|
أزمة بيت الحكم الكويتي.. جرس إنذار للجميع
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 1442 - 2006 / 1 / 26 - 10:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عندما توفي الشيخ جابر الأحمد الصباح، الأمير الثالث عشر للكويت، تسابقت أقلام عدد كبير من الصحفيين والكتاب العرب لتأبين الأمير الراحل، وهذا أمر مفهوم خاصة وأن سجل الرجل حافل بالأحداث. لكن نفس هذه الأقلام تسرعت في الحديث عن الانتقال السلس للسلطة من الأمير الراحل الشيخ جابر إلي ولي العهد الشيخ سعد العبد الله، وأشادت بهذا الانتقال »الناعم«. وفي سياق هذه العادة العربية التي تكتفي بذكر محاسن موتانا وتستمرئ المبالغة في الايجابيات بينما تكنس السلبيات تحت السجادة في محاولة ساذجة لاخفائها.. انتقد البعض ما كتبته غداة وفاة الشيخ جابر حيث قلت بالنص »إن المشكلة هي أن الأمير الجديد للبلاد يعاني من أوضاع صحية خطرة، مما يشير إلي أن هناك ازمة في تراتبية الحكم سيتوجب علي الكويتين البحث عن طريقة للتعامل معها، وهي ليست مشكلة هينة كما أنها لا تخص الكويت فقط، بل إنها تشمل معظم النخب الحاكمة العربية، ملكية كانت أم جمهورية.. وتلك بدورها جزئية صغيرة من مسألة أشمل هي معضلة الديمقراطية في العالم العربي، وقدرة النخب العربية علي التعامل مع قضايا الحداثة وتحديات عصر العولمة والثورة المعلوماتية. وملابسات وفاة الأمير الثالث عشر للكويت جرس إنذار جديد للعرب جميعا.. المتخلفين بعدد من السنوات الضوئية عن مسيرة الدولة الديمقراطية المدنية العلمانية الحديثة«. هذا ما كتبته بالضبط علي صفحات »نهضة مصر« غداة وفاة الأمير جابر الأحمد الصباح رحمه الله. وقد فوجئت بأن هذا الكلام أغضب بعض الكتاب »المصريين« الذين تصرفوا كما لو كانوا كويتيين أكثر من الكويتيين أنفسهم!! وبصرف النظر عما تضمنته هذه المزايدات من نفاق رخيص، فان التطورات المتلاحقة بينت أن هناك أزمة فعلية، وأن هذه الأزمة كادت أن تقسم الأسرة الحاكمة الكويتية. وبالقراءة الموضوعية لهذه التطورات استنتجت الأقلام الجادة أن المشكلة لا تخص الكويت وحدها. من ذلك مثلا ما توصل إليه الزميل سليمان جودة في عموده بـ »المصري اليوم« عدد 23 يناير، أنه »يبدو أن ما يجري في الكويت حاليا، هو مجرد بروفة« لما سوف تواجهه دول عربية كثيرة، خلال السنوات المقبلة«. ورغم أن بعض الكتاب والمحللين رأوا فيما حدث في الكويت في الأيام القليلة الماضية »صراعًا علي السلطة في قمتها وداخل الأسرة المالكة وليس له تسمية أخري غير كلمة صراع« مثلما كتب الزميل مجدي مهنا الذي أضاف وصفا آخر لهذا الصراع هو »الانقلاب الدستوري« معربًا عن مخشيته من أن الكويت »ستدفع ثمن هذا الانقلاب الدستوري غاليا.. من حريتها ومن الطريقة التي ستدار بها مؤسسات الدولة في السنوات المقبلة ومن تعرض الهامش الديمقراطي المتاح حاليا للتقليص«. بيد أن الكاتب والمفكر الكويتي الكبير، والمستنير، أحمد الربعي كان له تحليل آخر يستحق أن نتوقف أمامه. خلاصة هذا التحليل أن »في الكويت معركة واسعة بين علم الاجتماع من جهة وعلم السياسة والقانون من جهة أخري فوفاة الأمير الراحل الشيخ جابر تزامنت مع الحالة الصحية الصعبة لولي العهد، الذي أصبح اميرًا بحكم الدستور، الذي يحدد أن ولي العهد يحل محل الأمير في حالة خلو منصب الإمارة. علم السياسة والقانون يؤكد بحسب الدستور وقانون توارث الامارة أن اللياقة الصحية شرط أساسي لتولي كرسي الاجازة، وهذا يعني ضرورة تخلي الأمير الجديد عن منصب الإمارة. وعلم الاجتماع يؤكد أن هناك رؤية اجتماعية تتعلق بالمكانة الاجتماعية للأمير الجديد الشيخ سعد، الذي يحظي بشعبية كبيرة بين أفراد الشعب الكويتي، خاصة عندما يتذكرون حيويته وعمله المتواصل أيام غزو صدام للكويت، وبالتالي تطرح ضرورة عدم اتخاذ أي خطوة، يمكن أن يشتم منها شيء من التقليل لمكانة الرجل. وكثيرون خارج الكويت يعتقدون أن الحكم في الكويت يتم بالتناوب بين فرعي العائلة الحاكمة الرئيسية، وهذا غير صحيح، وتنقية الوقائع التاريخية، فقد رحل مؤسس الكويت الحديثة الشيخ عبد الله السالم الصباح وتقلد أخوه الامارة من دون أن يثير ذلك أية ازمة، كما أن الاصطفاف الجديد في الخلاف القائم اليوم يتخطي قضية فرعي الأسرة. ويضيف أحمد الربعي أن »الخلاف القائم في الأسرة الحاكمة الكويتية وضع الكويتيين أمام وضع صعب، فهي المرة الأولي التي تشهد فيها البلاد خلافًا علي السلطة منذ الاستقلال، ووضع الدستور رغم أن البلد مر بأزمات دستورية كثيرة، لكن واحدة منها لم تكن تتعلق ببيت الحكم«. لكن مما يخفف من وطء القضية علي الناس - كما يقول أحمد الربعي - هو »أن كل الأطراف تحتكم إلي الدستور، وتجتهد في تفسير نصوصه وآليات تفعيله، وأن المجتمع الكويتي لن يرضي بأي اسلوب يلجأ لحل الاشكالات بطريقة تعسفية.. ورغم أن الكويت بلد صغير وتجربتها مع البيروقراطية لا تتعدي الخمسين سنة، إلا انها تجربة تستحق التأمل حيث تلجأ كل الأطراف إلي الدستور«. وهذه بالفعل نقطة مهمة لاحظناها في سياق المتابعة لتطورات الأزمة في بيت الحكم الكويتي. ورغم الارتياح الذي قوبل به حل هذه الأزمة من خلال التوافق داخل أسرة الصباح علي تنازل الشيخ سعد العبد الله عن الامارة للشيخ صباح الأحمد.. ورغم الارتياح لأن الاطراف المتصارعة اجتهدت في الاحتكام إلي الدستور. فان المشكلة الرئيسية لا تزال تحتاج إلي حل، والتي تتجاوز المعالجات الدستورية والجدل القانوني، هي تصلب شرايين النخب الحاكمة العربية، سواء في النظم الملكية أو الجمهورية. وهذه اشكالية لا تخص الكويت فقط بل تكاد تنطبق علي معظم - إن لم يكن كل - البلدان العربية التي استمرأت النوم في »عسل« استقرار واستمرار الأمر الواقع.. بكل ما يعنيه ذلك من تعايش مع الجمود والركود وكل مفردات الدولة »التقليدية« التي غربت شمسها. وكيفية الانتقال من هذه الدولة »التقليدية« إلي الدولة »الحديثة« هو التحدي الرئيسي الذي تواجهه حركة »الاصلاح« العربية.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النخب العربية في مواجهة تحديات تجديد الدماء!
-
ذمة الوزراء علي العين والرأس.. لكن المطلوب آلية قانونية لمنع
...
-
كليمنصو!
-
هل نكتفي بالتباهى ب -شعر- أختنا اللاتينية؟!
-
.. لكن هل يجوز أن تكون الرئيسة مطّلقة .. وعلمانية؟!
-
النخب العربية فى مواجهة تحديات تجديد الدماء
-
رئيس تحرير تحت الطلب
-
أربع ساعات مع رئيس الحكومة !
-
شجرة الأرز اللبنانية .. وغابة أشجار الصبار العربية
-
حتى لا نكون نحن والزمن وعنصرية الغرب ضد السودانيين
-
تعالوا نتفاءل.. علي سبيل التغيير
-
من يشعل فتيل القنبلة النوبية؟
-
لماذا خطاب »الوقاحة«؟
-
أشياء ترفع ضغط الدم!
-
كمال الابراشى .. والسادات .. والسفير الإسرائيلي!
-
برلمان الهراوات والعمائم!
-
أخيراً.. جامعة في أرض الفيروز
-
هل الأزهر فوق القانون ؟!
-
احتفال -تحت الأرض- لجماعة -الأخوان-!
-
فقر العرب!
المزيد.....
-
-حماس- تصدر بيانا بشأن فلسطينيين تتوقع الإفراج عنهم مقابل 3
...
-
عمدة مدينة اسطنبول أمام القضاء وسط هتافات المؤيدين ودعوات لا
...
-
أكبر تجمع للمسلمين بعد الحج .. مهرجان ديني على ضفاف نهر تور
...
-
مشغلو المسيرات الروس ينقذون جنديا روسيا معتقدين أنه أوكراني
...
-
لماذا يخشى ترمب تخلي -بريكس- عن الدولار؟
-
ترامب: سأفرض رسوما جمركية على السلع الأوروبية لأن بروكسل تعا
...
-
إسقاط 7 مسيرات أوكرانية فوق مقاطعة بريانسك الروسية
-
فرق الطوارئ الأمريكية تنتشل جثث 41 ضحية في حادث تصادم الطائر
...
-
زاخاروفا: روسيا قدمت بديلا للكتل السياسية العدوانية على السا
...
-
المغرب واليمن.. توقيع 7 اتفاقيات لتعزيز التعاون
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|