|
القبيلة والغنيمة ومجلس النواب العراقي
محمد علي زيني
الحوار المتمدن-العدد: 5527 - 2017 / 5 / 21 - 18:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا يختلف إثنان في أن العشائرية أصبحت تحتل بالوقت الحاضر موقعاً طاغياً داخل العراق منذ أن هيّجها ورسّخها صدام حسين ثم تسلّمها نوري المالكي بعد الأحتلال ليستغلها لمصالحه السياسية بإنشائه مجالس إسناد العشائر بوسط وجنوب العراق. ولا شك أن الأرتداد للنظام القبلي المتخلف له انعكاسات سلبية إجتماعية وقانونية على المجتمع كما أصبح الآن واضحاً من صراع العشائر في محافظة البصرة. أضف الى ذلك أن النظام العشائري يؤثر سلباً على اقتصاد الدولة، فهو يرسخ مبادئ الأوتوقراطية والتفرد باتخاذ القرار بعيداً عن سلطة القانون والدولة. ذلك أن الولاء في ظل هذا النظام يتراجع عن الوطن ليتوجه بصورة رئيسية نحو العشيرة أو القبيلة، وينتج عن ذلك أن تتقدم الصلات القبلية – والصلات الطائفية والعرقية أيضاً – على المؤهلات والجدارة الشخصية المتعلقة بالمهارات والتحصيل العلمي والخبرات المهنية في ملئ الوظائف الحكومية وغير الحكومية. كما قد تؤثر تلك الصلات على اتخاذ القرارات والمسائلة في العمل، ما ينتج عن ذلك تراجع الأداء وضمور الأنتاج كماً ونوعاً. ولربما لتلك الأسباب، ومن المرجح لأسباب أخرى أيضاً، فقد أحسن الدكتور حيدر العبادي صنعاً بقراره حل مجالس إسناد العشائر وإيقاف تمويلها.
لا يختلف سلوك الأكثرية في مجلس النواب العراقي – ولا أقول جميعهم – عن سلوك القبيلة أو العشيرة كما ورد الوصف أعلاه. فالنائب هنا يتحرك باعتباره فرداً من أفراد الحزب أو التجمع أو "العشيرة السياسية"، متأثراً باللاشعور السياسي من أجل الحصول على فائدة أو درئ ضرر. ذلك أن السلوك البشري الهادف، أي الذي يصدر تلبية لحاجات معينة أو رغبات خاصة، ينقسم الى صنفين، أحدهما صادر عن شعور الفرد، أي يصدر بوعي الفرد وقراره وتصميمه، أي بإرادته، والآخر يصدر لا إرادياً، أي يصدر عن اللاشعور الذي يفلت من إرادة المرء ورقابته تلبية لرواسب دفينة ورغبات مكبوتة. إن مسألة السلوك البشري الصادر عن الشعور واللاشعور أصبحت معروفة إذ لاحظها علماء النفس والأجتماع، ومنهم سيجموند فرويد، وكتبوا عنها بإسهاب منذ بدايات القرن الماضي. وإذ نحن سنوظف مفهوم "اللاشعور السياسي" في تحليلنا بعد قليل، ينبغي، إذن، توضيحه للقارئ الكريم. فاللاشعور السياسي هو شعور جمعي، أي يخص الجماعة وليس الفرد، ولكن ليس أي جماعة وإنما الجماعة المنظمة كالأمة والطائفة والقبيلة والحزب. إن الأعراض التي يتمظهر بها اللاشعور السياسي تكتسي طابعاً سياسياً وآيديولوجياً يمارِس على الأفراد والجماعات ضغطاً لا يقاوَم باتجاه نعرة وتماسك وتناصر أو فرقة وتنافر. فالنعرة القبلية العشائرية والتعصب الطائفي والميل نحو الحصول على غنيمة هي ظواهر تبقى فعّالة ولكن كامنة في كيان الجماعات سواء كانت ضمن مجتمعات بدوية أو حضرية، متخلفة أو متطورة، إقطاعية كانت أو رأسمالية أو إشتراكية.
ذلك هو مفهوم "اللاشعور السياسي" الذي يستعيره محمد عابد الجابري من المفكر الفرنسي ريجيس دوبرَي (Regis Debray) في كتابه "العقل السياسي العربي، محدداته وتجلياته". إن اللاشعور السياسي الكامن أو المكبوت في كيان الجماعات المنظمة، وتمثلها الأحزاب والكتل السياسية داخل العراق بالوقت الراهن، لا ينطلق على عواهنه بل يتقيد بمحددات سمّاها الجابري: القبيلة، الغنيمة، العقيدة.
فالقبيلة تعني القرابة، كما يعبر عن هذا المعنى الأنثروبولوجيون في دراساتهم للمجتمعات البدائية والمجتمعات قبل الرأسمالية، وسمّاها إبن خلدون ب"العصبية"، وهي تُدعى اليوم بالعشائرية. على أن معنى القبيلة هنا هو أوسع من علاقة القرابة، فهو يشمل العلاقات ذات الشحنة العصبية كالطائفة أو الحزب أو الأنتماء لمدينة معينه. والأنتماء القبلي هذا يفصل بين "الأنا" و"الآخر" في ميدان السياسة والحكم وإدارة شؤون البلاد. ومن الجدير الأنتباه إليه أنه بمعيار الأنتماء القبلي يتم في هذا الوقت إبعاد ذوي الخبرة والكفاءة عن المشاركة في إدارة البلاد ليتسلمها من لا خبرة له وكذلك الفاسدون ومزوِّرو الشهادات.
ويقصد بالغنيمة أن تقوم الدولة بالحصول على مواردها المالية الأساسية ليس عن تحصيل الضرائب ولكن عن جباية الخراج. ذلك ما كان يحصل في ظل الدولة الأسلامية، ويدخل في ذلك الجزية والفيئ من غير المسلمين. والفرق بين الضريبة والخراج هو أن الضريبة تُدفع بموجب قوانين مرعية ويدفعها الحاكم والمحكوم، أما الخراج والجزية والفيئ فيدفعها المحكوم فقط ويستبد الحاكم في التصرف بها. في العراق، بوقتنا هذا، أصبح الريع من الصادرات النفطية هو المورد الأساسي لخزينة الدولة، بدلاً من الخراج. ويجدر أن نذكر هنا إن سلوك أغلب النواب في الجلسة الأولى لمجلس النواب العراقي لدورة 2005 في تحديد رواتبهم ورواتب كبار موظفي الدولة هو سلوك اللاشعور السياسي بتقاسم الغنيمة. ويتكرر هذا السلوك المشين في كل جلسة يمس فيها القرار المنافع الشخصية لهم. وهم يلتزمون كل الألتزام بتعليمات الأمير (رئيس الكتلة) في حضور الجلسة من عدمه وفي التصويت بنعم أو لا في حالة الحضور، فهو المانح للغنيمة (الريع)، إذ هو الذي أنعم عليهم مناصبهم رغم عدم حصولهم على أصوات الناخبين اللازمة لفوزهم في الأنتخابات. واعترافاً بنعمة الغنيمة التي أنعمها الأمير تراهم متماسكين كلٌ ضمن قبيلته، يتناكفون مع القبائل الأخرى حسب هوى الأمير حتى وإن كان ذلك بالضد من مصلحة الوطن. وينطبق هذا الأمر بمجلس النواب العراقي الآن على دولة القانون ورئيسها السيد نوري المالكي الذي حصّل أصواتاَ في انتخابات 2014 نافت على 720 ألف صوت أنعم الفائض منها على أعضاء كتلته فأصبحت دولة القانون هي الأكبر في البرلمان.
أما العقيدة فليس المقصود بها مضمون معين، سواء من دين أو آيديولوجيا، وإنما مفعولها يأتي على صعيد "الأعتقاد والتمذهب" كما ذهب لذلك الدكتور الجابري. إن سلوك الكتل السياسية في حكم العراق وإدارة شؤونه لا ينبع في الوقت الحاضر من الأيمان بعقيدة، وإنما التمسك بالسلطة وتحقيق المنافع الخاصة هو المحرك الرئيسي لتلك الكتل. لذلك فإن العقيدة ليست من مقيدات اللاشعور السياسي لدى قادة العراق بالوقت الحاضر كما هي الحال مع القبيلة والغنيمة.
#محمد_علي_زيني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أناديك يا مجلس النواب العراقي إن كنت شريفاً!!!
-
التراجيديا العراقية
-
الطامّة الكبرى
-
لنسحق رأس الأفعى!
-
معذرة يا ولدي...
-
بغياب المقاييس سرقة النفط العراقي مستمرة على قدم وساق
-
وزحف الظلام
-
المرأة فريدة الأهمية في تطور النشئ الجديد*
-
نهضة العرب من جديد ليست بمستحيلة
-
السلطات العراقية طاردة لذوي الكفاءات*
-
اضواء على الاقتصاد العراقي
-
إن فسد الملح فبماذا يُمَلّح؟
-
متى يحكم العراق رجل مثل مهاتير محمد؟
-
الشهيد عبد المنعم السامرائي
-
خطاب مفتوح الى الدكتور حيدر العبادي (الجزئ الثاني)
-
خطاب مفتوح الى الدكتور حيدر العبادي
-
في ظل الحاكم المدني بول بريمر: فساد وإفساد
-
لا الرَّيل....ولا حمد
-
فليسقط الكهرباء وليسقط النفط ولتحيى الطاقة!
-
هل العراق يحتضر؟
المزيد.....
-
السيسي وولي عهد الأردن: ضرورة البدء الفوري بإعمار غزة دون ته
...
-
نداء عاجل لإنهاء الإخفاء القسري للشاعر عبد الرحمن يوسف والإف
...
-
-الضمانات الأمنية أولاً-..زيلينسكي يرفض اتفاق المعادن النادر
...
-
السلطات النمساوية: هجوم الطعن في فيلاخ دوافعه -إسلاموية-
-
نتنياهو: انهيار نظام الأسد جاء بعد إضعاف إسرائيل لمحور إيران
...
-
نتنياهو: ستفتح -أبواب الجحيم- في غزة وفق خطة مشتركة مع ترامب
...
-
كيلوغ المسكين.. نذير الفشل
-
تونس تستضيف الدورة 42 لمجلس وزراء الداخلية العرب (صور)
-
-مصيركم لن يكون مختلفا-.. رسالة نارية من الإماراتي خلف الحبت
...
-
مصر تعلن بدء إرسال 2000 طبيب إلى غزة
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|