سامى لبيب
الحوار المتمدن-العدد: 5486 - 2017 / 4 / 9 - 22:48
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (76) .
لم يكن فى ذهنى وترتيبى كتابة هذا المقال فهو يدخل فى إطار تناول حدث وهذا خارج نهجى فى الكتابة , فأنا أعتنى بقضايا وأفكار جوهرية محورية تنتج الحياة والأحداث والمشاهد لذا أعزف عن تناول أحداث سياسية وإجتماعية وأخلاقية مفضلاً الكتابة فى الجذور والعوامل التى تنتج هذه الأحداث .
شهدت مصر اليوم حادث تفجير كنيستين فى طنطا والأسكندرية فى إحتفالية "أحد الشعانين" تبناها تنظيم داعش الفرع المصرى ليذهب ضحيتها أكثر من 47 مواطنا وما يقرب من مائة مصاب .
تلقيت خبر تفجير الكنيستين ظهر اليوم من أحد الأقارب لأسارع بالإتصال بزوجتى وإبنى وابنتى للإطمئنان عليهم ولأتابع الأخبار عبر الفضائيات رافضاً توصية قريبى هذا بمنع زوجتى وأولادى من الذهاب للكنيسة الأسبوع المقبل والذى يدعى بأسبوع الآلام والذى يشهد حضورا كثيفاً من الأقباط , ليأتى رفضى ليس من منطلق لادينيتى وإلحادى بل من منطلق عدم الإذعان للإرهاب .
هو حادث بشع وإرهابى بكل معنى الكلمة ولن أغرق فى الإدانة والإستنكار واللعن لهؤلاء الإرهابيين , ولن يريحنى مشاعر العزاء والمواساة التى تلقيتها من جيرانى المسلمين لأرجع لنهجى فى التعاطى مع الثقافة والملابسات التى أنتجت المشهد .
لن أغرق فى الإهمال الأمنى لأرى هناك تقاعس بالفعل بدخول إرهابى لكنيسة طنطا وزرع قنبلته داخل الكنيسة وإنصرافه .. نعم هناك تقاعس ما ولكن عمليات الإرهاب التى تصطاد أهداف سهلة وتتجول بين المدنيين الأبرياء لا يمكن منعها تماماً وهذا ماتشهده بلدان أوربا رغم الجدية والتقنية العالية فى الرصد والتتبع , لأتذكر فى خضم هذا المشهد أن كنائس مصر فى الستينات لم يتواجد أمامها فرد أمن واحد ولم تشهد مصر حينها إلقاء حجر على جدار كنيسة , ليطل علينا سؤال لماذا لم يكن هناك إرهاب موجه ضد الأقباط فى زمن عبد الناصر وظهر بعد ذلك فى حقبة السادات ومبارك والسيسى , فحينها كان هناك مسلمون وبعدها مسلمون أيضا .
الإجابة ببساطة أن النظام والثقافة السائدة فى جيل الستينات لم تسمح بظهور وتوغل السلفية والأصولية والإخوان , فلم يهرج النظام ولم يتميع فى مواجهة هذه التيارات بقوة ليس بوسائل بوليسية فحسب بل بمنهج سياسى ثقافى مدنى تغلغل فى نسيج المجتمع المصرى المتسامح أصلا عبر تاريخه لتحظى مصر بأمان وسلام إجتماعى فى ذروة مواجهتها للعدو الصهيونى .
جاء السادات ليتحالف مع الإسلاميين لمواجهة التيار الناصرى والشيوعى ليفتح لهم المجال فى التواجد والإنتشار آملاً أن يتم تصفية فكر وتيار عبد الناصر بإشتراكيته وقوميته لتدخل مصر نفق الأصولية والعنف والإرهاب الإسلامى , ثم يأتى مبارك مغازلاً ومستثمراً هذا المناخ ليخلق فزاعة الإسلاميين ليوطد منها أركان حكمه , وهكذا إستمر الحال مع السيسى ولكن فى إطار إستثمار الإرهاب لتمرح التيارات والأفكار السلفية من تحت ذقنه .
الإرهاب فكر أولاً قبل أن يكون فعل وممارسة , وأتصور أن هذا ليس غائبا عن وعى الحكام والمسئولين والمثقفين , ولكن هناك تقاعس وإهمال بل تواطئ فى التعاطى مع هذه القضية لتكتفى الأمور بالمواجهات الأمنية ولعبة القط والفأر دون التوغل فى الأسباب والجذور التى تنتج الإرهاب .
الإرهاب لن ينحصر بالمواجهات الأمنية فهذا غير مضمون ولا ناجع بل بتجفيف منابع الإرهاب أى الفكر المغذى للجماعات الإرهابية , فالفكر هو مفرخة الإرهاب فلو تم قتل إرهابى أو عشرة أو مائة سيظهر بدائلهم آلاف يتم تجنيدهم من المساجد والزوايا والقنوات الفضائية والإنترنت بل قاعات الدرس فى الأزهر والمعاهد الدينية .
هناك إشكالية لا يريد أحد الإعتراف بها ومواجهتها , لتكتفى الأمور بتقبيل اللحى والمواساة والعزاء والطبطبة لتمر الأمور ثم تجدد ثانية بالمزيد من العمليات الإرهابية الموجهة للأقباط فى كنائسهم وحياتهم واموالهم .. الإشكالية هى عدم الإعتراف بأن هناك مشكلة فى إحياء التراث الإسلامى وترويجه من خلال السلفيين بكافة أجنحتهم الجهادية والتكفيرية ألخ .
نعم المشكلة تكمن فى التعاطى مع التراث والفكر الإسلامى قرآن وسنه وتاريخ , وحضور هذا التراث بشكل متصاعد فى المجتمع فإذا قلنا أن عصر عبد الناصر كان عصراً لم يشهد تطرف وإرهاب فلأن النظام السياسى إنتقى من الإسلام بعض المشاهد الإيجابية وحجب مشاهد أخرى كثيرة , بينما من جاء بعده فتح الباب على مصراعية لإحياء وترويج كل التراث القديم ليظهر التطرف والتعصب والجهاد كشكل من أشكال الإسلام النقى أو كما يجب أن يكون الإسلام ليجذب الشرائح المهمشة من المجتمع كشكل من أشكال رفض المجتمع والرغبة فى تحقيق الذات والتعويض عن ظلم المجتمع بمقاومته وممارسة العنف تجاهه , وهنا أربط رواج الفكر المتطرف بخلل فى المنظومة السياسية والإجتماعية والإقتصادية فلو توفر مجتمع إنسانى يحترم حرية وكرامة ولقمة عيش الإنسان فلن يلجأ للعنف تحت أى يافطة إسلامية أو غيرها , وهذا من الإهمية بمكان الإعتناء به فى المعالجة .
نرجع إلى إشكالية الإسلام والمسلمين فهناك إنصراف عن الأسباب الحقيقية لتصاعد التطرف والإرهاب ويؤسفنى القول بأن هناك مراوغة وتدليس فى التعاطى , فعندما يطل مشهد إرهابى تجد الإستنكار والإدانة من المؤسسات الإسلامية وعامة المسلمين بل قد يصاحبها لعن الإرهابيين ليرفق معها أنهم ليسوا مسلمين وليس هذا هو الإسلام .
لا أشكك فى هذا الإستنكار والتنديد من عامة المسلمين ولكن ينتابنى الشك عندما يصدر من المؤسسات الإسلامية , فعلى سبيل المثال لم يكفر الأزهر الدواعش حتى الآن ومازالوا يعتبرهم مسلمين طالما ينطقون الشهادة .
لا يعنينى تكفيرهم ولا تقبيحم إنما يعنينى مواجهة الفكر السلفى المتطرف فبدون تمييع ودفن الرؤوس فى الرمال وإختلاق شعارات خايبة أن الإرهاب لا دين له , فالدواعش وكافة المتطرفين هم مسلمون بل يراهم من يمسك العصا من المنتصف أنهم شباب إسلامى متحمس , ويبرر الطابور الخامس للإرهاب أنهم شباب غيور على الإسلام من قوى البغى والطواغيت من الصليبية الغربية واليهودية الصهيونية والإلحاد وأنظمة الحكم المدنية الباغية .
ليست هذه هى قضيتى , فقضيتى حالة التميع والضبابية والزيف والمراوغة التى تنتاب المؤسسات الإسلامية بل عامة المسلمين فى التعاطى مع الإرهاب والتطرف , فإذا كان الإرهابيون يقومون بالقتل والذبح والنهب وسبى النساء فى العراق وسوريا وقتل الأقباط فى مصر فلم نجد أحداً يثبت إنحرافهم وأن سلوكهم هذا غير إسلامى مستنداً للكتاب والسنه والتراث , فلا أحد يتصدى لمنهجهم الفكرى بالرغم أن الإرهابيين يبررون إرهابهم وبشاعتهم من القرآن والأحاديث وفكر الإئمة العظماء الذين تبجلونهم وتدرسون أقوالهم وفتاويهم فى الأزهر وفى الكتب التى تملأ كل الرفوف .
هكذا حال المؤسسات الإسلامية المتحفظة فهى تستنكر وتدين وتقدم العزاء لبابا الأقباط , ولا تتوقف أمام مناهج الأزهر وكتب التراث التى تروج للإرهاب , فلا تقوى أن تفند فكر الإرهاب لأنها تعلم جيدا أن ما ينهجه الإرهابيون فى صميم التراث الإسلامى قرآنا وفقه وأحاديث وتاريخ .
هذه إشكالية الإسلام والمسلمين أن التراث الإسلامى يقدم زخم من نصوص العنف والإرهاب يتكأ عليه الأصوليين لينتجوا إرهاباً فلا تستطيع أن تتصدى لهم , فهم ينهلون من الإسلام النقى ومن مصادره المعتمدة لذا لن يجدى أن تستحضر بعض الآيات والأحاديث المترفقة فى مواجهة هذا التطرف , فعليك أن تتعامل مع نصوص الديناميت أولا ونزع فتيلها .
ستتكرر مصيبة تفجير كنيسة طنطا والأسكندرية وسيستمر مسلسل الدم طالما نتعامل مع الحلول الأمنية فى مواجهة فكر إرهابى , وطالما ظل من يُحيى التراث ويروج له ولا يجد من يصده ويفند أفكاره فكيف يكون الصد إذا كان التراث الإسلامى غارق حتى أذنيه فى العنف والإنتهاك .
أطرح هذا الموضوع للنقاش لتقديم حلول , وإذا كان لى أن أقدم حلولاً فقد إقترحته فى ثلاث مقالات بعنوان : بحثا عن خروج الإسلام من أزمته
بحثا عن خروج الإسلام من أزمته - جزء أول
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=465152
المصارحة والمكاشفة كسبيل لخروج الإسلام من مأزقه -جزء ثانى .
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=470242
بحثاً عن حلول لخروج الإسلام من أزمته - كاملاً .
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=465152
ملخصهم لابد من خطاب ومنهج إسلامى جديد لا يقوم على الإجترار من التراث القديم ليتم نزع فتيل آيات وأحاديث متصادمة مع العصر والتحضر , وليس هذا بشيئ عسير فقد سبق اليهود والمسيحيين هذا بإعتمادهم تاريخية النص بالكتاب المقدس , كما لا يجرؤ مسلم بالمطالبة بتطبيق ومشروعية السبى وملك اليمين والرقيق فى عصرنا كما يفعل الدواعش .
من هنا لا سبيل إلا خطاب إسلامى حضارى قوى وجرئ والتصدى للأفكار السلفية والتراثية وإلا سينال الإرهاب من الجميع ولن يكتفى بالأقباط لتكون الدماء فى الشوارع والأزقة وداخل البيوت .
دمتم بخير .
- "من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " - أمل الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .
لن أقدم كعادتى قطعة موسيقية من مكتبتى الموسيقية فالدماء المسفوكة تطلب الصراخ وتحثنا على الحل بدلاً من التمتع بالمزيكا .
#سامى_لبيب (هاشتاغ)