المقال الافتتاحي /طريق الشعب الجريدة المركزية
لحزبنا الشيوعي عراقي في عددها الصادر في شباط/ فبراير2003
المهمة الكبرى ومسؤولية قوى المعارضة
تقف بلادنا اليوم على شفير حرب جديدة.
فالتحضيرات والتحشيدات العسكرية الامريكية - البريطانية في محيط العراق القريب والأبعد، تتوالى وتتكاثف، ومعها تتصاعد نبرة التهديد، ويتكرر التأكيد ان الحرب على العراق لـ"کنزع اسلحة الدمار الشامل" قادمة، سواء كشف المفتشون عن دليل ملموس على وجودها ام لم يكشفوا، بقرار من الامم المتحدة او من دونه، بتحالف دولي او على انفراد.
وصار المسؤولون في واشنطن ولندن يتحدثون الان عن بضعة اسابيع لا اكثر، تفصل العراق والعالم عن "ساعة الصفر" المخيفة.
وفي المقابل فان الحكم في بغداد، رغم ما بذل من جهود للظهور بمظهر الراضخ، المتعاون مع الامم المتحدة، والمنفذ التزاماته في شأن التفتيش عن الاسلحة المحظورة، لا سيما ما ينص عليه القرار 1441، لا يكف عن المراوغة والمماطلة والتحايل.
بل ان اقطابه، وهم يراقبون بقلق - من جانب - تنامي معنويات جماهير الشعب، التي يرون فيها مصدر الخطر الاساسي على نظامهم، ويتابعون - من جانب ثان - اتساع نطاق الرفض العالمي للحرب الامريكية، بأمل ان يعينهم على الافلات من طوق النهاية.. يسيئون من جديد قراءة التطورات الجارية على المستوى الدولي في صدد الموضوع العراقي، ويعجزون عن فهم نذر الهجوم الكاسح المقترب. فيعودون الى نهج الاستفزاز حيثما تسنح الفرصة، ويستعيدون لغة التحدي والوعيد والعنتريات الفارغة.
وبهذا وذاك يوفرون دوافع وذرائع اضافية لمن يهيئون لاشعال حريق الحرب.
على ان هذا التوجه الحثيث والخطير نحو اطلاق شرارة الحرب، يصطدم - كما سبقت الاشارة - بمعارضة ومقاومة متصاعدتين في العالم كله، وبضمنه الولايات المتحدة وبريطانيا ذاتهما، ومن جانب اوسع اوساط الرأي العام والكثير من الاوساط الرسمية على حد سواء.
وتتحول هذه المعارضة، بسعتها وشدتها وسرعة نموها، الى ظاهرة غير عادية، لا سيما في عشية وقوع الحرب - اي حرب. وهي تطلق اليوم حركة سلمية عالمية جبارة، لا يستطيع حاملا راية الحرب على العراق: الرئيس الامريكي جورج بوش، ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير ان يتجاهلاها، خصوصا وهما يواجهانها في عقر بلديهما، بل وفي عقر حزبيهما!
وفيما يدفع التعاظم السريع والمتواصل لهذه الحركة الى عدم استبعاد نشوء وضع، يضطر معه الرئيس الامريكي الى اعادة النظر في خططه الحربية، وتأجيل تنفيذها ربما.. يبقى مرجحا لاسباب مختلفة، ليس اخرها بلوغ الاستعدادات للحرب المدى البعيد المعروف الذي يقترب سريعا من نقطة اللاعودة، ان يدفعه ذلك الى التبكير في شنها.
ويبدو مرجحا ايضا ان يسعى جنرالات البنتاغون الى جعل هجومهم سريعاً عاصفاً ساحقاً.
فالحركة المناهضة للحرب التي ستعم احتجاجاتها في 15 شباط الجاري العالم كله، لتبلغ ذروة لم يسبق لها مثيل كما يبدو، مرشحة للمزيد من التصاعد في حال اندلاع العمليات القتالية، وما من سبيل لتفادي ضغوطها المضادة والكابحة، سوى التعجيل في "انجاز المهمة".
ومن جانب آخر يخشى الخبراء ان تترك الحرب اذا ما طال امدها، آثارا سلبية على الاقتصاد الامريكي والعالمي، الذي تتقاذفه الازمات اصلاً ويواجه شبح المزيد من الركود. في حين يدّعي بعضهم ان تأثيراتها قد تأتي محفزة له في حال كان مجراها سريعاً وقصيراً.
ومن الواضح ان لا سبيل لتحقيق الاهداف المحددة للحرب خلال وقت قصير، وهي هنا - كما يعلن تكراراً - القضاء على صدام حسين ومجموعته، وتدمير او تحييد القوات المسلحة، واحتلال العراق والسيطرة عليه وفرض الحكم العسكري، سوى استخدام احدث الاسلحة واشدها فتكاً وتدميراً، وعلى اوسع نطاق وباشد ما يمكن من الكثافة.
وفي هذا السياق تحدثت وسائل الاعلام اكثر من مرة عن احتمال استخدام حتى السلاح النووي، بدعوى ضرب انفاق ومخابئ تحت الارض، قد يلجأ اليها صدام حسين واقرب اعوانه! فضلاً عن اسلحة مبيدة اخرى سيكون غزو العراق اول فرصة لتجربتها ميدانياً!!
ومما لا ريب فيه ان من شأن ذلك كله، وبغض النظر عن كل ما قيل ويقال عن الطابع الخاطف و "الجراحي" لعملية الغزو، ان يلحق بشعبنا وبلادنا خسائر كبرى على الصعيدين البشري والمادي، وان يتسبب في دمار ومآس وويلات يصعب تصور مدياتها وتأثيراتها وعواقبها، ويعيد العراق الذي انهكته حروب النظام السابقة وسنوات الحصار الدولي، عقوداً اخرى الى الوراء!
وليس دون دلالة ان الصورة المخيفة لما قد يحل ببلادنا في بحر اسابيع فقط من الان، والمبنية على معرفة ملموسة وحسابات باردة بعيدة عن المشاعر والعواطف، دفعت عديداً من الجهات الانسانية والصحية الناشطة في الخارج، الدولية منها والمحلية، وفي مقدمتها جهات تابعة للامم المتحدة، الى التحذير علناً من الكارثة المحيقة، والدعوة بالحاح الى درئها بسدّ طريق الحرب، واعتماد السبل السلمية في ايجاد مخرج من الوضع المتأزم المتفاقم في العراق.
وطبيعي ان يثير اقتراب شبح الكارثة الجديدة اشد لمخاوف في نفوس ابناء شعبنا، وبضمنهم من كانوا حتى الان يتحرقون رغبة في رؤية نهاية الطاغية ونظامه مهما كان الثمن، ومن باب أولى ان يثيرها في صفوف قوى المعارضة المخلصة، التي تشعر بالمسؤولية العظمى ازاء العراق والعراقيين، ولا تريد لهم ان يكونوا هدفا للغزو المدمر، وللاحتلال والحكم العسكري من بعده، ولا للطاغية المهووس ان يحقق حلمه الجهنمي في محق البلاد وتحويلها ركاماً قبل ان تنتزع من مخالبه!
وارتباطاً بالتطورات التي شهدتها الشهور الماضية في شأن القضية العراقية، وما نجم عنها وينجم، تبرز امام اطراف المعارضة اليوم فرص وامكانات غير مسبوقة لتحقيق ما تصبوا اليه من انقاذ للشعب والوطن من النظام الدكتاتوري، دون تعريضهما للمزيد من الويلات والدمار.
فمن جهة هناك حقيقة ان تعاظم الحركة المناهضة للحرب، يرافقه انكشاف متزايد على كلا الصعيدين الدولي والعربي - وان بوتيرة ابطأ - لحقيقة الدكتاتور ونظامه الاستبدادي الدموي المتسلط على بلادنا، ومن ثم اتساع في نطاق الادانة لهما والتضامن مع نضال شعبنا وقواه المعارضة للخلاص منهما.
لكن ما ينبغي التشديد عليه في هذا الشأن، هو الحاجة الى مضاعفة الجهود المبذولة لفضح النظام الدكتاتوري على كل مستوى وفي كل محفل، شعبيين ورسميين، من أجل تطوير الحركة لانقاذ العراق من خطر الحرب، الى حركة لانقاذه من طاعون الدكتاتورية أيضاً.
ومن جهة أخرى يبرز التطور اللافت في موقف الدول والانظمة العربية والاقليمية من مسألة تغيير النظام في بلادنا.
فهذه الانظمة جميعها تقريباً، ظلت حتى الامس الاقرب ولأسباب معروفة، تعزف عن مجرد الاشارة الى فكرة التغيير في بلادنا، وتدير ظهرها بالتالي لأي مسعى للتواصل من جانب قوى المعارضة العراقية الساعية الى ذلك.
لكن الوضع بدأ يختلف اليوم مع شعور الحكومات العربية أن رأس النظام مطلوب في كل الاحوال، وان نيران اطاحته بالحرب التي يجري الاعداد لها، قد تمتد لتحرقها هي أيضاً. لذلك تجد نفسها معنية بالبحث عن أي وسيلة أخرى، غير الحرب، للتخلص منه ودفنه.
ومع اشتداد حمى التحضير للحرب، وتكاثر نذر اقترابها، صار يطرح عربياً، بل حتى اقليمياً ودولياً، شتى الافكار والمشاريع والخطط لنزع فتيلها، خاصة عن طريق ازاحة الطاغية عاجلاً بصورة أو بأخرى.
ويجري الحديث في هذا السياق ليس فقط عن دفعه الى الاستقالة والتنحي طواعية مقابل ضمانات معينة، وحث حاشيته على التخلص منه، وتشجيع الحلقة المحيطة بهما على الانقلاب عليه ووضع نهاية لحكمه.
بل يجري كذلك تداول أفكار أخرى، منها ما يتعلق بتفعيل دور المجتمع الدولي، لا سيما الامم المتحدة، في التوصل الى حل للازمة العراقية على أساس من الشرعية الدولية.
ويشار في هذا الشأن الى نفخ الحياة في قرار مجلس الامن المرقم 688، والقرارات المتعاقبة التي تبنتها الجمعية العامة للامم المتحدة، واعتمادها قاعدة لدور تلعبه الامم المتحدة، في اتاحة الفرصة للشعب العراقي ليقرر مستقبله بارادته الحرة، عبر انتخابات ديمقراطية تشرف عليها الامم المتحدة نفسها، بما يضمن الانتقال السلمي للسلطة وتحول البلاد نحو الديمقراطية.
ومن أجل ذلك تطرح ايضا فكرة عقد مؤتمر دولي حول القضية العراقية، يطلق عملية معالجتها، ويوفر آلية دولية فاعلة لهذه العملية، ويحدد دور الامم المتحدة فيها. مؤتمر يجمع ممثلي الدول ذات العلاقة، الى جانب ممثلي الشعب العراقي وقواه الوطنية الديمقراطية، وحتى ممثلي المنظمات الدولية والعربية والاقليمية..
لقد حوّل شبح الحرب الرهيبة المخيم داهماً فوق العراق والمنطقة، وفوق العالم بالتالي، فكرة التغيير في بلادنا، التي لم تكن حتى الان تجد اذاناً صاغية عربياً واقليمياً، وحتى دولياً بنطاق واسع، الى فكرة متداولة ورائجة بنحو متزايد وعلى مختلف المستويات، ومطلب عام أكثر فأكثر.
وبجانب ذلك ظهر ويظهر العديد من السيناريوات والاليات المقترحة، لتجسيد هذا المطلب وتحويله الى واقع.
وفي وقت يشتد فيه تطلع جماهير شعبنا للخلاص من كابوس الدكتاتورية، وتعاظم خشيتها في الوقت ذاته من عاصفة الحرب التي توشك أن تجتاحها.. في هذا الوقت لا يمكن لأحزاب شعبنا وقواه المعارضة المخلصة، أن تتجاهل هذه الفرص والامكانات التي تنفتح أخيراً وبصورة لا سابق لها، أمام سعيها الصعب والمثابر والمديد للتغيير.
ولا يحق لها أن تعزف أكثر عن تجاوز تباعدها وتشتتها، أو تزهد في جمع قدراتها وضم صفوفها، أو تبخل بجهد لشحذ طاقاتها وتوحيدها، والنزول الى المعترك في مقدمة جماهير الشعب ودفاعاً عن حياتها وحقوقها المشروعة، وتحقيقاً لآمالها ومطامحها السامية!
فتوحيد عملها وتنسيق نشاطها، هو شرط افادتها من الفرص والامكانات المتاحة اليوم.
انها لحظات استثنائية، مصيرية، هذه التي يمر بها شعبنا ووطننا!
فليكن استثنائياً كذلك سعي قوى المعارضة جميعاً، والاساسية منها بشكل خاص، لتحقيق تعاونها وتكاتفها عاجلاً، ومباشرة عملها المشترك لانجاز المهمة الكبرى الماثلة في الخلاص من الدكتاتورية وابعاد شبح الحرب عن شعبنا وبلادنا!