أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هشام عبده - رحلة مؤلمة















المزيد.....

رحلة مؤلمة


هشام عبده

الحوار المتمدن-العدد: 5158 - 2016 / 5 / 10 - 00:13
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


رحـــــــــلة مــــــــؤلمة

هي رحلة الوعي ورحلة الحياة والوجود، ومن هنا كانت البداية مع اللحظات الأولى/ لحظة الولادة والتكون ( نطفة وبويضة) ومن ثم (الوعي) .
لحظة النطفة / لحظة الولادة ، كلتاهما رحلة والطريق مؤلم ، فهما خروج وانفصال موجع عن الرحم، حيث يبدأ القلق وفقد الأمان ، في هذه الرحلة تكون حياة الغابة أكثر قانونية ومنطقية وحرية ، لكن التصور هنا ليس رومانسياً يحمل رغبة في الهروب إلى الطبيعة بقدر ما هو تصوُّر وجودي يضع الإنسان أمام مسألة وعي وجوده، هذا الوعي الذي ينفتح على همجية البشر والحروب والدمار، الوعي بلحظة الاختيار، فكل إنسان يختار طريقه بصورة ما (رسم نافذة داخل نافذة أخرى) أو اختيار الانتحار (لإنهاء هذا البؤس والسأم والحياة التي تعيشها هكذا)، وإذا رأت الوجودية أن الإنسان صاحب تفكير واختيار، وعليه تقع مسؤولية وضع القيم الخاصة به فإن العدمية الوجودية تظهر هنا في الإحساس باللاجدوى ومن ثم اختيار الموت .
تغلب على النصوص لسابقة سوداوية الرؤية وإحساس بالعدمية ، فالفرد يعيش عزلته ،ولكنه مع ذلك بمفرده، ومع هذا العالم لا أحد معه ، والحياة نظام خانق بألف يد حول الرقبة ويغلب عليها حضور الموت لا يمكن أن يغيب في هذا الكون لحظة واحدة ، إلى درجة أن الموت يصرخ (لقد شبعت) .
ومن هنا تهيمن مفردات الموت المباشرة والمفردات المرتبطة به : الغرق، النهايات، الانتحار، الحرب، الرصاص، السقوط ، الانكسار، العدم ، السأم ، اليأس ، الضجر… إلخ .
يواجه الناس غالبا خوفهم من الموت برؤية فلسفية قوامها أننا نعيش حياتنا، وعندما يأتينا الموت فنحن هنا وهذا قدرنا ومصيرنا، وهكذا فنحن نعيش في الأغلب بعيدا عن هاجس الموت عبر رؤية تضع فكرة الموت على هامش اللامبالاة ، وهذه اللامبالاة تسجل نفسها في أعماق اللاشعور أو العقل الباطن عند الإنسان، فنحن في غالب الأمر نفكر في كل شيء في مشاريعنا وفي حياتنا ومتطلبات وجودنا مستبعدين فكرة الموت وهاجسه ؛ فالأنا تتجاهل الموت وترفض وجوده في الأصل، وغالبا ما نعيش ونسلك ونتصرف في واقع الأمر وكأننا نعيش مرحلة من الشباب تتصف بالديمومة والاستمرار، وهكذا تجري الأمور وكأن الموت لا يعنينا ، فمن يموت فهذا قدره ونحن علينا أن نعيش للحياة ونبتهج بها ما استطعنا إلى ذلك سبيلا .
إن العلاقة بين التفكير في الحياة والتفكير في الموت علاقة جوهرية وبالتالي فإن ما نرفضه من الموت نرفضه في الحياة ، وبعبارة أخرى قل لي كيف تفكر في الموت أقل لك من أنت ؟! ،لأن هذا التفكير ينعكس في حياتنا ويعبر عنها أصدق تعبير .
وإن الإحساس بالعدمية لا يعني – كما يرى جوتفريد بن– مجرد بث اليأس والخضوع في نفوس الناس، بل هو مواجهة شجاعة وصريحة لحقائق الوجود، وتلتبس المواجهة بالسخرية المُرة التي ترتبط بإدراك التحولات المصاحبة للحياة المعاصرة، حيث تهيمن الآلة والتكنولوجيا على حياة الإنسان، فيتحول إلى شيء أشبه بالرجل الآلي أو بالكمبيوتر، وحياته بيانات وملفات قابلة للحذف، ويعيش الخوف أمام نسيان كلمة المرور، وبالتالي البقاء خارج العالم وفقدان كل شيء دون تعويض .
وحيث تهيمن التكنولوجيا على الحياة فتختفي العلاقات الإنسانية، والأسرة تتسمر أمام شاشة الأجهزة الذكية التي تشكل كلاً منهم على طريقتها، في حين تسجل حياة الإنسان على طابعة، هكذا تنقلب المفاهيم وتبدأ النصوص محاولة لإعادة تأويل التراث وإعادة تأويل العلاقات والأفعال .
لو .. تفتح للشيطان لحظة حرة وتجعله غير عابئ بالنهايات، تتحول الأمومة إلى غضب وإحساس بالعنف بتلك الطريقة التي أنجبته بها، كيف للطفل أن يحترم أمه ، فيتكثف الإحساس الوجودي بالوعي المصاحب للألم حيث الحياة مشوشة مثل اللامعنى ،ومشوهة تترنح تحت وطأة السأم وكثير من الفزع عند اكتشاف الحقيقة، حقيقة أن هذه الحياة تنسلُّ ما بين الأصابع دون انتباه بسرعة وبلا متعة ، فتغدو البلاهة نعمة لأنها تحمينا من وعى الحياة ،وفهم الموت على وجه كامل، إذ يقود الوعي إلى الذعر .
الإنسان ينجب ويعمل لكنه لن يموت مرتاحاً مطمئناً، الفكرة تسقط وتنكسر، والسعادة زيف، والإعلان عن العيش بسعادة هو تلاعب في اللفظ يُخفي الحقيقة (لقد كنت سعيداً بالعيش معكم ،لكن الإشارة في هامش النص تقلب المفهوم ،إذ تقر بوجود تلاعب في الألفاظ في الأصل) ، بالتالي فإن كل ممارسات الحياة هي مجرد وهم وخداع من الإنسان لنفسه ،ولا يبقى غير اللجوء إلى الموت والاستسلام له .
جهنم تلائم هذا العالم الشيطاني – تلائمه تماماً، أعماقها العدمية تمت خياطتها على مقياسه المشوه ،إذا ما دخلتِ مساء إلى القبر/ لا تغلق وراءك الباب، فيصير القبر ملاذاً ومسكناً، ونار الجحيم للتدفئة ،والأمر مسألة وقت ويمكنك التعود على كل شيء .
والسؤال الجديد الذي يمكن أن يطرح نفسه هو هل نحيا مع الموت ؟ وهل نموت لحظة بعد أخرى ؟
والجواب هنا : نعم الموت هنا إنه قاب قوسين أو أدنى، إنه الموت الذي يوجد في أصل الحياة ذاتها ، فالجسد يعيش حالة موت حقيقية تتمثل في تراجعه وانهياره وتفككه تدريجيا مع الزمن ، أليس تلك هي حالة من حالات الموت، أو نقلة مرحلية في اتجاه الموت ، فنحن في كل الأحوال نعيش مع الموت وفي جواره ونستريح في ظله وفيه ، أليس علينا أن نأخذ بعين الاعتبار هذه الحقيقة العلمية التي تقول بأن الإنسان يغير كل خلايا جسده بالمطلق باستثناء خلايا الدماغ ، أليس هذا موتا حقيقا وولادة متجددة للجسد بعد موت .
فجسدنا يموت ويحيا كل سبع سنوات ، فالموت إذن حقيقة حيّة في الجسد، حقيقة ترافق الجسد وتؤازره في آن واحد .
إن مشكلة الموت الحقيقية تتمثل في خوفنا إزاء النهاية ، فالموت هو النهاية والعدم، ونحن باستبعاد هذه النهاية نريد حياة لا موت فيها، وكأننا نريد للزمن أن ينسانا وللموت أن يتجاهلنا إلى ما لا نهاية. وإذا كانت الحياة تريد أن تكون كلية وشاملة أليس من حق الموت أن يكون كذلك؟ فلما خوفنا إذن من الموت ولما هو الجزع من لقائه ؟ ألا يعود هذا الخوف إلى واقع أننا ألفنا الاستمرارية في الوجود؟ نعم إنه لمن المؤكد لأن "الأنا" فينا يميل إلى الاستمرار في الوجود بعد أن رسخت فيه لذة الحضور ونمت معه روابط الانتماء إلى الحياة بكل ما فيها من أفراح مؤقتة وأحزان وألام . وهذا الارتباط يجعل الأنا في حالة من الرعب والخوف المجرد من الموت، لأنه يمثل قطيعة وجودية عدمية. ولكن هل يمكن لهذه الاستمرارية في الوجود أن تستمر دون نهاية؟ ألا يمكن لهذه الرغبة في الوجود أن تتعرض للتراجع والانهيار؟ إن القول في هذا السياق أن كل شيء يبحث عن نهاية هو قول لا يخلو من الحكمة.


هشام عبده



#هشام_عبده (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عمال مصر .. صراع وجود وأزمات لا تنتهى
- مابين العقل العسكرى والعقل الدينى
- مأزق الوجود
- مدخل لفلسفة شوبنهاور
- التوك توك مشروع قومى


المزيد.....




- روبيو يحذر: على أمريكا التخلي عن جهودها إن لم تنته حرب أوكرا ...
- دولة جزرية نائية في المحيط الهادئ تحصل للتو على أول أجهزة صر ...
- بعد 4 أشهر من هجوم ماغديبورغ الدامي.. السلطات الألمانية تتبا ...
- أرمينيا تؤيد والولايات المتحدة ترفض قرارا في الجمعية العامة ...
- ارتفاع حصيلة ضحايا الغارات الأمريكية على منشأة رأس عيسى النف ...
- ميلوني تدعو ترامب إلى -إعادة العظمة- إلى الغرب
- أوزبكستان تناقش مع SpaceX إطلاق قمر صناعي خاص بها
- روبيو: الأيام المقبلة حاسمة لمسار السلام في أوكرانيا.. وإلا ...
- واشنطن تتهم شركة أقمار صناعية صينية بدعم هجمات الحوثيين على ...
- حماس ترفض -الصفقات الجزئية وتسليم السلاح-، ووزراء إسرائيليون ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هشام عبده - رحلة مؤلمة