أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سوسن السباعي الجابي - المخاوف














المزيد.....


المخاوف


سوسن السباعي الجابي

الحوار المتمدن-العدد: 1434 - 2006 / 1 / 18 - 09:55
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة
يهزأ أمجد من مخاوفي ويصرّ على أنني مريضة وينبغي مراجعة طبيب نفسي... فولعي بطفلي سامر ولع غير عادي كما يقول...منذ أول يوم وضعته تخيلت أيدي الممرضات تختطفه بعيداً. وأيد أخرى تستبدله بقرد قبيح... وضحكوا جميعا وظنوا أنها حمّى النفاس. لكن المخاوف توالت وتكاثرت مثل حصيرة نمل في روحي... حتى أنه لا أحد يقترب منه إلا وخمنت أن أذى ما سوف يحل بصغيري فأقفز مجنونةً أضمه داخل صدري لأحميه من شرّ مستطير لا أراه...
أدرك أمجد مخاوفي، فحاول إقناعي بطريقة بذل فيها جهدا كي تكون مهذبة وغير قاسية، بأنه يجب الإقلاع عن تخيلاتي لأنها لن تؤذي أحداً في النهاية سوايَ وطفليَ... طفلي الذي قد يعي هلعي عليه وأفقد سيطرتي عليه كأمّ... ويبدو أنني عجزت عن كبح جماح خيالي لكني صرت أتصرفُ كمن ركبت مهرة مخاوفها وروّضتها للأبد.
وكرّت الأيام. وقرر أمجد بينه وبين نفسه أن وقت التخيلات والكوابيس المزعجة قد مرّ بسلام ولم يكن فأل شؤم سيودي إلى مأساة ما. وقد وصلني الاتياحه فتنفّستُ الصعداء وصفقت لسامر الذي أفلح أخيراً في كتابة كلمة ماما...
في ليلة العيد دخل أمجد ومعه أكياس كثيرةٌ... كان سعيدا لأنه قبض مبلغا ممن المال أتاح له أن يسرف قليلاً. أخرج الخضار والفواكه بأنواعها والحلوى بأشكالها والثياب الجديدة للجميع... وأخيراً تباطأ نوعا ما، بينما كانت يده تتسلل شيئا فشيئاً إلى كيس أخير ثم تشجع وأخرج منه فروجاً منتوفاً. حدّق في وجهي وهو يعرف كم أكره هذا النوع من اللحوم، وهمس: هيا أريني شطارتك في هذا المحروس.
صفق سامر بسعادة ودار حول والده الذي التقطه واحتضنه ثم راح يفرك فروة رأسه بحنوّ بالغٍ. سعدت مثلهما وتناسيت كما تناسى أمجد أنني نباتيةٌ بطبعي، وبدأت بغسل الدجاجة المذبوحة والتي مازال رأسها معلّقا بها... ولا أدري لماذا تداعت إلى ذهني في اللحظة نفسها صورة جدّي منذ عشرين عاماً حين أمسك خروفي الأبيض الصغير لذي كنت ألعبُ معه في حديقة المنزل وأسير إلى جانبه على أربع قوائم أثغو ثغاءه وأتشمم الأعشاب التي يقضمها متظاهرة أنني أشاركه مضغها... يوما كبّر جدّي ثلاثاً ثم انقض على خروفي الجميل فصعد الدم نافورة حمراء ما تزال توزع الدم يمينا ويسارا حتى اللحظة. قفز الخروف من بين يديه ينطّ وينطَ... ويتضرج بدمائه حتى.. همد... أخيراً...فتناوله الجزّار جدّي وسلخه وقطّعه إربا ووزعه على آكلي اللحم من بني البشر الذين كانوا ينتظرونه بفارغ الصبر والأمعاء... بينما هويت في فراشي وامتنعت عن أكل اللحم من يومها...
على صوت الماء المتدفق من الحنفية الساخنة توقفت تداعياتي... أشعلت النارَ بعد دقائق وبدأت بشيّ الدجاجة السمينة المنتوفة بعناية. بدأ الدهن يسيلُ فتشبّ معه النارُ التي تحوّلت إلى كتلة لهبية تتراقص من خلالها أفكاري ثانية ولكن يا إلهي إنه سامر رأيته عاريا يطقطق لحمه بين يديَّ ارتعدتُ... اتّضحت الصورة تماماً إنه فعلا طفلي هذه أطرافه هذا رأسه الجميل هذان كتفاه البضّان... تركت الجثة فوق الموقد تحترقُ وجسدي كله ينتفض ورحت أصرخُ بأعلى صوتي أصرخ وأزعق... أنطّ مثل خروفٍ ذبح للتوّ أولول وتكبيرات العيد تختلط مع تكبيرات ذعري...
هرع إلي أمجد يتبعه سامر دخلا المطبخ... كانت هناك فحمة تحترقُ فوق الموقد. أخذا ينقّلان نظرهما بين الكتلة السوداء فوق الموقد وبيني... رأيت في عيونهما نظرات الأسف والعتاب... ولم ينقذ الموقف إلا صوت سامر وهو يتقدم نحوي ويمسح دمعتين من فوق خدي... ماما لا تزعلي أنا ما بحب اللحم...



#سوسن_السباعي_الجابي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهوية قصة قصيرة
- قصائد قصيرة
- قصة قصيرة
- ملامح شرقية


المزيد.....




- متحف الإثنوغرافيا في كابل.. نافذة على التنوع الثقافي في أفغا ...
- صالون الفنان -مصطفى فضل الفنى والأدبى-فى ندوته مساء الخميس ا ...
- جماليات الوصف وتعطيل السرد.. -حكاية السيدة التي سقطت في الحف ...
- بعد نيله جائزة -برلمان كتاب البحر الأبيض المتوسط-.. الكاتب ا ...
- فيلم يسلط الضوء على انتهاكات كييف
- المتحف البريطاني يختار الفرنسية اللبنانية لينا غطمة لـ-أحد أ ...
- العربية في إيران.. لغة -أم- حية بين الذاكرة والتحديات
- فيديو.. متهم يهرب من نافذة المحكمة بطريقة سينمائية
- فيديو.. أول ظهور للفنانة المغربية دنيا بطمة بعد السجن
- سجلات الليدرشيت يشعل النقاش حول القيادة


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سوسن السباعي الجابي - المخاوف