|
مارد الاستثمار في تونس
هيثم بن محمد شطورو
الحوار المتمدن-العدد: 5359 - 2016 / 12 / 2 - 21:16
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لئن نـقـف موقـف الإجلال للجهود الكبيرة التي قامت بها حكومة "يوسف الشاهد" و من ورائه رئيس الجمهورية السيد "باجي قايد السبسي"، لانجاز مؤتمر الاستـثمار في تونس و إنجاحه من حيث الانعقاد و مستوى الحضور و الاتـفاقات و الوعود، إلا أننا كمتابعين حريصين على الخير العام لتونس، لا يمكن أن نمر مرور الكرام على كثير من المغالطات التي يتم حجبها في عملية التسويق الإعلامي.. قام مؤتمر الاستـثمار بتوجيه الأنظار صوب المسالة الاقتصادية التي لا يمكن للمسار الديمقراطي أن يكتمل دون حلحلتها نحو الأفضل، و من هذه الناحية يعتبر المؤتمر ناجحا. و حين تـتجه الإرادة العامة نحو منطق السحر فهذا مخيف. التسويق الإعلامي للمؤتمر يجسد هذا المنطق.. فقبل أربع و عشرين ساعة كانت تونس على حافة الهاوية الاقتصادية و بعد انعقاد المؤتمر قـفزت إلى حافة الجنة الأرضية. هذا المؤتمر تم تسويقه باعتباره تاريخا مفصليا لما قبله من أزمات اقتصادية و سياسية ( الاحتجاج و الخروج للشارع و الإضرابات العمالية) و لما بعده من انفراج.. الأزمة يتم توصيفها بأنها نتيجة الاحتجاجات و المطلبية المتـسببة في إغلاق بعض المرافق الاقتصادية و تعطيل البعض، و القفز بواسطة المؤتمر إلى حافة الجنة بفضل العنصر الأجنبي المساعد و بالتالي يكون من المنطقي المطالبة بإنهاء النفس الاحتجاجي. و لا ريب أن هذا المنطق يدلل على طفولية الإعلام المرئي و سذاجته الظاهرة التي لا يمكن ان تخفي الاتجاه الواضح في تسويق أجندة معادية للحقائق الموضوعية المفزعة و التي تـتلخص في انهيار الرأسمالية العالمية. التـفكير بالمنطق العلمي و النـقدي هو السبيل الوحيد لإحداث النجاحات الحقيقية و الاستـقرار و السلام الحقيقي. فما هي النجاحات المطلوبة؟ هل المطلوب الخروج الوقـتي من الأزمة السياسية و الاقـتصادية أم التأسيس لدولة قوية و مناخ اجتماعي و اقتصادي و سياسي و ثـقافي صحي؟ حين نتحدث عن الاقـتصاد على المستوى الحكومي و الدولة فإننا نتحدث عن اقتصاد سياسي و بالتالي عن السياسي الذي يراد تغيـيـبه. بصفة أدق الفكر السياسي. إذن فمنتهى السذاجة الطفولية استبعاد التجاذب السياسي في المسالة الاقتصادية و هي شبيهة بمنطق الدكتاتورية التي تـنـزعج من النقد و حق المشاركة برؤية مخالفة. نتمنى الانفراج المرجو طبعا و من الممكن فعلا إحداث بعض الانفراج الاقتصادي و السياسي، و لكن بعض الملاحظات حول المؤتمر تجعلنا لا نتـقاسم هذه البهجة من أشباه الحواريـين المبشرين بالخلاص. فكيف للدولة السعودية المفلسة أن تـقوم بإعطاء هبة مالية لتونس؟ هل السعودية حريصة على إنجاح المسار الديمقراطي في تونس أو في أي دولة في العالم؟ لا ريب ان فشل البديل الاسلاموي و من بعده فشل النظام القديم المزركش و كلاهما شبيه بالهياكل العظمية القائمة من القبور لتكتسح المدن، فان أمر الحكم سيؤول حتما إلى القوى اليسارية و هذا ما يمثل مصدر رعب حقيقي نرجح ان الديبلوماسية التونسية و العقل البارع لرئيس الجمهورية قد عرف كيف يلعب بهذه الورقة جيدا.. و الورقة الأخرى هي الفوضى في تونس و بالتالي التهديد المباشر لأوربا فيما يسمى بالهجرة السرية أو الغير شرعية، إضافة إلى تـزايد التهديد الإرهابي في أوربا.. من السذاجة الاعتـقاد ان أوربا الحاكمة و دول الخليج العوائلية و تركيا العثمانية و روسيا الإمبراطورية من مصلحتهم حرية و ديمقراطية عربية حقيقية. و إن المهندس السيد "باجي قايد السبسي" كان بارعا حقا في القول ان "تونس هي الدولة العربية الوحيدة الناجحة في الربيع العربي". فهو أراد الطمأنة من جهة كون الربيع المزعوم مقتصر على تونس و من جهة أخرى يخيفهم من انتـقالاته المستـقبلية و بالتالي وجوب مساعدة المشهد السياسي الحاكم اليوم للبقاء أفضل مما يمكن ان تـتـقدم إليه الأمور.. و باعتبار المسالة موضوعيا ثورة تونسية عربية إنسانية و لا يمكن التسرع في إطلاق الأحكام النهائية حولها باعتبارها لازالت فاعلة في التاريخ، و باعتبار أنهار الدماء المراقة فهي ثورة حمراء انقلابية جذرية من شانها الإطاحة بـ"وول ستريت"، و إنها ليست ربيعا أو ياسمين.. إلا انه من حق السياسي أن يتلاعب بالمفردات المتداولة بما انه مطالب في النهاية بالفعل المباشر و ليس بالتـنظير.. و انه بقدر مسحة التـفاؤل التي اصبغها هذا المؤتمر فانه الأجدى الآن التـناول الموضوعي و الحقيقي للأسباب الحقيقية للازمة السياسية و الاقتصادية من اجل الإدراج الصحيح للأموال و الاستـثمارات.. هناك ترسانة قوانين للتسيـير الإداري يجب أن تعرف حذفا و تغييرا جذريا.. هناك وضع فساد موضوعي يجب تحجيمه.. هناك أكاذيب و أوهام يجب التخلص منها مثل دعم المشاريع الصغرى للشباب. لا يمكن لأي مشروع النجاح بقرض قدره عشرون ألف دينار و مطالب بدفع الضرائب من اليوم الأول و مطالب بدفع استحقاقات صندوق الضمان الاجتماعي إضافة إلى لوازم الكراء و غيرها.. إضافة إلى وجوب طرح مسالة المشاريع التي يمكن أن تـنجح فعلا.. ثم لماذا لا يتم إدراج هذه المسالة في منطق المشاريع التعاونية من طرف عدد من الشباب و بدعم أكثر يكون فعليا قادرا على تأسيس و إنجاح مشروع حقيقي؟ أما الصيغة النوفمبرية فهي من اجل إسكات الأفواه و توريط الشباب في مشاريع خاسرة و ربطهم بدين غير قادرين على تسديده جراء وهم حكومي كاذب.. الأجدى أن يتم طرح المسائل بجدية و روحية حقيقية في تحقيق الخير العام و ليس مواصلة سياسة بيع الأوهام التي تـنـقـلب إلى نقمة اكبر على السلطة...
#هيثم_بن_محمد_شطورو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وقف سلسلة الانتقام في تونس
-
بوح معذبي الدكتاتورية في تونس
-
مهزلة العراق الجحيمية
-
صدمة -ترامب-
-
مأزق الراهن
-
الجسدي التائه
-
بين العلم و الايمان
-
حصان الثورة
-
-جمنة- بين الثورجية و المعقولية
-
تعاونية -جمنة-
-
الكاتب و الزبالة
-
أمريكا الداعشية
-
-بورقيبة- و الثورة
-
-يلزمنا ناقفو لتونس- رئيس الحكومة الجديد يستحضر شعار -شكري ب
...
-
في الالحاد الاسلامي
-
الفردوس المفقود المأمول
-
رئيس الجمهورية التونسية يسحب البساط من الجميع
-
الصادقون و الكاذبون
-
هل تتجه تونس نحو سلطة الشعب؟
-
تركيا نحو الانهيار
المزيد.....
-
-رأيت نفسي كجارية جنس-.. CNN تتحدث مع ناجيات من اعتداءات مزع
...
-
أعنف هجوم منذ سقوط الأسد.. قتلى وجرحى بانفجار سيارة مفخخة في
...
-
هل يمكن أن تطبع الجزائر مع إسرائيل؟ - مقابلة مع لوبينيون
-
تحقيق عسكري: فشل خطير في منظومة القبة الحديدية خلال الساعات
...
-
السعودية والإمارات ضمن الخيارات لاستضافة قمة بوتين وترامب
-
أطويلٌ طريقنا أم يطولُ.. نتنياهو يتجنب العبور فوق الدول المم
...
-
مظاهرات ألمانيا الحاشدة ضد اليمين.. أسبابها وخلفياتها!
-
أدلة على فيضان هائل أعاد تشكيل البحر الأبيض المتوسط
-
تأثير غير متوقع لمسكنات ألم شائعة على الذكاء وسرعة التفكير
-
منظومة -غراد- الروسية تستهدف مواقع تمركز القوات الأوكرانية
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|