بشاراه أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 5148 - 2016 / 4 / 30 - 04:08
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
المشكلة الأساسية للكثير من المتسلطين والمعادين لله تعالى وكتبه ورسله هو الجهل, والقاسم المشترك بينهم هو العدوان والشنآن, والفكر المشوش, والإستعداد الفطري للضلال والإضلال وكراهة الحق والصدق والعدل. والأغرب من هذا وذاك كله أنهم يجهلون أنهم جهلاء مغبونين حتى في ملكة التعبير وأدواته, من سمع وبصر وفؤاد.
والملاحظ أنهم دائماً من أبعد ما يكونون عن فقه اللغة العربية وفقه البيان والبديع,, فهم حقيقةً يجهلون أساسياتها وروحها ومقتضياتها,,, جهلاً مطبقاً, ومع ذلك كله, يتحدثون عن البلاغة التي هم أجهل أهل الأرض بها, وينادون بالمنطق والموضوعية والمصداقية, وهم أخرق الناس لها وأعداهم عليها.
ومع ذلك, وبهذه القدرات الضحلة التي تكاد تكون معدومة يحاولون أن يبلغوا القمم وهم أقذام وأشباه لا يكادون يفقهون حديثاً. والواقع أنهم متأرجحون ما بين النفاق والفجور, وبين الكفر والجور, وتعوزهم حتى الشجاعة الأدبية بالتصريح البواح بحقيقة وجدانهم المجخي بمعتقدهم الذي يحاولون إخفاءه "مصانعةً",, فيفضحون أنفسهم بأنفسهم بصورة مذرية مخجلة يعكسها أداؤهم المناقض الذي يحسه من كانت له بقية من ماء في وجهه. وفي الحالتين يمثلون وجهين لعملة واحدة فصلهما الله لتوصيفهما ثم جمعهما مرة أخرى في التأثير والمصير.
قال تعالى لنبيه الكريم في سورة المنافقون: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ 1) ..... لماذا؟؟؟
لأنهم قد تخفوا وراء إيمان كاذب مصطنع حتى يتمكنوا من خداع البسطاء من العامة عن قرب لإضلالهم وغوايتهم وصدهم عن سبيل الله حسداً من عند أنفسهم, قال تعالى عنهم: (اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ 2).
وهذا السلوك المنحرف بالطبع نتاج طبيعي لنفوسهم المريضة التي يحاولون من خلالها إخفاء داءآتهم وإعتداءاتهم وعدوانهم وراء إيمان مُدَّعىً, لعله مرفوض من الله تعالى, وأثر مباشر لقلوب لا تفقه بعد أن طبع الله عليها بكفرهم, قال تعالى مبيناً سبب هذا الطبع: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ 3).
قد يستطيع هؤلاء المنافقين خداع العامة بمنظرهم ومظهرهم وتشدقهم – عمامة ولحية وثوب يشبه رداء العلماء والخوض في كل شيء لياً بألسنتهم وطعناً في الدين – فيُعجبون بهم "ظاهرياً", أو يصدقون تشككهم,, ولكنهم أمام العلماء الحقيقيين مفضوحون, لأن شر الإنسان بين فكيه, أو كما يقال: لسان الفتى نصف ونصف فؤاده, فلم تبق إلَّا صورة اللحم والدم,, وقال تعالى فيهم: (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ 4).
يقال إنَّ رجلاً جاهلاً فاجراً متهندماً,, رأى زاهداً عالماً فقيهاً بسيطاً في هندامه شامخاً في وجدانه, يجلس على الأرض بتواضع ورضى, فوقف ذلك المهندم المغرور عند رأسه, يحرك أكتافه في كل الإتجاهات ببلاهة ورعونة وهو يصلح من رباطة عنقه ليلفت إنتباه ذلك الفقيه "سخريةً", وتعالياً عليه. فنظر إليه العالم نظرة تقييم وإستخفاف ثم أرخى بصره عنه إمعاناً في إحتقاره وتجاهله وهو يقول له: (تَحَدَّثْ كَيْ أَرَاكَ!!!), فلم يفهم المهندم ولم يُذم الشموخ.
قبل أن نبدأ بتحليل إفتراءات وتخرصات نموذج ضحل من أمثال هؤلاء العالة على الدنيا والبشرية ينبغي علينا أن نبدأ من حيث بدأ الله تعالى كتابه الكريم الذي قال إن فيه آيات محكمات هن: (أم الكتاب – الفاتحة) وأخر متشابهات. فأول الأخر المتشابهات هي: (الم – البقرة), وذلك حتى نُوصِّف هذا النموذج الشاذ المتعب المتذبذب,,, التوصيف الرباني قبل أن نتعامل معه ومع زمرته, حتى نعالج الأمور بقدرها.
معلوم أن (أمُّ الكتاب " إمام الكتاب وفاتحته ") هي تلك السورة الكريمة التي تُصَنِّفُ الناس حسب معتقداتهم ونوع وقدر إيمانهم, وقد حصرتهم في ثلاث شرائح فقط: (مؤمنين, وكفار, ومنافقين), والتصنيف حقيقةً يتم بإختيار الشخص بنفسه وبكامل إرادته وحريته ليكون شاهداً على نفسه قبل الدخول إلى كتاب الله عن بينة, ذلك الكتاب الذي يبدأ من سورة البقرة عند أول المتشابهات (الم) فاتحة محكمة لها.
ولنتذكر أولاً قول الله تعالى في سورة البقرة: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ - «« بَغْيًا بَيْنَهُمْ »» - فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ 213). والهداية مجسدة ومحصورة في كتاب الله الجامع - القرآن الكريم.
فسورة الفاتحة تُفْرِزُ الناس إلى ثلاث شرائح, كما قلنا, هي:
1. شريحة تؤمن بالله الواحد الاحد ولا تشرك به شيئاً,
2. وشريحة لها إله/آلهة غير الله رب العالمين أو لها إله معه أياً كان ذلك الإله الإفك,
3. وشريحة متذبذبة بين هاتين الشريحتين, لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.
فيتم الفرز بإجراء إختبار لكل نفس بثلاث آيات من أول سورة الفاتحة, فيعلن هذا الإختبار الهوية الإيمانية العقدية لكل فرد على حده, وذلك من خلاله فتتحدد الشريحة التي ينتمي إليها.
هذه الآيات الثلاث هي: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ 1), (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 2), (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ 3):
فالسعيد الموفق هو ذلك الذي ليس له آله آخر سوى الله الواحد الأحد, وعليه سيقول على الفور "مبايعاً" بلا تردد: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ 4), فإن قبل الله منه بيعته رمز له بالرمز "أ" (آمَنَ), ثم سأله "ماذا تريد مني"؟؟؟ فيقول على الفور (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ 5), تحديداً: (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ 6).
أما ذلك التعس الذي له إله أو آلهة غير الله الواحد الأحد أو إتخذ معه شريك,, كان ذلك شاهد على أنه من (الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ), فرمز الله له بالرمز "ل" (لا يُؤْمِنُ),
وأما ذلك المتذبذب الذي - لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء – كان شاهداً على نفسه انه من (الضَّالِّينَ), فرمز الله تعالى له بالرمز "م" (منافق),
فبعد المرور على فاتحة الكتاب يُصنف الناس إلى ثلاث أصناف وثلاث رموز تجمعهم كلمة (الم) – آمن, لا يؤمن, منافق. حينئذ,, كل فرد يعرف صنفه الذي إختاره لنفسه من البداية.
بقي الآن أن يعلمنا الله تعالى ما هو توصيف كل صنف, وما موقفه من " ذلك الكتاب" وكيف يتعامل الرسول مع هذه الشرائح وفقاً لذلك التوصيف والترميز... فكيف فصَّل الله تعالى لنا هذا الإحكام؟؟؟
هذا التوصيف من مهمة سورة البقرة التي تبدأ بالآية الكريمة (الم 1), حيث يخاطب الله تعالى البشر برموزهم, كأنما يقول لهم يا! (ألف), (لآم), (ميم),,, (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ 2), وليس لغيرهم, فالذي تنطبق عليه مواصفات هؤلاء المتقين فهو منهم, وذلك الكتاب الكريم أنزله الله تعالى هدى له ولأمثاله.
ثم يبدأ سبحانه وتعالى في توصيف كل صنف وقد فصَّلَهُ تفصيلاً,, كما يلي:
أولاً وصَّفَ المتقين فقال فيهم إنهم:
1. (« الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ » « وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ » « وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ » 3),
2. (« وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ » « وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ » « وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ » 4),
3. (أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ 5),
ثانياً وصف الشريحة الثانية, (الكافرين), قال فيهم:
1. (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ «« لَا يُؤْمِنُونَ »» 6), والسبب في ذلك انها عقوبة حرمان من الإيمان بعد أن تشربوا الكفر والفسوق والعصيان ففسدوا لذا,
2. (خَتَمَ اللَّهُ - « عَلَى قُلُوبِهِمْ » « وَعَلَى سَمْعِهِمْ » « وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ » «« وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ »» 7), وحيث أنه قد صدر الحكم عليهم "بالعذاب" مسبقاً فلا حاجة ولا فائدة من فتح الكتاب لهم لأنه لن يفيدهم شيئاً بعد أن صاروا من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم.
ثالثاً, وصَّف الشريحة الثالثة (المنافقين) فقال فيها:
1. (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ 8),..... لماذا؟؟؟
2. قال لأنهم: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ 9) ... ولكن, لماذا هذا الخداع للنفس والمخادعة للغير؟؟؟
3. قال, لأنَّ: (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ 10) ..... ولكن, من أين جاء هذا المرض, ولماذا زادهم الله مرضاً على مرضهم ولم يشفهم منه أو على الأقل يتركهم لما في قلوبهم من مرض ؟؟؟
4. قال عنهم: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ 11), مع العلم أن واقعهم على العكس من إدعائهم الكاذب هذا, لذا قال مؤكداً: (أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لَّا يَشْعُرُونَ 12),
5. ليس ذلك فحسب, بل: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِن لَّا يَعْلَمُونَ 13),
6. بل: (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ 14), في حين أن: (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ 15), فمن هم هؤلاء التعساء ؟؟؟ ..... قال هم: (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ 16).
بعد أن وصَّف الله هذه الشريحة الخطيرة الماكرة والواسعة الإنتشار والتمكين والتغلغل في كل المجتمعات والأمم, والمسئولة أساساً عن كل مصائب الدنيا وأزماتها وفتنها, والتي تضم أجهل الجهلاء وأصحاب الجهالات والمخدوعين في أنفسهم ومرضى النفوس والشواذ..., أراد الله تعالى أن يُقَيِّمَهُم من ناحيتين إثنين, من ناجية البصيرة, ومن ناحية البصر فقال جل من قائل:
1. عن البصيرة: التي أكد انها مطموسة لديهم بالكامل, وقد بلغت بهم حد الضلال والفسوق, قال تعالى: (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَّا يُبْصِرُونَ 17), لأنهم (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ « فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ » 18).
2. وعن البصر: بين أنه لا قيمه له في حالتهم المتردية تلك ما دام أن البصيرة طمست, فما فائدة والبصر إذاً؟, إنه لن يفيدهم شيئاً ما دامت البصيرة مطموسة ولن يسمح لهم بالرجوع مرة أخرى, وقد تركه الله لهم ولم يذهب به فقال عن مثلهم الثاني: (أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ 19).
على الرغم من أن البرق شديد والرعد قاصف والبيئة غاضبة أمام ناظريهم تحت سمعهم وبصرهم, لم يعتبروا أو يتحرك وجدانهم خوفاً وطمعاً, قال تعالى: (يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُم مَّشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 20).
ومع كفرهم وغلظة قلوبهم قد تفضل الله عليهم بنعمة السمح والبصر فلم يذهب بهما وإكتفى بطمس البصيرة الذي سعوا إليه حتى علم أنهم لا يرجعون.
فبعد أن صنف الله تعالى البشر إلى ثلاث شرائح ورمز لهم برموز مميزة, ثم وصَّفهم توصيفاً كاملاً, وخص شريحة المنافقين بتقييم دقيق من ناحية البصيرة والبصر, خاطبهم كلهم بجميع شرائحهم بخطاب واحد قال لهم فيه مجتمعون:
1. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ 21),
2. ربكم الله: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ 22),
3. (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ 23),
4. (فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ 24).
فهل تحرك وجدان هؤلاء الجهلاء والمجهلون بهذا البيان المحكم الذي فصله الله تفصيلاً؟؟؟
على أية حال,, بهذا التصنيف والتوصيف قد يخادع البعض ولكنهم لن يستطيعوا أن يخدعوا سوى أنفسهم, فالآن نسأل القبانجي وأشباهه هل أنتم من المتقين؟؟؟ ...... بمعنى آخر, قال الله تعالى إن المتقين هم:
1. (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ...), فهل أنتم تؤمنون بأن القرآن وحي من عند الله تعالى, وأنَّ جبريل عليه السلام جاء للنبي بالقرآن والوحي؟؟؟
2. (... وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ...), هل أنتم تقيمون الصلاة على أصولها, علماً بأنكم تتشككون وتخوضون في القرآن الكريم "علناً", وتنكرون أنه من عند الله تعالى؟؟؟
3. (... وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ 3), فهل تنفقون من مال الله الذي آتاكم على غيركم بغير مقابل؟ .... وإن كنتم تفعلون ذلك, فهل تنفقونه تقرباً إلى الله وعبادة له أم لاسباب ومرامي أخرى؟؟؟
4. وقال الله تعالى لنبيه الكريم: (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ...), فهل أنتم تؤمنون بما أنزله الله إلى نبيه محمد الخاتم, ونراكم تلاحقون القرآن فلا تلحقوا به فيخزكم.؟؟؟
5. (... وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ ...), وهل تؤمنون بالصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى, وبالتوراة والإنجيل والزبور وأنها منزلة من عند الله تعالى؟؟؟
6. (... وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ 4), فهل توقنون حقيقةً بالآخرة والثواب والعقاب والحساب؟؟؟ ..... فإن كان ذلك كذلك,, فما هو مصدر هذا الإيمان وأنتم لا تؤمنون بالوحي؟؟؟
هل أنتم من هؤلاء الكرام الذين قال الله تعالى فيهم: (أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ 5)؟؟؟ ..... معلوم أن أي جواب بالنفي لأي بند من هذه البنود الستة يخرجكم تماماً من زمرة المتقين المفلحين.
ولتعلم أننا لم نضع هذا الإطار العام عبثاً أو ترفاً وتطويلاً,, ولكننا سنعاير به كل كلمة قلتها في كتاباتك وخطبك ليعرف القراء الكرام الشريحة التي تنتمي إليها ودرجة تعمقك وإنغماسك فيها, حتى لا ندخل رأينا أو حكمنا أو هوانا في الحكم على أدائك وإنما سيكون ذلك بمعايير ربك الذي خلقك. فلا أنا ولا غيري له الحق في أن يصنفك حسب هواه, بل أنت الذي ستقول "عملياً" بأنك مؤمن أو كافر أو منافق, وهذا هو القسط.
أندهش كثيراً عندما أسمع من يدعي العلم والمعرفة وفقه اللغة ثم بعد ذلك يصف إعجاز القرآن البياني بأنه (بلاغة), ويعايره بالمعايير البلاغية التي تعتبر أقصى ما يمكن أن يصل إليه التعبير الإنشائي الإنساني, لأن القرآن الكريم فوق كل هذا وذاك وتلك فيستحيل,, بل وليس من المعقول والمقبول أن يقال (بلاغة القرآن), لأن البلاغة في الحقيقة هي معايير بيانية إبتكرها الإنسان ليقرب بها الذوق والحس من التراكيب البيانية القرآنية المعجزة. فإذا كان القرآن الكريم تركيباً بلاغياً لأصبح في مقدور البلاغيين الإتيان بمثله, والله تعالى ينفي ذلك تماماً. إذاً من الإجحاف في حق كلام الله أن يوصف بمعايير كلام البشر وإن علا.
وسنثبت هذه الحقيقة الآن وسيشهد عليها هؤلاء الذين يخوضوض في آيات الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير. وسندخل الآن معهم في تحدٍّ مفتوح بدءاً من القبانجي وأشباهه من زمرة المشبوهين المتهافتين وحتى بلوغ وليهم إبليس اللعين لأنه داخل في هذا التحدي,, وسيكون إعجازهم وتعجيزهم من نفس سورة "الإيلاف" التي بهتها هذا الدعي الجاهل, فيما يلي:
قال المتهافت: ((...هنالك حكمة في نهج البلاغة لم يأت بمثلها القرآن الكريم، ألا وهي قول أمير المؤمنين رضي الله عنه: ”يا بُني اجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك، فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك، و اكره له ما تكره لها، ولا تظلِم كما لا تحب أن تُظلَم، وأحسن كما تحب أن يُحسن إليك، واستقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك، ولا تقل ما لا تحب أن يقال لك...“ ثم قال هذا المتهافت: "فأين هذا الكلام عن هذا الكلام, يقصد بذلك سورة قريس ...)).
نقول لهذا الجاهل المجهل ما يلي وبالله التوفيق:
أولاً: هذه مجرد وصية, وليست حكمة كما تدعي.. واضح أنك أنت لا تعرف حتى التفريق ما بين الوصية والحكمة, ولا ما بين الكوع والبوع. فلا تخلط الأوراق يا هذا "حسبك!!!" فالفلسفة ليست تشدقاً ولي ألسن فأحذر وأنت تتحدث عن القرآن لأنك على المحك وحافة الهاوية.
ثانياً: قول الإمام علي رضي الله عنه هذا أو غيره في خطبه ووصاياه (إن صحت عنه), لا شك في أنه بليغ ومؤثر, كيف لا وهو في صحبة محمد الخاتم منذ صباه فلا بد من أن يكون أداؤه متميزاً كبقية أصحاب رسول الله الكرام - وعلى الرغم من أن هذا المتهافت لم يحسن عرض النص كما هو - بل نقله مشوهاً كعادته - فنحن الآن سنقف عند سقطته الفجة المقذذة وهي إدعائه المقارنة والمفاضلة ما بين قول الله تعالى وبين قول عبد من عباده, لن يتجاوز قدره في البلاغة والبيان قدر النبي صلى الله عليه وسلم بأي حال من الأحوال ناهيك عن بلوغ علو وإحكام وإعجاز القرآن الكريم, كلام الله الذي علم الإنسان ما لم يعلم.
فالنص الصحيح للوصية المنشور هو هكذا: (”يَا بُنَيَّ اجْعَلْ نَفْسَكَ مِيزَاناً فِيَما بَيْنَكَ وَبَيْنَ غَيْرِكَ، فَأَحْبِبْ لِغَيْرِكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَاكْرَهْ لَهُ مَا تَكْرَهُ لَهَا، وَلاَ تَظْلمِ كَمَا لاَ تُحِبُّ أَنْ تُظْلَمَ، وَأَحْسِنْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْكَ، وَاسْتَقْبِحْ مِنْ نَفْسِكَ مَا تَسْتَقْبِحُهُ مِنْ غَيْرِكَ، وَارْضَ مِنَ النَّاسِ بِمَا تَرْضَاهُ لَهُمْ مِنْ نَفْسِكَ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تَعْلَمُ وَإِنْ قَلَّ مَا تعْلَمُ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تُحِبُّ أَنْ يُقَالَ لَكَ. وَاعْلَمْ، أَنَّ الْإِعْجَابَ ضِدُّ الصَّوَابِ، وَآفَة ُالْأَلْبَابِ. فَاسْعَ فِي كَدْحِكَ، وَلاَ تَكُنْ خَازِناً لِغَيْرِكَ".).
لا شك في أن هذا الكلام إن كان من الإمام علي أو من غيره فهو بليغ ومؤثر,,, ولكنه لن يتجاوز الخطوط الحمراء التي تبدأ بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي لم يسبقه أحد أو يلحقه في قول الله تعالى عنه (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى, علمه شديد القوى), وقد أعطي مجامع الكلم,, فلم يقله الله تعالى في علي ولا في غيره من العباد ولم يعط أحداً مع محمد مجامع الكلم.
فلننظر إلى بعض وصايا النبي صلى الله عليه وسلم, فلن يستطيع علي أم غيره الإتيان بأفضل وأبلغ منها؟؟؟ ..... فلنر معاً بعض النماذج فيما يلي:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أُوْصِيْكُم بِتَقْوَىْ اللهِ، والسَّمْعِ والطَّاعَةِ وإنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌ، فَإنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَىْ اِخْتِلَافَاً كَثِيْرَاً، وإِيَّاكُم وِمُحْدثَاتُ الأُمُوْرِ فَإنَّهَا ضَلَالَةُ، فَمَنْ أدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِيْ وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِيْنَ المَهْدِيِّيْنَ عُضُّوْا عَلَيْهَا بِالنَوَاجِذِ).
وقال: (أوْصَانِيْ رَبِّيْ بِسَبْعٍ أُوْصِيْكُمْ بِهَا: أوْصَانِيْ بِالْإخْلَاصِ فِيْ السِرِّ والعَلَانِيَة، والعَدْلِ فِيْ الرِّضَاْ والغَضَبِ، والقَصْدِ فِيْ الغِنَىْ والفَقْرِ، وإنْ أعْفُوْ عَمَّنْ ظَلَمَنِيْ، وأُعْطِيَ مَنْ حَرَمَنِيْ، وأصِلُ مَنْ قَطَعَنِيْ، وأنْ يَكُوْنَ: صَمْتِيْ فِكْرَاً، ونُطْقِيْ ذِكْرَاً، ونَظَرِيْ عِبَرَاً(.
وقال لأبي هريرة: (إتّقِ المَحَارِمَ تَكُنْ أعْبَدَ النَّاسِ، وارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ تَكُنْ أغْنَىْ النَّاسِ، وأحْسِنْ إلَىْ جَارِكَ تَكُنْ مُؤمِنَاً، وأحِبَّ للنَّاسِ ما تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمَاً، ولَاْ تُكْثِرْ الضَّحِكَ فَإنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيْتُ القَلْبَ).
وقال: (بَادِرُوْا بِالْأعْمَالِ سَبَعَاً: مَاْ تَنْتَظِرُوْنَ إلَّاْ: فُقراً مُنْسِيَاً، أوْ غِنَىً مُطْغِيَاً، أوْ مَرَضَاً مُفسِدَاً، أوْ هَرَمَاً مُفَنِدَاً، أوْ مَوْتَاً مُجْهِزَاً، أوْ الدَّجَّالَ فَإنَّهُ شَرٌ غَائِبٍ مُنْتَظَرٍ، أوْ السَّاعَةَ والسَّاعَةُ أدْهَىْ وأمَرُّ).
ولا ننسى أن للكثير من الصحابة أقوال مثل قول علي بن أبي طالب, فهم جميعاً خير أمة أخرجت للناس, وهم تلاميذ محمد الخاتم خير من نطق بالضاد وشرَّفَهَا, فلا غضاضة في ذلك. أما أن يتجرأ الجهلاء المتهافتون على مقارنة قولٍ بقول رب العالمين فهذا هو الخبل نفسه, أنظر إلى تخرص هذا المتهافت يقول: (هذا القول لعلي لم يأت بمثله القرآن الكريم),, وقد خسيء وخاب فأله وفض فوه, بل قول الله هو الفصل وما هو بالهزل.
فأنظر إلى هذه اللوحة الفنية والدرة الرائعة من الوصايا القرآنية من قوله تعالى في سورة لقمان: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ 17), (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ 18), (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ 19).
ثم هذه الآيات البينات المعجزات في قوله تعالى في سورة فصلت: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ 33), (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ 34), (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ 35), (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ 36).
ونموذج ثالث يحكي الروعة والإعجاز في سورة النساء قال تعالى فيه: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا 36). لم تترك هذه الآية الكريمة المحكمة الموجزة المعجزة ذا حق إلَّا وإستوفته إياه كاملاً مكتملاً غير منقوص أو مغموط,, فصورت الشمولية والكمال, وببعض الكلمات صاغت دستوراً للأمم الراقية, بعد أن حذرت من الشرك, ثم بينت مقت الله تعالى للمختال الفخور المترفع على غيره من العباد.
أين وجه الشبه والمقارنة أيها المتهافت؟, فما دام أنك لا تستطيع أن تستوعب وتفهم البيان وغير ملم بلغته وأدواته ومواعينه,,, فما بالك والتشدق والخوض فيما لن تبلغه أو يبلغك أبداً؟؟؟
ثانياً: مقارنته وتفضيله لقول علي على كلام الله تعالى بقوله: (... فأين هذا الكلام عن هذا الكلام: يقصد بذلك سورة قريش, في قوله تعالى: (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ • إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ • فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ • الذي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ؟ ...), فكشف بذلك الستار عن مكنون نفسه وخفي جهله وسفهه جملةً وتفصيلاً ففضح عواره وخواره.
نقول له في ذلك,, وبالله التوفيق:
(أ): سنتدبر هذه السورة الكريمة أمام القراء الآن!!! لتعرف مقاصدها من الله تعالى, وكيف بَلَّغَ هذه المقاصد للناس المعنيين بها وغيرهم, ففهموها من الوهلة الأولى, بدليل أنه لم يعلق أحد منهم على كلمة واحدة من هذه السورة المعجزة بكل المقاييس, أو إنتقدها أو قلل من شأنها كما فعل هذا المتهافت الجاهل.
(ب): هذه السورة الكريمة مكونة من ستة عشر كلمة فقط (16 كلمة), من بينها حرفان, وضمير رفع منفصل, وإسم إشارة, فالمطلوب منكم أيها الغوغائيين المتشدقين إثبات إدعاءاتكم بالآتي:
1. حاول أنت ومن معك من إنس وجن أن تصل إلى نفس مقاصد السورة بأي صياغة أخرى تراها/ترونها تكون أبلغ منها أو مثلها إن إستطعتم لذلك سبيلاً ..... (ولن تستطيعوا, ولو كان بعضكم لبعض ظهرياً) ..... لا نريد كلاماً ومحاججات وملاسنات بل نريد منكم عملاً مادياً ملموساً أمام القراء, والسكوت مكسوب عليكم.
2. حاولوا أنْ تصيغوها بعدد من الكلمات إما أقل من أو مثل عدد كلمات هذه السورة التي تحكي الإيجاز والإعجاز البياني في أعلى وأسمى مراتبه. (ولكنكم لن تستطيعوا لذلك سبيلاً) هذا تحدى مباشر.
3. حاولوا إجراء تقديم أو تأخير للمفردات المشاركة في تركيب هذه الآية بأي وضع أو ترتيب يخطر على بالكم, شرط الإحتفاظ بمقاصدها كاملة, إن كنت من الصادقين, ولكم أن تستعينوا بما شئتم وبمن شئتم فالأمر متروك لكم – نريد نتائج وليس تبريرات وتسويفات.,,
4. حاولوا جهدكم في إستبدال مفردة من مفرداتها بأخرى من كنوز اللغة العربية إن استطعت لذلك سبيلاً.
عندها أنتم بأنفسكم "عملياً" ستشهدون بعجزكم "رغماً عن أنوفكم" وستؤكدون "تقريرياً" أو ضمنياً بأن هذه السورة إعجاز بكل المقاييس,, ويستحيل أن يأتي بمثلها أحد من العالمين.
(ج): يجب أن تعلموا جيداً أن هذا المطلوب منكم ليس إختيارياً لأنه (تحــــــــــــــــــــــدي مصيري مفتوح),, لكم ولمن شاكلكم وناصركم وإفترى على الله كذباً مثلكم بما في ذلك وليكم إبليس اللعين, بل هو طلب إلزامي إن أردتم الخروج من المأذق الحرج وعنق الزجاجة الذي أدخلتم أنفسكم فيه, أو أردتم أن تحافظوا على مصداقياتكم وماء وجوهكم أمام القراء الكرام والناس أجمعين.
فإن فشلتم في ذلك – وستفشلوا حتماً (والذي نفس محمد بيده) هذا ما سيحدث بالضبط ..... ألا ترون إلى أي مدى أنا أستفذكم لتقدموا بجد على التجربة الفاشلة؟؟؟ عندئذ ستكون النتيجة الحتمية خزلان وإفحام وإحباط لأعداء الله والقرآن, جزاءاً وفاقاً.
فلنبدأ بسورة قريش (الإيلاف), فماذا قال هذا الدعي الأفاك فيها؟؟؟
1. قال: إن حكمة علي بن أبي طالب أبلغ من سورة الإيلاف,
2. وقال: ماذا تفيدنا سورة قريش؟ هذه سورة لا فائدة منها! فهو يتهمها بأنها لغو من القول.
3. ثم قال: (القرآن يقول: «الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ» فما فائدة قوله «مِّنْ جُوعٍ» طبعا الإطعام يكون من جوع ولا يكون من الخوف!).
هذه هي العقول التي تتجرأ بالخوض في آيات الله البينات (للاسف الشديد), وسنثبت فيما يلي - بالأدلة والبراهين - أن هذا الشخص المتهافت لا يعرف شيئاً عن أساسيات اللغة العربية ناهيك عن الإنشاء والتراكيب البلاغية, وإستيعاب البيان القرآني المجيد, ثم ملكات البيان والإبيان عموماً. فنقول وبالله التوفيق:
أولاً: فليفهم المفردة التي أشكلت عليه فغوى:
- فالإلْفُ: هو الألِيْفُ. وجمعه ألآلِفُ.
- والأَلُوْفُ: هو كثير الإلْفَةِ. تقول: ألِفَهُ إلْفَاً.
- والأُلْفَةُ: إسم من الفعل "ألِفَ, يألف" أُلْفَةً
- والإلْفُ والإلْفَةُ: هي المرأة تألفُهَا وتَألَفُك.
- والإيلاف في التنزيل: هو العَهْدُ والإجَارَةُ بِبَيْتِ اللهِ الحَرَاْمِ, حيث كان سكان هذا البلد الحرم آمنين في تنقلاتهم في رحلتين متصلتين صيفاً وشتاءاً لا يعتدي عليهم أحد, بينما الناس غيرهم يُتَخَطَّفون من حولهم وهم في طريقهم وفيما بينهم, لعدم أمن الطريق. أما القرشيون, - فإنهم إذا ما عرض عليهم عارض - قالوا: نحن أهل حرم الله, فلا يتعرض لهم أحد بعدها.
وكان إيلاف قريش لأربعة زعماء لها, هم: هاشم بن عبد مناف - ويؤلف الرحلة إلى الشام, وعبد شمس - يؤلفها إلى الحبشة, وعبد المطلب - إلى اليمن, ونوفل - إلى فارس. هذا,, وقد ألَّفَ الله تعالى بينهم أفراد وجماعات تأليفاً, فأغناهم الله بالتجارة وكفاهم الجوع والحاجة بعد أن عانوا منهما الأمرين لدرجة أنهم كانوا يموتون جوعاً, , وأمَّنَهُم من خوف الهلاك وشر الطريق ومخاطر قاطعيه, وشر الفتن والقتال بينهم, ولكنهم لم يحفظوا الجميل لصانعه, بل أشركوا به غيره من الأصنام والحجارة والتماثيل والأوثان,,, فعبدوها من دونه ظلماً وجحوداً.
فكان هذا التمَيُّز الذي أصبحوا فيه راجع إلى أمرين إثنين لا ثالث لهما:
1. الإلفة الشديدة المتينة التي ألَّفَ بها الله تعالى بين قلوبهم, والتي بدأها هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم.
2. ثم التميز بجوار بيت الله الحرام الذي لولاه لما بلغوا هذا القدر من الهيبة والتقدير من غيرهم والإعتبار لهم من دون الآخرين من الناس غيرهم, الذين يفوقونهم عتاداً وعدة وعدداً. فأنظر إلى قول الله في سورة العنكبوت يؤكد هذه الحقيقة: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ)؟؟؟.
فما دام أن الأمر أولاً وأخيراً راجع إلى فضل الله وإغداقه عليهم نعمه إطعاماً وأمناً وشرفاً بهذا القدر من دون غيرهم,,, أليس المنطق والموضوعية والوفاء يقضي بعبادتهم رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع كانوا يعانون منه قبل الإيلاف ورحلات التجارة, وآمنهم من خوف على أنفسهم من شر الطريق وما به من أشرار وقطاع طرق, ومشاكل قد تنشأ بينهم فيفني بعضهم بعضاً؟؟؟
الآن أنظر إلى سورة الإيلاف الرائعة إيجازاً وإعجازاً وبياناً وتبياناً, كيف صاغت هذه الحقائق بصيغة رائعة وجرس توافقي فني بديع,,, بقوله تعالى في سورة قريش:
1. عشان,, أو من أجل إيلاف قريش: (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ 1),
2. كان: (إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ 2), يتنقلون بتجارتهم ومصالحهم في كل الإتجاهات في رحلاتهم المتواصلة المتصلة شتاءاً وصيفاً لا يجرؤ أحد على التعدي عليهم وعلى أمنهم وسلامتهم, ولا يحدث بينهم ما يعكر صفاء ذلك الإيلاف الرباني, حيث يسافرون شهوراً لا يخشون على أنفسهم ولا على تجارتهم وأموالهم, وذلك راجع إلى البيت الحرام وإلى الإيلاف الذي من الله به عليهم.
3. فما دام الأمر كذلك, وأن هذا التميز بلغوه بفضل الله وبشرف وقدر بيته الحرام,,, إذاً: كان الأجدر بهم عبادة من إختصهم بهذا الفضل, قال: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ 3), الذي لولاه لتخطفهم الناس كغيرهم, بل هم أهون وأولى لضعفهم وقلة عتادهم وعددهم.
4. فالفضل كل الفضل لرب هذا البيت: (الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ 4).
هذه هي سورة قريش أيها الجاهل الجهول, أسمع ماذا قال الله فيك وفي أمثالك, (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ 3). فكيف يستطيع أن يفقه هذه الروعة والإيجاز والإعجاز والعتاب مع الإستغراب من رب الأرباب من جحود هؤلاء الناكرين للجميل - أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وحكم عليهم بأنهم "لا يفقهون"؟؟؟
فقولك: (... ماذا تفيدنا سورة قريش؟ هذه سورة لا فائدة منها! ...), هذا يعتبر شهادة موثقة منك على أنك تجهل لغة الضاد, بل كان الأولى أن تستفيد منها لو كنت تفكر وتفهم, لأن الله تعالى واصل في إيلاف قريش مع جحودهم وعبادة غيره, كذلك يواصل الله في إطعامك وإيوائك مع حربك له وتطاولك عليه, ولكن هناك يوم موعود وشاهد ومشهود حيث الوزن يومئذ القسط, فسيكون الدين عليك وعلى قريش ثقيل.
ونراك هنا تؤكد ذلك الجهل المركب وأنت تعقب ببلاهة وتقول: (... القرآن يقول: «الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ» فما فائدة قوله «مِّنْ جُوعٍ» طبعا الإطعام يكون من جوع ولا يكون من الخوف ...!). وأنك لم تفهم السورة, فالإطعام من جوع, يقصد به حال القرشيين قبل الإيلاف وقبل الشروع في رحلة الشتاء والصيف, حيث حانوا يموتون جوعاً, فكان الإيلاف مغيراً للوضع الإقتصادي لهم فشبعوا بعد جوع, أما قوله "وآمنهم من خوف", وهو الخوف من قطاع الطرق, والخوف من الخلاف والقتال فيما بينهم.
لا يزال للموضوع بقية باقية
تحية كريمة للقراء
بشاراه أحمد
#بشاراه_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟