|
الثقافة والتنمية المستدامة: نحو مدخل ثقافي لسؤال التنمية بالواحات المغربية
عبد الكريم جندي
الحوار المتمدن-العدد: 4969 - 2015 / 10 / 28 - 23:00
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
المحاور الأساسية: تقديم عام. المحور الأول: مناقشة وتحديد المفاهيم الأساسية. 1. تعريف مفهوم الثقافة 2. تعريف مفهوم التنمية المستدامة. المحور الثاني: المدخل الثقافي وإشكاليات التنمية. المحور الثالث: المشاريع التنموية والبعد الثقافي بالمجال الواحي 1. إهمال البعد الثقافي في المشاريع التنموية: 2. بعض مظاهر استثمار المؤهلات الثقافية في التنمية المحلية: 3. التراث الشفهي واستثمار القيم لتحقيق التنمية المستدامة المحور الرابع: المظاهر الثقافية التي تعرقل التنمية المستدامة بالمجال الواحي. 1- نماذج من المظاهر الثقافية المعرقلة للتنمية: - الاعتقاد في الأولياء وبركاتهم. - مكانة المرأة في المخيال الشعبي وانعكاساتها على المجتم - العصبية القبلية والإنتخابات المحلية. - التمثلات المرتبطة بالعين الشريرة و التشاؤم (النحس). - التمثلات المرتبطة بالقدرية (المَكْتُوبْ/ المَكْتَابْ). - المناسبات الاحتفالية وكلفتها المادية. - المعتقدات السحرية وأضرارها الاجتماعية. 2- أثر هذه المظاهر الثقافية السلبية على التنمية المستدامة: خلاصة عامة: .................................................................
تقديم عام:
عرفت سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية اهتماما متزايدا بالشؤون الثقافية، ليس فقط كوسيلة لترسيخ قيم الأجيال السابقة، والتعريف بهوية المجتمع وخصوصيته أمام الثقافات الأخرى؛ بل أصبح يرتبط أيضا بميادين وقضايا متعددة لعل من أهمها تأثيره في تنمية المجتمع ومسار تقدمه. وهذا ما برز بوضوح منذ بداية تسعينيات القرن العشرين حيث تم "تعزيز مساهمة الثقافة في التنمية المستدامة كهدف تم إطلاقه في إطار العقد العالمي للتنمية الثقافية (1988-1998)"[1]. جاء هذا بالموازاة مع انشغال مجموعة من الباحثين بمدى تأثير العوامل الثقافية في سلوك الإنسان وأنماط تفكيره بشكل عام، وفي سيرورة التنمية ودينامية المجتمعات بشكل خاص. لا شك أن العوامل الثقافية ترتبط ارتباطا وثيقا بطبيعة السلوك الإنساني داخل المجتمع، فمن خلالها يستطيع المرء أن يندمج في الوسط الذي يعيش بداخله؛ كما أن هذا الوسط بدوره يقبل باحتضان الفرد ما دامت سلوكاته لا تتعارض والثقافة السائدة، وإلا مارس ضده أشكالا من الاقصاء المادي والرمزي. ووفق هذا المبدأ، تتحكم الثقافة إلى جانب عوامل أخرى في الأسلوب الذي ينتهجه أفراد المجتمع لتنمية مجتمعهم وتطويره، أو في عرقلة هذه العملية وبالتالي السقوط في إعادة إنتاج الفشل والركود والتخلف، وفي أحسن الحالات يكون التقدم بطيئا جدا لا يساير متطلبات العصر. فمن المؤكد إذن، أن الثقافة ليست محايدة في صنع التقدم والازدهار الذي تنشده المجتمعات، كما أنها ليست بريئة في عرقلة هذه الأهداف. فكيف السبيل للخوض في معالجة إشكاليات التنمية عبر المدخل الثقافي؟ وما الجديد الذي يمكن تقديمه بالارتكاز على التراث الثقافي لتنمية المجتمع الواحي المغربي؟
المحور الأول: مناقشة وتحديد المفاهيم الأساسية.
من مميزات البحوث الأكاديمية الحرص على الدقة في المعلومات والصرامة في المناهج، وطبعا لن يتم ذلك إلا بعد الفهم المعمق للمفاهيم التي تؤطر الإشكالة المطروحة، والتي تقف كصلة وصل بين الباحث والمتلقي انطلاقا من سياقات توظيفها والمعاني التي أضفيت عليها. لذلك، سنحاول مناقشة وتحديد مفهومي "الثقافة" و"التنمية المستدامة" كأهم مفاهيم هذا المقال، انطلاقا من تصورات واتجاهات مختلفة، وضمن حقول معرفية متنوعة، مع التركيز على حقلي السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا.
1. تعريف مفهوم الثقافة
إن تحديد مفهوم الثقافة لا يقل صعوبة من دراسة وتفسير الظواهر المرتبطة بها؛ لأن هناك العديد من التعاريف التي تنم عن اختلاف العلوم والمدارس ووجهات النظر، فقد استعرض "ألفرد كروبر" و"كلاكهون" ما يزيد عن 160 تعريفا لهذا المفهوم[2]، ما يدل على الأهمية والوزن الذي يحظى به، ومع ذلك "يبقى الغموض ملاصقا له كلما طرح الموضوع للنقاش"[3]. ولهذا الاعتبار، سننتهج منطق التصنيف وفق ما نراه أكثر دلالة ودقة وشمولية، واعترافا على المستوى الأكاديمي، مع مقاربة ومناقشة المفهوم في شقين: شق مرتبط بمعناه اللغوي العربي، ثم الشق الثاني مرتبط بتحديد المفهوم في العلوم الإنسانية ونقصد بالذات في الأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا.
• التحديد اللغوي العربي لمفهوم "الثقافة" :
نشير بداية، أن كلمة "ثقافة " وفق التحديد اللغوي العربي "لا تحيل على أي معنى من المعاني التي اتخذتها كلمة« culture » في المجتمع الغربي"[4] (كما سنبين فيما بعد)، فقد جاء في معجم "لسان العرب" لابن منظور ما يلي: ثقِفَ الشيءَ ثَقْفاً وثِقافاً وثُقُوفةً: حَذَقَه، ورجل ثَقْفٌ: حاذِقٌ فَهِم. ورجل ثَقْفٌ لَقْفٌ إذا كان ضابِطاً لما يَحْوِيه قائماً به، ويقال ثَقِفَ الشيءَ وهو سُرعةُ التعلم. وثَقِفْتُ الشيءَ حَذَقْتُه، وثَقِفْتُه إذا ظَفِرْتَ به، قال اللّه تعالى: "فإِمَّا تَثْقَفَنَّهم في الحرب"[5]، في هذا الصدد يقول مالك بن نبي في كتابه "مشكلات حضارية: مشكلة الثقافة": ليس لنا أن نعجب إن لم نجد كلمة ثقافة "culture" في وثائق العصر أو في مؤلفات ابن خلدون، لأن فكرة الثقافة حديثة جاءتنا من أوروبا[6]، التي صدرت لنا هذا المفهوم بحمولته ودلالته المتداولة في المجالات العلمية والأكاديمية كما سنوضح.
• التحديد الأنثروبولوجي والسوسيولوجي لمفهوم الثقافة:
احتلت المسألة الثقافية مكانة متميزة داخل العلوم الإنسانية، وخاصة منها الأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا؛ إلى درجة أنستيوارت تشيز (Stuart Chase ) اعتبرها بمثابة حجر الأساس للعلوم الاجتماعية، إنها دراسة وحدة الإنسان داخل التنوع والتعدد، فالإنسان ليس مجرد كائن اجتماعي فقط بل هو كائن ثقافي بالأساس[7]، يصنع الثقافة ويحدد سلوكه ونمط عيشه وفق محدداتها. تعرض مفهوم الثقافة لتحديدات مختلفة على مر العصور، ففي بداية القرن (16م) كانت الكلمة تستخدم للدلالة على فعل فلاحة الأرض[8]، وهذا ما نجده في المعجم الفرنسي (Le Petit Robert 2014)، الذي يحدد مفهوم الثقافة "la culture " بعد أن أشار للتحديد الإيتيمولوجي لأصل الكلمة اللاتيني "cultura"، للدلالة على "العمل على زراعة الأرض، حيث تتضمن جميع العمليات الخاصة للحصول على تربة صالحة لنمو النباتات المفيدة للإنسان والحيوانات الأليفة"[9]. وإلى حدود النصف الثاني من القرن (18) بعد انتقال الكلمة إلى ألمانيا، اكتسب مفهوم الثقافة (kultur)مضمونا جماعيا يدل على التقدم الفكري الذي تحققه المجموعات الإنسانية، أما الجانب المادي في حياة المجتمعات فقد أفرد له الفكر الألماني كلمة "الحضارة"[10]؛ مع أن هذا التمييز لم يلق إقبالا لدى بعض الباحثين حيث نجد سجالا علميا في تحديد دلالة المفهومين والفرق بينهما. لكن فيما يخص ابتداع مفهوم الثقافة بمقاييس علمية دقيقة - كما وضح دنيس كوش- فنحن ندين لعالم الأنثروبولوجيا البريطاني إدوارد تايلور (Edward Burnett Taylorالذي نحت أول تعريف علمي[11]، وهوالذي يعتبر من طرف الكثير من الباحثين مؤسس الأنثروبولوجيا الثقافية الحديثة، حيث يقول في كتابه "الثقافة البدائية" (1871): "الثقافة هي ذلك الكل المركب الذي يتضمن المعرفة، والمعتقد والفن والأخلاق والقانون والعادات، وأي قدرات يكتسبها الإنسان كعضو في المجتمع"[12]. وهذا المنظور الذي يرى في الثقافة ككل يتضمن مجموعة من الأجزاء والعناصر نجده أيضا في التحديد الذي وضعه الأنثروبولوجي الأمريكي رالف لينتون، حيث يحدد الثقافة "ككل تتداخل أجزاءه تداخلا وثيقا، ولكن من الممكن أن نتعرف فيه على شكل بنائي معين، أي أن نتعرف فيه على عناصر مختلفة هي التي تكون الكل"[13]، ونفس الطرح نجده مع روبيرت بيرستد الذي قدم في أوائل الستينيات تعريفا للثقافة، يعتبر من أبسط التعريفات وأحدثها فيقول: "الثقافة هي ذلك الكل المركب الذي يتألف من كل ما نفكر فيه أو نقوم بعمله، أو نتملكه كأعضاء في المجتمع"[14]. وفي جانب آخر ضمن الأعمال الأنثروبولوجية البارزة حول القضايا الثقافية، يحدد مالينوفسكي مفهوم الثقافة بكونه"يشمل المهارات الموروثة والأشياء والأساليب أو العمليات التقنية، والأفكار والعادات والقيم"[15]. وإذا كان مفهوم الثقافة من صلب تفكير العلوم الاجتماعية؛ لأنه ضروري لها بصورة ما للتفكير في وحدة الإنسانية[16]، فإن الكثير من علماء الاجتماع تناولوا موضوع الثقافة بالدراسة والبحث، إلا أنهم يتحدثون عن مفهوم أقل تحديدا مما يشيع في الحديث اليومي، فالثقافة تعني عندهم "كل ما هو موجود في المجتمع الإنساني ويتم توارثه اجتماعيا وليس بيولوجيا"، بينما يميل الاستخدام الشائع للثقافة إلى الإشارة إلى الفنون والآداب فقط[17]، في هذا الصدد، اتفق كل منكروبر وكلاكهون بعد أن أجريا بحثا في الأدبيات لفحص كلمة الثقافة علميا، على أن تالكوت بارسونز وقع على التعريف الصحيح للثقافة حيث الغرض العلمي[18]؛ ففي كتابه "النظام الاجتماعي"، جعل الثقافة جامعة لمجال الأفكار والقيم، وكان وسطها العملة المتداولة من الرموز؛ "فالأشياء الثقافية هي عناصر رمزية للتراث الثقافي أو الأفكار أو المعتقدات، أو الرموز التعبيرية أو نماذج القيم، وتشترك الثقافة في الفعل، إلا أن لها حياتها الخاصة بها"[19]. أما أنطوني غيدنز، فيعرف الثقافة بشكل عام وشامل بكونها تعني "أسلوب الحياة الذي ينتجه أعضاء مجتمع ما، أو جماعات ما داخل المجتمع، وهي تشمل على هذا الأساس أسلوب ارتداء الملابس، وتقاليد الزواج، وأنماط الحياة العائلية، وأشكال العمل، والاحتفالات الدينية، بالإضافة إلى وسائل الترفيه والترويح عن النفس[20]، كما أنها تتألف من جوانب مضمرة غير عيانية مثل المعتقدات والآراء والقيم التي تشكل المضمون الجوهري للثقافة[21]. وهذا التركيز على الجوانب الاجتماعية لمفهوم الثقافة وفق المنظور السوسيولوجي الذي وضعه غيدنز، نلمسه أيضا وبشكل واضح في التعريف الذي قدمه محمد الجوهري، حيث يقول أن الثقافة هي "مضامين الوعي والأحاسيس والتصورات المشتركة بين أعضاء جماعة اجتماعية (لما هو قائم ولما يجب أن يكون)، والتي تتوارث اجتماعيا (أي بالتلقين الاجتماعي وليس بالوراثة البيولوجية) من جيل إلى الجيل الثاني، بما في ذلك الصور والتجسيدات المادية، التي تتضح فيها تلك المضامين والمشاعر والتصورات من صور الفعل، والمصنوعات التي يبدعها الإنسان. فالثقافة هي الأرضية التي يتغذى عليها المجتمع، والتي تنمو عليها العلاقات الاجتماعية، وهي في الوقت نفسه العصا التي تشكل هذا المجتمع وتصوغ قيمه ومعاييره"[22]، ونمط عيش الأفراد بداخله. من خلال هذه المقاربة المفاهيمية لمصطلح الثقافة داخل حقلي الأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا، يمكن أن نتوقف عند أهم سمات هذا المفهوم؛ فنجده قبل كل شيء يرتبط بالمجتمع الإنساني من خلال الإنتاجات والإبداعات التي تصدر عن أفراده، سواء كانت ظاهرة/ ملحوظة كالتقاليد والطقوس والعادات والاحتفالات وكل أنماط السلوك، أو رمزية/ مضمرة كالتمثلات والمعتقدات والأفكار والقيم والتصورات والأساطير، وكل ما يدور في المخيال الشعبي. كما أن هذا المفهوم يتصف بطابع الشمولية والكلية، فهو يتضمن مجموعة من العناصر والأجزاء تكون ذلك الكل المركب بتعبير تايلور، ولينتون، وبيرستدكما أشرنا سابقا-، هذا "الكل" الذي يكون هوية أي مجتمع أو جماعة إنسانية ما، ويمكن أفراده من تحقيق التضامن والتوافق الاجتماعيين، كما يمكنهم من مواجهة الظواهر السلوكية الدخيلة، بالإضافة إلى تمكينهم من التصور العام لطبيعة تقدمهم وتنمية المجتمع الذي ينتمون إليه.
2. تعريف مفهوم التنمية المستدامة.
تتصف قضايا التنمية بقوة تأثيرية وحضور مستمر في تخصصات أكاديمية مختلفة، كما أن إشكالياتها تظل محل توافق وقبول من طرف مختلف أفراد المجتمع من ناحية، وأيضا قد تتحول في أحايين كثيرة لحالة من الصراع الإيديولوجي/السياسي ولتضارب المصالح من ناحية أخرى. لكل هذه الاعتبارت يصبح تحديد مفهوم التنمية مسألة صعبة؛ لأننا سنجد أنفسنا أمام عدد كبير من التعاريف المختلفة، تبعا لاختلاف المدارس والاتجاهات، والباحثين الأكاديمين، والهيئات والمنظمات المهتمة بالتنمية. لذلك سنحاول تأطير هذا المفهوم بأسلوبين: تتبع تطوره التاريخي أولا، ثم تقديم بعض التعاريف المرتبطة به مع الانتصار للتعاريف الأكثر دقة وشمولا ثانيا. تعود الجذور الأولى لمفهوم التنمية إلى عصر الاقتصادي البريطاني آدم سميت في نهاية القرن (18م)، لكنه لم يستعمل بالمعنى المعاصر للكلمة، إذ تم استعمال مصطلحيين آخرين للدلالة على تطور المجتمعات نحو الرفاهية بما يقارب مفهوم التنمية الحالي، ويتعلق الأمر تحديدا بكلمتي "التقدم المادي"، و"التقدم الاقتصادي". ولاحقا في القرن (19م) استخدم مفهوم "التحديث" و"التصنيع"[23]. فصار هناك تداخل بين هذه المفاهيم (التقدم، التطور، التحديث، التصنيع) مع مفهوم التنمية الذي قد يصل أحيانا إلى درجة التساوي أو الترادف، والذي نجد حضوره إلى يومنا هذا عند بعض الباحثين؛ والسبب – كما أشار أسامة عبد الرحمان- يرجع إلى أن الدول التي تمكنت من تحقيق درجة عليا في التنمية، هي الدولالمتقدمة والمتطورة والحديثة والصناعية[24]، وهذه الأوصاف انعكست على تحديد مفهوم التنمية. وإلى حدود (1929م)، مع الأزمة الاقتصادية التي عرفتها الولايات المتحدة الأمريكية، كان مصطلح "النمو الاقتصادي"هو السائد[25]، وهو يعبر عن "قيمة كمية ملموسة تترجم في زيادة المقدرات الاقتصادية"[26]، غير أن هذه الأزمة ستدفع الاقتصاديين إلى التفكير في ضرورة تدخل الدولة لتحفيز النمو الاقتصادي، لكن بتصور وإجراءات تتوافق بشكل كبير جدا مع مفهوم التنمية المعاصر، لكن دون تسميتها بمفهوم التنمية صراحة[27]. وبالرغم من كل هذه التطورات والتحولات المرتبطة بالقضايا التنموية عبر التاريخ؛ إلا أن مصطلح التنمية بالمعنى الحديث، سيظهر أول مرة سنة (1949م) على يد الرئيس الأميكي هاري ترومان؛ في تلك الفترة كانت السياسة الخارجية الأمريكية تعيش حالة استنفار قصوى، نظرا للتحولات السياسية والإيديولوجية التي كان يعرفها العالم غداة الحرب العالمية الثانية، وبدايات الحرب الباردة، وانقسام العالم إلى معسكرين[28]، وهنا نلاحظ التداخل الكبير بين قضية التنمية وبين الأبعاد السياسية والإيديولوجية، لتكون التنمية كقضية إنسانية مجالا للصراع وموطنا للسلطة والسيطرة، وخاصة عندما يرتبط الأمر بعلاقة الدول المتقدمة بالدول المتخلفة والنامية، وهذا ما يوضحه بشكل مستفيض عالم المستقبليات المهدي المنجرة من خلال تطرقه للعديد من المؤشرات الدالة على "أدلجة قضية التنمية"، ليستدل على ذلك بمجموعة من الأمثلة، من أهمها تأكيده على أن "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (PNUD)" لا يقوم بتمويل أي مشروع، إلا إذا كان منسجما مع بعض التعاليم أو الأهداف المقررة من طرف مجلسه الإداري، كما أنه لا يمكنه اتخاذ مثل هذه القرارات دون اعتبار للتوجهات السياسية العامة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي[29]، هذه التوجهات التي يجب على الدول المستفيدة من البرامج الإنمائية الالتزام بها، وإلا حرمت منها. تجدر الإشارة هنا، أنه رغم هيمنة المنظور الاقتصادي للتنمية في بداية ظهورها في المجتمع الغربي، حيث حددت بكونها تنشيط للاقتصاد القومي، وتحويله من حالة الركود إلى حالة من الديناميكية[30]، إلا أن مفهوم التنمية لا يعني التنمية الاقتصادية فحسب، بل هي بمعناها الشامل تضم جوانب اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية[31]، كما أنها لا ترتبط بالتحولات والتغيرات الاقتصادية فقط، بل مرتبطة بالتغيرات الاجتماعية والفكرية أساسا. وهذا ما نلمسه بوضوح في التعريف الذي وضعه غريغوري لازاريف في صدد حديثه عن "القرية المغربية وتحولاتها"؛ حيث يعرف التنمية بأنها"مجموع التغيرات الاجتماعية والعقلية التي تهيئ شروط النمو ومتابعته على المدى الطويل"[32]. لكل هذه الاعتبارات سيصبح مفهوم التنمية أكثر انفتاحا على الأبعاد الإنسانية والبيئية، وهذا ما كان محفزا لابتداع مفاهيم جديدة مرتبطة دائما بالهاجس التنموي، لعل أكثرها حداثة وشيوعا مفهوم التنمية المستدامة، فما المقصود بهذا المفهوم؟ تم ابتكار هذا المفهوم من قبل اللجنة الدولية للبيئة والتنمية في عام (1987م) بصدور تقرير "برندتلاند ((brandtland" تحت عنوان: "مستقبلنا مشترك"؛ جاعلا قضية التنمية قضية دولية، تشكل هدفا للدول الصناعية والنامية على حد سواء، وقد تم تعريف التنمية المستدامة في هذا التقرير بأنها "تنمية تتضمن حاجات الجيل الحاضر دون تطويق قدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها"[33]. وقد اتسع هذا المفهوم في وقت لاحق، بحيث أصبح يعني "إستخدام الموارد المتجددة والقابلة للتجدد لدفع النمو الاقتصادي، مع المحافظة على التنوع البيولوجي وأصناف النوع الحيواني، والالتزام بالمحافظة على نظافة الهواء والماء والأرض[34]؛ وكل هذا لتحقيق التوازنات عبر المحافظة على البيئة الإنسانية نظيفة وقادرة على تجديد مواردها، وتحسين مستوى معيشة الفرد والمجتمع[35]. وهنا نستنتج من خلال قراءة للتعاريف الخاصة بمفهوم "التنمية المستدامة"، أن هناك تأكيد واضح على الجوانب البيئية كعنصر أساس في سيرورة التنمية، وتأكيد آخر مرتبط بالحفاظ على الموارد البيئة، دون استنزافها واستغلالها بإفراط، ما ينتج عنه أضرار وخيمة على الأجيال اللاحقة، ومن هنا تصبح أهداف التنمية أكثر نفعا وفائدة، وأقل ضررا، ولهذا تأثير -إيجابي- واضح على حياة الإنسان في الحاضر والمستقبل. بعد هذه التعاريف المختلفة التي تطرقنا لها حول مفهوم التنمية المستدامة، نرى أنه من الضروري منهجيا صياغة تعريف نوضح من خلاله تصورنا الخاص لهذا المفهوم، مستحضرين الإشكالية التي نعالجها في هذا المقال والمرتبطة بجدلية الثقافة والتنمية في المجالات الواحية/القروية وهو على الشكل التالي: "التنمية المستدامة، هي تلك العمليات المستمرة التي تهدف إلى تحويل المجتمع -الواحي/القروي- من حالة الفقر والركود والهشاشة، إلى حالة من التقدم والتطور والنمو؛ بالاعتماد على قدرات ساكنته، وباستثمار تراثهم الثقافي كركيزة أساسية. ليتمكن المجتمع من تجاوز مختلف العراقيل والإشكاليات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والبيئية، التي تقف أمام تحسين وضعية ساكنته دون إلحاق الضرر بهم وببيئتهم وتراثهم، ومستقبل أبنائهم."
المحور الثاني: المدخل الثقافي وإشكاليات التنمية:
بالرغم من كثرة الدراسات التي أنجزت حول التنمية وإشكالياتها حتى أصبح هذا المفهوم "يحظى دائما بإجماع منقطع النظير"[36]؛ فإن قضايا التنمية وإشكالياتها ظلت "معقدة وبدون إجابات صريحة وواضحة"[37]. لهذا كان لزاما على كل المجتمعات خاصة تلك المحسوبة في خط الدول المتخلفة والنامية، أن تجيب على مختلف التساؤلات المرتبطة - من قريب أو من بعيد- بالتنمية، لتتمكن من اللحاق بالدول التي قطعت أشواطا طويلة من التقدم والنمو والازدهار. ولأننا أمام ظاهرة جد مركبة كما وصفها المهدي المنجرة فإن معالجتها "تستوجب منا انفتاحا فكريا واسعا لفهم حركيتها"[38]، كيف لا وهي تتمحور كهاجس لزم الانسان منذ القدم ولو بمسميات مختلفة، وارتبطت بكل مناحي حياته الخاصة والعامة، وكانت ولا زالت كبطاقة تعريفية لتقييم الحضارات والأمم. ارتكزت الإيديولوجية المهيمنة في معالجة التنمية لعقود من الزمن على رؤية ميكانيكية/خطية في التاريخ؛ فحواها أن كل المجتمعات يجب أن تمر بنفس مراحل التنمية على شاكلة نظرية روستو*، كما أن على هذه المجتمعات الطامحة في التقدم والتنمية أن ترسخ القيم المميزة للمجتمعات المتقدمة، وبمنطق اقتصادي بامتياز[39]. وخلافا لهذه الرؤية الأحادية/الخطيةفإنه من الضروري - بادئ الأمر- أن نشير إلى أن الإشكالية التنموية لا يمكن اختزال معالجتها وفقا لمقاربة أو مدخلوحيد؛ كما أن اعتماد أسلوب الإسقاطات المخلة لتجارب سابقة على مجال آخر مختلف، دون مراعاة خصوصيته الجغرافية من جهة والثقافية من جهة أخرى، سينتج عنه ما يمكن نعته بالتنمية المعاقة أو المشوهة، لأنها لا تتماشى والوسط الذي طبقت فيه، بل وقد تلحق به الضرر؛ مما ينعكس في أحايين كثيرة على شكل مقاومة ورفض الساكنة لبعض البرامج التنموية. من هذا المنظور، يكون التكيف مع الوضعيات الثقافية للمجتمعات في مسعاها التنموي أمرا ملحا[40]؛ وهذا ما دفع بعض الباحثين في علم الاجتماع والأنثروبولجيا في السنوات الأخيرة للاهتمام بدراسة العوامل الثقافية المرتبطة بدينامية المجتمع من جهة، وبكيفية استثمارها لخدمة الأغراض التنموية من جهة ثانية؛ منطلقين من فكرة أساسية مفادها أن للقيم والمعتقدات والتقاليد والعادات والتمثلات، بالإضافة للمظاهر الثقافية المادية وكل ما يرتبط بعناصرالتراث الثقافي تأثير قوي على أنماط السلوك الإنساني بوجه عام، وعلى دينامية المجتمع التنموية بوجه خاص. في هذا الصدد يعتبر السوسيولوجي الألماني ماكس فيبر من خلال دراسته المشهورة "الأخلاق البروتيستانتية وروح الرأسمالية"[41] من الأوائل الذين استطاعوا رسم الطريق والمنهج لتحقيق ذلك، بل إن أغلب المهتمين المعاصرين بجدلية الثقافة والتنمية في حقل علم الاجتماع ينعتون بكونهم من "الفيبريين الجدد" أو بالأحرى من ورثة ماكس فيبر. إن الثقافة كما أشار دنيس كوش تمكن الإنسان ليس من التأقلم مع محيطه فحسب، بل أيضا من تأقلم المحيط معه، ومع مشاريعه وحاجياته[42]، خاصة عندما نكون بصدد وسط تسوده ثقافة تقليدية؛ حيث "يؤكد مجموعة من الباحثين المعاصرين أنه بدون معرفة الثقافة التقليدية، فإنه من الصعب أن تنجح السياسة التنموية وأن تحقق أهدافها"[43]. وهذا بالتحديد هو الهاجس الذي دفعنا للخوض في خبايا هذه التساؤلات، بهدف الاقتراب من التنمية الواحية/القروية عبر المدخل الثقافي، بعد أن تأكد لنا أن "علاقة الثقافة بالتنمية تعد من النقاشات الساخنة في الوقت الحاضر"[44]، وأن المجال الذي نريد تقييم مستوى ديناميته وتنميته، "لا يزال في جوانب مهمة من معطياته وتجلياته، محافظا على مساحات من الطقوس والرموز المنتمية بالضرورة إلى سجلات ثقافية غارقة في القدم"[45]. وفي المقابل فإنه يمتلك تراثا ثقافيا غنيا يمكن توظيفه واستثماره كدعامة من أجل التنمية، لأن التنمية الاجتماعية في مجتمعاتنا كما قال جاك بيرك "متأثرة كثيرا بما هو موروث"[46]. إن اهتمام حقل سوسيولوجيا التنمية بالجوانب الثقافية في معالجة قضايا التنمية ينطلق من فكرة محورية وهي أن الانسان"كائن ثقافي" بامتياز، لذا فمختلف سلوكاته وممارساته ترتكز على هذا المبدأ ما دام يعيش داخل مجتمع له ثقافته الخاصة؛ وتبعا لهذا المنطق، "فعمق فهمنا للثقافة يقربنا أكثر من كسب رهان فهم سلوك الفرد وحركية المجتمع البشري"[47]، بعد ذلك يمكن للمعنيين بمخططات واستراتيجيات التنمية، أن يشرعوا في رسم مخطط وتصور لتنزيل وتطبيق مشاريعها، وفق منطق يتماشى وخصوصية المجتمع الثقافية، حيث فهم آراء الساكنة وإشراكهم عن طريق المجتمع المدني في سيرورة التنمية، والحرص على تجنب الضرر بحاضرهم ومستقبلهم، يكون من أولويات هذه المخططات التنموية. ومهما يمكن القول بصدد البعد الاقتصادي وأهميته في دينامية المجتمع التنموية؛ إلا أنه لا يلبي كل متطلبات التنمية خاصة في جانبها الانساني؛ ولهذا "يجمع الدارسون في العلوم الاجتماعية والاقتصادية أن تحقيق تنمية بشرية مستدامة لا يتأسس من خلال المعطى الاقتصادي فحسب، وإنما من الضروري الولوج إليه عبر المدخل الثقافي، أو قل المحرك الثقافي الذي يعمل على تشكيل الأسس الفكرية والشعورية والنفسية والسلوكية[48]. وبناء على هذه القوة التأثيرية التي يمتلكها البعد الثقافي في مختلف جوانب السلوك الإنساني، يكون من أولى الأولويات أن يهتم المكلفون بتنزيل المشاريع التنموية بفهم ومعرفة خصوصية المجتمع الثقافية، وتطلعات أفراده، ومتطلباتهم المشتركة، كي لا تصبح هذه المشاريع التنموية مصدر ضرر للساكنة. ولن تحقق هذه الغاية إلا بإجراء أبحاث ميدانية معمقة لفهم ثقافة المجتمع ونمط عيش أفراده، قبل تنزيل المشاريع التنموية التي يجب أن تتوافق مع خصوصية هذا المجتمع.
المحور الثالث: المشاريع التنموية والبعد الثقافي بالمجال الواحي:
1. إهمال البعد الثقافي في المشاريع التنموية:
إن اهتمامنا بقضايا التنمية من مدخل ثقافي داخل المجال الواحي ينطلق من مسوغات ومرتكزات منطقية لها ارتباط بالوضع التنموي الذي تعيشه هذا المجال؛ فبالرغم من اتصاف السؤال التنموي بطابع العمومية الجغرافية في مجتمعنا المغربي، إلا أن المجالات القروية المغربية -ومن ضمنها "واحات عرب الصباح"[49] (مجال بحثنا الميداني)- تظل أكثر إلحاحا في طلب الإجابة، بعد أن لازمها العطب والاختلال والركود، في عصر لم يعد يقبل بمثل هذه النعوت، وهذا بالتحديد ما تفصح عنه -إحصائيا- مؤشرات الفقر و الهشاشة والأمية التي تعرف ارتفاعا مهولا في هذه الأوساط، إلى جانب ما نلاحظه -عينيا- من عطب في البنى التحتية بالاضافة إلى انعدام وقلة المؤسسات الضرورية كالجامعات والمعاهد والمدارس ودور الشباب والمستشفيات من ناحية، وبعدها عن المواطنين إن وجدت من ناحية ثانية. كل هذا وذاك يقف كتحد يستفز باستمرار عقول كل من السياسيين والأكاديميين للبحث عن مواطن الخلل التي تعيق دينامية المجال الواحي، وتجاوز حالة "المأزقية والعسر التنموي الذي لا يمكن الاختلاف حوله"[50]. ومحاولتنا هذه لا تخرج عن هذا الإطار الذي جعل هاجسه في معالجة قضايا التنمية بالمناطق الواحية، لكن هذه المرة بشكل يخالف السائد في أشكال التدخل لتنمية هذه المجالات، تلك الأشكال التي ترتكز على الأبعاد التقنية/الاقتصادية مع إهمال البعد الثقافي في هذه العملية؛ وهذا لا يعني إقصاء أو التقليل من شأن الأبعاد الأخرى، فنسقط نحن أيضا في النزعة الاختزالية، إنما هدفنا التنبيه لدور الجانب الثقافي وتوضيح أهميته في معالجة السؤال التنموي في المجتمع الواحي/القروي. شهدت "واحات عرب الصباح" في السنوات الأخيرة تنزيل جملة من المشاريع مرتبطة أساسا بالبنية التحتية لهذا المجال، كتعبيد الطرق لعل آخرها مشروع تعبيد الطرق الموجودة بواحة "فزنا"، وكذلك تزويد بعض المناطق باالكهرباء والماء الصالح للشرب وقنوات الصرف الصحي، بالإضافة إلى إنجاز مبادرات حول وسائل النقل العمومي في ميادين مختلفة (النقل العمومي، النقل المدرسي، وسائل جمع النفايات، سيارات الإسعاف...)، وأيضا مشاريع حول عمليات التشجير والحدائق المنتزهات العمومية (الجرف وأرفود نموذجا). وفي المجال التعليمي تم إنجاز مشاريع مرتبطة بالتمدرس كبناء وإصلاح المدارس والإعداديات والثانويات ودور الثقافة والشباب...الخ. أما في الميدان الفلاحي فأنجزت مشاريع حول مكافحة التصحر وإصلاح السواقي والخطارات وأخرى لتشجيع عملية ترويج المنتوجات المحلية لعل أبرزها إنجاز الملتقى الدولي للتمور بأرفود، وكذلك دعم التعاونيات الفلاحية (العشورية وفزنا نموذجا)، وإحداث أسواق داخلية وبنا قيساريات تجارية (أرفود والجرف نموذجا)، وفي القطاع السياحي والثقافي تم خلق بعض المهرجانات الثقافية وتشجيع الصناعة التقليدية وترميم بعض القصور (قصر ولاد عتيق بالجرف والمعاضيد نموذجا)... معظم هذه المشاريع التنموية أنجزت –في الغالب- من طرف الجماعات الحضرية والقروية بالمنطقة أو من طرف مشاريع ( برنامج الأمم المتحدة الإنمائي PNUD) أو (برنامج واحات تافيلالت POT)، أو من طرف جمعيات محلية، أو يتم إنجازها بشراكة بين هذه المكونات. وما يهمنا هنا هو استراتيجية تنزيل هذه المشاريع التي لاحظنا من خلال قراءة نقدية للمخططات الجماعية لواحات عرب الصباح، ومن خلال تتبعنا لمراحل إنجاز بعضها، وكذلك من خلال استجواب بعض الفاعلين الجمعويين المهتمين بالشأن التنموي المحلي، أنها تستجيب في مجملها للهاجس الاقتصادي/الملموس، في حين أن الهاجس الثقافي لساكنة الواحات لا يهتم به كثيرا، بالرغم من أن الأبعاد الثقافية كما بينا سابقا متجذرة في المجتمع الواحي، سواء في الجوانب المادية الملموسة (التراث المادي)، أو في المخيال الشعبي وسلوكات أفرد هذا المجتمع. في سياق هذه الإشكالية المطروحة حول علاقة البعد الثقافي بتنزيل المشاريع التنموية، تساءلنا مع أحد المسؤولين الجهويين المكلفين بتنزيل ومراقبة المشاريع التي يشرف عليها "برنامج واحات تافيلالت (POT) " عن مدى اهتمامهم بدراسة المعطيات الثقافية التي تميز المجتمع الذي تطبق فيه هذه المشاريع قبل تنزيلها على أرض الواقع، فأجاب بوضوح تام قائلا: "احنا ماكايهمناش الجانب الثقافي لي كيميز أي مجتمع بغينا نديروا فيه مشاريع تنموية.. احنا مكلفين فقط بتنزيل المشروع على أرض الواقع...". وبالتالي فليس هناك دراسات لثقافة المجتمع (نمط التفكير، التمثلات الاجتماعية، عادات، تقاليد، طقوس، أشكال التعبير الشفهي...) تسبق عمليات تطبيق البرامج التنموية، مما يكون له –في الغالب- انعكاسات سلبية على الجوانب الإنسانية والاجتماعية للساكنة المحلية، كأن ينجز مشروع له فائدة معينة، لكن على حساب التراث المادي، أو على حساب البيئة، أو لا يتماشى وما ينشده قاطنوا ذلك المجال الذين يجدون ارتياحهم لاتجاه ما، لكن المشروع التنموي ينحو منحا آخر مخالف، فكيف يستقيم جلب مشاريع تنموية وتطبيقها على مجتمع ما بغرض النهوض بساكنته وخدمة مصالحهم دون إشراكهم والسماع لآرائهم والأخذ بعين الاعتبار كل ما ينشدونه؟ ووفق هذا المنطق فالرهان الأساس في تحريك عجلة التنمية بهذا المجال، هو الانطلاق من خصوصيته الثقافية، بالاستفادة من قيمه الثقافية الإيجابية لاستثمارها في تشجيع السلوك التنموي الناجح، أو بتجاوز بعض القيم التي تعيق النمو والتقدم والتنمية المستدامة، فلا يمكن للفعل التنموي الناجح أن يتجسد على أرض الواقع إذا لم يرتكز على قيم ثقافية مشجعة كما توضح نظرية ماكس فيبر[51] حول دور الأخلاق والقيم البروتيستانتية في نشوء وتطور النظام الرأسمالي.
2. التراث الثقافي المادي واستثماره في التنمية المستدامة.
تتوفر واحات عرب الصباح (المعاضيد، السيفة، أرفود، حنابو، البوية، الكراير، الجرف، العشورية، فزنا...) على تراث ثقافي وبيئي غني يمكن استثماره لتشجيع السياحية الإيكولوجية[52] كمصدر أساسي من مصادر التنمية المستدامة بهذا المجال، نذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر: • "القصر": ببنيته وهندسته المعمارية الفريدة من نوعها، والتي تترجم معالم الإبداع العمراني لدى الساكنة، وحكمتهم في تشييد بنايات تخدم مصالحهم الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وتتماشى مع المناخ السائد في المنطقة[53]. • "الخطارة": كإرث إيكولوجي/ثقافي مذهل، حيث نتلمس قدرة الساكنة على ابتكار تقنيات فريدة للري موازية لقساوة المجال وقحولته، فبفضل هندستها التقليدية تمكن الخطارة من الحفاظ على المياه وتوصيلها للأراضي المزروعة بتكلفة يسيرة، بالإضافة إلى أنها تساهم في انتعاش القطاع السياحي لأنها تعد من أهم المناظر التي تجذب السياح[54]. • "المنتوجات التقليدية": التي أبدعها حرفيون وصناع تقليديون محليون في فترات تاريخية سابقة، أو تلك التي تمت صناعتها حاليا في أوراش ومحلات مهتمة بهذه المنتوجات التقليدية، التي تمتاز بخصائص فنية وجمالية رائعة تحفظ للمجتمع خصوصيته البيئية والثقافية، وتساهم بشكل كبير في الدينامية التنموية بالمنطقة عن طريق توفير الشغل لشريحة اجتماعية مهمة، واستقطاب السياح الأجانب لاكتشاف مظاهر الابداع التقليدي الذي تمتاز به واحات عرب الصباح.
3. التراث الثقافي الشفهي واستثمار القيم لتحقيق التنمية المستدامة:
إن القيم الثقافية التي يعبر عنها ساكنة مجتمع واحات عرب الصباح من خلال إبداعاتهم الشفهية التقليدية (الأمثال الشعبية، الحكايات الشعبية، الأشعار والأغاني الشعبية...)؛ يمكن توظيفها بشكل يخدم التنمية المستدامة لهذه المنطقة، فالقيم الثقافية عموما هي بمثابة "القوى النفسية والروحية والفكرية الأكثر دافعية لتحريك عملية التنمية على مختلف المستويات لارتباطها بالمعنى الخلقي الذي ينشده المرء ويجتهد لأن تأتي أفعاله على مقتضياته في حياته اليومية"[55]. ولهذا يؤكد المهتمون بقضايا التنمية المعاصرون على عدم إهمال القيم الثقافية لتحقيق التنمية التي "لا تقوم على الثروات المادية وحدها، وإنما هي موقف واتجاه يجعل المواطنين يجتهدون في سبيل هذه التنمية"[56]. فما هي أهم الأشكال التعبيرة الشعبية المنتشرة بواحات عرب الصباح؟ تعرف واحات عرب الصباح تراثا شفهيا غنيا، يتجسد في مظاهر تعبيرية متعددة،يصعب تناولها بأكملها، لهذا حرصنا لللإشارة لأهم هذه المظاهر باختيارنا لثلاث نماذج من هذا التراث الشفهي، ونقصد بالذات: • "الأمثال الشعبية": التي لازالت تحافظ على مكانتها في نسبة التداول وأيضا في التأثير والتغللغل في مخيال الساكنة الاجتماعي، فمن خلال تصنيفنا وتحليلنا لمضمون عدد مهم من الأمثال المتداولة محليا، اتضح لنا أنها تغطي مختلف القضايا والهموم العامة والخاصة للمجتمع، كطبيعة تدبير الأعمال، وأشكال المعاملات، والعلاقات بين أفراد المجتمع حسنها وسيئها، والتمثلات الثقافية الناتجة عنها، بالإضافة إلى الشؤون العاطفية التي تختلج الانسان الواحي في حياته اليومية. • "الحكاية الشعبية": تبين لنا أن هذا الجنس الأدبي الشعبي يحمل بين سطوره الكثير من المعطيات التي تفيد الأنثروبولوجي في فهم وتفسير نمط تفكير المجتمع المحلي وسلوكات أفراده. فالحكاية الشعبية بالمجتمع المدروس -إلى جانب الأشكال التعبيرية الشفهية الأخرى- تحافظ على البنية الثقافية السائدة، وتعبر عما يجول في المخيال الاجتماعي للساكنة، كما أنها تقوم بعدة وظائف اجتماعية لعل من أبرزها التعليم وترسيخ القيم والأخلاق، وأيضا فهي بمثابة وثيقة تاريخية شفهية لأحداث تاريخية مضت، إلى جانب وظائفها في الترويح عن النفس. • "الأغنية الشعبية": من خلال البحث الميداني، اكتشفنا مدى غنى واحات عرب الصباح بهذا الفن التعبيري الذي لازم ساكنة المنطقة في فترات تاريخية إلى غاية اليوم، فإلى جانب الخصائص الفنية والجمالية الفريدة التي تمتاز بها الأغنية الشعبية بالمنطقة، فهي أيضا تقدم للباحثين صورة عامة عن تصور الساكنة لمجالهم الجغرافي وتمثلاتهم حول قضايا محلية مختلفة (النخلة، الجفاف، المرأة، الزواج...). فما هي إذن أبرز القيم المساهمة في التنمية المستخرجة من هذه الأشكال التعبيرية الشفهية؟ من خلال المقابلات العلمية التي أجريناها مع بعض الفاعلين الجمعويين والشخصيات المعروفة باهتمامها بالشؤون المحلية، تمكنا من الوقوف عند أهم القيم الثقافية التي يمكن استخراجها من هذه الإبداعات الشفهية المتنوعة، لتحفيز الساكنة على الانخراط في الجهود المبذولة لتحقيق التنمية المستدامة بهذه المنطقة، وذلك عن طريق إعادة إنتاج وترسيخ القيم الأخلاقية الإيجابية التي عرفت تراجعا في ظل المستحدات واالمتمثلة أساسا في أشكال التعاون والتضامن بين أفراد المجتمع، أو ما يعرف في الثقافة الشعبية المحلية بطقس "التويزة" الذي يوجد في مناطق أخرى في المغرب، وهو طقس يشجع على التفكير والعمل بأسلوب جماعي/تشاركي لمعالجة القضايا والشؤون العامة لساكنة الواحة. بالإضافة إلى قيم التعاون والتضامن فهناك قيم أخرى مرتبطة باحترام الوقت، وحسن تدبيره، واستغلاله في المنفعة الخاصة والعامة، وهذا ما نستنبطه على سبيل المثال لا الحصر في المثل الشعبي القائل "النواض بكري بالدهب مشري"، وهو مثل شعبي يحث على قضاء الأعمال في أوقات مبكرة وعدم تأجيلها لأوقات أخرى. كذلك القيم التي تساعد على تنظيم الموارد وتجنب أشكال الاستهلاك والتبذير المفرط كما نلاحظ اليوم بعد انتشار الثقافة الاستهلاكية في الأوساط الاجتماعية المحلية بفعل التأثيرات الخارجية، لهذا يمكن اعتماد الابداعات الشفهية لترسيخ قيم حسن التدبير والاستهلاك، وهذا ما يمكن استنباطه على سبيل التمثيل من خلال المثل الشعبي القائل "فرق الجودة عالايام"، في إشارة إلى حسن التدبير وتجنب التبذير. كما أن الابداعات الشفهية مليئة بالقيم التي توصي وتحث على المعاملة الحسنة بين أفراد العائلة الواحدة وبين الجيران، وأيضا بين كافة أفراد المجتمع، فهي تعمل على ترسيخ أخلاق التسامح والاحترام والمحبة، ومثل هذه الأخلاق والقيم ضرورية لتحقيق التنمية البشرية التي جعلت من بين أهدافها تحقيق السلم والأمان للبشرية، كما أنه بدون هذه القيم يستحيل الحديث عن التعاون والتضامن بين أفراد المجتمع، فهي بمثابة الأعمدة التي تدعم التلاحم والتماسك الاجتماعي. ووفق هذا المنظور فالحكاية الشعبية والأمثال والأشعار والأغاني الشعبية، يمكن استثمارها لتعليم الناشئة مثل هذه القيم، خاصة وقد تأكد مدى تأثيرها في ذهنية أفراد المجتمع التقليدي، خاصة عندما يرتبط الأمر بالقيم والحوافز الدينية التي تمتلك قدرة كبيرة في تحريك وتوجيه سلوك أفراد الساكنة المحلية، فالخطاب الديني يظل الأكثر احتراما وتقديسا وتأثيرا في أنماط التفكير والسلوك. إن العودة لهذه الابداعات أصبح قضية تربوية ملحة خاصة ونحن نعيش في عصر التكنولوجيا والمعلوميات التي تؤثر في نشأة الأطفال عبر سبل مختلفة لعل الفيديوهات والأفلام الكارتونية على رأس هذه القائمة؛ حيث نجد اليوم هوسا وإقبالا متزايدا من طرف الناشئة للأفلام الكرتونية التي تقدم شخصيات غريبة عن الثقافة المحلية لعل أشهرها شخصيات "باتمان" و "سوبيرمان" و"سبايدرمان"... وغيرها كثير، ما ينعكس سلبا على شخصية الطفل الحدث الذي يفقد جزءا مهما من قيم وأخلاق ثقافته المحلية لصالح قيم خارجية. إلى جانب ما تذخر به هذه المأثورات الشعبية الشفهية من قيم وأخلاق يمكن الاستفادة منها لتحقيق تنمية مستدامة، فإنها كذلك تمثل ثروة مهمة يمكن الاستفادة منها في التنمية الاقتصادية بشكل مباشر، عبر استثمارها في المجالات الفنية والإبداع المسرحي والسينمائي، وأيضا في المهرجانات المحلية التي تعرف بالثقافة المحلية، بالإضافة إلى إنعاش القطاع السياحي بالمنطقة عبر الأنشطة الفولكلورية ذات الطابع والخصوصية المحلية.
المحور الرابع: المظاهر الثقافية التي تعرقل التنمية المستدامة بالمجال الواحي/القروي.
أشرنا سابقا، لوجه الثقافة المشرق، ودورها الإيجابي في الدفع بعجلة التنمية المستدامة، إلا أن هذا لا يعني البتة أن هذه الثقافة خالية من المظاهر والأشكال السلبية التي تعيق التقدم والتطور والنمو؛ "فالثقافة يمكن أن تكون مشجعة ومسرعة للتنمية، وقد تكون عقبة في طريقها"[57]. لهذا سنحاول إبراز الملامح والمظاهر الثقافية التي لا تخدم سيرورة التنمية بل تعرقلها، وفي أفضل الحالات تجعلها بطيئة جدا. خاصة عندما يرتبط الأمر بالتمثلات والقيم والمعتقدات والعادات السلبية التي لا تمت لا لتعاليم الدين الإسلامي ولا لما توصل له العلم بصلة؛ ونقصد بالذات تلك الرواسب الثقافية التي ارتبطت بأجيال سابقة وظل المخيال الشعبي محافظا عليها تمثلا وسلوكا مع أنها لا تخدم المجتمع في شيء، بل تضره وتجعله يعيد إنتاج حالات الركود والجهل في عصر جعل شعاره التقدم والتنمية. إن هذه المظاهر الثقافية المعرقلة للتنمية منتشرة في المجتمع المغربي وخاصة في مجالاته القروية التي تحكمها -كما قالبول باسكون- "ثقافة فظة، عاجزة عن التقدم، قليلة الإنتاج تربكها أعراف بالية"[58]، طبعا مع تباين في درجة الانتشار وفي طبيعة الممارسة حسب السياق الزماني والمكاني الذي احتضن هذه المظاهر. فما هي مظاهرها في المجال الواحي/القروي؟ وكيف تعرقل التنمية المستدامة بهذا المجال؟
1. نماذج من المظاهر الثقافية المعرقلة للتنمية:
• الاعتقاد في الأولياء وبركاتهم. بلغت زيارة الأولياء والتبرك بهم درجة كبيرة من الترسخ والانتشار في المجتمع المغربي، حتى قيل عنه أنه " بلد المائة ألف ولي"، وأن " أرضه تنبت الصالحين والأولياء كما تنبت الأرض الكلأ" وأنه يختلف عن البلدان المشرقية رغم أنهم يشتركون في الديانة الإسلامية؛ لكن "إذا كانت بلاد المشرق هي بلاد الرسل والأنبياء فإن بلاد المغرب هي بلاد الصالحين والأولياء". إن هذه المقولات وغيرها لم تولد من فراغ، وإنما لها مبرراتها وبراهينها الواقعية والموضوعية المتمثلة في أن هذا المجتمع يعج بعدد هائل من الأضرحة، لنكون أمام ظاهرة عويصة، لطالما جذبت اهتمام مجموعة من الباحثين سواء الأجانب أو المحليين من تخصصات مختلفة، نظرا لتعقد وتشابك هذه الظاهرة مع السياسي والتاريخي والاجتماعي والنفسي والديني؛ لعل من أبرزهم الأنثروبولوجي إدوارد فيستمارك الذي يرى أن تقديس الأولياء نبتت في الأصل في حقل الوثنية السابقة عن مجيء الإسلام[59] . بينما يرى إدموند دوتي أن ظاهرة تقديس الأولياء لا ترجع فقط إلى البقايا الوثنية القديمة، وإنما تعود أيضا إلى التوحيد المفرط للإسلام[60]. في حين يرجعها إدوارد مونتي إلى الظروف التاريخية والسياسية التي سادت خلال القرن (16م)، والمتمثلة في الانتصارات الصليبية؛ فكانت دافعا للجهاد ضد العدو من خلال اتباع مجموعة من الزعماء الذين عرفوا بصلاحهم[61]. وأما إميل دريمينغم فيرى أن الأضرحة كانت معابد وثنية قديمة تحولت إلى أماكن يقدسها اليهود إبان انتشار ديانتهم، ثم أصبحت أضرحة لأولياء مسلمين بعد دخول الإسلام[62]. وبالتالي فهذا الاهتمام بظاهرة الأضرحة بالمغرب كان بعد أن اكتشف هؤلاء الباحثون مدى ترسخ تقديس الأولياء في عمق بنيات المجتمع المغربي، حتى أصبحت جغرافيته جغرافية قدسية كما وضح نور الدين الزاهي[63] تستقطب سنويا مجموعات عديدة من الزوار من داخل البلد ومن خارجه، ومن ضمن هذه المجموعات اليهود المغاربة؛ يقول عبد الرحمان بشير في كتابه "اليهود في المغرب العربي" أن "يهود الشمال الإفريقي، اعتادوا على زيارة قبور القديسين وفاء لنذور قطعوها عليها، إذ كانت عائلات بأكملها تتحمل في بعض الأحيان عناء الأسفار الطويلة للوصول إلى أماكن هؤلاء القديسين في مواعيد محددة.[64] وفي اعتقادنا فكثرة الأضرحة بهذه الشاكلة، والأهمية الكبيرة التي تحظى بها في المخيال الشعبي بالمجتمع المغربي، يرجع إلى التأثير القوي لليهود المغاربة الذين كانوا يقطنون بالمغرب على المكونات الثقافية الأخرى، فعادة زيارة الأولياء وتقديسهم تعتبر كما وضح إلي مالكا في كتابه "العوائد اليهودية العتيقة من المهد إلى اللحد" من أبرز العادات القديمة التي كان يمارسها اليهود منذ دخولهم للمغرب الذي كان يسكنه الأمازيغ[65]؛ وإلا كيف نفسر هذا العدد الهائل للأولياء في المغرب الأقصى (بلد المائة ألف ولي !) مقارنة مع الدول المغاربية المجاورة خصوصا، والدول العربية عموما، التي تشترك في الديانة واللغة؟ مع العلم أن المغرب الأقصى يتصدر قائمة البلدان التي احتضنت اليهود[66] في فترات اضطهادهم إبان الحروب الصليبية في الأندلس. تبين لنا من خلال البحث الميداني في واحات عرب الصباح أنه رغم التحولات التي عرفتها هذه الظاهرة في نسبة انتشارها، إلا أن الاعتقاد بقدرات الولي وكراماته لا يزال سائدا في أذهان بعض أفراد المجتمع خاصة منهم النساء. والسبب الوجيه لاستمرار رسوخ هذه الظاهرة بالمناطق الواحية/القروية؛ يرجع إلى أن أغلب قاطني هذه المناطق لايزالون يعانون من آفة الأمية والجهل.
• مكانة المرأة في المخيال الشعبي وانعكاساتها على المجتمع. تعتبر قضية المرأة ومكانتها في المجتمع الواحي/القروي من أبرز الأمثلة التي توضح العلاقة الجدلية بين الديني وبين العادات والتقاليد والمعتقدات الشعبية التي لا تمت لتعاليم الدين بصلة؛ لنجد أنفسنا أمام ما يسمى بالدين الشعبي الذي تختلط فيه التعاليم الدينية بالتمثلات والمعتقدات الشعبية التي أنتجها المخيال الاجتماعي في سياقات سوسيوتاريخية مختلفة. كما أن قضية المرأة ومكانتها بهذه الأوساط تعد خير نموذج لسلطة المخيال الشعبي في وضع معايير وقيم تحدد شكل وبنية العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع وبإسم التعاليم الدينية في أغلب الأحيان. فنظرة أفراد المجتمع للمرأة تشوبها الكثير من الأفكار والعادات والمعتقدات التي تفقد المرأة مكانتها ودورها الاجتماعي والاقتصادي، كما تسلبها الكثير من الحقوق التي منحها إياها الدين الإسلامي والقوانين الوضعية. يتعامل الكثير من سكان القرى المغربية مع المرأة وكأنها كائن من الدرجة الثانية، أو مجرد كائن خلق من أجل خدمة الرجل، وهذه النظرة –كما تبين لنا من خلال بحثنا الميداني- ترتكز في الغالب على الفهم المغلوط للنصوص الدينية الصحيحة وأيضا تلك التي تنسب للدين الإسلامي، وبالخصوص في المسائل الخاصة "بقوامة الرجل" و أن المرأة "ناقصة عقل ودين"، وأنها "خلقت من ضلع أعوج"، وأن "كيدهن عظيم"، وأنها "سبب الخطيئة الأولى التي أخرجت آدم وحواء من الجنة"...الخ. إن هذه النصوص وغيرها يتم استخدامها في غير محلها وفي كل مناسبة لتبرير النظرة السلبية حول المرأة، في حين يندر أن تجد من يردد النصوص الدينية التي تبرز مكانة المرأة ودورها الاجتماعي وضرورة التعامل معها بالتي هي أحسن. وليس همنا هنا أن نفتح حوارا فقهيا حول المرأة ومكانتها، إنما نريد أن نقف عند آثار وضعية المرأة على تنمية المجتمع. إذا كان المخيال الاجتماعي الذكوري ينظر للمرأة نظرة احتقار و دونية، فإن هذا ينعكس أيضا على نظرة المرأة لنفسها التي تكون –غالبا- سلبية، تبعا للمخيال الشعبي السائد في المجتمع، فتكون بذلك كضحية مساهمة في تكريس الهيمنة الذكورية وفق تحليل السوسيولوجي بيير بورديو، وهذا لأنها مقيدة بأعراف وقيم ثقافية يتم ترسيخها في أذهان الذكر والأنثى معا، عن طريق مؤسسات التنشئة الاجتماعية التي تعمل على خلق طباعٍ تتماشى والمخيال الاجتماعي السائد. إن هذه الدونية التي تكرس في حق المرأة بالمجتمع القروي لها أثر بالغ على المستوى التنموي، لأنها تكبل المرأة وتمنعها من المساهمة في النهوض بالمجتمع، كما أنها تضر بمستقبله الذي يرتكز على الأجيال الناشئة وفئة الشباب الذين يلقون جزئا مهما من تربيتهم على يد المرأة، فكيف لها وهي تعاني من القمع والتهميش والاحتقار، أن تربي الأطفال على القيم الإيجابية التي تشجع على التفكير الإيجاب والعمل الجاد واحترام الوقت، وحسن تدبير الموارد، والقدرة على الاستثمار في مشاريع ترجع بالفضل عليهم وعلى المجتمع؛ "ففاقد الشيء لا يعطيه". وهذه المواقف السلبية تجاه المرأة تجد سندا لها في الكثير من أشكال التعبير الشفهي، التي تذخر بالنصوص التي تكرس دونية المرأة لعل أكثرها ترددا على ألسنة الساكنة المثل الشعبي القائل " شاورها أو ماديرش برايها"؛ وهو –في اعتقادنا- يقدم صورة إجمالية لوضية المرأة بهذا الوسط، فرأي المرأة –تبعا لهذا المخيال الشعبي- لا يفيد بشيء، لأنها لا تمتلك القدرة على التفكير كالرجل، لذلك وجب أن تكون تابعة لا مبدعة !
• العصبية القبلية والإنتخابات المحلية. إن قراءة مبسطة لعمق المنظور الخلدوني حول ظاهرة العصبية القبلية التي تقف كمحرك وآلية لحالة الدوران التي تعرفها المجتمعات في تداول السلطة؛ تمكننا من تحديد هذا المفهوم - إجمالا- كحالة سيكولوجية تدفع الإنسان لينحاز لنسبه أو عشيرته أو قبيلته، وفي المقابل تدفعه لمواجهة وإقصاء الأنساب والعشائر والتجمعات القبلية الأخرى، أو التحالف مع بعضها ضد البعض الآخر، كل ذلك يتم وفق تبريرات ومرتكزات ذاتية، تصاغ بمقياس مدى اختلافها الأنساب الأخرى مع"النحن". وبالرغم من كون "العصبية" تعد من البقايا الثقافية التي خلفتها المجتمعات التقليدية، قد تراجعت قوة حضورها بفعل التحولات السياسية والاجتماعية والفكرية؛ إلا أننا نلمس في عصرنا ممارسات على شاكلتها؛ حيث تحضر العصبية كموقف سيكولوجي يجد صداه في مظاهر مختلفة من أبرزها الانتخابات المحلية التي تعرفها المناطق الواحية/القروية. لا يمكن الشك في دور الجماعات القروية والحضرية كمؤسسات عمومية في التنمية المحلية، انطلاقا من إشرافها على عدة مشاريع حكومية وأخرى غير حكومية، وفي بعض الأحيان تنجز مشاريع بشراكة مع منظمات المجتمع المدني الدولية والمحلية. مما يعني أن نتائج عملية انتخاب الفاعلين بهذه المؤسسات لها أهمية وتأثير كبيرين في مستقبل المنطقة التنموي. فما هي المرتكزات التي يستند عليها المشتركون في عملية انتخاب الفاعلين الجماعيين بالمجتمع القروي؟ هناك معايير مختلفة يتم بواسطتها اختيار المرشح الجماعي في الأوساط القروية، كالمستوى التعليمي، ومدى اهتمام المرشح بالمصلحة العامة، وكذلك حسن أخلاقه وتعامله، بالإضافة إلى مكانته الاجتماعية الرمزية والمادية...الخ؛ إلا أن المعيار الأكثر تأثيرا إلى جانب "الرشوة" في عملية الاختيار من خلال تتبعنا المستمر للقضايا الخاصة بالانتخابات المحلية، هو معيار "القرابة الدموية" أو "النسب"؛ إنه الشرط الذي تنتفي بوجوده مختلف الشروط السابقة، كما يمكن اعتباره ورقة الحسم في قرار اختيار المرشح عند السواد الأعظم من الساكنة المحلية. والواقع الانتخابي المحلي يفصح عن هذه الظاهرة التي تنتصر للعصبية القبلية في اختيار المرشح الجماعي، فليس من الغريب –في هذا المجتمع- أن يفوز مرشحون بالانتخابات الجماعية بشكل مستمر، ليس لأن لهم مؤهلات موضوعية تؤهلهم لذلك (المستوى التعليمي، الكفاءة ، النزاهة، الغيرة على المصالح العامة...) بل لأنهم ينتمون لعائلة ممتدة النسب والقرابة تتكون من أفراد كثر في الدائرة الانتخابية المحسوبين عليها، تكفي أصواتهم الانتخابية أن تتحكم في نتائج الانتخابات المحلية، حتى وإن كان المرشح غير مرغوب فيه عند الساكنة، لأن التجارب السابقة كانت كفيلة بتصنيفه ضمن قائمة ("السراقة"، المستغلين للمال العام، المتهاونين في أداء الواجب...)؛ وبالتالي فالفصل في آخر المطاف لنجاح المرشح يكمن في توفره على عدد كبير من الذين تربطهم به قرابات دموية باعتبارهم أوراقا انتخابية مضمونة. هذا مع أن لدفع الأموال (الرشوة) أيضا تأثير كبير في العملية الانتخابية بهذه المجتمعات.
• التمثلات المرتبطة بالعين الشريرة و التشاؤم (النحس). إن الاعتقاد بالعين الشريرة وبأضرارها ليس ظاهرة جديدة، بل هي ظاهرة ضاربة في القدم، كما أنها ارتبطت بحضارات وثقافات مختلفة على مر التاريخ. ورغم مجيء الديانات السماوية من جهة والتطور العلمي من جهة ثانية، إلا أن هذا الاعتقاد بقدرة العين الشريرة على إلحاق أضرار مختلفة لم يتم القطع معه نهائيا، بل يعاد إنتاجه إلى غاية اليوم. كما أن الممارسات المرتبطة بهذا الاعتقاد لا زالت تعرف رواجا كبيرا خاصة في المجتمعات التقليدية. يعتقد الكثير من قاطني المجتمع الواحي/القروي أن للعين تأثير قوي في الكثير من الأحداث التي تحصل لأفراد بعينهم، حيث يتم تأويل الكثير من الأمراض النفسية (الاكتئاب، العصاب، الذهان، الهستيريا...) وأيضا العضوية (الحمى، الكسور، الشلل، إصفرار الوجه...) بأنها من فعل شخص آخر عيّن ( "قوس عليه"، "نقرو" بالتعابير المحلية) المريض بنظراته التي تنبع من إحساسه بالحسد والغيرة والحقد...الخ. ووفق هذا الاعتبار يتم وصم الكثير من الأشخاص بأنهم يمتلكون قدرة على التعيين (التقواس)، وأن لفعلهم هذا أثر سلبي على حياة أفراد المجتمع، بل يبلغ الأمر أكثر من ذلك، فنجد أن هناك من يصف قصرا بأكمله بأنه "قصر النقارة" (أي قصر يقطنه أناس كلهم لهم عيون شريرة)؛ ولهذا يتم أخذ الحيطة والحذر قبل حدوث الضرر الناتج عن العين الشريرة عن طريقمجموعة من الطقوس السحرية كالأحجبة والتمائم والتعاويذ وغيرها...الخ، التي يعتقد معلقوها أن لها القدرة على حفظهم من حسد الآخرين وعيونهم.
• التمثلات المرتبطة بالقدرية (المَكْتُوبْ/ المَكْتَابْ). تعتبر التمثلات المرتبطة بالقدرية أو ما يصطلح عليه في الثقافة المحلية (بالمكتوب أو المكتاب) من أخطر التمثلات التي تقف في وجه التنمية ولو بشكل خفي مضمر، فالمسألة تتجاوز الإعتقاد الديني بحقيقة القدر إلى حالة سيكولوجية تسيطر على نمط التفكير عند بعض ساكنة المجالات القروية، حيث يتم تأويل الفشل في المشاريع بمختلف أصنافها بأنه قدر محتوم لا مفر منه، وإن كان في الحقيقة مجرد نتيجة منطقية للكسل والخمول، أو لسوء تدبير الموارد المادية والبشرية، وكذلك لعدم الاستفادة من الزمن بالشكل المطلوب، بالإضافة إلى سوء تسيير المشاريع الكبرى والصغرى وفق استراتيجية وخطة ناجحة. ففي غالب الأحيان يردد السكان المحليون المثل الشعبي "المكتوب ما منو هروب" والواقع أن هذا القول إنما يعبر -في أحايين كثيرة- عن هروب من مسؤولية تهاونهم وتقاعسهم في أداء أعمالهم بجدية ونشاط وبتدبير وتخطيط ناجح، وليس عن إيمان بالقضاء والقدر.
• المناسبات الاحتفالية وكلفتها المادية. رغم ما يمكن تسجيله من إيجابيات في الاحتفالات التي تقام في المجتمع الواحي/القروي ونقصد بالذات (الأعراس، مناسبة الاحتفال بمولود جديد "السبوع"، الاحتفال بمناسبة الحج...) إلا أنها مع ذلك تتضمن الكثير من السلبيات التي تضر بأصحابها وبالمجتمع ككل، لعل الكلفة المادية المخصصة لهذه الاحتفالات تتحدد كأبرز مظاهر السلبية فيها، فالناس لا يقيمون الاحتفال وفق تكلفة تناسب وضعهم الاجتماعي وحالتهم المادية، إنما الكل يحاول محاكاة الطريقة السائدة في طقوس الاحتفال، وفي تكلفته المادية وإن كلف الفقراء من الناس بأخذ القروض لإتمام مصاريف الاحتفال، لكي لا يخجل أمام الناس الذين لا يرحمون بكلامهم؛ ولهذا يردد الساكنة المثل الشعبي القائل: "إلى كليت دجاج الناس سمن دجاجك". إن هذا المثل، هو من ضمن أمثال ومقولات عديدة ترسخ المعادلة التي تجعل من الأعراس والاحتفالات تساوي التكلفة المادية الضخمة، وإن عادت بالضرر على صاحبها بعد انتهاء الاحتفال؛ ففي المجتمع القروي يتم النظر لمشروع الزواج من الناحية المادية كغول يصعب ترويضه، لهذا يتم تأجيله والاستعداد له لسنوات طوال، أو الاتجاء للقروض إذا كان مباغتا ونقصد على وجه الخصوص أسرة العروس التي يطرق بابها لتزويج ابنتهم، بعد أن يحدد أهل الزوج تاريخ العرس. وجراء هذه الثقافة السائدة يحرم الكثير من الشباب من الزواج، لأن أمامهم عقبة كبيرة تسمى العرس وطقوسه التي تتخذ عدة أيام، عنوانها الرئيس هو الخسارة والتكلفة المادية قبل الاحتفال وأثناء الاحتفال وبعده. ولهذا ليس من السهل –تبعا لهذا المخيال السائد- إنجاز الاحتفالات في هذه المناطق، وهذا ما تؤكده الأمثال الشعبية السائدة: " اللي قال ليك العرس ساهل يسقي لو غير الما"، وأيضا المثل الذي يقال لمن رزق بمولود أنثى عندما يراه الناس مهموما فإنهم يقولون عنه " زاد عندو ماريو"؛ أي أن هذه المولودة الجديدة ستكلف آباءها تكلفة مادية مهمة لتزويجها. وأيضا المثل القائل: " زواج ليلة تدبيرو عام"، فمن بين رسالاته المضمرة أن عرس الزواج ليس محطة سهلة إنما تحتاج تخطيطا واستعدادا وتكلفة مادية مهمة لكي يتم إنجازه.
• المعتقدات السحرية وأضرارها الاجتماعية. رغم التحولات التي عرفها المجتمع الواحي/القروي التي زعزعت أنماط التفكير والممارسات اليومية؛ إلا أن بعض الاعتقادات والممارسات السحرية لازالت راسخة القدم عند بعض الفئات الاجتماعية، وهذا ما تأكد لنا من خلال العمل الميداني. فبعض الناس في المناطق القروية يتعاطون للسحر كما يعتادون الالتجاء للسحرة لتحقيق غاياتهم التي لم يستطيعوا تحقيقها بطرق مشروعة؛ وهي في الغالب ترتبط بشؤون أسرية (زواج، طلاق، الإرث، المكانة، السيطرة...) أو بشؤون المال والعمل (السرقة، إفساد، مخاصمة الشركاء، الربح، التحكم...). إن مثل هذه الممارسات تصيب المجتمع بالشلل، لإنها تساهم في تفريخ الجهل والسلبية، وتشل محاولات التفكير والتدبير العقلاني. وهذا أبرز وجه من وجوه أسباب الركود التي تعرفها المجتمعات التقليدية خاصة على المستوى الفكري.
2. أثر هذه المظاهر الثقافية السلبية على التنمية المستدامة: لقد بينا في محطات مختلفة من هذا المقال أن سؤال التنمية في المجال الواحي/القروي يتميز بالتركيب والتعقيد، لذا يستوجب عدة مداخل ومقاربات لمعالجته، من بين هذه المداخل هي محاولة تجاوز المظاهر الثقافية المترسخة في المخيال الشعبي، والتي تعيق تنمية المجتمع وتضر بأفراده كتلك التي ذكرنا في هذا المقال. ولا نقصد هنا التدخل بعنف من أجل التغيير، إنما عن طريق التعليم والتوعية وأنشطة المجتمع المدني يمكن فعل ذلك دون إلحاق الضرر بالساكنة المحلية، فمن المعلوم أن تغيير عادات ومعتقدات وتمثلات مجتمع ما مسألة صعبة؛ وتحتاج لمدة طويلة، لأنها راسخة ومنقوشة في العقل الجمعي لأفراده. وهذا ما تؤكده الثقافة الشعبية نفسها من خلال المثل القائل: "تحيد الجبال من ماضعها أو ما تحيدش العوايد من اماليها". يشير ريمي لوفو في دراسته حول "الفلاح المغربي المدافع عن العرش" أن "أهم العوامل التي تعوق التنمية في المجتمع، هي العوامل الثقافية، ومنها خصائص وطبيعة العائلة، القيم والعادات والتقاليد، ونظرة الناس إلى العالم الذي يعيشون فيه..."[67]، ولهذا نبه إلى مسألة لطالما يهملها مطبقوا البرامج التنموية في المغرب الذين يعتمدون مقاربة تقنية/اقتصادية ميكانيكية، دون مراعاة الخصوصية التي تميز المجال موضوع تنزيل البرنامج التنموي، يقول ريمي لوفو في هذا الشأن:"إن قبول أي برامج للتنمية أو جزء منه لا بد أن يكون مصمما بشكل يتفق مع العوامل الثقافية المعقدة والممارسات الاجتماعية والمعتقدات ورؤى العالم والقيم والاتجاهات السائدة في هذا المجتمع"[68] لأن هذه العوامل لها دور كبير وذو فاعلية وأهمية من حيث قبول أفراد المجتمع أو رفضهم للبرامج الخاصة بالتغير المباشر الذي يتم عن طريق المؤسسات الخارجية[69]. ووفق هذه الاعتبارات، فالتنمية لا تتطلب الجمود والسكون والتواكل والكسل، والتفكير الخرافي، وإنما تتطلب النمو والتطور وسيادة قيم الطموح وروح المبادرة[70]، ولن يتم ذلك إلا بإحداث تغير ثقافي يؤدي إلى إضعاف القيم الاجتماعية المتوارثة، أو استبدالها بطائفة من القيم ومظاهر السلوك الجديدة[71] التي لا تتعارض مع خصوصية المجتمع الدينية، لأن جوهر التعاليم الدينية الإسلامية لا تتعارض مع متطلبات التنمية والتحديث الذي يخدم مصالح الأفراد والمجتمع، ولهذا دعى أحمد رشوان لضرورة الانتفاع بالحوافز الدينية خاصة في التنمية القروية فهي التي تحركهم وتحمسهم في تطوير المجتمع[72]، وهو المبدأ الذي فسر من خلاله ماكس فيبر نشوء وتطور النظام الرأسمالي حيث الارتكاز على القيم الدينية للطائفة البروتيستانتية من أجل صنع التقدم والتطور والتنمية. إذن بالرغم من أننا نعيش في عصر العولمة وازدهار المعارف والبحث العلمي وتقنيات التواصل، إلا أن مجتمعاتنا لازالت غارقة بمخلفات ثقافية ترجع لحقب تاريخية قديمة، لكن تأثيرها لم يتوقف نظرا لتمسك المجتمع بها والعمل على نشرها والحفاظ عليها، في هذا السياق يقول الأنثروبولوجي إدوارد تايلور: "إننا نجد للكثير من العادات الراسخة في المجتمع الحديث أصولا قديمة، ومعان ثابتة مفهومة في المجتمعات القديمة، وكذلك في ما حل محلها من المجتمعات البدائية بعد أن تكون تلك المعاني قد نسيت تماما، وأصبحت الأفعال ذاتها تمارس كجزء من التراث الثقافي في المجتمع دون أن يفهم الناس معناها، أو بعد أن يعطوا لها معان أخرى مختلفة عن المعاني الأصلية"[73]، هذه العادات والممارسات هي ما يطلق عليها تايلور بالرواسب الثقافية[74] التي تظل متواجدة رغم ما يشهده المجتمع من تغيير ودينامية، لأنها راسخة في أذهان ممارسيها. إن بعض الظواهر الثقافية السلبية المذكورة سابقا وغيرها ارتبط أغلبها بحضارات وثقافات مختلفة لا تتفق مع روح التعاليم الإسلامية ولا مع العلم الوضعي، لذا فهي تعتبر في حضارتنا المعاصرة بمثابة ظواهر مرضية وملوثات تعوق التقدم والتنمية المستدامة، فأشكال الاتكالية، وتبرير سوء التدبير والخمول والكسل بالمكتوب، وأيضا التمسك بالممارسات السحرية وبالأفكار الخرافية والمعتقدات الوثنية، بالإضافة إلى احتقار المرأة والنظر إليها نظرة دونية، وإقصاء فئة الشباب من المشاركة في تدبير الشؤون العمومية، وارتباط الانتخابات المحلية التي تختار الفاعلين الجماعيين بالعصبية القبلية في عملية الاقتراع، دون مراعاة مقاييس مثل الكفاءة والنزاهة وتغليب المصلحة العامة...الخ؛ كل هذا يصيب المجتمع بآفة الركود والتخلف، ويجهض كل محاولات تحقيق، وفي أحسن الأحوال يجعل مسار هذه العملية بطيئا جدا في عصر التطور والتقدم السريع.
خلاصة عامة: إن قضية التنمية في مختلف تجلياتها هي بدون شك مجرد انعكاس منطقي لطبيعة الثقافة السائدة في المجتمع؛ فالقيم والمعتقدات وأنماط التفكير ومختلف التمثلات التي يتشبث بها الأفراد في مخيالهم الاجتماعي، هي من تتحكم في الأسلوب الذي ينتهجه هؤلاء في تسيير وتدبير مواردهم المادية والبشرية، وفي معالجة إشكالياتهم التنموية المطروحة. فمن المؤكد أن للثقافة والتنمية ارتباط عضوي لا يمكن الفصل بينهما، أو الادعاء بأن تأثير الأولى في الثانية مجرد تأثير ثانوي مقارنة مع تأثير العوامل الأخرى المتحكمة في دينامية المجتمع وتقدمه كالعامل الاقتصادي مثلا. وفق هذا المنظور الذي يولي أهمية محورية للعامل الثقافي في تنمية وتقدم المجتمعات، فقد تبين لنا من خلال البحث الميداني أن استثمار التراث الثقافي بالواحات المغربية للغايات التنموية أصبح مسألة ملحة؛ خاصة ونحن بصدد مجتمع تتأسس معالمه الكبرى في مجملها على المرتكزات الثقافية، كما أن تراثه الثقافي في شقيه المادي والشفهي يذخر بالكثير من النماذج التي يمكن أن تكون دعامة أساسية للنهوض بالمنطقة وتنميتها تنمية مستدامة إن أحسن استثمارها، وفي المقابل العمل على تجاوز مختلف الأشكال الثقافية السلبية التي تعيق سيرورة التنمية كما وضحنا سابقا. إذا كان هذا هو واقع المجتمع بالواحات المغربية، فمن اللازم على مختلف الجهود الرامية لتنمية المنطقة عن طريق تنزيل مجموعة من المشاريع التنموية أن تتبنى المقاربة الثقافية إلى جانب مقاربات أخرى لتحقيق ذلك؛ هذه المقاربة التي تولي أهمية كبرى لخصوصية المجتمع الثقافية ولتطلعات أفراده عبر استشارتهم في البرامج التنموية المراد تنزيلها، وإشراكهم في استراتيجية التطبيق، مع الحرص على عدم الاضرار ببيئتم وتراثهم. إن الحاجة لعلمي الأنثربولوجيا والسوسيولوجيا في مجال التنمية لا يقتصر على وضع النظريات والمفاهيم الضرورية على المستوى النظري، بل إن الحاجة الملحة أكثر هي مساهمة هذين العلمين في عملية تنزيل وتطبيق المشاريع التنموية، وذلك من خلال إنجاز دراسات وبحوث حول ثقافة المجتمع وبنياته ونظمه الاجتماعية، وأنماط تفكير أفراده وتمثلاته، وكذلك حول آرائهم للفعل التنموي بمجالهم وكيفية تدبير مواردهم المادية والبشرية. وهذه المرحلة نؤكد على أهميتها قبل الشروع في عملية التطبيق الفعلي لبرامج التنمية.
الهوامش: ________________________________________ * هذا المقال مقتطف من دراسة سوسيوأنثروبولوجية (ميدانية) لنيل شهادة الماستر بعنوان "التراث الثقافي والتنمية المستدامة بالمجال الواحي (واحات عرب الصباح نماذجا)"، تحت إشراف الدكتور مبارك الطايعي، جامعة "إبن طفيل القنيطرة"، 2014. [1] الثقافة والتنمية، منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (UNESCO) http://www.unesco.org/ar/cultural-diversity/culture-and-development/ [2] حسين عبد الحميد أحمد رشوان، "الثقافة: دراسة في علم الاجتماع الثقافي"، نشر مؤسسة شباب الجامعة، جامعة الإسكندرية، ص:9. [3] عبد الغاني عماد،"سوسيولوجيا الثقافة" (المفاهيم ولإشكاليات..من الحداثة إلى العولمة)، مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، بيروت 2006، ص:27. [4] عبد الغاني عماد، المرجع نفسه، ص:29. [5] إبن منظور،" لسان العرب"، تحقيق: عبد الله علي الكبير، محمد أحمد حسب الله، هشام محمد الشادلي،دار المعارف،كرنيش النيل، القاهرة، 1119، ص:492. [6] مالك بن نبي،" مشكلات حضارية: مشكلة الثقافة" ، ت: عبد الصبور شاهين، دار الفكر المعاصر، الطبعة الرابعة، بيروت 2000،ص: 24. [7] إبراهيم أقديم ومصطفى أعفير ،"اللغة والثقافة: رهانات المغرب الحديث" ، أعمال الندوة التكريمية للأستاذ العميد محمد الشاد، يوم 30-31 مارس 01 أبريل 2006، منشورات ك.أع.إ ظهر المهراز فاس، سلسلة الندوات التكريمية، ص: 86. [8] دنيس كوش، "مفهوم الثقافة في العلوم الاجتماعية"، ت: منير السعيداني، مراجعة: الطاهر لبيب، نشر المنظمة العربية للترجمة، ط 1 ، بيروت 2007.، ص:17. [9] Le Petit Robert de la langue Française 2014 , http://www.lepetitrobert.fr/. [10] عبد الغاني عماد،"سوسيولوجيا الثقافة" م.س، ص: 28. [11] دنيس كوش، "مفهوم الثقافة في العلوم الاجتماعية"، م.س، ص:31. [12] موسوعة علم الإنسان، "المفاهيم والمصطلحات والأنثروبولوجية"، تأليف شارلوت سيمور-شميث، ت: مجموعة من الأساتذة في علم الاجتماع، بإشراف محمد الجوهري، القاهرة 2008، ص:166. [13] مالك بن نبي،" مشكلات حضارية: مشكلة الثقافة" م.س، ص:30. [14] عبد الغاني عماد،"سوسيولوجيا الثقافة" م.س، ص: 31. [15] حسين عبد الحميد أحمد رشوان، "الثقافة: دراسة في علم الاجتماع الثقافي"، م.س، ص:11. [16] دنيس كوش، "مفهوم الثقافة في العلوم الاجتماعية"، م.س، ص:9. [17] موسوعة علم الاجتماع(المجلد الأول)، جوردون مارشال، ت: محمد الجوهري، أحمد زايد، محمد محيي الدين، عدلي السمري، محمود عبد الرشيد، هناء الجوهري، مراجعة وتقديم: محمد الجوهري، المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة،ط2، 2007، ص:456. [18] آدم كوبر،" الثاقفة: التفسير الأنثروبولوجي"، ت: تراجي فتحي، مراجعة: ليلى الموسوي، عالم المعرفة -349، مارس 2008، ص:31. [19] المرجع نفسه، ص: 67. [20] أنطوني غيدنز، "علم الاجتماع" ت: فايز الصياغ، المنظمة العبية للترجمة، مكز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الرابعة، بيروت 2005، ص:79. [21] المرجع نفسه، ص:82. [22] محمد الجوهري، " المدخل إلى علم الاجتماع "، كلية الآداب، الطبعة الثانية، القاهرة 2007، ص: 83. [23] هشام المكي(تحرير ومؤلف)، زهير لخيار، مصطفى المريط، حفيظ يونسي، (مؤلفون)، "سؤال التنمية في الوطن العربي مداخل عملية ورؤى نقدية، نشر مركز نساء للبحوث والدراسات، ط 1 ، بيروت 2014، ص:20. [24] أسامة عبد الرحمان، "البيروقراطية النفطية ومعضلة التنمية"، سلسلة عالم المعرفة 57، الكويت يونيو 1982، ص:13. [25] هشام المكي(تحرير ومؤلف)، زهير لخيار، مصطفى المريط، حفيظ يونسي، (مؤلفون)، "سؤال التنمية في الوطن العربي مداخل عملية ورؤى نقدية" م.س، ص:20. [26] "العمل الثقافي والمشروع التنموي"، الملتقى الوطني لمدينة صفرو من المبادرة إلى المشروع، طبع بشراكة مع الجماعة الحضرية لمدينة صفرو، ص:27. [27] هشام المكي(تحرير ومؤلف)، زهير لخيار، مصطفى المريط، حفيظ يونسي، (مؤلفون)، "سؤال التنمية في الوطن العربي مداخل عملية ورؤى نقدية"، م.س، ص:20. [28] المرجع نفسه، ص: 40. [29] المهدي المنجرة، "قيمة القيم"،مطبعة النجاح الجديدة،الدار البيضاء، الطبعة 3، يناير 2008، ص:20. [30] أسامة عبد الرحمان، "البيروقراطية النفطية ومعضلة التنمية"، م.س، ص:14. [31] المرجع نفسه، ص:16. [32] نور الدين الزاهي، "المدخل لعلم الاجتماع"، مطبعة النجاح الجديدة، دفاتر وجهة نظر(20)، ط1، 2011، ص: 92. [33] باسل البستاني، " جدلية نهج التنمية المستدامة منابع التكوين ومواقع التمكين"، مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، ص: 46. [34] أنطوني غيدنز، "علم الاجتماع"، م.س، ص:640. [35] إسماعيل عبد الفتاح عبد الكافي، " معجم مصطلحات عصر العولمة"،مصطلحات سياسية واقتصادية واجتماعية ونفسية وإعلامية،www.kotobarabia.com ، 2003، ص:157. [36] هشام المكي، "سؤال التنمية في الوطن العربي مداخل عملية ورؤى نقدية، نشر مركز نساء للبحوث والدراسات، ط 1 ، بيروت 2014، ص:19. [37]عبد المالك ورد، "التنمية المستدامة في العالم القروي والواحات"، أعمال ندوة ،إعداد وتنسيق: بن محمد قسطاني، أيام 10 – 11 مايو 2007، سلسلة الندوات 33، جامعة م إسماعيل ، ك.أ.ع.إ مكناس، تنظيم شعبة علم الاجتماع، 2012، ص:27. [38] المهدي المنجرة، "قيمة القيم"، م.س، ص:25. * تنبني نظرية"روستو" حول التنمية على فكرة مفادها أن عملية انتقال أي مجتمع من حالة التخلف إلى حالة التقدم يجب أن تكون وفق سلسلة من الخطوات والمراحل، التي لا بد من المرور بها. ( نقلا عن : جمال حلاوة وعلي صالح، " مدخل إلى علم التنمية"، نشر الشروق، الطبعة الأولى، 2010، ص: 53.) [39] J.C.Sanchez – Arnau et D. Desjeux , « la culture clé du dévellopement », edition l’hmattan, 5-7, rue de l’école polytechnique 75005, paris, p :15. [40] "العمل الثقافي والمشروع التنموي"، الملتقى الوطني لمدينة صفرو من المبادرة إلى المشروع، طبع بشراكة مع الجماعة الحضرية لمدينة صفرو.ص:28. [41] أنظر : ماكس فيبر،" الأخلاق البروتيستانتية وروح الرأسمالية" ت: محمد علي مقلد، مراجعة: جورج أبو صالح، نشر مركز الإنماء القومي لبنان، ص:58. [42] دنيس كوش، "مفهوم الثقافة في العلوم الاجتماعية"، م.س، ص:10. [43] Rachid Najib, « la culture amazighe et le développement humain », colloque et séminaires, --dir--ection Moha Ennaji, Editeurs Revue & L, imprimerie Simpama Fes, 1ère édition 2007, p : 25. [44] محمد جواد، أبو القاسمي، "نظرية الثقافة" ، ت: حيدر نجف، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي،الطبعة الأولى 2008، ص:193. [45] عبد الرحيم العطري، " تحولات المغرب القروي-أسئلة التنمية المؤجلة"، دفاتر الحرف والسؤال سلا، ط 2، 2012، ص:103. [46] رحمة بورقية، "الدولة والسلطة والمجتمع"، دراسة في الثابت والمتحول في علاقة الدولة بالقبائل في المغرب، دار الطليعة، الطبعة الأولى ، بيروت 1991، ص: 161. [47] محمد الزوادي، "الثقافة بين تأصيل الرأية الإسلامية واغتراب منظور العلوم الاجتماعية"، نشر وتوزيع الكتاب الجديد، ص: 95. [48] عبد السلام عشير، " اللغة والثقافة والتنمية: رهانات المغرب الحديث" ، أعمال الندوة التكريمية للأستاذ العميد محمد الشاد، يوم 30-31 مارس 01 أبريل 2006، منشورات ك.أع.إ ظهر المهراز فاس، سلسلة الندوات التكريمية، ص: 36. [49] للتعرف أكثر على خصائص ومميزات واحات عرب الصباح التاريخية والجغرافية والاجتماعية، أنظر عبد الكريم جندي، "واحات عرب الصباح: التاريخ والمجال والمجتمع"، مجلة جغرافية المغرب الإلكترونية، الرابط: http://magazine-geo.blogspot.com/2015/10/blog-post_97.html [50] عبد الرحيم العطري، " تحولات المغرب القروي-أسئلة التنمية المؤجلة"، م.س، ص:15. [51] أنظر: ماكس فيبر،" الأخلاق البروتيستانتية وروح الرأسمالية" ت: محمد علي مقلد، مراجعة: جورج أبو صالح، نشر مركز الإنماء القومي لبنان. [52] السياحة الإيكولوجية هي السياحة التي تقتضي السفر إلى المناطق الطبيعية المستقرة نسبيًا لهدف محدد يتمثل في الدراسة، والاستمتاع بالمناظر الطبيعية ونباتاتها وحيواناتها البرية، بالإضافة إلى أية مظاهر ثقافية سواء أكانت من الزمن الماضي أو الحاضر، وهذا المصطلح جاء ليعبر عن نوع جديد من النشاط السياحي الصديق للبيئة، الذي يمارسه الانسان مع حرصه على المحافظة على الموروث الطبيعي والحضاري. (نقلا عن: زاوي صورية وخان أحلام ، "السياحة البيئية وأثرها على التنمية في المناطق الريفية"، جامعة محمد خيضر بسكرة، أبحاث اقتصادية وإدارية - العدد السابع جوان 2010.) [53] للتعرف على مميزات وخصائص "القصر"، أنظر: عبد الكريم جندي، " القصر بواحات الجنوب الشرقي: موروث ثقافي فريد في وسط متحول"، مقال منشور في الشبكة العنكبوتية، الرابط: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=488690 [54] للتعرف على مميزات وخصائص "الخطارة"، أنظر: عبد الكريم جندي "الخطارة بواحات تافيلالت: إرث إيكولوجي فريد مهدد بالزوال"، مجلة جغرافية المغرب الإلكترونية، الرابط: http://magazine-geo.blogspot.com/2015/10/blog-post_63.html [55] عبد السلام عشير، " اللغة والثقافة: رهانات المغرب الحديث" ، م.س، ص: 37. [56] الجاحظ مسعود الصغير، " الثقافة والتنمية: السؤال المحرج" ، نشر وتوزيع دار الثقافة ، الدار البيضاء.ص:97. [57] محمد جواد، أبو القاسمي، "نظرية الثقافة" ، ت: حيدر نجف، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، ط1، 2008، ص: 196. [58] بول باسكون، " ما الغاية من علم الاجتماع القروي"،منشورات بيت الحكمة، ص:67. [59] عبد الغاني منديب،" الدين والمجتمع"، إفيريقيا الشرق ، الطبعة الثانية 2010، ص: 22 [60] المرجع السابق، ص:32 [61] المرجع السابق، ص:34 [62] المرجع السابق، ص:46 [63] نور الدين الزاهي، "بركة السلطان"، دفاتر وجهة نظر، مطبعة النجاح الجديدة ،2007،ص: 5 [64] عبد الرحمان بشير، "اليهود في المغرب العربي"، عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، الطبعة الأولى 2008، ص: 165 [65] راجع : إلي مالكا،"العوائد اليهودية العتيقة من المهد إلى اللحد"، نشر اتصالات الملتقى سبو، الطبعة الثالثة 2013. ص:82- 83. [66] نشير هنا إلى أن عدد الأولياء اليهود بالمغرب يبلغ 652 ولي من بينهم 25 امرأة، وأن عادات وطقوس زيارة وتقديس الأولياء اليهود لازالت مستمرة إلى يومنا هذا حيث يقصد المغرب الأقصى سنويا الكثير من اليهود المغاربة الذين هاجروا من المغرب نحو بلدان أخرى كإسرائيل والبلدان الغربية الأخرى لزيارة أوليائهم الذين توزعوا في مناطق جغرافية مختلفة في المغرب. [67] ريمي لوفو، الفلاح المغربي المدافع عن العرش"،ت: محمد بن الشيخ، منشورات وجهة نظر، ط 1، 2011، ص:45. [68] المرجع نفسه، ص:36. [69] المرجع نفسه، ص:36. [70] أحمد رشوان،" علم الاجتماع الريفي"، مؤسسة شباب الجامعة، ط1، القاهرة 2005، ص:242. [71] المرجع نفسه، ص:239. [72] المرجع نفسه، ص:235. [73] عبد المالك كامل، "ثقافة التنمية:دراسة في أثر الرواسب الثقافية على التنمية المستدامة" ،دار مضر المحروسة، ط1، القاهرة 2008.، ص: 22. [74] الرواسب الثقافية عند "تايلور" هي "العمليات الذهنية، والأفكار والعادات وأنماط السلوك والآراء والمعتقدات القديمة التي كانت سائدة في المجتمع في وقت من الأوقات والتي لا يزال المجتمع يحافظ عليها ويتمسك بها بعد أن انتقل من حالته القديمة إلى حالته الجديدة، تختلف فيها الظروف كل الاختلاف عما كانت عليه في الحالة الأولى التي أدت في الأصل إلى ظهور تلك الأفكار والعادات والمعتقدات". ( أنظر عبد المالك كامل، "ثقافة التنمية:دراسة في أثر الرواسب الثقافية على التنمية المستدامة" م.س، ص:13.)
#عبد_الكريم_جندي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-الخطارة- بواحات تافيلالت: إرث إيكولوجي فريد مهدد بالزوال
-
القصر في واحات الجنوب الشرقي: موروث ثقافي فريد في وسط متحول
-
واحات عرب الصباح التاريخ والمجال والمجتمع
-
من العصبية القبلية إلى العصبية الفكرية
-
الإنسانية في تقدم حقا أم أن التدهور هو العنوان ؟
-
من رواسب -الزاوية- : بإسم -البركة- خدع الأجداد، ومن أراضي ال
...
-
قول في - اليوم العالمي للمرأة -
-
الفساد الإداري والتنمية في المغرب
المزيد.....
-
سفير الإمارات لدى أمريكا يُعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي:
...
-
أول تعليق من البيت الأبيض على مقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
حركة اجتماعية ألمانية تطالب كييف بتعويضات عن تفجير -السيل ال
...
-
-أكسيوس-: إسرائيل ولبنان على أعتاب اتفاق لوقف إطلاق النار
-
متى يصبح السعي إلى -الكمالية- خطرا على صحتنا؟!
-
الدولة الأمريكية العميقة في خطر!
-
الصعود النووي للصين
-
الإمارات تعلن القبض على متورطين بمقتل الحاخام الإسرائيلي تسف
...
-
-وال ستريت جورنال-: ترامب يبحث تعيين رجل أعمال في منصب نائب
...
-
تاس: خسائر قوات كييف في خاركوف بلغت 64.7 ألف فرد منذ مايو
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|