أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ماهر رزوق - العصبية و الخطر الوجودي














المزيد.....

العصبية و الخطر الوجودي


ماهر رزوق

الحوار المتمدن-العدد: 5774 - 2018 / 2 / 1 - 18:32
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لنبدأ أولاً بتعريف العصبية ... ما هي العصبية ؟؟
العصبية (بحسب الجابري) ، هي كلمة مشتقة من كلمة العصبة ، و التي تعني الجماعة التي تضم أفراداً متقاربين بالدم ربما ، أو ينتمون جميعاً إلى منطقة جغرافية معينة ، أو دين واحد ، أو قومية معينة ...

لنتساءل الآن عن الخطورة التي يطرحها عنوان هذه المقالة ، ما هي خطورة العصبية ؟ و من أين تنبع هذه الخطورة ؟ و ما مدى جدية هذا الخطر ؟؟

لنجيب عن هذه الاسئلة ، لابد لنا من شرح العلاقة بين عصبية معينة و الأفراد المنضوين تحت جناحها ... فالعصبية تمنح الفرد الإحساس بالقوة الجماعية و الكلية التي تتسامى على الضعف الفردي و الجزئي ... و من العصبية يستمد الفرد قيمته و دلالته ، و من موقعه ضمنها يستمد مكانته ...
و هذا يتضح لنا من خلال ملاحظاتنا لتنامي العصبية و تزايد أثرها على الأفراد في حالات اللجوء الانساني أو حتى الهجرة العادية ... فالفرد الذي ينتقل للعيش في بلاد مختلفة كلياً عن بلاده ، من حيث العادات و التقاليد و التقدم الفكري و الحداثي ، يشعر أنه وحيد و ضعيف ، بعد أن اعتاد على القوة بين أفراد العائلة أو الأصدقاء أو شركاء العقيدة و الطائفة ، لذلك قد يصبح هذا الفرد لقمة سهلة للداعين في تلك البلاد البعيدة إلى تجديد رباط العصبية و تقويته ، مما يؤدي كنتيجة حتمية إلى تجديد الشعور بالأمان و القوة و المكانة القديمة عند ذلك الفرد ...

و نجد أيضاً أن هذه العصبية تكون أقوى عندما تعززها رابطة الدم بدلاً من رابطة الأخوة المجازية (الأخوة في الله ، أو في العقيدة و الطائفة)
فعندما تتوفر في الخارج عائلة كاملة متهيئة للدخول في قفص العصبية ، فإن ذلك يدعم قوتها و مكانتها في نفس الأفراد أكثر ... فالثقة تكون أكبر ، و القضية تصبح أسمى ، بتوفر الواجب تجاه العصبية نفسها و الواجب تجاه الأخوة التي لوحدها تشكل عصبية من نوع آخر (عصبية عائلية) ...

و في الحقيقة إن الهدف الذي تصبو إليه العصبية هو هدف سام و جيد ، و ليس مدمراً (بمظهره على الأقل) كما نعتقد ، فهي تهدف إلى إنتاج أفراد مثاليين ، ملتزمين بقواعد معينة ، تعتبرها هذه العصبية أنها الأفكار الأصح في العالم ، باعتبار أنها تدعي امتلاك الحقيقة المطلقة ...
و تعمل العصبية على تعزيز ثباتها على هذه القيم المثالية ، من خلال زرع عقيدة مقاومة التغيير في نفوس أفرادها ، لأنها الوسيلة الأمثل ، للإبقاء على حالة الجمود و الثبات التي تتمتع بها و التي تكفل لها الاستمرار كقيمة بحد ذاتها ... فالعصبية تضع لأفرادها هدفاً مثالياً ، يعمل جميع الأفراد بتكاتف و تشاركية و تضامن لتحقيق ذلك الهدف الذي يضمن التسامي و التميز للجميع (الأفراد و العصبية) ...
و تدعم عمل هؤلاء الأفراد و روحهم المعنوية ، بسرد العديد من الوقائع التاريخية التي تؤكد على ثباتها في وجه كل المحاولات القديمة للنيل منها و من طموحها في تحقيق الهدف ، فقد نجد في أدبياتها العديد من الأساطير و القصص المنقولة التي تؤكد على العزيمة و محاولات الغير الفاشلة لتغيير أيديولوجيتها ، و كيف أنها واجهت و تغلبت على هذه المحاولات برغم كثرتها و جبروتها ...
فأي محاولة للشك أو التساؤل هي بمثابة خيانة في نظر هذه العصبيات .. كما أنها تعتبر التغيير أو أي محاولة للتغيير جريمة عظمى ... و بالتالي هي تؤكد على ثقافة الانتماء و الولاء ، و تجرّم ثقافة الانجاز و البناء ... فالإنجاز كما نعرف جميعاً ، هو عملية تغيير في الظروف التي نعيشها ، بالتالي هو ممنوع ضمن إطار العصبية الضيق ...

و تكمن خطورة العصبية في أنها لا تقاوم التغيير الداخلي فقط ، بل إنها أيضاً تعتبر الآخر في الخارج عدواً لها ، لأن كل مخالف يشكل خطراً على قيمها و عاداتها ، فهي تحذر منه دائماً ، مادامت لا تملك القوة لمجابهته ، لكنها بالمقابل عندما تمتلك القوة و الأدوات اللازمة ، فإنها تعمد إلى اعتبار الآخر عقبة وجودية ، و تعمد بالتالي إلى إنهاء وجوده !!
فالعصبية من خلال قيم مثالية و أسلوب أبوي عاطفي ، تشجع على القتل الذي يصبح في نظر أفرادها ليس مجرد جريمة ، و إنما واجباً مقدساً (قومياً أو وطنياً أو دينياً)

و هذا ما يؤدي بنا إلى التعصب ، الذي هو نتاج أعوام و أعوام من زراعة الأفكار نفسها و تكرارها ضمن قفص العصبية ، من خلال التربية المنزلية و الاعلام ، أو المراكز الدينية و الحزبية ... و هذه الأفكار لا تلبث أن تصبح من أساسيات العقل اللاواعي عند الفرد ، ذلك العقل الذي يتحكم بجزء كبير من حياتنا ...
فالتعصب هنا كما قلنا ، نتيجة عملية طويلة ، و لا يمكن ببساطة مناقشة أفكار مختلفة مع الشخص الذي يعاني منه ... فالأمر ليس بهذه السهولة ، لأن التعصب يجعل الفرد الذي ينتمي إلى عصبية معينة ، يظن بأنه أوعى و أسمى و أكثر مثالية من غيره من الناس خارج العصبية ، فنفس الفكرة قد يقولها فرد من أفراد عصبيته و تلقى استحسانه ، و قد يقولها فرد من خارج إطار عصبيته ، فتلقى استهجانه ... فهو يعاني من انغلاق فكري كامل تجاه الآخر الذي لا يمثل سوى عدواً محتملاً له ، و الهدف الأسمى لا يكتمل إلا بإنهاء وجود هذا الآخر عندما تسنح الفرصة و الأدوات و الظروف ...



#ماهر_رزوق (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جرأة الرواية العربية المعاصرة
- التمرد أم الثورة ... أيهما أجدى ؟؟
- السلوك العنيف وعلاقته بالتخلف
- العدوانية كوسيلة لإرضاء الغريزة
- نصوص تخنق العدم و تجتث الحقيقة
- معايير التكفير بين الأمير و الفقير
- الانجاب بديلاً عن الانجاز
- في الخرافة و التخلف
- البطل العربي
- طفولة عقل (2)
- طفولة عقل !!
- نفاق اجتماعي
- العقول المؤدلجة
- جدوى الحياة
- المثقف العربي و الجنس
- السجين
- المنتخب السوري : بين النظام و الشعب !!
- القصيدة العبثية
- عن الهوية و سلطتها على الذات الإنسانية
- عن الهوية و قيمتها الانسانية ...


المزيد.....




- رأي.. عبدالخالق عبدالله يكتب عن ترتيب الإمارات في تقرير السع ...
- زلزال يضرب جنوب غرب اسطنبول بقوة 6.2 درجة على مقياس ريختر
- تحقيق ل-هآرتس- يكشف تفاصيل استهداف 15 مسعفا في رفح وينفي سرد ...
- الذكاء الاصطناعي ينافس نجوم هوليوود على جوائز أوسكار
- الاتحاد الأوروبي يغرم آبل- و-ميتا- ويخاطر بإثارة غضب ترامب
- لافروف يتحدث عن إمكانية عقد جولة جديدة من المباحثات الروسية ...
- -حماس- تدين وصف عباس لها بعبارات نابية (فيديو)
- -مصر تطور سلاحا للتفوق على إسرائيل-.. الإعلام العبري يحذر من ...
- اللحظات الأولى بعد زلزال بقوة 6.2 درجة ضرب اسطنبول
- مصر.. قداس على روح البابا فرنسيس


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ماهر رزوق - العصبية و الخطر الوجودي