أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - نضال نعيسة - عصافير لا تطير














المزيد.....

عصافير لا تطير


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 1372 - 2005 / 11 / 8 - 10:53
المحور: حقوق الانسان
    


كان لدي عصفور أخضر جميل "مخفور" في قفص صغير,وكنت أوصي الصغار دائما بضرورة تجنب فتح القفص كي لا يهرب الطائر الصغير الذي كان مصدر سعادة وسرور ولهو للاطفال. وطال احتجازه في البيت الجديد فترة لابأس بها من الزمن ,كانت كافية لأن تقتل فيه الحياة ,وتجعله غير ما كان .وبعد فترة قررنا إطلاق سراحه ,بدون مرسوم جمهوري,ليحلق في الفضاء الرحب الطبيعي مرة أخرى.وكانت لحظات الوداع ,وخاصة بالنسبة للأطفال ,مهيبة ,خاشعة ,وصامتة ,وفيها مشاعر متباينة,وغامضة.وهنا كانت المفاجأة الكبرى حيث أبى ,وتمنع, ولم يعد قادرا على الطيران,ورغم محاولات دفعه العديدة لفعل ذلك, بعد أن تيبس جناحيه وضمرت عضلاته,وتعطلت آليته الحركية طويلا. وذهب استنفارنا الأمني أدراج الرياح ,وكل وصاياي للأولاد لم تكن ذات نفع أمام الوضع الصاعق الذي اكتشفناه,وقرأت في عيونهم نظرة لوم وعتاب.

ويبدو أنه استساغ وضعه وتآلف معه ,واصبحت الحرية ,بالنسبة له , شيئا غريبا تماما ,لا تعني له شيئا على الإطلاق. وفي كل يوم كان الصغار يلهون به بالعصفور ,كان يموت لديه نذر يسير من ذاك الشعور بالحرية وبالحياة,وهكذا مع توالي الأيام وانقضائها نسي ماهية الطيران وما معناه,وما معنى أن يكون الكائن عصفورا ,وأدمن أن يكون مسجونا وفوق رأسه سجان,يحصي عليه الأنفاس .لا بل قد يرفرف أحيانا ,فرحا,حين يأتيه السجان.ونسي تماما كيف تحلق العصافير في الأجواء,وأذعن لقدره وهذا المصير.وكلما كان يهمّ بمحاولة طيرانية جديدة كان يخرّ على الأرض خائبا ,وحزينا,ومكسور الخاطر والجناح,وفي عينيه قهر ,ودمعة محبوسة . وفي كل مرة كنا نحاول دفعه نحو السماء كان يعود لوحده ,ويعتريه الحنين إلى القفص ,وإلى عشه الاصطناعي الذي أنساه وضعه الطبيعي.وحين تتغير هوية الكائن الحي لابد سيحصل تغيير في سلوكه.

وليست العصافير وحدها التي تحبس وتعاني من الأسر والتغييب. فهناك أمم,وشعوب حبست طويلا بأقفاص كبيرة ,وسجون,وقضبان من الحديد لعقود طويلة ,فقدت فيها الإحساس بالزمن المتحرك من حولها وبالمتغيرات التي تجري حولها ,وبالعالم الذي كان يتطور كل يوم ,ويأتي بشيء جديد. وحين تنال حريتها دفعة واحدة فقد لاتعرف بأي اتجاه تسير,وإلى أي فضاء تطير .وتصاب,كما الإنسان, بتكلس المفاصل,وتيبس الجهاز الحركي , ويعتريها ,أيضا,داء الخمول والكسل بعد أن تتعطل عقودا أو قرونا,وتتوقف عن إنتاج الأفكار ,وتموت عندها رغبة الإبداع,وتبقى عقودا طويلة تجتر مالديها من زاد ثقافي ,وإرث فكري,قد يكون قاصرا على مواكبة المتغيرات ,بحجة الحفاظ على إرثها الفقير الذي لم يفلح في الماضي ,حتى يفلح في هذه الأيام,ولم تثبت نجاعتها في سالف الزمان.وقد لا تعرف كيف تسير حين تحاول ذلك ثانية,وربما تحتاج لوقت طويل كي تعود إلى سيرتها الأولى بعد أن تكون قد تعطلت أهم وظائفها الحيوية تماما,وتتحول إلى هياكل متحركة بدون روح أو تجديد.

وحين يمكث الإنسان فترة طويلة في الظلام ,ثم يخرج فجأة,ليواجه النور الوهاج دفعة واحدة فإنه قد يتأذى ,ويصاب بتلف خطير في أجهزة الرؤية قد تصيبه بالعمى الكامل,وقد يكون عند ذاك بقاءه في الظلمة أيسر ,وأفضل له بكثير.والآن تجري محاولاة خجولة لإطلاق سراح بعض العصافير التي قبعت طويلا في أقفاص أجهزة متجبرة لا ترحم,كانت لهم بالمرصاد ,سامتهم المر,والقهر ,والعذاب,وأخشى ما يخشاه المرء ألا تستطيع هذه العصافير من إعادة التحليق مجددا في الفضاء الأثير,ولاسيما بعد أن غابت الأسراب الأخرى في آفاق بعيدة,ودخلت مجرات جديدة قد لا تسطيع تلك العصافير الأسيرة أن تلحق بها في وقت قريب.وما معنى أن يتحرك الإنسان ولكن كل شيء في داخله معطل ,وليس فيه أدنى إحساس أو أي نوع من الحياة؟ وعندها تكون قد ماتت مرتين ,المرة الأولى حين استبيحت حريتها وتسلط عليها القراصنة ,والأخرى عندما فشلت في إعادة النهوض والعودة إلى التحليق,وعند ذاك قد يكون بقاءها في الأقفاص القديمة أفضل ألف مرة من محاولاتها للطيران , تماما كما حل بعصفوري الجميل.

ومن أكبر مآسي الحياة,وأفظعها, أن يموت كل شيء في داخل الإنسان وهو لا يزال على قيد الحياة.



#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ربيع سوريا الواعد
- أيه حكايةالأمراض النفسيةالماشية في البلد اليومين دول؟
- ديبلوماسية الكوارث
- كل عام وأنتم بلجنة للتحقيق
- الملاليس
- فليُسعدِ النَطْقُ إنْ لم تُسعدِ الحالُ
- إنهم يورطون الرؤساء
- سوريا العلمانية
- الغائب الأكبر
- دراويش الفضائيات
- علام يراهن السوريون
- السيناريو الأسوأ للسوريين
- مضادات الاكتئاب السورية
- خوارج السياسة,وكفار الأديان
- القصة الكاملة للرسائل شفهية
- إعلان قندهار
- تفكيك الحرس القديم
- أكثم نعيسة:تكريم يليق بالأبطال
- علماء النفس السوريون
- رسائل شفهية*


المزيد.....




- الأونروا: النظام المدني في غزة دمر تماما
- عاصفة انتقادات إسرائيلية أمريكية للجنائية الدولية بعد مذكرتي ...
- غوتيريش يعلن احترام استقلالية المحكمة الجنائية الدولية
- سلامي: قرار المحكمة الجنائية اعتبار قادة الاحتلال مجرمي حرب ...
- أزمة المياه تعمق معاناة النازحين بمدينة خان يونس
- جوتيريش يعلن احترام استقلالية المحكمة الجنائية الدولية
- العفو الدولية: نتنياهو بات ملاحقا بشكل رسمي
- مقرر أممي: قرار الجنائية الدولية اعتقال نتنياهو وغالانت تاري ...
- جنوب السودان: سماع دوي إطلاق نار في جوبا وسط أنباء عن محاولة ...
- الأمم المتحدة تحذر من توقف إمدادات الغذاء في غزة


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - نضال نعيسة - عصافير لا تطير