|
الكتابة في زمن الاستفراغ
نوار قسومة
الحوار المتمدن-العدد: 5773 - 2018 / 1 / 31 - 20:43
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عن سوريا للمرة الأخيرة ما جرى في سوتشي مهزلة وهذا الكم الكبير من القاذورات التي جمعتها روسيا بالتنسيق مع المخابرات السورية والتركية ( والإيرانية كي لا يحزن معارض وطني كبير عميل لإيران يقيم في باريس) يجعلني على يقين باستحالة تحويل هذه المقبرة الجماعية المقسمة إلى "بلد" . الحرب دمرت الإنسان وعززت الطائفية الموجودة أصلاً بالدم والخوف وأي سلم أهلي سيتحقق في المستقبل سيكون هش ومؤقت. إذاً التقسيم قائم وواضح على مستوى الفرد والطائفة والإثنية والدين.... وعلى مستوى الجغرافيا، أميركا موجودة على الأرض ولا أعتقد أنها ثبتت قواعدها وطردت داعش من الجزيرة والرقة لتقدم هذه المناطق لروسيا وإيران والنظام السوري مجاناً. أميركا تبدو غير مهتمة أيضاً بما جرى بسوتشي (أنا أيضاً غير مهتم ولا أعرف بالضبط ماذا تمخض أو تمخط عن هذا الكرنفال) مما يعني أن عند أميركا مشروع آخر في مناطق نفوذها. عندما مر النظام السوري بأصعب مرحلة من هذه الحرب قبل التدخل الروسي العسكري وكانت دمشق مهددة والساحل السوري تحت رحمة ثوار أردوغان، لم يقدم النظام السوري أي تنازلات. الآن والنظام في موقع أفضل وأقوى لماذا يفاوض أصلاً !؟ لماذا سوتشي؟ نظام فاسد معارضة فاسدة وشعب فاسد وضائع ومسعور طائفياً ! ماذا نتوقع ! لا شيء! الحل الذي ابتكرته لنفسي بعد محاولات يائسة للسباحة ضد التيار هو التوقف عن السباحة نهائياً والخروج من التيار نهائياً. وهذا ما أنصح به كل من لم يتلوث بهذه الحرب القذرة وكل من استطاع أن يحافظ على نفسه عقلياً وإنسانياً، بأن عليه أن يخرج من هذا المجرور بأقل الخسائر ويحاول أن ينسى .. أن يرحل.. وأن يفكر بمستقبله بعيداً. الانتماء لهذه المخلوقات لا يمكن أن يكون الحل والدخول معهم في صراع أمر صعب ومتعب ومكلف جسدياً ومادياً. السوري الآن هو إنسان ضائع لكي نتجنب استعمال كلمة "وضيع" أو "حقير". عميل إيران "السوري" يهاجم أطماع أردوغان وتركيا "العثمانية" وعميل تركيا "السوري" يهاجم الدولة "الصفوية" الفارسية نفس الأمر ينطبق على عميل روسيا وأميركا والسعودية..... (القائمة طويلة وتحتاج إلى صفحات). السوري الذي سيهاجم كل هذه الاطراف براحة ضمير إن وجد أصلاً فلا صوت له مع ذلك أوجه له التحية وأرفع له القبعة وأقول له عليك بالهروب والنجاة! و"لا تنظر وراءك أبداً".
الكتابة في زمن الاستفراغ أصبح مملاً الكتابة عن سوريا. الجانب الكوميدي الأسود المضحك-المبكي الجميل اختفى ولم نعد نسمع أصوات التكبيرات و"مالنا غيرك يا الله" وأناشيد الموت الإسلامية. حتى الإعلام الغربي لم يعد يكترث للحرب السورية وقتلاها وتحولت مشاهد القتل من قتل لأشخاص لهم سعر منخفض "نسبياً" بالبورصة البشرية إلى أشخاص لا قيمة لهم نهائياً. أنا متأكد أن خبر نفوق حوت على أحد الشواطئ في هذه الأيام يحظى بتغطية أهم وتعاطف أكبر من خبر موت عبثي لبضعة سوريين.
اذا درت نياقك فاحتلبها! "إبداعات" السوريين تصيبني بحالة من الغثيان والقرف. لم يبق عاهرة أوقواد أو معتوه إلا وكتب كتاباً عن الأزمة السورية أو أخرج فيلماُ أو مارس إبداعه بطريقة أخرى (أخرى للتأكيد) على حرارة سعر اللحم السوري المشوي الطازج. هذا الإبداع الغزير هو شكل آخر من أشكال الموت... بالنحر.. بالصقيع... بالمبيدات الكيماوية.. بالبراميل.. أو بسبب قراءة رواية أو مجموعة شعرية "لمنشقة" مقيمة في أوروبا أو دبي عن تجربتها "المؤلمة" ومعاناتها مع النظام السوري القمعي، أو بسبب خبر عن نجاح مبهر "لمبدع" سوري... الموت هو الموت!
ترامب ظاهرة استفراغية ترامب جزء مهم من الحالة الاستفراغية على المستوى العالمي. هو لص قذر، نصاب،غبي لكنه يمثل غالبية (أكثر من نصف) الشعب الأميركي ويتكلم بمنطقهم. وعلى عكس ما يعتقده البعض هناك أطراف من داخل المؤسسات الأمنية والاقتصادية تدعم وتغطي على ترامب وإلا لما وصل إلى البيت الأبيض، فتاريخ الرجل حافل بالتجاوزات المالية والأخلاقية، وعلينا أن نتذكر أن اليد الخفية التي كانت تنقذ هذا الترامب الأبله كل مرة من الإفلاس هي نفس اليد الكريمة التي تقف خلفه لتنفيذ أجندة قذرة لا يمكن تنفيذها مع سياسي تقليدي. استمرار الهجوم على ترامب وسياساته ليس سوى مسرحية هزلية لكي تستطيع النخبة الحاكمة (المالية والامنية) في المستقبل لصق كل القذارة به وقلب الصفحة في المستقبل بعد تحقيق أهداف معينة. ما يهمنا هو ضبابية المشهد التي ترافق وجود ترامب في البيت الأبيض والفوضى التي يسببها وجوده في العالم والتي يأمل أسياد ترامب بتحويلها إلى أرقام فلكية من الأرباح. لا يمكن فصل وصول ترامب إلى البيت الابيض عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وعن توازنات جديدة يتم خلقها ومتغيرات قادمة في العالم. القوة الأميركية تنحسر وبرأيي وجود ترامب في هذه الفترة ليس سوى محاولة لإيقاف هذا الإنحسار ومحاولة لإضعاف القوى الصاعدة في العالم بطرق غير تقليدية وشخص غير تقليدي. تأخير الإنهيار لا يوقفه! قدر الإمبراطوريات عبر التاريخ هو السقوط أو الانحسار. لكن أمامنا (مع قليل من التفاؤل) الانتظار لعقود من الزمن لكي نتجاوز حالة الاستفراغ اللعينة هذه.
#نوار_قسومة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن الهوية السورية الضائعة
-
لماذا أنا ودمشق مع الأسد
-
داعش والثورة السورية السلمية
-
سوريا ما بين التقاسم والتقسيم
-
على أطلال مقبرة جماعية
-
معلولا والورقة المسيحية
-
في انتظار جنيف2
-
العلويون والإيروتوقراطية
-
تحويل الأسد إلى آكل للنمل
-
ما وراء ضربة بندرالقادمة
-
الكيماوي وحصان طروادة الإخواني
-
غزوة علويستان
-
ميدان -الترحيل-
-
انتصار أصدقاء الأسد!
-
من قتل البوطي؟
-
الذكرى الثانية للمذبحة السورية
-
سوريا سابقاً ... مقبرة الشعب السوري حالياً
-
الخازوق التركي والدرس المصري
-
الحل على طريقة الأسد
-
2013 الأكثر دموية...والأطول في تاريخ سوريا الحديث
المزيد.....
-
لبنان: غارة مسيّرة إسرائيلية تودي بحياة صيادين على شاطئ صور
...
-
-لا تخافوا وكونوا صريحين-.. ميركل ترفع معنويات الساسة في مخا
...
-
-بلومبيرغ-: إدارة بايدن مقيدة في زيادة دعم كييف رغم رغبتها ا
...
-
متى تشكل حرقة المعدة خطورة؟
-
العراق يخشى التعرض لمصير لبنان
-
مقلوب الرهان على ATACMS وStorm Shadow
-
وزارة العدل الأمريكية والبنتاغون يدمران الأدلة التي تدينهما
...
-
لماذا تراجع زيلينسكي عن استعادة القرم بالقوة؟
-
ليندا مكمان مديرة مصارعة رشحها ترامب لوزارة التعليم
-
كيف يمكن إقناع بوتين بقضية أوكرانيا؟.. قائد الناتو الأسبق يب
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|