|
متى يتعلم العرب الأشياء الثمينة ؟
سيار الجميل
الحوار المتمدن-العدد: 1360 - 2005 / 10 / 27 - 13:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كم انتجت كتابات فكرية وتاريخية محفزة سياسيا وأيديولوجيا عن انتصارات في حروب ومعارك ؛ لكننا لم نشهد اية كتابات تاريخية معمقة معرفيا عن تراجيديات اجتماعية ، وحالات كارثية ، ومضامين نضالية جماعية . إن حاجة العرب ماسة كي يحفزهم تاريخهم من اجل التفكير في حاضرهم وضرورات مستقبلهم بعيدا عن كتابات غير مقروءة أو أفلام مرئية كاذبة ، من أجل إشباع عواطفهم الساخنة ، وتقوية معنوياتهم العارمة . والمجتمع العربي الحديث بحاجة أساسية إلى قراءة وسماع ورؤية المسكوت عنه في تاريخنا المخفي ، سياسيا واجتماعيا وثقافيا .. لقد تربت الأجيال العربية المستحدثة على جملة من التواريخ المخطوءة والمزيفة التي لم يعرف مجتمعنا عن تاريخه إلا : الازدهار والرخاء والنصر والصحيح من الأمور ، والانبهار الذي يصل عند الكثير من الناس حدود القداسة .. وغابت عنه صور مقاربة من حقائق التاريخ التي لو كان بإمكان الأجيال العربية معرفتها ، لكان أزيلت غشاوات كبيرة عن أعين الناس
مستلزمات المواجهة : التعامل مع الفرص السانحة ! لقد كانت بعض التجارب (العربية) الدولية جديرة بالتقدير ، ولكنها نائية عن الاهتمام بها من قبل أصحاب القرار الذين يرضيهم الهوس المقنع بالرضى عن تواريخ لا تنعش في الذاكرة أي قيمة فكرية إذ ليس لها إلا إرضاء العواطف بالتفاخر والتنطع ويوم " كنا ولا تسل كيف كنا " !! إنني أدعو إلى أن تأتلف قوة المضمون التاريخي مع العناصر الفكرية من اجل إعطاء هذا " الموضوع " حجمه الطبيعي وإثارة الوعي كي تدرك الأجيال الجديدة في القرن الواحد والعشرين كم خذلتها الأجيال السابقة في القرن العشرين من هذه الناحية بالذات ! إن معرفة الحاضر وتوقعات المستقبل لا يمكنها أن تعرف إلا من خلال قراءات معمقة في تاريخ الأحداث وسيرورتها والتفكير الهادئ والعقلاني في تقاطعاتها وتصادماتها مع خطوطها وخفايا شخوصها .. وبكل ذكاء كي تنطلق قوة التفكير إلى حيث الميدان بتوفر عاملين أساسيين مساعدين : حجم الحريات العربية وتكافؤ الفرص العربية . ويا للأسف ، أثبتت التجربة التاريخية أن العرب ليسوا بقادرين على صناعة الحدث التاريخي المدهش ولا بقادرين على مجابهة الأحداث التاريخية الساخنة ! ولم يدركوا معرفة اضدادهم واعدائهم الحقيقيين .. ويمكنهم أن يكونوا أقوياء فعلا في هذا " الجانب " إذا توفرت العناصر الأساسية للبناء : الاستقرار السياسي والتضامن الجماعي والتحسس بالشأن العام والمصالح العليا وسقف الحريات والتقنيات الحديثة والتفكير السليم في صنع القرار … واشدد هنا على وظيفة التفكير المدهش في استنباط المعاني الأساسية التي يمكن الاعتماد عليها ، والمجردة من ادلجة عصر مختلف بآلياته وعناصره وتراكيبه وتفكيره .. يلازمه تحسس بالمستقبل رائع مجرد هو الآخر من أية نوازع سياسية أو أيديولوجية .. لكنه مكرس لخدمة جملة من المبادئ التاريخية في ما يخص العرب والمسلمين أولا ، وخدمة جملة من المبادئ الإنسانية عند البشرية قاطبة .. خصوصا ونحن نعلم بأن صورة العرب والمسلمين معرضة دوما للتشويه لدى المتلقي في العالم كله سواء كان التشويه مكتوبا أم مسموعا أم مرئيا !
اشتراطات كيفية التعامل مع المستقبل لقد تبين لي من مقارنة جملة من القرارات السياسية العربية وتموجات الرأي العام العربي في مواجهة السيناريوهات الخارجية إزاء العرب ، أن العرب بحاجة إلى أن يتعلموا كيفية إدارة الصراعات ، ويتعلموا كيفية مراقبة ردود الفعل ، ويتعلموا كيفية معالجة الأزمات وكيفية قراءة تجاوز الصدمات ، ويتعلموا كيف يميزون بين الخطابات والأفعال .. ويتعلموا كيفية الفصل في السياسات بين المبادئ والمصالح بعد الفصل بين السلطات .. ويتعلموا كيفية مراعاة موازين القوى وترمومتر الضعف والقوة ، ويتعلموا بأن تشنّج العواطف لا تنفع شيئا في عالم غريب عنّا كثيرا ومتبدل بسرعة شديدة .. انه ليس عالم " إرجاع القديم إلى قدمه " ولا "عالم الحرب الباردة " ، ولا " عالم حركات التحرر " ، ولا "عالم الوفاق السياسي " ، ولا " عالم التحالفات والتحالفات المضادة " .. الخ انه عالم بحاجة إلى آليات جديدة في التعامل الذكي : عالم التكيفات مع إرادة القطب الأحادي الذي يخشاه الجميع اليوم ! إن أي أمر غير مدروس في كيفية التعامل العربي مع العالم إنما يثقل من فرص التقدم وان الكاميرات والميديا الإعلامية الرائعة لا يمكنها أن تؤدي أغراضها السليمة من وطأة الأحداث والشخوص كقيمة جوهرية ولكن الخوف أن تكون مجردة من أغراضها ومفرغة من مضامينها باقتصارها على الإثارة ، فينعكس ذلك كله على حيادية الحقائق المكتوبة .. لابد أن ندرك كيفية إدارة التوجيه الإعلامي العربي الخارجي بعيدا عن المزيدات والمشاحنات ، وان لا يأتي ذلك كله إشباعا لمتطلبات محلية . لقد دفع العرب ثمنا باهضا في كل مرة نتيجة سوء تقديرهم للأحداث والظروف وعدم معرفتهم فن التحكم في الحرب " والحرب خدعة " ولكنها لم تبق حتى اليوم " كر وفر " ! على العرب أن يوقفوا نزيف أنفسهم بالتآمر على بعضهم البعض ، والتفكير في الخروج من مأزق الانهيار ومتوالية الخسائر التاريخية وعدم منح الأعداء فرص النجاح والانتصار ! ان المتغيّرات الإعلامية والسياسية والجماهيرية تشحن نفسها اليوم بسرعة مذهلة .. وان اكثر ما يحزن أيضا أن يلتهب المجتمع العربي فجأة نتيجة أحداث لم يتوقعها أبدا تنال منه ومن كرامته ! وما أن تمر العاصفة حتى يهدأ كل شيء وتمضي سنوات لكي يرّوع بأحداث أقسى من الأولى فيرتج ويلتهب .. وهكذا دواليك . وعليه انادي : ألم يتبلور تفكير عربي جديد يقتنص الفرص السانحة ليتوقع البلايا قبل حدوثها ويأخذ حيطته قبل وقوع الكارثة ؟ فمتى يبدأ عصر الوعي الجمعي يا ترى ؟ متى يتعّلم العرب " الواقعية " وهي من اثمن الاشياء في التاريخ ؟
#سيار_الجميل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيف نبني فكرا سياسيا جديدا ؟؟
-
صدام حسين في قفص محكمة الجنايات
-
فاجعة العراق بين الرصافة والجسر
-
كنا ننتظر دستوراً
-
العرب في سجن مؤّبد !! متى يهندسون تفكيرهم وزمنهم ومصيرهم ؟؟
-
العرب يقتلون العرب .. لماذا ؟؟
-
الليبرالية القديمة والليبرالية الجديدة : المعاني والمبادئ وا
...
-
أسئلة ما بعد الانتخابات العراقية
-
نعم لقد انتخبنا أخيراً ! الدرس العراقي الرائع للعرب
-
لمناسبة اربعينية الراحل التونسي محمود المسعدي :الموحيات الخل
...
-
الاعلام العربي :دعوة تحّولات من بشاعة المؤامرات الى خصب الشف
...
-
معايدة سياسية وفكرية لغسان تويني لمناسبة العام الجديد 2005
-
أدونيس : الشاعر السوري الغامض : مشاركات في المرافضات والتحول
...
-
دعوة صريحة من اجل غلاسنوست عراقي
-
رسالة جديدة الى العراقيين : التفكير بالبعد الثالث بعيدا عن خ
...
-
عاتكة الخزرجي : قيثارة العراق : شاعرة وقت الشفق .. حالمة عند
...
-
عبد القادر القط :استاذ الادب العربي والنقد المقارن :مفهوم تأ
...
-
نزار قباني : شاعر الرسم بالكلمات الرائعة : نسف البنى الاجتما
...
-
المسيحيون العراقيون : وقفة تاريخية عند ادوارهم الوطنية والحض
...
-
محمد شكري : الروائي المغربي المعروف صاحب الخبز الحافي :اعترا
...
المزيد.....
-
الملكة رانيا تهنئ الأمير هاشم بعيد ميلاده العشرين
-
انتشال 30 جثة حتى الآن لضحايا كارثة مطار ريغان في واشنطن
-
الدفاع الروسية تعلن حصيلة جديدة لخسائر قوات كييف في كورسك
-
فوائد -مكملات الحمل- في تقليل مضاعفات الولادة
-
ماذا نعرف عن وحدة الظل في كتائب القسام المسؤولة عن تأمين الر
...
-
-مخاوف من سيطرة دينية على الحكم في سوريا- - جيروزاليم بوست
-
سانا: الرئيس أحمد الشرع سيلقي خطابا موجها للشعب السوري مساء
...
-
شاهد: فرحة أسرة الأسيرة أغام بيرغر بعد أن أفرجت عنها حماس
-
انهيار صخري في أعماق كاليفورنيا يكشف أسرار تكوّن القارات
-
سر -طبيب الموت- ولغز -عاصمة التوائم-!
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|