتاريخ 18يونيو 2000 ، وقد وصف أديبنا العبقري ماكتبته من استهلالية وعناوين – وكما أبلغني سكرتيره الخاص المرحوم الحاج صبري- بأنه قطعة أدبية ، أما دافعي حينها لطرق باب صاحب نوبل ..نيران الحرب التي أشعلها المتأسلمون في حزب العمل مع صدور رواية وليمة لأعشاب البحر للكاتب السوري حيدر حيدر من الهيئة العامة لقصور الثقافة ، وتظاهر ألاف الطلاب من جامعة الأزهر..استجابة لنفير الحرب الذي أطلقته صحيفة الشعب لسان حال الحزب ضد الرواية ومؤلفها ووزير الثقافة ، والحكومة !لينتاب الهلع المسئولين ويسرعوا بمنع تداول الرواية و ما كان هذا هدف " الظلاميون والمكفراتية " من وراء حربهم بل تقويض ركائز النظام القائم لتقوم على أنقاضه دولة الخلافة !!.. أتذكر حينها طرقت في هلع مواطن مصري ،وليس فقط صحفي أبواب أمين حزب العمل عادل حسين ..وسألته في استهجان عن دوافع هذا الإعصار الذي أشعلته صحيفتهم " الشعب " ضد وزارة الثقافة والحكومة ،فقال لي منفعلا : لوسبك أحدهم بالأم أو الأب هل ستسكت ؟ فماذا لوسب الذات الإلهية ..جريمة نرتكبها لو صمتنا ..! لذت بصاحب نوبل فقال بحزم: لارقابة ولاقهر ولاقوانين .. وشدد على أن القاريء هو الرقيب ، وقال نصا :المبدع حر ومسئول عن عمله ..فإذا أتى بعمل من شأنه أن يصرف الناس عنه ،فهو السبب . وبالتالي يأتي العقاب من القاريء وليس من أي جهة أخرى . وأخيرا ..ليت مفاجآت " أخبار الأدب " لاتتوقف عند حدود عالم نجيب محفوظ ..بل تاريخنا الثقافي مكنوز بعوالم مازالت خفية لعباقرة آخرين ..طه حسين والحكيم والعقاد ، وأدونيس ،وآسيا جبار ، وغيرهم..لو ثمة عدل لطرقت جائزة نوبل أبوابهم مثلما طرقت باب شيخ الرواية العربية .. لذا أقول لصديقي طارق الطاهر :لتكن مفاجآت نجيب محفوظ الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل الشاقة لإضاءة ماخفي من عوالم هؤلاء العباقرة ..ويقينا ستجدون ما يثير بهجة ودهشة قرائكم على امتداد جغرافية الوطن الكبير .
#محمد_القصبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نادية الكيلاني .. بين شكلانية الديموقراطية وشبهة السريالية
-
حوارات ملسا حول البوست المشبوه!
-
لماذا يستمتعون بالجنس أكثر في ضواحي اللاشرعية ؟!
-
هل يخدعنا ؟ عماد راضي مواطن في جمهورية الفقراء !
-
ما موقف المطبلاتية لو حكم الليكود مصر.. لاقدر الله ؟!
-
الحق أقول لكم ..الحق يقول الباز !
-
ثقافة ابن بهانة ..في ملسا
-
إعادة هيكلة دماغ المصريين ..من أين نبدأ؟
-
زحمة ضحاياها.. بروليتاريا الأدب !
-
د. طارق شوقي ..أنا معك ..إلى أن تصبح وزيرا للمعارف ..لا وزير
...
-
سلماوي في السجن ..من يصدق ؟!!
-
صفاء النجار.. شكرا ..أقاصيصك دعم لرؤيتي حول أدب الاستروجين
-
السينما تجمعنا ..الشعار الحاضر الغائب في مهرجان مسقط السينما
...
-
الوزيرة ..آخر من يعلم !!
-
نداء من مواطن إلى المجتمعين في 11حسن صبري .
-
تحصين العقول قبل تحصين الشوارع
-
كافح السباعي وإحسان والحكيم لتأسيسه في مطلع الخمسينيات / ناد
...
-
أسئلة ربع الساعة الأخير !
-
قاطعوها... تخريب فضائيات رجال الأعمال لدماغ المصريين ..سوء ن
...
-
مؤتمر أدب الطفل.. خال من الفيروسات !
المزيد.....
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|