|
علوم الهندسة والتطرف الديني
مهتدي الأبيض
كاتب وباحث اجتماعي
(Muhtadi Alabydh)
الحوار المتمدن-العدد: 5006 - 2015 / 12 / 6 - 18:46
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
نُشرت صفحة على الفيسبوك أسمها هل تعلم؟ معلومة مفادها ان 60% من الإرهابين الذين قبضوا عليهم حول العالم هم من حملة شهادات الهندسة. وهذا الأمر ليس بجديد فقد كشفت ذلك المخابرات الدولية بأن كثير من قيادات تنظيم القاعدة الإرهابي هم من حملة شهادات الهندسة، علماً إن اسامة بن لادن حاصل على شهادة الهندسة المدنية، فحاولت ان استطلع الرأي عن ذلك فنشرتُ منشور على صفحتي الخاصة بالفيسبوك عن هذا الموضوع لأستطلع آراء الباحثين حول ذلك، فقلت ما العلاقة بين الهندسة والتطرف الديني؟. وسأعرض أجابتين من باحثيّن سوسيولوجييّن لسؤالي هذا. الأول قال (استاذ مهتدي، السبب المرجح لان يكون العديد من قيادات الارهاب هم من ذوي التخصصات الهندسية، ناجم عن كون تخصصات الهندسة تتطلب تفوقا علميا، ما يعني ان اصحاب هذه التخصصات يشعرون بتفوقهم وتمايزهم وبالتالي رغبتهم بالقيادة في الفضاءات والمجالات التي يطرقونها، والاعمال التي يشتركون فيها. اضافة الى تقدير المجتمع لهم حالهم حال اصحاب التخصصات الطبية واصحاب الشهادات العليا. الإجابة هذه لتفسير ان غالبية من ينتمي الى التنظيمات الارهابية الذين يحملون مؤهلات هندسية يتصدون لقيادة التنظيمات، وليس اجابة لسؤال لماذا ينتمون؟ تحياتي صديقي العزيز) فالباحث هنا حلل الموضوع كونهم داخل التنظيم الإرهابي ولم يحلل لماذا انتموا للتنظيم أساسا؟، ونحن بصدد فك الشفيرة بين الهندسة والدين بصورة عامة والتطرف منه بصورة خاصة. أما الثاني قال (سيد مهتدي لقد تعلمنا في علم الاجتماع النسبيات وليس المطلقات وبالتالي ليس من الشرط ان يكون الجانب المعرفي للانسان الدافع الوحيد للتعصب فهنالك الكثير من العوامل الضاغطة منها الانتماء الطائفي لمجتمع الانسان ومدى تاثيره في التنشئة فضلا عن العوامل النفسية وبالتالي قد يكون للجانب المعرفي دورا مشتركا مع العوامل الاخرى اما بالنسبة للاختصاصات العلمية والهندسية قد يلعب جانب التقليد والمحاكاة دورا اساسيا في انتماء الاشخاص الذين يتخصصون في هذه العلوم لاسيما ان القادة المؤسسين لهذه الحركات هم ممن لديهم تخصصات علمية كالطب والهندسة لان هذه الحركات اسست بتدخل الدول الغربية ولكي تضفي على هذه الحركات مقبولية اجتماعية فقد سعى الغرب لان يكون مؤسسي هذه الحركات الارهابية يتمتعون بمستوى علمي ذا وجود اجتماعي قوي وبالتالي فذلك يعد من العوامل الاساسية في انتماء اغلب الشباب الذين يحملون شهادات في التخصصات العلمية). أرى ان هذا التحليل ليس واقعياً بما فيه الكفاية فالباحث هنا يقلل من الجانب المعرفي للموضوع بينما اليوم إن علم اجتماع المعرفة هو المتصدي لتفسير الظواهر الاجتماعية، اما تحليل الباحث يبدوا كلاسيكيا، فالامر ليس له علاقة بالتدخل الغربي والمحاكاة الاجتماعية بشكل مباشر، فالمجتمع لا يعرف القادة كونهم مهندسين بل يعرفهم انهم رجال دين متطرفين أو ارهابين بينما تم التعرف عليهم أنهم مهندسين من خلال المخابرات والتحقيقات الجنائية هذا من جانب، ومن جانب آخر ان العلاقة بين الهندسة والدين لا تكون في الجانب الأرهابي فحسب، بل لها علاقة في كل مذاهب الدين الأسلامي فكثير من رجال الدين الكبار الشيعة مثلاً هم من حملة شهادات الهندسة والمجتمع لا يعرف هذا الأمر، فأين دور المحاكاة هنا، إذن ان المسألة تكمن هو في طبيعة العلوم الهندسية والدينية. فالتاريخ البشري يخبرنا بأن هذه العلاقة قديمة جداً، فأقدم بدايات مدونة للهندسة الرياضية نسبت لحضارة مصر القديمة والحضارات القديمة في بلاد الرافدين 200 سنة قبل الميلاد. وكانت هذه المدونات الهندسية عبارة عن مبادئ أساسية تتمثل في حساب الأطوال والزوايا والمساحات والأحجام والتي كانت ضرورية للتطبيق العملي في البناء وعلم الفلك. وأقدم المدونات الهندسية الرياضية هم بردية ريند الرياضية المصرية والمقدر عمرها (2000-1800 قبل الميلاد) وبردية موسكو الرياضية (1890 قبل الميلاد)(هندسة رياضية، ويكيبيديا الموسوعة الحرة) والمجتمع المصري والرافدي القديم هم مجتمعات دينية بحته، فما السر في الارتباط الوثيق بين الهندسة والدين؟. إن الفلسفة اليونانية اهتمت في النظر للكون وتفسيره فلسفياً، لذلك فأن افلاطون تأثر في تعاليم وافكار فيثاغروس، وكانت تعاليم فيثاغروس رياضية تهتم بالعدد والهندسة، وسبب اهتمامه، هو أنه بواسطة الحساب يمكن الانتقال من الواقع العيني المتغير والزائل، الذي يخضع للكون والفساد إلى العالم الذهني والدائم القار، الذي يعلوا على كل شيء، وفي هذا العالم العددي الذهني يكمن ويوجد اليقين، فالرياضيات هي تنقلنا من عالم الحس إلى عالم العدد وصولاً إلى عالم المثل إذن الرياضيات لدى أفلاطون هي المدخل الضروري لكل من إراد الوصول إلى نظرية المثل. وحسب نيتشه فإن فيثاغروس لا يمثل نموذجاً فلسفيا إيجابياً، لأنه جمع بين التصوف والفلسفة، وبالتالي فإن فلسفته ليست نقية، فالتصوف بعلم الإنسان كيفية التخلي التدريجي عن الجسد والنشوة، والتخلي عن الحياة في نهاية المطاف. (عبد الكريم عينات، نيتشه والأغريق، ص147-150). لذلك أفلاطون استعان بالهندسة وابدى اعجابه فيها ودمجها في فلسفته لتفسير عالم المثل الميتافيزيقي، ورغم ان أرسطو انتقد استاذه افلاطون إلا انه تأثر به بدرجة كبيرة، فنلاحظ ان المنطق الأرسطي لا يخلو من افكار افلاطون الميتافيزيقيا وفيثاغروس الهندسية. فالاستدلال المنطقي الذي يمارسة الفكر البشري عادة ينقسم إلى قمسين: احدهما الاستنباط، والآخر: الأستقراء، ولكل منهما منهجه الخاص وطريقه المميز. والاستنباط هنا كل استدلال لا تكبر نتيجته المقدمات التي تكوّن منها ذلك الاستدلال. ففي كل دليل استنباطي تجيء النتيجة دائماً مساوية أو أصغر من مقدماتها، فيقال مثلاً محمد إنسان، وكل إنسان يموت، فمحمد يموت، ويطلق المنطق الأرسطي على الطريقة التي انتهجها الدليل الاستنباطي في هذا المثال اسم القياس، ويعتبر الطريقة القياسية هي الصورة النموذجية للدليل الاستنباطي(محمد باقر الصدر، الأسس المنطقية للأستقراء، ص17). فمن خصائص الاستدلال الاستنباطي ان هناك ارتباطاً ضرورياً بين المقدمات والنتيجة، ومن المستحيل ان تكون المقدمات صادقة والنتيجة كاذبة، وبالتالي لا يوجد درجات لليقين في هذا الاستدلال، بمعنى أننا لا نقول إن هناك برهاناً أقوى من برهان آخر، أو أنه أكثر، أو أقل يقينياً منه. ويترتب على ذلك أننا لا نطبقه إلا على حقائق ضرورية فقط، والاستدلال يستخدم في الميتافيزيقيا والرياضيات، ففي الاستدلال الميتافيزيقي تكون العملية الاستدلالية قصيرة باستمرار ولا تكون النتيجة سوى خطوة او خطوتين من المبدأ الأول أو البديهية التي تقوم عليها، ولا تعتمد النتائج المختلفة بعضها على البعض الآخر، أما الاستدلال الرياضي فالمجال هنا ليس له حدود إذ أن قضية تؤدي إلى قضية ثانية، وهذه القضية تؤدي إلى قضية ثالثة، وهكذا إلى ما لا نهاية(محمود سيد احمد، فلسفة العقل عند توماس ريد، ص114). نفهم من ذلك ان الاستدلال الاستنباطي في المنطق الأرسطي غزا الفكر الديني الميتافيزيقي والهندسي الرياضي فأن كلاهما يستخدمون الاستباط في قوانينهما. دخل هذا المنطق المجتمع الإسلاميّ واختلف الباحثون في تعيين الزّمن الذي بدأ فيه بترجمة المنطق الأرسطي إلى اللّغة العربيّة، فمنهم من جعله في العهد الأموي ومنهم من جعله في صدر العهد العباسيّ، ومهما يكن الحال فإنّ هذا المنطق أصبح له أثر كبير جداً في الثّقافة الإسلاميّة، وانقسم المسلمون إزاءه إلى قسمين متضادّين، فمنهم من اعتنقه بحرارة وتعصّب له، وعدّه مكملّاً للقرآن، ومنهم من انتقده وحاربه وجعله مرادفاً للزّندقه حيث كان شعارهم (من تمنطق تزندق). ويدرس هذا المنطق في كثير من المدارس الدّينية في الوقت الحاضر. وهو يعتبر من جملة العلوم الأساسيّة التي يجدر برجل الدّين أن يحذقها لكي يتمكّن من وعظ الناس ومجادلة الخصوم (مهتدي الأبيض، قوى اللاوعي عند الإنسان، ص203). فمن خلال ذلك نفهم ان العلوم العلمية والهندسة منها هي علوم بحتة جافة تستخدم القياس الاستنباطي في قوانينها لذلك تتسم قوانينها بالمطلقة وﻻ-;- نسبية في علومها اﻻ-;- ما ندر. وهذه هي قوانينها المعتبرة والصحيحة وﻻ-;- اشكال فيها. اما في الفكر الإسلامي يستخدمون نفس القوانين في علومهم الدينية والأختلاف يكمن في المنهجية فحسب. كذلك هناك قاعدة استنباطية للاحكام الشرعية وقيمة وحقائق مطلقة واحكام ثابته. وعندما يتنشئ الفرد على هذه الصبغة الدينية ويدخل الكليات العلمية والهندسية فسوف يجد هناك تشابه فكري بين القوانين القياسية التي تعلمها من الدين وبين القوانين الهندسية فهنا يصبح تجاذب فكري بين الهندسة والدين فيؤدي إلتحاق الفرد إلى المدارس الدينية، وبالتالي فإن تأويل تلك الاحكام بشكل مختلف من قبل الفرق الدينية المعتدلة والمتعصبة ينتج فكر تعصبي دوغمائي غير مرن وهذا يعكس على التربية الدينية للمجتمع. فتترسخ افكاره التعصبية للدين اكثر وهذا بطبيعته ينتج هرطقة (زندقة) الآخر. فيؤدي الى التحاق اصحاب الكليات العلمية في صفوف داعش ومن ثم يتقمصوا ادوار قيادية بسبب تعصبهم الفكري وخبرتهم العلمية في الإدارة والتخطيط.
#مهتدي_الأبيض (هاشتاغ)
Muhtadi_Alabydh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
(علمنة الله- محاولة علمانية جديدة)
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|