غسان صابور
الحوار المتمدن-العدد: 5147 - 2016 / 4 / 29 - 04:46
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أوكــســيــجــيــن...
أوكــســيــجــيــن يـا بـــشـــر...
كنت البارحة مساء بزيارة لصديق أجريت له عملية بسيطة, وذهبت لتأدية واجبي بالاطمئنان عنه.. بعدما ظننت أنه يرتاح لوحده. وجدت لديه حشدا من السوريين.. غالبهم ممن لم تعد بيننا أية جاذبية فكرية أو إنسانية.. أو ممن صنفتهم بكتاباتي السابقة " بأنصاف الأصدقاء " نظرا لتحليلاتهم السياسية والاجتماعية والإنسانية والعلاقاتية, وبقية النظريات التي لا تتفق بالأحداث السورية مع نظريتي وتحليلاتي.. وخاصة بكل ما يتعلق بتشكيل روابط وجمعيات ولقاءات هيتروكليتية.. لا تــؤثــر ولا تغني ولا تصلح أي شـيء من هموم السوريين هــنــاك أو هــنــا... ولأول مرة رغم تراكم الكلمات والجمل والخطابات النصائحية والفلسفية (!!!) التي طرحت لم أنبس ببنت شفة ولم أجب على أية إثارة.. لأنه لا كلام الخطيب المحاضر حتى بهذه المناسبة الحساسة (زيارة مريض).. ولا صدى كلماته الأستاذية.. أثارت لدي أية رغبة بالجواب.. لا لقناعتي وقبولي بصحة خطابه.. كلا.. وألف مرة كلا.. إنما لابتعاد تساؤلي لوحدي مu أفكاري.. كيف حصل هذا الإنسان على شهاداته.. وكيف استطاع خلال كل هذا الزمان من البقاء بالمنصب الذي شغله... وآمنت بالقول أن الشهادات والمظهر والثوب.. لا تصنع على الإطلاق ولا تنتج ثــقــافــة حقيقية طبيعية... ولا أدبا.. ولا سياسة.....
ودار الحديث المشرقي ساعات وساعات, برياء ومجاملات متواصلة.. كل يطيب للآخر.. رغم قناعتي أنه يفكر العكس.. ويعمل العكس.. وكنت متأكدا أن الخطيب كان متعجبا من صمتي.. وكان قانعا ــ من خلافات سبقت ــ أنني غير متفق ولا موافق مع أبسط كلماته.. وتفككها وانعدام صحتها وهزالة واقعها على الأرض.. ولا بد أنه فهم من ابتسامتي, بدلا من غضبي المعهود.. بأنني لا أقبل أيا من عروضه ومصالحاته مع أطراف لا تقبل ولا تصالح.. اجتماعيا وإنسانيا وسياسيا.. وعرضه أنهم موجودون بكل مكان.. ولأنهم الأكثرية.. وكان الأستاذ الخطيب يتحدث عن غالبية المقاتلين المعارضين الإسلامويين الذباحين في سوريا, والمطبلين والمؤيدبن لهم هنا بفرنسا وأوروبا.. وقراره الحاسم أنه يجب أن نقبلهم بأخطائهم وشروطهم وغبائهم.. وعلينا كمثقفين أو بقايا أنتليجنسيا نائمة أن نتفاهم معهم.. ونــطــورهـم.. نعم قال : نطورهم... لأنهم الأكثرية.. كأنما التطوير ومحاربة الغباء والتعصب والقتل والإجرام.. عملية ميكانيكية.. كأنه عطل سيارة بسيط.. أو طبيب يعطي عدة حبات دواء.. وانتهى الأمر.. يا للغباء.. يا للغباء... كم كنت أرغب أن أصرخ بوجهه.. وبوجه من يطيبون لـه.. أصمت يا رجل.. ولأول مـرة شــعـرت أنني بصمتي ونظرتي وابتسامتي.. وانسحابي بهدوء.. وصلت إلى أيصال رسالتي.
ولما وصلت خارج هذه الجماعة.. تنفست.. وشعرت أن الهواء اصفى وأنقى...
ولكنني أختنق.. أختنق... وأنا أسمع أخبار مدينة حلب السورية... أو ما تبقى منها... أخبار تفجيرات سوق الحميدية والسيدة زينب بدمشق العاصمة... أختنق.. أختنق.. وأريد أن أصرخ كــفــا.. كــفــا.. بوادي الطرشان هناك وهنا الذي نعيشه اليوم!!!.......................
حـــلـب.. حـــلـــب..هذه المدينة المدونة بالتراث العالمي للأمم المتحدة.. تحترق.. تتفجر.. وتتفجر.. يموت شعبها.. يموت من تبقى منها.. وأي تراث.. وأية أمم متحدة.. أمم مجرمة.. أمم عمياء.. أمم رياء مجرم صامتة... بــحــلــب ماتت كل المبادئ الإنسانية....... ولم يتبق ســوى عالم الموت والخراب... ومن يقبل كل هذا.. وكل من يتعامل ويتفاهم مع القتلة.. من أي طرف كان... شــريـك بـالــجــريــمــة... وخــاصـة من يظن يوما أن باستطاعته تطويرهم.. والتفاهم معهم.. أو أنه أمبراطور الغباء.. أو أنه راض بشراكته الإجرامية معهم...
هذه الصرخة المخنوقة اليائسة الحزينة البائسة... آخر كلماتي هذا الصباح!!!...........
********
صــــورة...
صـــورة حـقـيـقـيـة...
بعد ظهر هذا اليوم.. كنت أشاهد أخبار مدينة حــلــب السورية على قناة الميادين اللبنانية.. وكان المذيع يقدم لنا حيا تتساقط فيه قنابل ترسلها قوات محاربي المعارضة.. وصعقني منظر أطفال ما بين السادسة والعاشرة من عمرهم, يلعبون في الحي مباشرة وراء المذيع.. بأشكال طبيعية, دون أن ترهبهم القذائف.. وبلا أهل يردعونهم.....
فتساءلت ماذا سيصبح هؤلاء الأطفال بعد عشرة سنوات أو عشرين سنة؟... قتلة؟؟؟...أم أطباء؟؟؟... أم لا شيء... لا شــيء.. ضحايا بأشكال مختلفة... كبقية من تبقى من أهالينا هناك.. في ســوريـا الجريحة المنكوبة...
**************
عـــلــى الـــهـــامـــش :
ــ ملاحظة اجتماعية مشرقية ــ ســورية.
من الملاحظ ونظرا للفراغ الفكري والاجتماعي والسياسي والعملي.. هناك وهنا.. أن الرياضة المفضلة لدى غالب المشرقيين والعرب والسوريين.. هي القيل والقال.. وفلانة قالت عن فلانة.. وفلان انتقد كتابة وأقوال فلان.. وأن فلانة حذفتني من صفحتها على الفيسبوك, بلا سبب. وأنا سأحذفها وأحذف جميع أصدقائها وصديقاتها...
كل هذا أسبابه الفراغ العملي والفكري... لو كان لكل هؤلاء السيدات والسادة اهتمامات حياتية جدية.. لما وصلنا لهذا التشقق الفكري التاريخي. ولما صنفنا بين الشعوب المتأخرة, رغم الشهادات العالية التي حاز علينا غالبنا.. هنا في البلدان الأوروبية حيث حطينا الرحال.. ولم نكتسب من هذه البلدان, أية ثقافة ولا أية حضارة.. وبقينا نمضغ " قــات الــلــعــي "... متابعين عاداتنا وتقاليدنا.. كاننا ما زلنا بالعصور المتأخرة اليابسة الحزينة اليائسة...
يا جماعة.. يا قــوم... كـــفــا... العالم كله يهتم بتطوير الحضارة والنور.. ونحن ما زلنا (نركب الحمار بالمقلوب).. كأيام جــحــا وأبي النواس...
ــ عندما جئت لهذا البلد باختياري, منذ أكثر من نصف قرن, وتبنيته وتبناني, كانت الجاليات السورية النادرة, نخبة النخبات, وزبدة المثقفين.. وكان احترامنا رغم الصعوبات السياسية.. ظاهرا.. واضحا. وكنا نتساوى ونندمج مع حضارات البلد وثقافاتها وفنونها.. وكنا الأولين والناجحين بجامعاتها.. وكنا من ركائز مستشفياتها.. ومؤسساتها ومصانعها... وتكاثرنا.. وتكاثرنا.. وحسب أولى نظريات علم الاجتماع, بدأت تظهر نظرية " التجمع علة للتجمع.. كما أنه علة للإقفار".. وتكاثرنا.. وتكاثرنا وتفككنا.. وخاصة بعد سنوات الحرب العاهرة القاهرة التي اجتازت بلد مولنا سوريا.. وأقفرنا فكرا وعنادا ومعارضة وموالاة.. وأقفرنا وتفككنا.. وتشقق شــمــلـنـا.. نــعــم تشقق شملنا... ومزقتنا آراء التعصب الديني.. ومزقتنا سياسات الغباء.. ورواد الغباء المفتعل.. ورواة القصص الخنفشارية.. كأنما ما يحدث من حكايات ومــآس يجري بالمريخ أو زحل... وليس في سـوريـا التي تتمزق هناك.. ونتمزق من أجلها.. هـــنـــا...
عندما تفجرت هذه الحرب الغبية... كل المحللين المحترفين قالوا لنا ــ وما أغباهم بالأمس واليوم ــ أنها سوف تنتهي بأيام قليلة.. وها هي أنهت سنتها الخامسة وبعد ثلاثة أشهر من سنتها الرابعة.. هل يجرؤ هؤلاء المحللون (الأغبياء) أن يقولوا لنا متى وكيف ســتــنــتــهــي؟؟؟!!!...........
بــــالانــــتــــظــــار...
للقارئات والقراء الأكارم الأحبة.. هـــنـــاك و هـــنـــا.. وبكل مكان بالعالم.. كل مودتي وصداقتي ومحبتي واحترامي ووفائي وولائي.. وأصدق تحية طيبة إنسانية مهذبة.
غـسـان صــابــور ـــ لـيـون فــرنــســا
#غسان_صابور (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟