أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فواد الكنجي - الجزء الرابع/ غادة السمان والرقص مع البوم، نص شعري في الحداثة و المعاصرة















المزيد.....


الجزء الرابع/ غادة السمان والرقص مع البوم، نص شعري في الحداثة و المعاصرة


فواد الكنجي

الحوار المتمدن-العدد: 5758 - 2018 / 1 / 15 - 03:38
المحور: الادب والفن
    


-42-
علقك الحزن على صدري وساما
و قال لي : طوبتك عاشقة فحلقي بمجد الحب و اكتبيه
أيها القريب البعيد
إذا كان قلبي بحيرة بوسعك المشي فوق مائها دونما غرق
إذا كان قلبي قنفذا ستصير أشواكه مخملا و حريرا لخطاك
اذا كان قلبي منارة ستشرق فيها شموس إذا مرت بها مراكبك
و إذا كان قلبي بومة
فستطير حتى القمر اذا قلت لها انك تحبها !
قال لي الحزن الذي علقك وساما على صدري:
لقد أدخلت الحبور على قلبي بأناشيدك البومية و صدق العشاق ولو كذبوا ! ...

في هذا النص صورة من الحداثة الشعرية في غاية الإثارة تبدعها قريحة (غادة السمان ) فالصور - في هذا المقطع أو في المقاطع الآتية - هي في حقيقة استدراجها وتتابعها في النص، وهو تتابع صوري تثير الدهشة والمفاجأة في تركيبية حداثية في قلب المناخ الشعري المعاصر لتؤسس في نتيجته النهائية مركزا لاستقطاب الحركة والديمومة في النص لا ينتهي بنهاية القصيدة بل يعطيها قوة ونشاط حيوي يتفاعل بالديمومة مع مراحل الحياة دون تاطيره في اطر الزمان والمكان، إنها لغة (غادة) المفعمة بالحركة والتي تركز عليها في كل صورة تذكرها في نصوص (الرقص مع البوم)، أي في بنية القصيدة ذاتها، فمستوى التراكيب الصور والمفردات اللغة تشكل عند (غادة السمان) جوهر القصيدة التي تنشرها في الحداثة الشعرية والمعاصر وان مكامن هذا التحديث في شعر (غادة) يكمن في قدرة الكاتبة في بث روح الحياة وحركة النص ومعناه بشكل طري وطازج في لغة الشعر تصل أهدافه لتكون حاضرة بقوة في المشهد الشعري المعاصر في كل مكان وزمان، وهذه المقدرة الفنية التي تملكها(غادة) في خلق الصور الشعرية يأتي لتلافي النص من الجمود والسكون وليكون في ديمومة الحركة وإعطاءه معاني شتى بالدلالات جديدة تكتشف في النص بعد كل قراءة تلي القراءة الأولى وهذه هي ميزة الحداثة الشعرية المعاصرة في أشعار (غادة السمان) بكون نصوصها في صيرورة دائمة الحركة .

-43-
بدأ حبنا في سفينة المرح "لاف بوت " شمس و رقص و ابتسامات و غزل نظرات بلا عبرات
و برك سباحة مليئة بالعسل و بأجساد مثقلة بالشهوات
و كما في كل حب كاد ينتهي حبنا في باخرة " التيتانك "
الغارقة في قاع المحيط الصقيعي البارد الكابوسي
حيث التنهدات من جليد
و قد تحجر كل وحشة
محدقا في صاحبه بعينين من زجاج و هو يتثاءب إمام التلفزيون و يتجشأ …
و الفم مزروع بالعشب الجاف بدلا من كلمات الغزل
وحده الفراق ينعش قلب الحب و أنا أهجرك لاحتفظ بغرامنا في " سفينة المرح " بعيدا عن القاع الصقيعي
حيث يقيم العشاق الضجرون غارقتين مع " التيتانك "
" شبيك لبيك ايها الحب " تعني : صباح الخير أيها الفراق الموسمي!
-44-
كل صباح
تحلق لحية قناعك بالموسى
و تزجج حاجبي قناعك و شاربيه تغسله و تعطره
و إمام المرآة ترسم على شفتيه أحلى الابتسامات
فقد صار القناع وجهك و صار الرحيل بوصلتي

هنا نحن إمام تكوين إيحائي عن إنسانة حاولت الحب وتحاول وتعشق و تود إن يحملها الحب وعشقها إلى موطنها ولكن بحدود عزلتها وخيالها في الغربة، فهي خائفة وبقدر خوفها فالأخر يخافها ولكن لا يعرف كم هي خائفة منه....! وهنا تتناغم الإشكال في هذا المقطع بين الذهول والتخيل عبر ذاتية الكاتبة من خلال العلاقات غير مستقرة وغير متفاوتة تطغي عليها طابع القسوة والبلادة ليمهد لها كل ذلك طريق الضياع، فكما وجدته ضيعته في باخرة (التيتانك)، فهذا الوعي الذي توعيه هو وعي لا يعيه ولا يراه احد سواها في عالم الغربة، لان الأخر ضاع ولم يكشف وجهه رغم يقينها من هو ليكون وجها كوجه الباخرة التي غرقت وأغرقت العشاق ولكن نجاتها جاء متوجا لها غربة لا تنتهي في أعماق ذاتها .

-45-
((....قالت لي البومة :
يا للمفارقة الخارقة!
هل لاحظت يا سيدتي كم تشبه المرأة الفحولة..
لا يحتفي الرجل بها
إلا بعد إن يخسرها ؟
-46-
منذ اليوم الذي عرفتني فيه
و أنت دوما في مكانين معا في آن..
فأينما كنت أنت أيضا معي تقطنني ؟
-47-
العين ثرثارة كأرملة ضجرة
العين نافذة بلا ستائر
العين لم تسمع بكلمة الكتمان
العين لافتة إعلانية عن إسرار القلب
و لذا احرص على ارتداء نظارتي السوداء حين التقيك!

المعاصرة في اللغة الشعر عند (غادة السمان ) أساليبه وطرائقه و فنيته، التي تعبر من خلالها عن رؤيتها تجاه الموضوع ما ، حيث تعتمد إلى الحديث عن الأشياء بوضوح ومباشرة تارة.. وتارة أخرى تلجأ إلى التنوع في الأساليب مابين (التصوير) و(الرمز) و(الإيحاء) كما جاء في نص (45- 46- 47 ) وهنا يكمن قوة التعبير بقدرة (غادة) على الإجادة في تلك الأدوات الفنية التي يتكون منها العمل الشعري، ولما كان غاية الشعر- بصورة عامة - هو تعبر و إشارة إلى الأشياء وإبرازها على شكل فني دون إن تكون غايتها هو توضيح حقيقة هذه الأشياء عند الحديث عنها ، فالحقيقة والبحث عنها هو شان الفلسفة أما الشعر فإنه يكتفي بالإشارة وببلورة الأشياء في قالب فني في الإيحاء الغير المباشر يمس الحقيقة ويشير إليها، وقد يكون ذلك مقصودا ولكن ليست تلك غاية الشعر، لأن الشعر موقف وموقف (غادة السمان) الشعري هو بيان درجة حساسيتها تجاه الأشياء لأنها تعبر من خلال شعورها وفي نفس الوقت تعبر من خلال عقلها بكون رؤيتها الشعرية رؤية تنطلق من وجدانها الذاتي والموضوعي المفعم بالحدث الذي تعبر عنه بكل شفافية ووضوح ودون مآربه .


-49-

لا تضع سماعة الطبيب لتنصت الى دقات قلبي حين نلتقي
فغابة بولونيا الباريسية كلها تنبض مع جنونه بك : الأشجار و الإزهار والإعشاب و الغيوم
تريد ان تسمع هدير دورتي الدموية و أنا معك ؟
أنصت إلى وقع خطر المطر المجنون فوق قرميد سطوح باريس العتيقة
أنصت إلى وقع خطى تلك المهرة الراكضة على السحب فوق الغابة
أنصت إلى تغريد البوم في ليالي الساحرات العاشقات الراكبات فوق
مكانسهن المكهربة باللذات
و حذار ..حذار إن تقول لي احبك فتلك الكلمة تلسعني كعقرب ؟
كل اللذين حاولوا قتلي سنو سكاكينهم على كلمة " احبك"
و لا تغضب إذا لم اقل لك : احبك
طالع الكلمة على أجنحة البوم حين نحلق معا
هناك سطرت رسائل حبي إليك إلى أبدنا معنا

هكذا تحب، وهكذا تريد من تحب أن يقرءا كل حركاتها، لأنها تعبر بها عما في كيانها، لان كل شيء فيها يفضحها بالحب الذي لن تعلنه، ولا تريد من يحبها أن يعلنه، لأنها كما تقول تلسعها لان الكلمة (احبك) تلسعها كلسعة العقرب لان لها في ذلك تجارب، لذا لا تريد إعادة الاسطوانة المشروخة هذه على لسان من يحبها بصدق، لا لأنها بليدة وقاسية، بل إن كيانها ووجودها خلق للحب وكل حركاتها هي إيماءات في الحب، وجل ما تخشاه هو عيونها لان لغتهما تفضحها، ولهذا تحب ارتداء النظارة السوداء لكي يبقى سرها دفين ذاتها، هنا الوعي الشعري يتكامل من مرادفات اللغة التعبيرية كحالة معبره عن الإحساس وما تريد قوله بما تشعر، ولا تريد إعلانه لأحد، هو إحساسها الصامد الذي لا يصدر منه أي صوت لان الطبيعة هي التي تفصح عما يدور في خلدها، من المطر.. والغيم .. والأشجار.. والزهور هي نبضاتها الحقيقية وليس ما ينبض به القلب لان عملية النبض في القلب هي ميكانيكية وان الطبيعة فعها تعبيري يلامس المشاعر والإحساس وبالمكان الذي نختاره لنمضي فيه لأنه يوحي بكل ما في القلب ويرسل رسائلها إلى من تحب .

-50-
" الطالبان إخوان " بأسمائهم المختلفة و تقمصاتهم المتجددة يريدون مني إن ارتدي خيمة حين امشي في الشارع
و هم يمشون في الأرض مرحا على أشلائي
" الثوريون إخوان " يريدون إن أنادي بشعاراتهم
و ارتاد اجتماعاتهم لأغلي لهم القهوة في المطبخ التقدمي الثوري
الحزبيون يريدون إن أوقع العرائض معهم دفاعا عن حرياتهم
و هم يدوسون حريتي بجزماتهم كامرأة و كمواطنة !
الشعراء يريدون إن أنجب أطفالهم و أتغزل بقصائدهم و اقتات بالأوهام و الأبجديات المنقرضة
و لذا تطير البومة عن ذلك الجحيم متعدد الطبقات و اللهجات
الى النسيان في باريس و الحب و الحرية في باريس
و شعارها : اطلبوا الحرية ولو في المنفى !

هنا يرتفع صوت (غادة السمان) إلى قمة التعبير في استقصاء فلسفي لقيمة الحياة التي تنجس بالأفكار التي تولد وهي ميتة، هنا يكتمل في النص قيمته الجمالية باختزالات دلالية، هنا (غادة السمان) تكشف زيف الشعر والثقافة العرجاء للمنظمات وأحزاب فاشستية فاشلة يعيشون في عزلة الرؤية والوعي وهو ناتج عن تناقضات مع المبادئ غير مستقره عمياء وغير قادرة على إحساس بواقع الحضارة وقراءته بواقعية فيصدرون ثقافة الموت، فهذا الصراع الذي تنطلق منه (غادة ) هو انطلاق بتصور قاس لواقع نعيشه بغير استقرار وهذا ما يبرر عزلتها كشاعره وكاتبه وإنسانة، لذا فهي كما تقول ((اطلبوا الحرية ولو في المنفى))، فيولد في إحساسها بالاغتراب، وهنا يولد الحب بهذا الإحساس الذي هو الأخر يجسد العزلة في ذاتها .

51-
نعم : اعرف إن الأرض لا تدور حول الشمس فالأرض تدور حولك
لكنني استطيع إن اقسم أنها وقفت ساكنة في فلكها
ليلة قلت لي للمرة الأولى : أحبك!
كرس " السان فالنتان " تلك الليلة عيدا له و للعشاق
إما البوم الذي يجد تبويمي هذا لا منطقيا
فليقل لي : أين المنطق في الحب ؟
52-
لا تقل لي ذات يوم ليس ثمة ما يدعى " ذات يوم"
و انه ثمة اليوم فقط
فالبهاء الذي عشته معك " ذات يوم "
يعادل عمرا مستقبليا ضوئيا في كوكب آخر و يعادل الماضي الأزلي لكوكب الأرض بأكمله ...
و أنت امتزاج الأزمنة
فكيف انسي ذكرياتي الآتية معك؟

تترك (غادة السمان) فسحة لتنفس عن عمق وجدانها ومشاعرها وأحاسيسها باتجاه الحب ومن أحبته، بل أخذت من عطاء الحب لتغوص في أعماقه بتجليات صوفية للكشف عن وجدانياتها، فشده الحب قد عصف بها وجعلها لا تحس ما حولها (( اعرف إن الأرض لا تدور حول الشمس فالأرض تدور حولك .. لكنني استطيع إن اقسم أنها وقفت ساكنة في فلكها .. ليلة قلت لي للمرة الأولى : أحبك! ))، فهذا الإحساس هو إحساس في تدفق النشوة جعلها تتيقن بان (عيد الحب في يوم فالنتان) قد اتخذ رمزه من تلك اللحظة التي عاشتها في لحظة إعلان الحبيب حبه لها، وقد عاشت تلك اللحظة فحسب وعدا ذلك عدا كل ما أتى تحت عنوان الحب وهما وخداعا (( إما البوم الذي يجد تبويمي هذا لا منطقيا .. فليقل لي : أين المنطق في الحب... ؟))، فهي متيقنة بأنها عاشت الحب للحظة واحدة فحسب، ولكن تلك (اللحظة) التي أتت بأنسابية وصدق وبما شعرت بتدفق شلال روحها بالعواطف والنشوة والهيام واللذة تعده عمرا كاملا لها (( فالبهاء الذي عشته معك " ذات يوم " يعادل عمرا مستقبليا ضوئيا في كوكب آخر و يعادل الماضي الأزلي لكوكب الأرض بأكمله ... و أنت امتزاج الأزمنة.. فكيف انسي ذكرياتي الآتية معك...؟))، هكذا عاشت حياتها أسيرة تلك (اللحظة) والتي في يقين ذاتها تكون مرادفة لكل ما أتى ومرا في حياتها فيما بعد .

-53-
حين أموت احرق جسدي الخاوي كقشرة
و عبء رمادي داخل ساعة رملية و ضعها على طاولة مكتبك
لتتذكر ان العمر اقصر من ان يهدر في البكاء علي او الشماتة بأعدائك !
كل حبة رماد من بقاياي ستهمس بلغتك المالية و هي تسقط في ساعتك
الرملية : عش الآن فاليوم " كاش " و الغد " كمبيالة " مؤجلة و"شيك " بلا رصيد على بنك في زلزال …
كل حبة رماد من بقاياي ستهمس و هي تسقط في ساعتك الرملية : ثابر
على التحليق يا حبيبي ففي النهاية ستحرق الشمس الأجنحة كلها …
و اذا لم تصدقني فأسال " فاوست " صديق البوم و اسأل البوم و كل من رحل عن كوكبنا بدءا من بآدم و مرورا بنوح : فالطوفان لا يوفر أحدا
و حتى اللذين نجوا في سفينة نوح أبحروا إلى الموت !
فعش يا حبيبي إكراما لموتي !
-54-
فقط حين نقول جملا بلا معنى و نهذي
نعلن صدق القلب فصدقه مظلم و غامض
بجمل كالماس الخام مليئة بالشقوق و الضمرات
فقط حين نرتبك كالأطفال في يومهم الأول في الحضانة نقول صدقنا
نحن العشاق الحقيقيين المستضعفين في الحب !
فالحب ديكتاتور صغير
نهتف له باستمرار : شبيك لبيك أيها الحب
و نكتشف الجني في أعماقنا …

ينقلنا النص في هذا المقطع إلى عالم الموت والفناء ليغدو عالما آخر يؤثر في فينا تأثيرا فكريا وسلوكيا، حيث يكون الموت نهاية طبيعية في الزمان والمكان ضمن هذا التوصيف، فـ(غادة) تخلق لنا مكان موحشا وهي تفصح عن هواجسها ووجدانياتها بما أشارت إلى فساد القلوب والحب الذي شبهته بالديكتاتور(( فالحب ديكتاتور صغير..نهتف له باستمرار : شبيك لبيك أيها الحب .. و نكتشف الجني في أعماق))، فالحب في يقينها هو عطاء الروح إن صح.. صحت النفس كلها.. وإذا فسد.. فسدت الروح كلها، فالحب والمشاعر تتدفق من القلب، وان فساد القلوب هو ما يؤدى إلى انتهاج مسالك مظلمة وغامضة و إيذاء بمن كان صديق الأمس، وهذا ما نسميه بـ(الغدر)، ومع كل ذلك فنحن نثني ولا نثني تلك الأفعال لأننا كما تقول (غادة):- ((نحن العشاق الحقيقيين المستضعفين في الحب)) .

-55-
((...ولدت قبل إن يولد الديناصور
و شاهدت الممالك تشيد و تنهار
و القردة تتعلم ارتداء معاطف الكشمير
و الذئاب تتعلم الأكل بشوكة و سكين من ذهب
و تدعوا نفسها جنسا بشريا
و تتنطح لكتابة المواعظ و الشعر و الخطب الحماسية و
الشيكات!
ولدت قبل ان يكتشف النغم الناي
قبل ان يقطن العبير في الإزهار
و شهدت على هزائم القمر إمام مناجم الماس
شاهدت الثلج يغطي المواقد في عصور جليدية للرهافة
الإنسانية
شاهدت حريق الغابات حتى طرف قلبي و اشهد على مذابح
و أوبئة و
زلازل و تنينات متوالدة معدنية و أجناس بشرية " أنبوبية
اصطناعية "
اشهد على كوكب يمشي في المدارات الكونية مرحا و تيها
و اشهد قبل ذلك كله أنني لولا حبك
لتناثر جسدي حفنة من الرماد في ليل كوني بلا قاع و لا نهاية و لا ضوء
في أخر النفق
لولا حبك لفقدت صبري و بوصلتي و مظلتي و تبويمي
-56-
حين أعلن أنني احبك
حين انحرف عن مدارات الحزن إذ التقيك في ليل النجوم و
عيد العشاق
تنحرف نواميس الكون قليلا إكراما لحادثة حب :
يهطل الشلال من الأسفل إلى الأعلى
يركض الحلزون كما حصان السباق و تقفز السلاحف
تزهر البراعم في الخريف و تصيح الديكة وقت الغروب
ينبت الياسمين فوق الصخور المالحة للشواطئ
و بحنان يراقص سمك القرش صبيا سابحا
بدلا من قضم ساقيه
يلاطف التمساح غزالا سقط في الماء و يحمله الى بر
السلامة
يأكل الثعلب و الأرنب في صحن واحد
يقبل العقرب سلحفاة مائية حملته إلى الشاطئ الآخر و
يشكرها بدلا من
لسع عنقها العاري ..
الضفدع يصير أميرا للوسامة دون إن تقبله شفاه أميرة أسطورية
انه الحب الحقيقي في زمن التكاذب بالتراضي
انه السحر الحلال …فقل لي انك أيضا تحبني
ولو سحرتني من بومة الى امرأة ! ......))

هنا نلاحظ حجم الوعي الشاعرة الذي يبرر عزلتها فيكون إحساسها بالحب هو المساحة الذي تتنفس في ظل الاختناق فتظهر قدراتها التخيلية في رسم فلسفة للحياة تكتمل فيها قيم الجميلة تنتجها لنا ثقافة الاغتراب وآلامها، وهذا ما يجعلها تسكب لنا مواعظ في ظل الثقافة المحيطة بها في زمن الاغتراب في باريس فيبسط عليها الحب بعد طول الإجهاد والعبثية التي عانت منها ومن وساوس التي تدور في مخيلتها وفي وعيها لضمان الاستمرارية في زمن الإنسان القصير الذي لا يمكن هدر عمره بمواقف لا جدوى منها .

-57-

العصفور الصغير المغرور يتوهم العاصفة أنشودة الريح لعظمته
البرق مرآته الجوارح جنوده الخلود دميته الأبجدية خادمته
العصفور الصغير المغرور يتوهم إن دجاجات ألقن يتغنين بسحره ليل - نهار ، و لذا لا يصمتن
العصفور الصغير مات غروره حزنا حين اسر له فزع الطيور بالحقيقة
عن " مكانته " الكونية
و من يومها انكسر قلبه لكنه بدأ يكتب أحلى أشعاره و صار ينشد ألحانا
نقلها موزار على الورق و انتحلها و اشتهر بها
العصفور الصغير لم يعد حبيبي لكنه صار شاعرا كبيرا
قبائل البوم تحتفل الليلة معي في ضوء القمر بوفاة حبيب وولادة شاعر
حتى شفيع العشاق " السان فالنتان " يحتفي معي
فثمة أجيال من العشاق و لكن من يخلد عشقها غير شاعر لم يعد يتطرق
جنون الحب إلى قلبه
بل جنون الشعر وحده ؟
حين يعشق الشاعر حقا يعجز عن الكتابة و يصير قادرا على الموت فقط
حين يهجر الشاعر الحبيب يكتشف أبجدية الحب ...
هكذا قالت البومة و أضافت :
أنت لا تطلق سراح اللحن إلا حين تكسر العود

-58-
ثمة غارات جوية داخل دورتي الدموية
و قصف من عدة قارات فوق رأسي و حواسي
في الملاجئ تقبع إحزاني لتنجو من موتها
و لا أنجو من فجائعي
ثمة كلاب بوليسية تتسلل إلى جواريري
لتشم الثياب الداخلية لأبجديتي
ثمة من يحاول فك شفرة ذاكرتي في مختبرات التدجين
ثمة من يهتف بحياة الثعالب
الجالسة فوق قمة رايات البرج متسببة بموتنا اليومي
فهل نلوم الثعالب وحدها
ام نلوم الشاعر المرتزق الذي يتغنى بجماليات انيابها
هي تنغرس في لحمه العاري شاتما شؤم البوم ؟
دوما أتساءل : كيف يتغنى شاعر بجماليات سوط يجلده
و سيجلد أبنائه من بعده و يلعننا نحن شعب البوم ؟
ما أغرب شعب البشر

-59-
شائعات ..شائعات
عن رقة الفراشات عذوبة العصافير وداعة الحملان
شائعات عن وفاء الكلاب و شرور البوم
زود السلحفاة بلسان أفعى
و أعطي الحملان أنيابا مفترسة
و سيحدث في الغابة ما حدث لي
حين صدقت وداعة سلحفاتي و هجرت بوماتي..
ترى هل اللطف مصادفة بيولوجية
و الحب لحظة مزاجية عابرة كسمكة زينة ملونة
في " اكواريوم " شاسع من اسماك القرش ؟

-60-
امشي بحذر على إطراف ثوب حبنا
مثل لص يحاذر إيقاظ أصحاب البيت
حين يستيقظ الحب و يصحوا جيدا
يرتدي أجنحته و يطير هاربا
كأي بوم متطير من " لاوفاء " البشر العشاق .....

الاغتراب اخذ مأخذه في أعماق (غادة السمان ) فعلمها كيف يكون الحب الحقيقي الذي حين اكتشفته هاجرت حبيبها، لان الحب هو شعور وإحساس بان الوصول إلى الحبيب محال، وإحساس بالسباحة بعكس التيار، فالمبدع أيا كان شاعر أو أديبا أو فنان حين يعشق فانه كما تقول (غادة) يعجز ((عن الكتابة و يصير قادرا على الموت فقط .. وحين يهجر الشاعر الحبيب يكتشف أبجدية الحب ...))، وعدا ذلك فليس ثمة إبداع بل تملق وهي ترفض تملق المبدع وتحديدا (الشعراء) حين يسرفون بمدح جلاديهم فتأول المفردة لعدم المباشرة بمفردة (الثعالب) وهؤلاء هم الرؤساء الدكتاتوريين الذين يقمعون شعوبهم فتقول : - ((ثمة من يهتف بحياة الثعالب
الجالسة فوق قمة رايات البرج متسببة بموتنا اليومي
فهل نلوم الثعالب وحدها
أم نلوم الشاعر المرتزق الذي يتغنى بجماليات أنيابها
هي تنغرس في لحمه العاري شاتما شؤم البوم ... ؟))،
و(البوم) هنا يمثل المعارض الذي يرفضه مجتمع هؤلاء المرتزقة، هذا الموقف الجريء عند (غادة السمان) كان سببا من أسباب نفيها وعدم سماح بنشر كتبها في بعض بلدان الشرق، وفي أكثر من وقفة نصحت الشعراء بعدم التمادي في مدح الرؤساء لان في ذلك تشجيعا لهم على ارتكاب مزيدا من قمع على شعوبهم، فالمبدع عليه إن يرفع عن ذلك وهنا تقول عبارة في غاية ألبلاغه:
((.. أنت لا تطلق سراح اللحن إلا حين تكسر العود))، هنا تكتمل فلسفة (غادة السمان) وتلخص كل شيء بهذه العبارة التي لها أكثر من مدلول أضاف لها خط العزلة الذي أصبح قدرها في رفض الاندماج ضمن ثقافة مزيفه والخضوع مهما كان الثمن لان الاستسلام لنمط الحياة المحيطة بها أمر ترفضه بالمطلق مهم كان ثمن الغربة في الضفة الأخرى بعيدا عن التملق الزائف لان شعارها هو (( اطلبوا الحرية ولو في المنفى))، لان الحب في أعماقها حي يقظ، ولان من يستيقظ بمشاعر الحب يفر هاربا ويفضل الموت كي لا يستعبده أحدا فتقول :
((حين يستيقظ الحب و يصحوا جيدا
يرتدي أجنحته و يطير هاربا
كأي بوم متطير من " لاوفاء " البشر العشاق))، وبهذا الشكل تحطم (غادة) كل أنماط والقوالب الجاهزة و تختزل المفاهيم بغير قيود لأنها ترفض الجمود من اجل ارتقاء إلى لغة الجمال والفكر ذي مغزى فكري عميق .
يتبع في الجزء الخامس .......



#فواد_الكنجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجزء الثالث/ غادة السمان والرقص مع البوم، نص شعري في الحداث ...
- الجزء الثاني، غادة السمان والرقص مع البوم، نص شعري في الحداث ...
- الجزء الأول، غادة السمان والرقص مع البوم، نص شعري في الحداثة ...
- عام يمضي.. وآخر يأتي.. وفي خلدنا أمنيات و أسئلة......!
- حرقة الأحزان .. أنستني متى ضحكتُ في هذا العمر....!
- كلما أتي إلى هنا .. كلما أمر من هنا .......!
- سأمضي .. لأنني أريد أن أمضي ......!
- جلال الطالباني كان محور اللقاء بين العراقيين
- هل سيكون مطلب الكرد في الاستقلال كمصير مطلب الأشوريين في الا ...
- لا أطيق ......!
- الإبداع الأدبي والفني والتحليل النفسي
- جماليات الشعر المعاصر وحداثته
- اللغة الأشورية .. الهوية .. والانتماء .. ودورها في نهضة الأم ...
- يوم الشهيد الأشوري، استذكار .. وتذكير
- انا .. موج البحر، فلا تقتربي شواطئي ....!
- هو ذا .. العراق .. هو ذا .. نصر العراق
- العراق يعلن النصر .. محررا أراضيه من اكبر منظمة إرهابية في ا ...
- علم النفس ونظرية (فرويد) في التحليل النفسي
- هيغل وآراءه حول علم الجمال والفن
- بومجارتن، أول مؤسس ومنظر في علم الجمال وفن الشعر الحديث


المزيد.....




- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...
- مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
- مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن ...
- محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
- فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م ...
- ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي ...
- القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فواد الكنجي - الجزء الرابع/ غادة السمان والرقص مع البوم، نص شعري في الحداثة و المعاصرة