أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صلاح عيال - ثلاث اغنيات لمائدة نزهت














المزيد.....

ثلاث اغنيات لمائدة نزهت


صلاح عيال

الحوار المتمدن-العدد: 5012 - 2015 / 12 / 13 - 20:20
المحور: الادب والفن
    


ثلاث أغنيات لمائدة نزهت
صلاح حسن عيال
قصة قصيــرة
تتذكر جيدا، حينما هوت قدماها من الحافلة تجاوز عمرها التسع سنوات وكان والدها ‏النحيف والطويل وقد نادى السائق الهائم بصوت الراديو، أغنية مائدة نزهت (توب منهم ‏بعد لا تحاجيهم بعد توب.. منهم) حقا، كانت تتغزل بالزعيم عبد الكريم قاسم.. ورغم ‏أن السائق لم يستجب للنداء سبقت والدها لتكون أول من يهبط من الباب المفتوح. قبل ‏ذلك لم تتوقف الحافلة الحمراء، بل توقفت سيارة الإسعاف أمام مستشفى المدينة العام. ‏كان أبوها قد احتفظ بشريط ضفيرتها الأبيض الذي نزعته الممرضة السمراء لتحكم ‏ضمادة الرأس وتجبّر ساعدها اليمين.‏
بهدوء، وضع فرشاة الرسم ونشر ألوان الزيت على منضدة صغيرة بعد أن أقعدها مثل ‏أم رؤوم على كرسيه الصاج ليكمل تخطيطات صورة أمها الغائبة منذ عام. كان ‏شعرها الناعم حنيا وقصيرا، لم يبلغ الكتف غير أن ابتسامتها وعيناها السوداوان على ‏غير العادة أربكته كما أربكته اللطخات الحمراء على أرض اللوحة أو الدم النازف من ‏طعنات أخيها.. ما أكمل لوحته. لم تسأل يوما ما سر القتل. ‏
الآن...، فتحت صندوق الخشب لتوزع أشياءه، الحصان الخشب. الفيل الأسمر من ‏الخشب أيضا. نَسيت كرتين صغيرتين وحلية أختها الأصغر، آخر العنقود.. ولكونها ‏الأكبر بين أخواتها الثلاث والأصغر من أخويّها تركتهما يأخذان ألعابهما.. بينما هي ‏التي دار في خلدها أن تعترض عليهما فتحت الشريط الأبيض المبقع بدوائر الدم ‏المتيبس، كانت خشبة غير منتظمة سوداء أو هكذا رأته ندى الرشيقة إذ ودّعت والدها ‏المحب كسائق الحافلة لأغنيات مائدة نزهت. ‏
‏***‏
تتذكر جيدا، صباحا وقبل الثامنة بدقائق كيف اندفع الموظفون والموظفات باتجاه شباك ‏صندوق غرفة الرواتب. ثمة من انسحب عن رؤية المنظر المقزز أو استجاب لصراخ ‏ندى.. استُدعي الحرس عند باب الدائرة الرئيس الذي اقفل بأمر من مدير الإدارة، عدم ‏السماح بالمغادرة لأي موظف، أن محاولاته لتهدئة الموقف واتصاله بالجهات المسؤولة ‏لم تجدِ نفعا. فالتأكد من القتيل الذي لم يره أحد. دم سائح تحت مكتب المحاسب ووسط ‏الغرفة المغلقة الباب. ‏
غُسل المكان ورفع الأثر، رتب كل شيء غير أنها امتنعت الدخول إلى غرفتها. في ‏الغرفة المجاورة وأمام والدها الذي هيئا نفسه لأجراء معاملة التقاعد رفعت خصلات ‏شعرها الأسود وقد تركته مسرّحا على كتفها النحيف. ثمة ندبة تحت حنكها اليمين ‏والغمازتان يمنحانها أنوثة دفعت حسنين، زميل والدها في الغرفة إلى قص النظر لأكثر ‏من مرة. كان الوحيد في مديرية ماء البصرة لم يثره منظر الدم في غرفة المحاسب ولم ‏يكترث للغط والتأويلات، بل ضحك على غير عادته وبصوت عال تاركا الجميع في ‏دوامة. ‏
الآن...، لم ترفع ندى خصلات شعرها الأبيض عن جسده، دمه النازف من رأسه ‏وبطنه. عشرة أطلاقات أردته قتيلا على جسر شريطها الأبيض وسائق الحافلة وأغنية ‏مائدة نزهت ربما كانت(حلوين نحبهم والله نحبهم.. والله نحبهم..) ووالدها الذي سأله ‏عن الضحكة بصوت عال وكيف عرف أن قنينة حبر الرونيو قد نشرت لونها الأحمر.. ‏
لم تذكر ذلك لولدها الوحيد. لم تقل انه يفقد الوعي.. عند رؤية الدم يُغمى عليه.‏
‏***‏
كأنه ومنذ السنوات الأربع التي حكمها كان الزعيم عبد الكريم قاسم نائما. جسدا ممددا ‏على الأرض وممزق بالرصاص. الدماء التي التحفته لم تظهر ملامحه. كان رأسه ‏المهشم متكأ على الحائط ويداه متباعدتين، أحداهما كقدمه اليمين مندفعة تحت مكتبه ‏الصغير. ما ظهر حذاءه العسكري ولا صورته المكسورة الزجاج، ثمة صحيفة غطت ‏جزئها العلوي وبعض من مجلة مفتوحة على صورة غير واضحة لمطربة..، ربما ‏سحقتها أقدام العسكر. لا أثر لمسدسه. لا لون للغرفة المقفلة.‏
‏(حياك يا بو حلا يا بو حلا.. حياك يا بو حلا...) تخفض صوت التلفاز وتدير جسدها ‏لتغيّب حركة العسكر والدبابات وصورة السلطان المتكرر ومائدة نزهت لتجد في كفها ‏اليمين المفتوحة وأصابعها المنفردة ضالتها، تحاول أن تنزل بيدها الأخرى الإصبع ‏الوسط، لعل بصرها الضعيف يتابع خطوط حياة الأربعين المتشابكة، الممتدة أو ‏المقطوعة. كانت الكف المنكمشة بعض الشيء تؤكد غياب وحيدها الذي لم تدفنه. كان ‏قد أُرسل أو صار جسده قرصا ومحفظة نظيفة، بلا دماء.‏
الآن..، وقبل أن يوضع جسدها في تابوت لا يشبه صندوقها والتابوت في عربة يجرها ‏صبي بين قبور مزدحمة تفتح صندوقها الخشب، بل تهشمه تلملم أشياءه أو تنثرها، ‏شريط ضفيرتها الأبيض بقعه لم تشبه الدم. صورة الأم الهاربة من بغداد مع أبيها. ‏خنجر خالها. لا شيء لحسنين أو لأطلاقاته. ابنها البكر يعرف أن أباه عاشق الزعيم ‏وكان شيوعيا.. لم يسمع الأغنية. ‏
البصرة/ 2013‏



#صلاح_عيال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مدفأة علاء الدين
- كيورش/ رواية
- قصة قصيرة
- سيدة من طهران
- ادباء العشيرة
- حديث الابواب
- فريديريك انجلس في سنجار
- ريتا والسيد الخوئي وداعش
- الانثى التي اصبحت ذكرا رواية-1


المزيد.....




- -جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
- -هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
- عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا ...
- -أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب ...
- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صلاح عيال - ثلاث اغنيات لمائدة نزهت