أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالكريم العبيدي - كم أكره القرن العشرين – معلقة بلوشي














المزيد.....

كم أكره القرن العشرين – معلقة بلوشي


عبدالكريم العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 5655 - 2017 / 9 / 30 - 01:21
المحور: الادب والفن
    


في أوائل السبعينات بدأت موجة التسفير. كان الكل يبكي، ينعي أشعارا حزينة، ويندب حظه العاثر. لا يقدر أن يصدِّق ما حل به وبأسرته فجأة. وحده "رضا بلاوي" ظلَّ يبكي حينا، ويضحكُ حينا، في واحدة من أشد لحظاته نقاءً. يضحك مرددا:"بس أريد أعرف شنو طابور خامس، ذنب مال احنه"؟ ثم يبكي مرددا:"عرگ مثل مال عراق ماكو بإيران.. وين ألْگه عرگ مستكي وعصريَّة هناك"؟ *
"الزنبيل" اهتزّ أيضا حين أقدم "الشاه" على احتلال ثلاث جزر اماراتية وضمَّها الى ايران! فخرج الموظفون والعمال والطلبة الى الشوارع البصرة منددين غاضبين.
ولكن، ما أن نعقت أول صفّارة إنذار، معلنة عن سقوط أول قذيفة في "بستان إمْطشّر"، غرق "الطست" بما فيه، اتسع النهر أخيرا، تباعدت ضفتاه، وهرب أهالي القريتين من الشاطئين مذعورين غير مصدقين. بات النهر وحيدا، يسير بمحاذاته "إمطشر" كالمجنون، ينعي احتراق سبع نخلات في بستانه. سبع نخلات، قبل أن تحترق كل أشجار البستان!
لم يعد "للگفة" الوديعة في رأس "سليكة" غدوا ورواحا. هربت "الگفة" فجأة. الريح عصفت بآخر "زنبيل" مُحَمَّل "بالميوه"، هرب هو الآخر، و"الطست" الذي ظل يحتفظ برائحة "البرحي" اختفى أيضا، لاذ بالفرار، ثم محا الموج مسارات البيع والشراء الرجراجة، فاختفى عطر "سليكة" الى الأبد.
ولَّت هاربة وداعة قرية "سليكة". انتصرت السياسة على "عِشْرة النهر". أيّ نهر؟ أيُّ عِشْرة؟ إنها الحرب يا "بالاچاني"، الحرب.. ها هي بصرة "سليكة" يحرقها القصف، وصفّارات الإنذار، والبيانات العسكرية، وأغاني المعركة.. وها هو النزوح قد بدأ.
تسأل "ميا" جدتي:"كم ستبقى هذه الحرب يا سليكة"؟ فترد "لال بيبي": "ايه هبتك"، أو "ديمي هبتك"، تندهش "ميا" وتتساءل:"أسبوع أسبوعان، ودراستي"!؟
لأول مرة تخونك الحكمة يا جَدّتي. مقاس بلوشيَّتك لا يعي بؤس حروب القرن العشرين الحديثة، فمثل هذا الخراب الشامل يحتاج لأعوام ثقيلة، سنين هوجاء لا مجدية، تفوق بكثير مدد حروب ذاكرتك القديمة، فمع بداية مثل هذه الحروب تستيقظ أسماء مدن كانت مغمورة:"سيف سعد، وزين القوس وخضره وهيله، الفاو، والممالح، والمحمرة، والسيبة والشلامجة، والخفاجية والبسيتين، ونهر جاسم، وأم الرصاص".. * ومع هذه الولادة تستيقظ فجأة أغاني مطاحن الموت:"يا أهلا بالمعارك، يا بخت من يشارك، وبغداد يا قلعة الأسود، وويلك يالي تعادينا ويلك ياويل، وشديتي الچرغد بزنودي... يُمّه، يُمّه، يُماااه". *
مات شجن الجنوب في كاسيت "سليكة"، تبخرت "سواليفهه البلوشيَّة"، ففي فجر يوم عصيب، هرب آلاف الأهالي من القصبات والمدن النائية، وتبعهم مئات الآلاف المذعورين من سكنة النواحي والأقضية، تركوا بيوتهم وبساتينهم وماشيتهم، حملوا ما يمكن حمله، ولاذوا بالفرار، ومع بدء موجات القصف المدفعي على أحياء البصرة، خلت الكثير من البيوت أو كادت من سكنتها، باتت لوحة النزوح سيدة الشوارع. كم من جندي بصري بائس يا جدتي عاد من جبهات القتال وصُدِمَ بهجرة أسرته؟ فتحتم عليه البحث عنها في العديد من المحافظات. وغالبا ما كان يفشل في العثور عليها، طيلة سبعة أيام إجازته الدورية، فيعود إلى وحدته خائبا، أو يتمرد، فيختار الهرب!
في كل صباح، غدا شارع بصرة - بغداد مكتظا بعشرات الأرتال، سيارات الحمل تنوء بقطع أثاث مبعثرة، تسير ببطء، كأنَّ عجلاتها لا تريد المضي إلى المجهول، إلى مدن أخرى بعيدة عن بصرة أحبابها، وجوه كالحة تقبع فيها، تبدو من خلف زجاج النوافذ، قلقة، يصفعها البؤس، ويعصرها الفراق المر، كأنها وجوه اليهود البصاروه، في حوارات مقهى "حجي كاظم. كأنها وجوه التبعية الإيرانية البصاروه في حروب القرن العشرين الحديثة.
ماتت بصرة "سليكة" يا "بالاچاني"
زقاقنا أتلفه القصف أيضا. غالبية بيوته باتت مهجورة أو معروضة للبيع. لم يبق في زقاقنا المتهالك سوى بيت "البلوشي"، وهي أشهر كنية لبيتنا، بيت الحاج "مُراد"، وعلى مقربة منه بيتان آخران، أحدهما تسكنه جارتنا العجوز الأرملة "أم غايب"، والآخر استأجره، "مصري" يعمل في فرن صمون، يقع قريبا من الزقاق.
لم يعد لي بيت هناك يا "بالاچاني"، مثلما لم يعد لي وطن، "ضيعت المشيتين"، أو كما وصفتني جدتي مرارا:"لاني للوطن ولاني لسليكه". نعم يا أم "مراد"، بات كل من حولي مجرد أمكنة لا غير، قليل منها تؤويني، وأخرى تلفظني، وثالثة تتوعدني، ورابعة تعفط لي!

رواية ستصدر قريبا



#عبدالكريم_العبيدي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -كامل شياع-.. معزوفة وطن
- قصة قصيرة.. صدمات مرحة
- قتلك حلال شرعا
- أسردُ وطنا حتى لا أموت
- في الآذار الشيوعي العراقي
- بيوت شيوعية مشبوهة
- نكتة سياسية
- لهذا.. أنا بصراوي للأبد!
- مسيرة بغداد
- المترجم -چِكَّه-
- الحلم السردي.. سياحة من الغرائبي إلى الواقعي
- عيد كوليرا
- خريج يبحث عن وظيفة
- خمس قصص باكية جدا
- في لحظات رحيله.. في بدء الفراق -عادل قاسم-.. صورة عراقية لمس ...
- البصرة.. أم السرد
- -31- آذار.. نبض -الآخر- الجميل
- الشيوعي بلوى!
- الشيوعيون -كَفَرَة-
- سوزان ابراهيم و (لعبة الأنا).. قراءة تحليلية في مجموعتها الش ...


المزيد.....




- -ألكسو-تكرم رموز الثقافة العربية لسنة 2025على هامش معرض الرب ...
- مترجمة ميلوني تعتذر عن -موقف محرج- داخل البيت الأبيض
- مازال الفيلم في نجاح مستمر .. إيرادات صادمة لفيلم سامح حسين ...
- نورا.. فنانة توثق المحن وتلهم الأمل والصمود للفلسطينيين
- فيليبي فرانسيسكو.. برازيلي سحرته اللغة العربية فأصبح أستاذا ...
- بمَ تسمي الدول نفسها؟ قصص وحكايات وراء أسماء البلدان بلغاتها ...
- عن عمر ناهز 64 عاما.. الموت يغيب الفنان المصري سليمان عيد
- صحفي إيطالي يربك -المترجمة- ويحرج ميلوني أمام ترامب
- رجل ميت.. آخر ظهور سينمائي لـ -سليمان عيد-
- صورة شقيق الرئيس السوري ووزير الثقافة بضيافة شخصية بارزة في ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالكريم العبيدي - كم أكره القرن العشرين – معلقة بلوشي