أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الذهبي - عيد في العراق














المزيد.....


عيد في العراق


محمد الذهبي

الحوار المتمدن-العدد: 5283 - 2016 / 9 / 12 - 15:22
المحور: الادب والفن
    


عيد في العراق
محمد الذهبي
كان على موعد مع البكاء، نعم انه يوم مميز للنواح، لم تكن الذكريات وحدها هي من يبكيه، لوعة الفراق اخذت منه مأخذا، حاول يسيطر على نفسه، لكنه حين دخل الى غرفة الضيوف قابلته صورهم، فصرخ صرخة عالية، وراح ينشج نشيجا مرا، يدور في البيت، يصعد الى اعلا الدار، هذه غرفة فلان، وهذه غرفة فلان، الغرف فارغة والثياب على حالها مرتبة في الخزانات، راح يشمها ودموعه تسيل، هبط السلالم ثانية ليبدأ رحلة مأساة اليوم الاول من العيد، عليه ان يكون قويا امام حفيداته الثلاث، وعليه ان يكون قويا في اتصاله بحفيده وحفيدته من ابنه الآخر، يجب ان يواسي زوجته ويكون قويا امامها، وعليه ان يستقبل الناس على العادة الدارجة، هم بالخروج من البيت لجلب الاضحيات، كانت اضحية واحدة في العام الماضي، وها هو يجلب اضحيتين لابنائه الاثنين، من يضحي لمن؟ هكذا كان يخاطب نفسه، دفنتهم بيدي هاتين، وانا الآن اضحي لهم، كان يركز دائما على الاضحية الجديدة، هذه الاضحية لابنه البكر، لم تنشف عيناه طوال اليوم منذ الصباح الباكر، البكاء هنا اجباري ، عليه ان يبكي ويبكي ليرى الى اي مدى تستطيع الدموع ان تغسل الاحزان، يتحين الفرص ليكون منفردا ليبكي على راحته، لايريد ان يزيد الم اولاده بالبكاء امامهم، يتحرك بكل الاتجاهات، وحركته الدائبة بدون هدى، الجرح العميق الذي بداخله لايعرف احد حجمه، ولايستطيع اي انسان ان يقدر حجم الالم، هو الوحيد الذي يعرف ذلك.
كان يبعد الاطفال عن الاضاحي، ويقدم لها الماء والحشائش، ويهتم بها ايما اهتمام، انني اعد الليالي والايام لالتحق بهما، عانق اخاه الاصغر وبكى وهو يقول: هذا هو العيد!، كم مرة اصطحبهما الى السوق ليشتري لهما الثياب الجديدة، كم مرة كان العيد حقيقيا عندما كان الصباح يشرق وهما يقبلان يديه ويتمنيان له الصحة والعمر المديد، كان يدعو لهما بالتوفيق والنجاح ، وفعلا نجحا فكان الاول مهندس والثاني طبيب، وكان فرحا بهما جدا، ويفخر بهما امام الجميع، حتى الآن يحتفظ باللافتة: الدكتور فلان الفلاني، ويقارن دائما بينها وبين شاهدة القبر، حتى العيادة تبرع بها لاحد زملاء ولده، ووصل الامر الى جهاز قياس الضغط، لقد تبرع به هو الآخر، يذهب هنا وهناك، ويعود ثانية الى الصور، يتفحص قسمات وجهيهما، اكلك فلان: منو الاحلا ، الصورة هذه ام هذه؟ فيجيبه اخوه: اثنينهم حلوين مع دمعة يحاول ان يخفيها ويردد:
(حلوين بس ناموا على الكاع....واتراب غطاهم ابساع
ضاع الربه والتعب هم ضاع...زتهم ورد مايوس كلبي)
فيتدخل احد ابنائه ويحاول تهدئته، فيصطحبه الى غرفة اخرى ، كان الزمان جميلا عندما كنتم صغارا، ليتكم لم تكبروا، كيف بي وعندما كنت ارى احدكم مريضا اصاب بالهلع، فكيف وقد دفنت اخويك، كيف لهذا القلب ان ينبض ويعود على قيد الحياة، هدأه قليلا: ماذا تقول لآباء وامهات شهداء الكرادة، لقد تسلموا من الطب العدلي كيسا صغيرا يحتوي على بقايا عظام، ومذا تقول لذوي شهداء سبايكر، وماذا تقول للذين تناثرت اعضاؤهم فما عاد احد يميز بين رأس هذا ورأس ذاك، لتكون الاطراف في مكان غير مكانها وتدفن وهي بصحبة شخص ثانٍ، نحن نعيش في بلد اسمه العراق، وهذا البلد لايعطي لاهله سوى الموت، وعلينا ان نعتاد على هذه الحال، نعم انها ارض ملعونة والموت فيها هو المسيطر ، حتى النواح والبكاء هنا يختلف ، انه يتميز بحالة وراثية، وراثة الالم من جيل الى جيل، صارت طرق البكاء في العراق متعددة، وهي تدخل ضمن الفنون التي يتوارثها الناس، لم يكد ينهي حديثه، حتى تناهى الى اسماعه صوت عويل مؤلم، خرج من الدار ليستوضح جلية الامر، شاهد علما عراقيا يلف تابوتاُ وتقف السيارة امام احد ابواب جيرانه، دخل في المعمعة وراح يفرغ احزانه.



#محمد_الذهبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البحث عن صلاة الفجر
- الجثث لم تقل شيئاً
- الرجل الكلب
- خربها ابن الكلب
- تقاعد في بسماية
- الطيور تقع ميتة
- رأس الرئيس كان كبيرا
- فياغرا
- دفاعا عن النفس
- الساعة الخامسة عصرا
- لماذا لم انسحبْ
- آلة موسيقية
- كم طال ليلك ياهذا وماعلموا
- لصوص المفخخات
- انين الناي
- لحظة انفجار بغداد
- حسن عبود في قوائم الطب العدلي
- رجل ولافتة
- المرقط لايليق بك
- استقالة مصحح لغوي


المزيد.....




- *محمد الشرقي يشهد حفل توزيع جوائز النسخة السادسة من مسابقة ا ...
- -كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد ...
- أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون ...
- بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
- بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر ...
- دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
- -الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
- -الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
- فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
- أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى


المزيد.....

- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الذهبي - عيد في العراق