|
سنقرع أجراسنا في هذا الشرق
فواد الكنجي
الحوار المتمدن-العدد: 5038 - 2016 / 1 / 8 - 00:22
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نعم "سنقرع أجراسنا في هذا الشرق ما دام في عروقنا دم يجري" هذا ما قاله غبطة البطريرك (يوحنا العاشر يازجي) بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس اثر قداس أقامته الطوائف المسيحية في العاصمة السورية ( دمشق) احتفاء بعيد رأس السنة الميلادية في الكاتدرائية (المريمية ) للروم الأرثوذكس وبحضور جماهير غفيره، حيث شدد قداسته بضرورة التمسك بالأرض وقال "لن ندخر سبيلا للبقاء في أرضنا والدفاع عنها، وسنقرع أجراسنا في هذا الشرق ما دام في عروقنا دم يجري".، ونحن معه سنردد وبصوت عالي نعم "سنقرع أجراسنا في هذا الشرق ما دام في عروقنا دم يجري"، انه شرقنا .. بلادنا .. أرضنا التي عشنا ونعيش على تربتها، وعليها أقمنا أرقى الحضارات في العالم، حضارة أكد وسومر وأشور التي علمت الإنسان القراءة والكتابة وفتحت له أفاق العلم والمعرفة من الآداب والعلوم والفنون وقل ما تشاء من مفردات المعارف، نحن كنا وما زلنا امة أشورية الأصل، ومسيحية الديانة، و خير امة من فتحت أفاق الفكر والعقل للبشرية جمعاء والتي مدت جناحيها بطول الشرق وعرضه حتى سموا ملوك الحضارة الأشورية في وادي الرافدين بملوك الجهات الأربع ، ونحن من رفدنا وأغنيننا الحضارة العربية بحجم الاحتكاك بين الحضارتين الاشورية والعربية بطبيعة جغرافية والبيئة التي عاشوا فيها رغم ان العربية والسريانية(الأشورية) كلغة هما من أصل واحد كما يقول ( ابن حزم الأندلسي) والفروق بينهم ناجمة عن التطور الطبيعي للمجتمعات بحسب مناطق انتشارها، بكون العربية والسريانية ( الأشورية ) من مجموعة اللغات السامية، لغات حضارة الهلال الخصيب القديمة . وإذا القينا نظرة على القصص التي في القرآن الكريم نرى قصة (موسى وأبراهيم ويونان) الذي سماه الإسلام (يونس وزكريا ولقمان ومريم ويوسف ) وكل القصص الواردة في الإنجيل نراها في القرآن بشكل آيات وهذا أيضاً يدلنا على أن العربي كان له إطلاع واسع على الإنجيل والإنجيل بالطبع كان مكتوبا بالسريانية( الأشورية) وهذا معناه بأن الذي كان يوحي أو يخبر أو يعلم أو يرشد (محمد، رسول الديانة الإسلامية) كان سريانيا أو ذو إطلاع واسع على السريانية ( الأشورية )أو الآرامية. وهناك أيضا قصة (أهل الكهف) والتي تقول:" بأن صبية هربوا من ظلم الملك والجئوا إلي كهف وسيطر عليهم النوم لمدة ثلاثمائة عام وعندما استيقظوا وخرجوا من الكهف رأوا بأن العالم حولهم قد تغير" هذه القصة هي من اللوترجيه السريانية ( الأشورية ) أو من الأدب السرياني ( الأشوري ) وليست مذكورة في الإنجيل فكيف وصلت الى القرآن في سورة (أهل الكهف) التي تتضمن عدة آيات تتكلم عن هؤلاء الفتيه الذين اختبئوا في الكهف....! هذه دلالة على اقتباس القرآن لهذه القصص من الإنجيل والأدب السرياني ( الأشوري ) ودلاله واضحة على صلة العرب ومحمد الرسول وأتباعه بالأدب السرياني( الأشوري ) وتأثرهم به وبناء الفكر والدين الإسلامي وفق الفكر السرياني( الأشوري ). وفي كثير من الأوقات نرى العربي يفتخر بالحضارة ( الأشورية ) ويوعزها لنفسه، فكثير من الآثار الأشورية التي كانت تكتشف في العراق قبيل منتصف القرن الماضي كانت المجلات العربية وصحفها تنشر صور للثور المجنح وغيرها من تلك المنحوتات الأشورية ومكتوب تحتها (( من تراث أجدادنا العرب )) وهذه إشارة أخرى بكون العرب هم جزء وامتدادا من الحضارة الأشورية ولكن تطور وظروف التي مرت بالمجتمعات هي التي أدت إلى ظهور تسميات أخرى نسبت إليها لاحقا، ولكن في الجذور يبقوا من أصل واحد وهذه تطورات وتداخل واختلاط المجتمعات أدت إلى ظهور العربية وانتشارها في أوساط وبيئة مجتمعات أخرى أكثر من الأصل، فبعد ان أصبحت (اللغة العربية) مصدر التشريع الأساسي بعد انتشار الإسلام في بلاد الحضارة الأشورية، وأصبحوا يتكلمون العربية .. و رويدا رويدا أصبح الكثير منهم عربا باللغة في أصقاع مختلفة، وبعد ان تم تعريب دواوين الأمصار حديثة الفتح في عهد الخليفة الأموي) عبد الملك بن مروان(، وهكذا أصبحت العربية لغة السياسة والإدارة بعد أن نقلت إليها المصطلحات الفنية في الإدارة والحساب وعلى الرغم من أن كثير من الأمم بقيت على هويتها ولم تتقبل الهوية العربية الإسلامية ، مثل قسم كبير من الأمازيغ والترك والكرد والفرس وبعض الآشوريين ، فإنها تلقنت اللغة العربية وتكلمتها بطلاقة إلى جانب لغتها الأم . فعلى الرغم من الازدهار الذي حققته اللغة السريانية ( الأشورية ) خلال الفترة الممتدة بين القرن الرابع إلى القرن السابع غير أنها في الوقت نفسه عانت من الحروب المتواصلة بين الإمبراطورية البيزنطية والإمبراطورية الفارسية وهذا الأمر وغيرها أدى إلى تقويض انتشارها، إضافة إلى تردي الوضع الاقتصادي بنتيجة الحكم البيزنطي الإقطاعي وإرهاق السكان بالضرائب، يضاف إلى ذلك كله، الاضطهاد الذي قادته الإمبراطورية والكنيسة البيزنطية ضد السريان( الأشوريين ) إثر مجمعي أفسس وخلقيدونية، في عام ( اربع مائة وواحد وثلاثون) حيث قام مجمع أفسس بإدانة نسطورس بطريرك القسطنطينية، لقوله بالشخصان المتحدان في المسيح، غير أن أتباعه ومشايعه ظلوا يشكلون قاعدة شعبية واسعة في مناطق الجزيرة السورية والعراق، وفي عام ( ارع مائة وواحد وخمسون) قام مجمع خلقدونية بإدانة صيغة "طبيعتي المسيح بعد اتحادهما باتا طبيعة" ما أفضى بنتيجة اعتناق عدد كبير من السريان( الأشورية ) لهذه الصيغة، إلى انقسام الكرسي الإنطاكي على نفسه مرة ثالثة عام (خمسة مائة وثمانية عشر) إثر نفي البطريرك اللاخلقيدوني ساويرس الكبير. الانقسامات والمماحكة اللاهوتية أثرت بشكل سلبي على اللغة السريانية ( الأشورية ) نفسها فظهرت في أوائل القرن السادس اللهجة والأبجدية الشرقية المنسوبة لشرق نهر الفرات والتي عرفت أيضا باللهجة النسطورية لانتشارها واعتمادها في كنيسة (المشرق الآشورية ) حاول عدد من الأباطرة القضاء على الصيغة اللاخليقدونية وشنوا اضطهاد عنيف على أتباعها، وقام عدد آخر منهم بمحاولة القضاء على الصيغة الخليقدونية وشنوا اضطهادا على أتباعها، وفشل عدد آخر من الأباطرة في التوحيد بين الصيغتين في صيغة واحدة، أبرزهم هرقل الذي اقترح صيغة )المونوثيلية) أي " الطبيعيتين المتحدتين في مشيئة" عام (ست مائة وثمانية وعشرون) وإثر رفض اللاخلقدونيين لهذه الصيغة، أثار الإمبراطور حملة اضطهادا جديدة ضدهم. تزامنا مع هذا الوضع، ظهر الإسلام في شبه الجزيرة العربية، واتجهت جيوشه إلى بلاد الشام فاشتبكوا مع البيزنطيين وهذا الأمر أدى إلى مساندة المسيحيون العرب جيوش المسلمين بكون المسيحيون العرب كانوا يعانون من اضطهاد البيزنطي لهم بكونهم اتبعوا الطقس السرياني( الأشورية ) واليوناني مخالفين طقوسهم الدينية كما ذكرنا ،وهذا التعاون حصل في معركة اليرموك ومعركة القادسية، ففتحوا المسيحيين الشرقيين أبواب المدن بذاتها مهللين للفاتحين الإسلام، لتبدأ إثر ذلك مرحلة جديدة من التفاعل بين الحضارتين العربية الإسلامية والسريانية( الأشورية )، ومن ثم بين (اللغتين). ففي ظل الدولة (الأموية( استمرت اللغة السريانية ( الأشورية ) لغة الدواوين والوزارات حتى عهد عبد الملك بن مروان، ولن تنتهي عملية التعريب حتى القرون الوسطى ما يدل على تفاعل حضاري بين (اللغتين) ، وسيطر السريان( الأشورية ) على كثير من قطاعات الدولة الحيوية كبناء الأسطول وجباية الضرائب، ونالوا امتيازات عديدة أخرى استمر الوضع على حاله طيلة عهد الدولة الأموية باستثناء فترة قصيرة من الاضطهاد قادها عمر بن عبد العزيز، غير أنه ومع زوال )الأمويين ) وقيام الدولة (العباسية) بدأت مرحلة أخرى ممثلة بمرحلة الترجمات، إذ كان العرب يجهلون اللغة اليونانية و الأشورية التي دونت بها أغلب المؤلفات الفلسفية والعلمية القديمة من كتب أرسطو وأفلاطون وغيرهما، ومع اهتمام الخلفاء خصوصا (هارون الرشيد وابنه المأمون ) بالعلوم، عهد بعملية الترجمة إلى السريان( الأشوريين ) فكانت الترجمات تتم على مرحلتين، من اليونانية إلى السريانية ( الأشورية) ومن السريانية ( الأشورية) إلى) العربية( كذلك فقد نقل العرب، الأدب السرياني( الأشوري) بكامله إلى لغتهم وقد اعترف المؤلفون العرب القدماء، كـ(ابن أبي أصيبعة، والقفطي، وابن النديم والبيهقي، وابن جلجل) وغيرهم، بقصة غزو العرب للأدب السرياني( الأشوري) والمؤلفات التي ترجمت عن السريانية ( الأشورية) إلى العربية في أرجاء الدولة العباسية والأندلس، وهكذا تأثرت العربية تأثرا مطلقا بالحضارة والثقافة والفكر الأشوري (السرياني) بكل بحورها الفلسفية والمنطقية وبنائها المعرفي والفكري، فهؤلاء السريان (الأشوريين) بعلومهم وثقافتهم وضعوا كل إمكانياتهم في تطوير مفردات اللغة العربية وقواعدها لتستوعب المفردات العلمية وعلوم الفلسفية بشكل دقيق فوضعوا أسس النحو والصرف والبلاغة فتوسعت اللغة العربية بشكل كبير على يد هؤلاء السريان (الأشوريين) بما كانوا يمتلكون من خبرة لغوية عالية في لغتهم الأصلية فنقلوها إلى العربية لتغنى بهذه العلوم ومن ثم لتصبح اللغة العربية تتنافس اللغات الأخرى كلغة حية لحجم تقبلها لمفردات العلمية التي استطاعوا خبراء السريان الأشوريين صياغتها وإخراجها في اللغة العربية وهكذا لتعود تطور اللغة العربية إلى أفضال هؤلاء السريان( الأشوريين) الذي بذلوا كل ما في وسعهم من اجل تطويرها وهو الأمر الذي كان له دور في قيام الثقافة الإسلامية التي نشأة في ظل بيئة خصبة بالعلم والمعرفة بيئة حضارتنا العربية المسيحية التي فتحت للفكر الإسلامي إفاقة في البلاغة ومنطق اللغة العربية من النحو والصرف والمعاني والبيان والبديع والشعر والخطابة وغيرها، وكل ما يتعلق بلفظة العلوم التي استنت عليها في بناء الذخيرة الثقافية في علوم التفسير وبلاغة والفقه والتدوين التي ارتقت بالمعنى اللغوي لعلوم القرآن – كما نوهنا مدى تأثر القران بالأدب واللغة السريانية ( الأشورية) - ليشمل كل علم خدم القرآن، أو أُخذ من القرآن، كعلم التفسير، وعلم التجويد، وعلم الناسخ والمنسوخ، وعلم الفقه الإسلامي، وعلم التوحيد، وعلم الفرائض، وعلم اللغة وغير ذلك. فالثقافة العربية المسيحية التي نشأة وترعرعت وتطوره بفضل ما استمدته من تاريخ حضارتها الضارب في عمق منطقنا الشرقية من حضارة وادي الرافدين وحوض النيل هي جذور التي دعمت الثقافة العربية والتي تميزت بها عن غيرها، فاللغة هي مرآة الثقافة وهي الوسيلة التي تستخدمها الشعوب للتعبير عن العناصر المختلفة للثَقافة من عاداتها وقوانينها وتقاليدها ومفاهيمها، ويوجد تكامل بين اللغة والثقافة، وكلاهما يكتسب بصورة اجتماعية، فالتكامل بين اللغة والثقافة على درجة كبيرة من الأهمية، وتبرز تلك الأهمية بوضوح في مجال تعليم اللغات عامة، وتعليم اللغة العربية على الخصوص، فمفهوم الثقافة هو مجموع القيم والمفاهيم التي تحكم سلوك الأفراد أو المجتمع في حقبة معينة من التاريخ وهذه اللغة المتجذرة بحضارة العربية المسيحية هي التي بنيت أفاقها الديانة الإسلامي بكون رصيدها التاريخي سبق مجيء الإسلام بآلاف السنيين، فاللغة العربية بخصائصها الثقافية العربية المسيحية هي من دعمت وساندت الثقافة العربية الإسلامية لدرجة التي تداخلت أركانها الثقافية فيما بينهما بشكل كبير بحجم تأثير الثقافة الإسلامية بثقافة اللغة العربية المسيحية بكونها استخدام اللغة العربية أصبحت ركنا أساسيا في الكتابة والمحاورة ليكون تأثير اللغة على المسلمين كبيرا جدا بكون اللغة العربية فتحت أفاقها بما أغنتها الثقافة المسيحية في الشرق على علومها، هذه العلوم هي التي مهدت أصالتها في اللغة القران الكريم التي هي لغة الإسلام، لترتبط اللغة العربية في حياة المسلمين ولتصبح هوية الأمة كما كانت وما زالت هوية مسيحيي الشرق وتمثل لهم كما للمسيحيين هوية لديمومة الحياة, وتمثل كذلك عمقها الإيماني وعمقها الروحي, وارتباطها التاريخي, فأنت لا تستطيع أن تميز أو أن تفصل بين الأمة العربية المسيحية الإسلامية وبين اللغة العربية التي يتكلمون بها، إلا إذا أمكنك أن تفصل بين الروح والجسد, فهي لغة تمتزج بكيان الأمة, وتستمد الأمة منها سيادتها وتميزها وهويتها وعمقها الحضاري. وهكذا لعبوا المسيحيين دورا بارزا في الحياة العامة بعد طهور الدولة الإسلامية بعد نشر الديانة الإسلامية في المنطقة وقد برزت مساهمة القبائل المسيحية إبان الفتوحات العربية، وفي تثبيت أركان الحكم، وبقيت المجتمعات المسيحية على ديانتهم ولم يحاول المسلمين اضطهادهم في وقت الذي كان بإمكانهم إن يفعلوا ذلك ولكن الثقافة الإسلامية والتي عرفت بها ظلت متفتحة لشعوب المنطقة التي دخلوا فيها بل نراهم - كما ذكرنا - وقفوا بجانب مسيحي الشرق اثر اضطهاد الذي قادته الإمبراطورية والكنيسة البيزنطية ضد مسيحي الشرق من السريان( الأشوريين )الشرقيين، وهذا الأمر مهد لهم نشر الإسلام وتوسعوا في فتوحاتهم، فلو كانوا المسلمون استعملوا القوة والاضطهاد، لما كان بإمكانهم وصول إلى ارض صين واسبانيا...! وهكذا تفاعلوا وتعاونوا مع مسيحي كل المناطق التي وصلوا إليها فقد تعاونوا مع أقباط مصر وموارنة لبنان وأشوري عراق وسوريا وتغالبه الجزيرة، وكان مسيحيو الشام من القبائل التغلبية يشكلون سندا لجيش (الأمويين) ، وقد اعتمدت الدولة الإسلامية على المسيحيين في إدارة الدولة ودواوينها منذ نشأتها، فقد كان للمسيحيين العرب دور بارز في العصر (الأموي(، في إنشاء الدواوين فاستفاد الأمويون والعباسيون في تعريب الدواوين والإدارة وأبقوهم على رأس وظائفهم، فقد شغل المسيحيون في العصر الأموي وظائف هامة، فكان منهم أطباء ووزراء وشعراء، فقد عين) معاوية) الطبيب (ابن أثال) واليا على ولاية حمص، وكان (منصور بن ياسر سرجيون ) وزيرا، وكان طبيبه الخاص عربيا مسيحيا، كما وتقلد بعض المسيحيين الوزارة كـ(سعيد بن ثابت)، وكان شاعر البلاط في عهده) الأخطل) الذي كان ثالث أشهر شعراء (النقائض) مع )جرير والفرزدق)، وكان منهم أيضاً حرفيون مهرة، كما شارك عدد غير قليل منهم في بناء الجامع (الأموي الكبير)، الذي أمر الخليفة)الوليد بن عبد الملك) ببنائه، وعين )سليمان بن عبد الملك( كاتبا نصرانيا في ديوانه الخاص، كما عين (المأمون( العباسي (اسطفان بن يعقوب) مديرا لخزينة الخليفة، وتم تقليد ديوان الجيش لمسيحي مرتين، وشغل (سعيد بن ثابت) وزارة، وتولى (عبيد بن فضل) قيادة الجيش، وكان (عيسى بن نسطورس ) وزيرا في بلاط (العزيز) الخليفة الفاطمي، وكان لعضد الدولة وزير نصراني اسمه (نصر بن هارون)، وكذلك كان الحال أيام) الدولة العباسية( فقد لعبوا المسيحيين خاصة السريان من اليعاقبة والنساطرة دور مهم في الترجمة والعلوم، وأدت الترجمة مهمة رئيسة في ازدهار الحضارة العربية الإسلامية، وقد أتقن والمسيحيون العرب فن الترجمة واستوعبوا محتويات الكتب المترجمة، بعدما عربوها وأعادوا صياغتها وطوروا مضمونها وأجروا عمليات نقد عليها وأعادوا إنتاج الثقافات السابقة لهم ووضعوها بين يدي العالم في ما بعد، فلقد ترجم المسيحيون من اليونانية والأشورية(السريانية) والفارسية، واستفادوا من المدارس التي ازدهرت فيها العلوم قبل قيام الدولة العربية خصوصا مدارس( رها ) ومدن نصيبين وجنديسابور وانطاكية والإسكندرية فهذه المدارس المسيحية والتي تخرج منها فلاسفة وأطباء وعلماء ومشرعين ومؤرخين وفلكين، وحوت مستشفى ومختبرا ودار ترجمة ومكتبةً ومرصد، واشتهر من المترجمين (شمعون الراهب) و (جورجيوس أسقف حوران) و(جوارجيوس) و (جبريل بن بختيشوع ( الذين اشتهروا في الطب خصوصا، وبقيت أسرتهم (آل بختيشوع( مسؤولة عن الطب في الدولة العباسية طوال ثلاثة قرون، وخدم أبناؤها كأطباء خاصين للخلفاء العباسيين، وعين المأمون) يوحنا بن ماسويه) الذي ترجم وألف خمسين كتابا رئيسا لبيت الحكمة وكان أبوه أيضا طبيبا) وحنين بن إسحق( كان أيضا رئيسا لبيت الحكمة ومن بعده ابن أخته) حبيش بن الأعسم)، وقد ترجم) حنين بن إسحق) خمسة وتسعين كتابا و (سعيد بن البطريق) وله عدد من المصنفات و(قسطا بن لوقا)، وقد عين المأمون) يوحنا بن البطريق( الترجمان أمينا على ترجمة الكتب الفلسفية من اليونانية والسريانية(الأشورية) إلى العربية فترجم كل كتب أرسطو وأبقراط، ومنهم أيضا (إسحق الدمشقي) و(يحيى بن يونس) و(الحجاج بن مطر) و(عيسى بن يحيى) و(يحيى بن عدي) و(عبد المسيح الكندي) وقد ترجموا وألفوا في الفلسفة والنواميس والتوحيد والطبيعيات والإلهيات والأخلاق والطب والرياضيات والنجوم والموسيقى وغيرها، و يشير عدد من الباحثين بنوع خاص إلى تطور الفيزياء في اللغة السريانية (الأشورية) وكان لترجمتهم كتب الفلسفة إلى العربية أثر كبير في ظهور )فرق المعتزلة( التي تجعل من العقل الحكم الوحيد في تفسير أحكام الشريعة الإسلامية، كما واسهم الأقباط بدورهم في التطور العلمي، فهم الذين قاموا بالدور الأساسي في بناء الأسطول العربي في بداية العصر الأموي، وهم الذين أقاموا دار الصناعة في الإسكندرية، ودار الصناعة في تونس، وذهب عدد من العمال الفنيين الأقباط إلى الشام للهدف نفسه. وقد وصف الجاحظ وضع المسيحيين خلال العصر العباسي قائلا : "إن النصارى متكلمين وأطباء ومنجمين وعندهم عقلاء وفلاسفة وحكماء... وان منهم كتاب السلاطين وأطباء الأشراف والعطّارين والصيارفة... " وفي الثقافة العباسية الشعبية ظهرت العديد من الشخصيات المسيحية الفلكلورية الأسطورية في مجموعة متنوعة من القصص الشعبية والأشعار منها على سبيل) ألف ليلة وليلة( التي تحتوي على شخصيات أدبية مسيحية خيالية مشهورة منها السمسار القبطي والخطاط السرياني(الأشورية) وحكاية الأميرة شيرين ورهبان عمورية وتتكرر شخصية الطبيب والتاجر المسيحي بكثرة وتضمنت الشخصيات المسيحية الخيالية مسيحيين من بغداد وسائر العالم الإسلامي ومن روم الإمبراطورية البيزنطية. فأين هؤلاء المسلمين الأمس من مسلمي اليوم الذين يدرون ظهورهم عن إحداث التاريخ وعن علاقة الأخوية بين المسيحيين والإسلام على مر التاريخ لينشغلوا اليوم وليكون همهم الأول والأخير في إصدار فتاوى يجيزون إهدار دم المسيحيين وهذا الأمر قاد الكثير من فصائل الإجرامية من تنظيم دولة الإسلام بكتابة على منازل المسيحيين حرف (ن) رمزا لكون الدار يسكنه نصراني ليتم لاحقا تصفيتهم. فأين هؤلاء من أولائك الإسلام الذين كانوا يكنون كل الاحترام والتقدير للمسيحيين ويدافعون عنهم وعلى مقدساتهم، ومع كل ما تقدم أننا لا نذكر دور المسيحيين في العصور الحديثة لأنه بغنى عن التعريف ولكن أحببنا فحسب تسليط الضوء عما كان المسلمين الأوائل من أخلاق وفضيلة وحسن تعامل مع الأخر، وقط لم نسمع في تاريخ الإسلامي اعتداء على مسيحيي الشرق لكونهم لا يؤمنون بديانتهم الإسلامية ولم نسمع قط اعتداء على دير او كنيسة في كل بلدان التي دخلوها الإسلام . هكذا كان تأثير مسيحيي الشرق في روح ووجود هذا الشرق ومن هذه الحقيقية التي يحاول البعض طمس معالمها على حساب تهميش دور المسيحيين العرب على الثقافة الإسلامية العربية التي أحيت علومها وفنونها وكان لهم الدور الكبير في النهضة العربية بصورة عامة، وما ذكرناه هو (غيض من فيض) لا يمكن لنا سطرها بأسطر هنا ولكن فقط أحببا إن نشير إلى صفحة من تاريخ يحاول هؤلاء المتطرفين الإسلام التغاضي عنها وربما بصيرتهم أعمتهم بكونهم لا يبصرون ابعد من مسافة ظلال أجسادهم. فان كان العنف الذي يمارس ضد مسيحيي الشرق الأوسط لمن اليوم يعلن حربة ضد مسيحيي الشرق باسم الدين الإسلامي فان السلام الحقيقي والوسطي براء منهم، لان ما يقومون به هؤلاء المسلمين المتطرفين من أفعال مشينة لا تسيء على الإسلام فحسب بل تسيء إلى الديانة الإسلامية والثقافة الإسلامية واليوم على الساحة (العربية الإسلامية) الكثير من علمائها أصبحوا يدركون خطورة ما ألت إليه أوضاع المنطقة، وعلى الإسلام تحديدا قبل المسيحيين بكون الرسالة الموحية من نشر الفكر المتطرف ينسب او بالأحرى يفسر في الغرب بكونه مرتبط بالثقافة إسلامية وهذا خطا لأننا كمسيحيي الشرق تخندقنا مع الإسلام قرون طوال ولم نشهد مثل هذا التطرف في فكرهم إلا في أيامنا هذه بعد مد هذه الموجة التي أخذت زمامها زمر إرهابية توصف نفسها بفصائل (الدولة الإسلامية الداعشية وأذيالها ) أخذت من الدين ستار لنشر ثقافة العنف ضد مسيحيي الشرق، ومن هنا فان الإسلام المعتدل والوسطي معني بمواجهة هذا ألأمر للحد من مدها وفضح نواياهم الحقيقية بكون هناك أيدي عابثة من خارج المنطقة تدير تحركاتهم ويدفع بهم لهذا المنزلق الخطير ولتخريب ولتمزيق هوية الشرق الأصيل، الذي بات اليوم مهمة ومطلب جماهيري إسلامي عربي قبل ان يكون مطلب لمسيحيي الشرق لوقف هؤلاء عند حدودهم واستئصال فكرهم ووجودهم من ارض المشرق، ومن هنا فإننا كمسيحيي الشرق علينا ان نصمد على أرضنا مهما كانت الصعوبات، وقد وفق التعبير كل التوفيق سيادة المطران يازجي حين قال : "لن ندخر سبيلا للبقاء في أرضنا والدفاع عنها، وسنقرع أجراسنا في هذا الشرق ما دام فى عروقنا دم يجري". نعم سنقرع أجراسنا فى هذا الشرق ما دام فى عروقنا دم يجري سنقرع أجراسنا في دمشق .. وبغداد .. وبيروت .. والقاهرة .. وعمان .. و قدس .. وفي كل بقعة من بقاع الشرق فنحن امة شرقية بمسيحيتنا بطباعنا بأخلاقنا ، فمسيحيتنا علمتننا الوفاء والصدق والإخلاص والمودة والوفاء والأمانة والمحبة والتآخي والخير والنبل ، ولن نترك أرضنا وشرقنا الذي أحببناه بما زرته المسيحية في نفوسنا من قيم الفضيلة والأخلاق. لن نترك شرقنا لأننا خدمنا فيه بجد وجهد من اجل إعلاء شئنه، وما ارتكبنا جرم ولم نؤذي احد وقد قدمنا في سبيله ملاين شهداء دفاعا عن أوطاننا وكفاحا لتحيرها من الاستعمار، فبدماء أبنائنا الزكية سقينا كل بقعة من ارض الشرق وسعينا وجاهدنا لبناء أوطاننا بما يرضي الله وضميرنا . نعم لن نترك أوطاننا ما دام في عروقنا دم يجري وسنسعى لبناء المحبة والسلام هذا هو مبدئنا وشعارنا في الحياة نحن مسيحيي الشرق، وسنمضي قدما في بناء أوطاننا مرفوعي الرأس شامخين بقيم المروءة والشهامة والعزة والافتخار وسندافع وسنضحي في سبيل رفع شان أوطاننا في الحرية والسلام دون تردد ودون غشية لان رسالتنا هي بان (الدين لله والوطن للجميع) ولأننا هنا ولدنا .. وهنا عشنا وتربينا .. وهنا تعلمنا وتثقفنا .. فهنا فحسب سنموت وسندفن بجنب قبر سيدنا المسيح (ع) على ارض الإباء والأجداد وسنقرع أجراسنا في هذا الشرق ما دام في عروقنا دم يجري لن نهاجر ولن نترك أوطاننا والشرق الذي أحببناه .
#فواد_الكنجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
استهدف مسيحيي سوريا ليلة العام الجديد
-
وقفة لاستقبال العام الجديد
-
الإرادة العراقية لتحرير الانبار وباقي المدن من الإرهاب
-
ليواجه العراق العدوان التركي بقطع وتحويل مسار النفط إلى سوري
...
-
البرلمان العراقي وشجرة الميلاد
-
الأشوريون بين متطلبات الواقع والعمل القومي
-
الغزو التركي للأراضي العراقية عدوان صارخ ضد سيادة العراق
-
الاغتراب
-
الرأسمالية و فلسفة التشيؤ
-
باريس تحت صدمة الإرهاب الدواعش
-
زلزال حب يرقصني و اراقصه
-
ما هو المطلوب من الأشوريين في هذه المرحلة
-
قانون البطاقة الوطنية إجحاف بحق مسيحي العراق
-
حالات عشق خطره
-
كل الحقائق عن التظاهرات العراقية
-
الإرهاب يعدم كوكبة من أشوري سوريا .. ويهدد بالمزيد ....!
-
أيها المسؤولون .. الشعب يريد ان يعيش ...!
-
لنحافظ على مكتسبات شعب إقليم كردستان
-
انتخاب بطريركا جديدا لكنيسة المشرق الأشورية وعودة كرسيها إلى
...
-
باسم الدين سرقونا الحرامية، ابرز شعارات العراقيين المتظاهرين
...
المزيد.....
-
الثلوج الأولى تبهج حيوانات حديقة بروكفيلد في شيكاغو
-
بعد ثمانية قرون من السكون.. بركان ريكيانيس يعيد إشعال أيسلند
...
-
لبنان.. تحذير إسرائيلي عاجل لسكان الحدث وشويفات العمروسية
-
قتلى وجرحى في استهداف مسيّرة إسرائيلية مجموعة صيادين في جنوب
...
-
3 أسماء جديدة تنضم لفريق دونالد ترامب
-
إيطاليا.. اتهام صحفي بالتجسس لصالح روسيا بعد كشفه حقيقة وأسب
...
-
مراسلتنا: غارات جديدة على الضاحية الجنوبية
-
كوب 29: تمديد المفاوضات بعد خلافات بشأن المساعدات المالية لل
...
-
تركيا: نتابع عمليات نقل جماعي للأكراد إلى كركوك
-
السوريون في تركيا قلقون من نية أردوغان التقارب مع الأسد
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|