|
الشعب البينيني يرفض مرشح فرنسا لرئاسة بلاده
مرتضى العبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 5119 - 2016 / 3 / 31 - 20:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أجريت يوم الأحد 20 مارس الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية بجمهورية البينين. حتى وإن لم تعلن المحكمة الدستورية بعد عن النتائج النهائية الرسمية، فإنّ الوزير الأوّل "ليونال زينسو" المرشح لهذه الانتخابات سارع منذ الساعات الأولى للفرز بتهنئة خصمه رجل الأعمال "باتريس تالون" بفوزه بها، إذ يبدو أن الفارق بين المرشحين كان كبيرا في جميع مكاتب الاقتراع التي تم فرز أصواتها. لكن كيف وصل الرجلان إلى الدور الثاني وما هي القوى التي تقف وراء كل منهما؟
نتيجة الانتخابات هي عبارة عن رفض شعبي لسياسة "يايي بوني"
تشهد البينين منذ تبنّيها لدستورها الحالي سنة 1990، تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية بصفة دورية تحافظ على ديمقراطية شكلية لكثرة ما يشوبها من تجاوزات تمسّ بجوهر العملية الانتخابية، لكن البينينيين كانوا يعتبرونها أفضل من فترة الحكم القمعي الذي فرضه "ماتيو كيريكو" لمدة 17 سنة بعد الانقلاب العسكري الذي نفذه سنة 1972 وأبقاه في الحكم حتى ديسمبر 1989. شهدت البلاد بعد ذلك مخاضا أوصلها إلى إقرار دستور إيجابي في مجمله ويحدّد عدد الدورات الرئاسية إلى دورتين. وفي سنة 2006، فاز "يايي بوني" الذي كان يشغل خطة رئيس لبنك غربي إفريقيا للتنمية بالرئاسة، وأعيد انتخابه لدورة ثانية سنة 2011 رغم الحصيلة السلبية لمدّته الأولى، لذلك نددت المعارضة بالتزوير الذي تمّ على نطاق واسع والذي بدونه ما كان بإمكانه أن يفوز. وخلال سنة 2014، جنّد مناصريه لمناشدته لتحوير الدستور حتى يتسنى له الاستمرار، لكن المحكمة الدستورية التي عيّن أعضاءها بنفسه، وأمام الاحتجاجات الشعبية الواسعة، رفضت الاستجابة له. فراح يبحث عن خليفة يضمن من خلاله استمرار حكمه من ناحية ويضمن له بالخصوص الإفلات من المحاسبة لما اقترفه من جرائم في حق الشعب والوطن، فلم يُفلح. فحتّى رجل الأعمال القوّي، باتريس تالون، الذي يسيطر على كبرى القطاعات في البلاد أي قطاع القطن، زراعة وتصنيعا وتصديرا، وكذلك على أكبر مواني البلاد وهو ميناء "كوتونو" الحرّ، والذي كان موّل حملتي "يايي بوني" الرئاسيتين، فقد تمكّن من استعدائه والتضييق عليه حتى أجبره على الهجرة، ولم يعد إلى البلاد إلا منذ بضعة أشهر ليعلن ترشحه لمنصب رئيس الجمهورية. فما كان منه إلا أن يستنجد بالوطن الأم فرنسا لتضع على ذمّته مرشحا من أبنائها، ألا وهو "ليونيل زينسو" الحامل لجنسية مزدوجة فرنسية بينينية والذي كان يشغل حتى منتصف 2015 منصبا مهمّا في ديوان "لوران فابيوس" وزير الخارجية الفرنسي. فعيّنه بداية من جوان الماضي وزيرا أولا للبينين ومرشحا لخلافته على رأس الدولة، وهو ما أثار حفيظة شعب بأكمله بمختلف قواه وتعبيراته السياسية.
6 مارس: الدور الأول للانتخابات الرئاسية
كان "بوني يايي" يطمح في فوز مرشحه منذ الدور الأول كما حصل معه في المناسبتين اللتين ترشح فيهما لنفس المنصب، وعمل كل ما في وسعه من أجل توفير الشروط لذلك. فكان التلاعب بسجلات الناخبين، وعدم إسناد بطاقة ناخب لكل من يشتمّ عنه رائحة المعارضة، إلى غير ذلك من الطرق الخسيسة المعروفة. ثم كان إغراق قائمة المرشحين بكل من هبّ ودبّ حتى أن العدد النهائي الذي أقرّته المحكمة الدستورية بعد فرز الترشحات بلغ 33 مرشحا، كل ذلك من أجل تشتيت الأصوات، وتوفير حظوظ أوفر لمرشح "التواصل" في الفوز. ولم يتمكن "ليونيل زينسو"، المرشح المستورد من العبور منذ الدور الأول رغم احتلاله المركز الأول في هذا الدور، إذ لم يحصل إلا على 858 ألف صوت أي ما يعادل 28% من أصوات الناخبين، بينما حصل أكبر منافسيه، رجل الأعمال "باتريس تالون" على المركز الثاني بما يزيد عن 746 ألف صوت أي بنسبة 24%، وهو ما جعل منهما المرشحان لخوض الدور الثاني. وقد توزعت بقية الأصوات على بقية المترشحين الذين توزع نسب التصويت لفائدتهم بين 0,07% إلى 21%، وهي النسبة التي تحصل عليها صاحب المركز الثالث رجل الأعمال "سيباستيان جرمان أجافون" الذي أعلن منذ التصريح بالنتائج وقوفه إلى جانب "باتريس تالون" في الدور الثاني. ومن أجل قطع الطريق أمام "مرشح فرنسا" تم تشكيل ائتلاف انتخابي واسع، أطلق عليه اسم "الائتلاف من أجل القطيعة" كان ممثلا لقوى سياسية ومدنية واجتماعية من مشارب مختلفة، يوحّدها تناقضها مع الرئيس المنتهية ولايته وبالتالي مع خلفه المعيّن.
20 مارس: في الدور الثاني، الشعب البينيني يؤكد تمسّكه بالقطيعة
ورغم عدم التصريح بالنتائج النهائية بصفة رسمية أي من قبل المحكمة الدستورية، فإن النتائج الوقتية المعلنة من قبل الهيئة الانتخابية الوطنية والتي لا تأخذ بعين الاعتبار أصوات المواطنين المقيمين بالخارج، فإنّ فوز "باتريس تالون" بات مؤكدا إذ هو حصل إلى حد الساعة على نسبة 65,39% من الأصوات مقابل 34,61% لمنافسه. وهو ما جعل الشعب البينيني يتنفس الصعداء، إذ أن التصويت من أجل القطيعة يعني أوّلا رفض الهيمنة الاستعمارية المباشرة لفرنسا عبر تنصيب أحد مواطنيها رئيسا لدولة "مستقلة" وهو الذي كان إلى حدود قريبة فاعلا مهمّا في السياسة الفرنسية، فكيف له أن يتباين معها وهو في منصبه الجديد؟ وهل يكفي مجرّد تغيير الكساء الخارجي (وقد حرص على أداء الواجب الانتخابي مرتديا للزي التقليدي البينيني)، لتغيير الأهواء والمواقف السياسية؟ وهذا إن كشف على شيء فإنما يكشف عن الطبيعة الامبريالية للدولة الفرنسية التي مازالت تتصرف في بلدان القارّة على أنها مجرّد مستعمرات غير راشدة في حاجة إلى حد الساعة إلى "مقيم عام" أو "وزير مفوّض" كما كانت تسميهم في السابق. لذلك فإن الشعب البينيني برفضه لهذا التدخل السافر في شؤونه قد قطع نصف خطوة بالاتجاه الصحيح وعليه مواصلة المشوار لرفض جوهر "العقد الاستعماري" الذي مازال يحكم علاقات فرنسا بمستعمراتها القديمة. كما أن التصويت بهذه الشاكلة في الدور الثاني يعني كذلك الرغبة في القطيعة مع أسلوب الحكم الذي مثله الرئيس المنتهية مدته "يايي بوني" والذي أوصل البلاد إلى حافة الهاوية والذي تميّز باستشراء الفساد والرشوة والتهميش والبطالة وتدليس نتائج الامتحانات الوطنية المتعلقة بالانتدابات الخ، زيادة على قمع المعارضين والتدليس الممنهج للانتخابات في كل مستوياتها. إن التصويت بهذه الصفة يعبّر عن أمل الشعب البينيني في حياة أفضل وفي إرساء الأسس الفعلية لانتقال ديمقراطي هو جدير به بعد ما يزيد عن خمسة عقود من الحكم الاستعماري الجديد تداولت عليه فيها أنظمة ديكتاتورية بالزي المدني أو العسكري، إن في ظل الحزب الواحد الأوحد أو حتى في ظل تعددية شكلية. يبقى أن نلاحظ أن القوى التقدمية تبقى شبه غائبة في مثل هذه المنعرجات الحاسمة، وتجد نفسها في أحسن الحالات تنتهج سياسة "أخف الأضرار" وتبقى عاجزة عن لفّ الشعب حول بديل ديمقراطي ووطني يقطع في آن مع النظم الديكتاتورية وحماتها من الامبرياليين.
#مرتضى_العبيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أن تكون شيوعيا، فهو التزام يومي (الجزء الثالث)
-
أن تكون شيوعيا، فهو التزام يومي (الجزء الثاني)
-
أن تكون شيوعيا، فهو التزام يومي (الجزء الأول)
-
الطبقة العاملة الفرنسية تنهض لصدّ هجمة رأس المال
-
مقرّر حول الأممية الشيوعية وحركة الشبيبة الشيوعية (ترجمة)
-
الاتفاق النووي مع الدول الامبريالية يلقي بظلاله على الانتخاب
...
-
فيفري: شهر الإضرابات العامّة في البلدان الإفريقية
-
هل تتجاوز بلدان أمريكا اللاتينية أزمتها الاقتصادية الراهنة؟
-
المغرب: هل يساهم إضراب 24 فبراير في إرساء دعائم الوحدة العمّ
...
-
الحركة الشيوعية وتحرير النساء (ترجمة)
-
القوى الديمقراطية في ألمانيا وباقي أوروبا تتصدّى للنازية الج
...
-
رأي حول -الحكومات التقدمية- بأمريكا اللاتينية
-
الشباب المغربي يخوض معارك شهر يناير بروح 20 فبراير
-
هل تدفع بوركينا فاسو ضريبة التدخل الامبريالي الفرنسي في بلدا
...
-
أردوغان يستغلّ انشغال العالم بالحرب على سوريا ليشنّ الحرب عل
...
-
-التنمية في تونس-، كتاب جديد للأستاذين محمود مطير وحسين الرح
...
-
الطبقة العاملة تستقبل السنة الجديدة بموجة من النضالات في أنح
...
-
الانتخابات التشريعية في فنزويلا: هل هو انتصار للثورة المضادّ
...
-
هل هي نهاية الاستقطاب الثنائي على الساحة السياسية الإسبانية؟
-
الانتخابات الجهوية بفرنسا: الشعب يعبّر عن رفضه لبرامج الأحزا
...
المزيد.....
-
إسرائيل تُعلن تأخير الإفراج عن فلسطينيين مسجونين لديها بسبب
...
-
الخط الزمني للملاحقات الأمنية بحق المبادرة المصرية للحقوق ال
...
-
الخارجية الروسية: مولدوفا تستخدم الطاقة سلاحا ضد بريدنيستروف
...
-
الإفراج عن الأسير الإسرائيلي غادي موزيس وتسليمه للصليب الأحم
...
-
الأسيرة الإسرائيلية المفرج عنها أغام بيرغر تلتقي والديها
-
-حماس- لإسرائيل: أعطونا آليات لرفع الأنقاض حتى نعطيكم رفات م
...
-
-الدوما- الروسي: بحث اغتيال بوتين جريمة بحد ذاته
-
ترامب يصدر أمرا تنفيذيا يستهدف الأجانب والطلاب الذين احتجوا
...
-
خبير: حرب الغرب ضد روسيا فشلت وخلّفت حتى الآن مليون قتيل في
...
-
الملك السعودي وولي عهده يهنئان الشرع بمناسبة تنصيبه رئيسا لس
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|