|
الحرية و الدين عند روسو :
احمد فاضل النوري
الحوار المتمدن-العدد: 5279 - 2016 / 9 / 8 - 01:39
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لا يمكن أن نتحدث عن هذه الثنائية – حرية دين - من خلال كتاب بعينه بقدر ما يجب أن نغوص في المتن الروسوي لنستشف مفهوم الحرية الدينية عنده ، و هذا راجع للترابط الكامن بين كتب هذا الفيلسوف ، فكتاب " العقد الاجتماعي " يقعد للحرية المدنية التي يؤسس لها المواطن في المدينة بعد انتقاله من حالة الطبيعة التي كانت فيها الحرية لصيقة بالفرد كهوية لا تحتاج للتأسيس ، فالعقد الاجتماعي هو الكفيل بضمان حقوق المواطن الكاملة ، و المواطن هو الذي يسن القانون و بيده السلطة التشريعية التي تجعل أفعال الافراد تحت المحاسبة القانونية و منه لا يكون المواطن خاضعا لفرد بعينه بقدر ما هو خاضع لإرادة القانون ، أما كتاب "إميل" فيحاول من خلاله روسو رسم المعالم الكبرى للتنشئة الاجتماعية لبناء الفرد فزيولوجيا و فكريا ليكون مواطنا يحترم و يبني الدولة المدنية التي تحدث عنها روسو في " العقد الاجتماعي " ، و أخيرا نجد كتاب " دين الفطرة " كمرجع أساسي في فهم تصور روسو للحرية الدينية ، هذا الاخير الذي لا يمكن فهمه بمعزل عما سبق كما يقول العروي " لا يفهم النص المعرب – دين الفطرة – فهما سليما إذا فصل عن النص المتمم له ، أي العقد الإجتماعي ، و ثانيا عن باقي كتب أميل " ، و منه ما هو تصور جون جاك روسو للحرية الدينية ؟ تعامل روسو مع الدين كظاهرة اجتماعية و أفرد له كتابا خاصا هو " عقيدة القس " ، فحرية العقيدة عنده مطلقة عقائديا و مقيدة سياسيا ، حيث يقول عن كتابه – عقيدة القس- " نسخت هذا الخطاب لا ليكون ضابطا لما يجب أن نستشعره في مجال الدين ، بل كمثال على الأسلوب الذي يخاطب به الأستاذ تلميذه إن ظل و فيا للمنهج المقترح في مؤلفي هذا . بما أننا نرفض الخضوع لأية سلطة بشرية ، لا نصادق على أية عقيدة متوارثة في بلد مولدنا ، كل ما يمكن أن يهدينا اليه نور العقل في حدود الطبيعة هو دين الفطرة . لذا أقف عنده في مخاطبة الشاب اميل .أن قدر له أن يعتنق ديانة أخرى فليس من حقي أن أرشده إليها . عليه أن يختارها هو لنفسه " ، هذا المنطق الذي تعامل به روسو مع الدين جنى عليه لعنة الكنيسة بمعتقديها الكاثوليكي و البروتستانتي ، فالهدف الأسمى للتربية الدينية بالنسبة له هو تحرير العقل من الأفكار المسبقة و الأحكام المتوارثة ، لهذا يطلب روسو على لسان القس أن يحفظ المقولات – الدينية – ليمحصها فيما بعد على ضوء تجربته ، و مرجعه في كل حكم ضميره ، حيث ينتقد تمسك الافراد بالاراء و الشائعات دون أي استعمال للعقل " رحت أتأمل وضع بني آدم البئيس ، يسيحون في بحر هائل من الآراء لا دليل لهم و لا مشير تتقاذفهم أهواؤهم السائحة " و هنا دعوة صريحة الى تحكيم العقل خاصة في تناول ما هو ديني ، فالافكار العامة المجردة هي من أسقط البشر في مهاوي الأخطاء ، لكن هل الانسان حر في ذاته ؟ ام مقيد ؟ هل نزعه الى الخير أو الشر ذاتي أم خارجي ؟ يقول روسو على لسان القس دائما " كنت أقول في نفسي و أنا أشعر بتجاذب و تصارع هاتين الحركتين المتعاكستين : لا وحدة في الإنسان ، أريد و لا أريد ، أشعر في آن اني حر و اني مقيد ، أرى الخير أحبه ثم أفعل الشر ، متحمس نشيط عندما أنصت للعقل ، متخاذل ضعيف عندما أنصاع للشهوة . و ما يحز في قلبي عندما أدرك أني كنت قادرا على الصمود " و منه فإن حرية الفرد مرتبطة بالإنصات لصوت العقل و العي وراء الخير ، لان انصياع الفرد للشهوة و اللذة ينزله منزلة الحيوان و يفقده حريته و هذا طرح قديم يعود لافلاطون حين قسم النفس الانسانية في كتابه الجمهورية الى القوة العاقلة و الغضبية و الشهوانية ، و أسماها العاقلة . و حرية الفرد الدينية من خلال اختيار الفرد ما يوافقه عقديا " لا شك أني لست حرا أن أختار ما هو مفيد لي ، كما اني لست حرا أن أختار ما هو سيئ لي . لكن حريتي هي بالضبط أن لا أريد الا ما يوافقني ، أو ما يبدو لي كذلك " و منه فالفرد له الحرية في اختيار ما يناسبه دينيا من خلال تحكيم العقل/الضمير في استقراء التراث الديني . جون جاك روسو " دين الفطرة " ترجمة عبد الله العروي المركز الثقافي العربي الطبعة الاولى 2012 ص 11 جون جاك روسو نفس المرجع الصفحة 16 . نفس المرجع ص 29 . نفس المرجع ص 52. نفس المرجع ص 55.
#احمد_فاضل_النوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تعهدات مكتوبة بخط اليد.. شاهد ما وجده جنود أوكرانيون مع كوري
...
-
إيمي سمير غانم وحسن الرداد بمسلسل -عقبال عندكوا- في رمضان
-
سوريا.. أمير قطر يصل دمشق وباستقباله أحمد الشرع
-
روسيا ترفض تغيير اسم خليج المكسيك
-
عائلات الرهائن الإسرائيليين يدعون حكومتهم إلى تمديد وقف إطلا
...
-
أثر إعلان قطع المساعدات الخارجية الأمريكية، يصل مخيم الهول ف
...
-
ما الذي نعرفه حتى الآن عن تحطم طائرة في العاصمة واشنطن؟
-
العشرات من السياح يشهدون إطلاق 400 سلحفاة بحرية صغيرة في ساو
...
-
مقتل اللاجئ العراقي سلوان موميكا حارق القرآن في السويد
-
من بين الركام بمخيم جباليا.. -القسام- تفرج عن الأسيرة الإسرا
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|