سامى لبيب
الحوار المتمدن-العدد: 4987 - 2015 / 11 / 16 - 19:27
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
- لماذا نحن متخلفون ( 39) .
جريمة ارهابية همجية بشعة نالت باريس يوم الجمعة الحزينة 13-11- 2015 حيث أقدم مجموعة من الدواعش على قتل 135 فرنسى فى هجوم بربرى بالأحزمة الناسفة ورشاشات الكلاشينكوف ليهز هذا المشهد الدامى فرنسا والعالم بأجمعه ولتخوض الميديا العالمية فى إبراز مشاهد هذا الهجوم الوحشى الذى أدمى قلب كل إنسان مازال يحتفظ بالقليل من الإنسانية .
تألمت كثيرا من هذا الحادث ولدماء الأبرياء التى أريقت بواسطة هؤلاء التتار الهمج الجدد ولكنى تحسرت على حالنا عندما أدركت أن هناك عملية إرهابية داعشية بل مجزرة شديدة البشاعة قتلوا فيها 200 طفل سورى بأسلحتهم الرشاشة فلم ندرك هذه العملية ولم تأخذ حقها من الإستنكار والتنديد ولم نرى دموع تنهال على فلذة أكبادنا فهل وصلنا لدون الحيوانات , كما لم تحظى مذبحة الأطفال السوريين على 1% من الإهتمام بالعملية الإرهابية فى باريس فهل لهذه الدرجة دمائنا ولحمنا رخيص , ليقول قائل متى تحركت ضمائرنا ودموعنا من كل إنتهاكات داعش فى حق أيزيدات ومسيحيات وأكراد , فنحن لا نهتز إلا إذا كان الضحايا مسلمون لتصل الخيبة إلا البلادة مع بنى جلدتنا من مسلمين .. إتفووووا على هذا حال بشر .
يا عالم ياهو 200 طفل سورى فى عمر الزهور يتم قتلهم بكل هذه الهمجية والبشاعة والبرود كونهم رفضوا الانضمام لصفوف داعش , فلا نعلم عن هذه الجريمة البشعة ولا نعيرها أى إهتمام أو إعتناء من الميديا العربية والعالمية بينما أجهزة الإعلام مازالت تصدح بآلام الفرنسيين ومقتل 135 منهم وليتوجه كل قادتنا ونخبنا لتقديم العزاء للرئيس والشعب الفرنسى .. ألهذه الدرجة دمائنا ولحمنا رخيص , فلم نشهد منبر إعلامى أو دينى أو مظاهرة تندد وتضئ الشموع لهؤلاء الاطفال المائتين , فألا تعتبر هذه المجزرة الجماعية للأطفال السوريين إنتهاك وصفعة لإنسانيتنا المهدرة , فلتتخيل أن من بينهم فلذة كبدك , فما هذه البلادة والنخاسة التى تعترينا .
داعش تقتل 200 طفل في مجزرة جماعية
https://www.youtube.com/watch?v=o6GkISqOs-g
لا أبخس ولا أقلل من حجم الجريمة البشعة التى تمت فى الجمعة الحزينة بباريس ولا أحاول التغاضى عنها ولكن أفضح بلادتنا وأصفع الوجه العربى الإسلامى إذا كان يمتلك أى درجة من الإحساس والدم ليخجل ويغضب ويبكى .. لن أتماهى فى وصف الجريمة البشعة التى نالت من 200 طفل سورى أو الجريمة الإرهابية التى هزت فرنسا , فالعزاء والمواساة لأهلهم بل لنا أيضا إذا كان فى داخلنا حضور لما يُعرف بإلإنسانية !.. لن نبكى بالرغم أنه حان وقت البكاء فإذا لم نبكى الآن فمتى نبكى , ولكننا سنتجاوز الدموع والأحزان واللطم لنجلد أنفسنا فهى تستحق الجلد بالفعل لما يعترينا من قبح وبلادة وتخلف ولنلقى الضوء على أسباب الإرهاب الذى أصبح هو إنتاجنا الخالص اليوم محتكرين إياه عن جدارة وإستحقاق بلا منافس .
بداية نحن شعوب صاحبة ثقافة هشة لا تملك أى قسط من ثقافة الشفافية والمصداقية والإعتذار والإعتراف بأخطاءها لتدفن رأسها فى الرمال متصورة بذلك أنها نجت وتبررت من النقد والعتاب .
أنظر سلوك هذه الشعوب ومؤسساته مع كل حادث وفعل إرهابى داعشى لتجد إسطوانة مشروخة متكررة ومعزوفة رتيبة واحدة , فهذا ليس الإسلام , وهؤلاء ليسوا مسلمين , والمسلمين ليسوا هكذا , ثم نذهب بعدها لنخلد لنوم لذيذ ليظل قيح الإرهاب يزداد تقيحاً .
منهجية الإستنكار والصنمية فى ثقافتنا منهجية أصيلة لنستنكر وندين ونتبرأ ونغسل أيادينا من الدواعش بينما هم أبناء جلدتنا ويعتنقوا نفس عقديتنا بل يتحمسون لتراثنا وإسلامنا أكثر منا لنتبرأ منهم فداء صنمية الإسلام أى ليبقى الإسلام جميلاً عزيزاً نقياً .
نعم ليس كل المسلمين على نهج داعش ولكن هناك مسلمون دواعش وفى تمدد وحيوية , فلن يجدى القول أنهم ليسوا مسلمين فعملية التنكر والتبرأ منهم لن تحل الإشكالية فهم بنى جلدتنا ونتاج ثقافتنا وتراثنا وأرضنا .. المسلمون وما يقال عن مؤسساتهم المعتدلة هم المسئولون عن مواجهة الإرهابيين والمتطرفين , فإذا كانت أفكار الدواعش وتفسيراتهم ونهجهم منحرف فلابد من مواجهتهم مواجهة قوية حازمة حتى لا يتشوه الإسلام والمسلمين ويلقى إستياء ونفور من العالم على الأقل , أما القول أنهم ليسوا مسلمين وأن هذا ليس الإسلام فنحن هنا نضحك ونخدر أنفسنا أو نثبت فشلنا وخيبتنا فى المواجهة أو نضع أنفسنا فى خانة إسلام الدواعش فهكذا هو إسلامنا ونحن من نخجل البوح به .
لا يوجد أى مبرر للتخاذل فى مواجهة الإرهابيين فكرياً ولا يوجد أى معنى لهذا التقاعس والبلادة فعندما رسم فنان دانماركى صور مسيئة للرسول قامت قائمة المسلمين ومؤسساتهم , فما تفسير هذه البلادة تجاه أفعال وجرائم داعش فألا تسيئ للإسلام أشد إساءة أم لا , وأليست أكثر أهمية من رسومات خائبة نالت سخطهم .
هؤلاء الذين يتبرأون من داعش بجملتهم المقتضبة "أن هذا ليس من الإسلام" عليهم مواجهة أفكار ونهج داعش وإثبات خطأه وأن ما يتئكون عليه من آيات وتراث هو فهم مغلوط , والصحيح هو كذا وكذا , وليتم هذا بواسطة المساجد وكل وسائل الميديا ولكن أخشى أن لا يتم هذا من منطلق أن ما يقال عنهم معتدلين لا يملكون الحجة والثقافة الإسلامية للتصدى , بل هناك مصيبة أخرى أن هناك أراء من داخل المؤسسات الاسلامية ذاتها من دعاة إلى شيوخ يعتلون المنابر والقضائيات , تروج وتدعم فكر داعش سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة .
إشكالية الإسلام الحقيقية فى التعامل مع النص فى واقعنا المغاير بظروفه ونهجه وقيمه لنجد إصرار غريب بتطبيق النص بحذافيره على الواقع كما هو , فلا إعتراف بتاريخية وخصوصية النص بالرغم أن الإسلام واضح تماماً فى أن النص تعامل مع ظرفه الموضوعى ليعالجه وهو ما يعرف بفقه أسباب التنزيل الذى يعنى أن النص جاء معالجاً لحدث معين فى زمانه بكل إشكالياته وملابساته وشخوصه , فما الذى يجعله صالحاً للتعاطى فى كل زمان ومكان .!
= الإرهابى .
- لى رؤية تحليلية لنفسية وذهنية الإرهابى فى أنه إنسان يحمل طاقة إجرامية من العنف يريد التنفيس عنها وتحقيقها كلذة مُشتهاة فى ممارسة العنف والدم وهنا لا تكون الأيدلوجية أو الدين إلا كمظلة وحافز للتحقيق .
- الإنسان يحمل تحت مسام جلده عنف ووحشية نتاج إنحداره من أصول حيوانية ليتضاءل منسوب العنف داخل الإنسان مع تطور المجتمعات الإنتاجى والإجتماعى ويصل لدرجات دنيا لتحل مفاهيم التعايش السلمى لفائدة الإنسانية , ولكن لا يعنى هذا على الإطلاق إنقراض العنف تماماً لتجد ظهوره من خلال الحروب من وقت لآخر أو التنفيس بمتعة مشاهدة العنف فى الألعاب الإليكترونية الحديثة والرياضات العنيفة كمصارعة المحترفين والملاكمة مثلاً كوسيلة بسيطةبمشاهدة العنف بدلاً من ممارسته .
- يتصاعد منسوب العنف فى المجتمعات نتيجة خلل إجتماعى وصراع طبقى لا يمنح الطبقات المًستغلة أى منفس للحياة مع عدم وجود بشائر أمل علاوة على ضعف القوى التقدمية فى المجتمع فى إعادة التوازن أى اننا أمام خلل وضياع وتشوش للبوصلة , وأين تكون معركتنا , فيتوجه العنف إلى أى ميدان آخر غير ميدانه ومعركته لذا تحرص النظم الرأسمالية فى عالمنا المعاصر إلى دعم القوى التى تنحرف فى صراعها بعيداً عن قضاياها وميدانها الحقيقى لتدعم كافة التيارات الإسلامية مثلا ًالتى تغذى الصراعات الدستية والطائفية .
- لا يعنى هذا إنعدام وجود الثقافة التى تغذى العنف وتصعده كما فى الرأسمالية التى ترفع من منسوب العنف داخل البشر لنشهد تلميذ يفتح النار على زملاءه فى المدرسة كذا حروب أمريكا الدموية فهذا نتاج ثقافة القوة والعنف وتحقيقهما .. أما فى عالمنا العربى الإسلامى فالثقافة الإسلامية تُنشط وتَدفع الدماء فى ثقافة العنف من خلال نصوص وآيات وأحاديث وتراث وتاريخ يتم إحياءه وإسقاطه على الواقع ليجد الإرهابى مظلة دافئة سخية تمنحه القوة والدعم فى ممارسة العنف بضمير مستريح متلذذ .
- إذن الإرهابى باحث عن تحقيق وممارسة العنف بشغف ليبحث عن مظلة تمنحه القوة والجرأة وتقتل أى ضمير إنسانى داخله ليمارس فعله الإجرامى بتلذذ وفخر فلا يتحرك فى داخله أى ضمير يؤرقه وهو يذبح إنسان من الوريد للوريد أو يقتل 200 طفل سورى بدم بارد بل تجده يصيح ويهلل " الله اكبر " .!
- خطأ من يتصور أن الإرهابى يحمل فى داخله حلمه الميتافزيقى بالجنه ونكاح الحوريات كدافع وحيد إلى القتل والإرهاب , فهذه الرؤية تأتى كغطاء نفسى فى ممارسة لذة العنف , فتكون الجنه ونكاح الحوريات دعم نفسى وليست غاية متفردة فى حد ذاتها بل تأتى لتغطية عنفه وشراسته ومنحه الطمأنينة والحماس عند ممارسة الذبح .
= ما الحل ؟
- الحل سهلاً ولكن يكون صعباً فى حالة التميع والمراوغة ودفن الرؤوس فى الرمال فلو لم يتم مراجعة الإسلام لخلق خطاب إسلامى عصرى ينسجم ويتوائم مع العصر ولا يتصادم معه مع محاصرة وإقصاء لكافة الأفكار المتطرفة , فالإرهاب يبدأ بفكرة فإذا لم يتم حصارها وإقصاءها فأى جهود أمنية لإستئصال الإرهاب ستكون كمن يحرث فى البحر فهناك مفرخة , مع ضرورة إحياء وتنشيط وحضور ثقافة مدنية تكون بديلة للثقافة الدينية الرجعية المتعنتة .
- من الأهمية بمكان زراعة الأمل فى النفوس , فبدون الأمل سيجد الفعل العنيف الحضور والهيمنة والإنتشار لذا لابد من مراجعة إجتماعية إقتصادية سياسية للمجتمعات الإسلامية بحيث تسمح بحدود أدنى من العدالة الإجتماعية لتتخلق داخل البشر أمل فى الحياة والتطور وتتلاشى كل أسباب الإحباط الذى ينتج تلقائيا النزعة نحو العنف , ولا يعنى ذلك أننا لسنا بحاجة إلى ثقافة مدنية , فالثقافة هى المصل والحصانة ضد الأفكار العنيفة .
- إذن نحن فى حاجة إلى حزمة من الإجراءات الإصلاحية السياسية الإقتصادية تمنح البشر الحرية والكرامة والأمل تواكبها الحاجة إلى ثقافة جديدة وخطاب إسلامى مُنسجم مع هذه الثقافة تحد من نوازع الوحشية والهمجية والعنف داخل الإنسان لتصل إلى أقل منسوب لها يتحملها التنافس والصراع المدنى فى ممارسة التفوق مثلاً ومن خلال الرياضات كشكل صراعى يفتقد للعنف الدموى .
- لا يعنى كلامى هذا اننى أتلمس العذر أو أطلب الشفقة للإرهابيين بل أطالب بسحق وإقصاء وبتر كل العناصر الإرهابية والمغذية لها بكل قوة وحسم وبلا رأفة فنحن أمام أفعال إجرامية همجية لا تتحمل أى شفقة لذا يكون تحليلى السابق لأسباب ظاهرة التطرف والإرهاب وأسبابها ونشأتها من أجل إدراك الفيروس وكيف لنا أن نجفف منابع الإرهاب بل ردمها تماما , لذا أى تقاعس عن الإعتراف بالخطأ والتماهى فى الإستنكار ودفن الرؤوس فى الرمال وإهمال المواجهة بخطاب إسلامى مُنسجم مع العصر وثقافته المدنية وشيوع هذا الخطاب مع تكريس حدود أدنى لحرية وكرامة المسلم فى العيش على أرضه , فإهمال كل هذا سينتج مفرخة التطرف والإرهاب وتكريس العنف لندور فى حلقات مفرغة من العنف والألم والصراخ .
يهمنى أن تكون قضية الإرهاب هى قضيتنا وإعتنائنا وأأمل منكم رؤى تحليلية أخرى للإرهاب وكيفية مواجهته ولكن مع الأخذ فى الإعتبار أن العملية والطبيب لا يكون ناجحاً عندما نفقد الأم والجنين .
دمتم بخير .
- "من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " - أمل الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .
#سامى_لبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟