|
من المسؤول عن مأساة السوريين الفارين إلى الغرب؟
عبدالخالق حسين
الحوار المتمدن-العدد: 4916 - 2015 / 9 / 5 - 22:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
صار الطفل السوري إيلان، أو(غيلان) عبدالله الكردي(1)، الذي عُثر على جثته على الشاطئ التركي رمزاً لمأساة الشعب السوري واللاجئين السوريين الذين يفرون من جحيم الإرهاب الإسلامي السني الوهابي، الذي حول هذا البلد الجميل إلى خرائب وأنقاض، وجعل شعبه عرضة للقتل والنهب والاغتصاب والتشريد، وضحية للمتاجرين بالبشر من أصحاب الضمائر الميتة، وطعاماً لأسماك القرش في البحر المتوسط، وهم يخاطرون بحياتهم في زوارق مطاطية، للوصول إلى أقرب ساحل أوربي، أملاً بالعيش بكرامة وأمان ومستقبل أفضل، لهم ولأطفالهم في الدول الغربية.
لم يكن الطفل إيلان الذي غرق مع أخيه وأمه هو الأول، ولا الأخير، في هذه المأساة، فقد غرق في الأشهر الماضية من هذا العام (2015)، نحو ألفين ومن مختلف الأعمار، أي ضعف العدد في العام الماضي. وبينهم مئات الأطفال لم تجرف أمواج البحر جثثهم إلى سواحل البحر المتوسط لتؤخذ لها الصور لتفضح وحشية البشر، ولكن صورة جثة إيلان وتصريحات والده هزت الضمير العالمي في كل مكان. والمشكلة أن الذين دمروا سوريا وتسببوا في تشريد نصف شعبها في الداخل والخارج، يحاولون توظيف هذه المأساة البشرية لمصلحتهم، ليقولوا للعالم أن هؤلاء يفرون من جحيم بشار الأسد، دون الإشارة إلى وحشية وهمجية التنظيمات الإرهابية الوهابية التكفيرية مثل داعش، وجبهة النصرة، وأحرار الشام من فروع القاعدة الأم، والمدعومة بالمال والسلاح والخبرة من قبل السعودية وقطر وتركيا، وبمباركة من أمريكا وإسرائيل.
إن محنة المهاجرين السوريين وغير السوريين، التي تواجه أمريكا والدول الأوربية اليوم، هي نتاج سياسات طائشة لهذه الدول الغربية في تدمير المنطقة ولصالح إسرائيل. نعم هناك مظالم في الدول العربية نتيجة الأنظمة الديكتاتورية، ومنها نظام بشار الأسد، والتي أدت إلى انفجار الشعوب في انتفاضات (الربيع العربي)، لإقامة أنظمة ديمقراطية تحترم شعوبها. ولكن قوى الشر بما تتمتع به من خبرة وخبث، عرفت كيف تركب الموجة وتستغل غضب الجماهير العربية وتحرفها عن أغراضها النبيلة، وتوجهها إلى أغراض شريرة لتدمير بلدانها.
نعم، نظام بشار الأسد هو دكتاتوري وخارج الزمن، وقد كتبنا ونصحنا هؤلاء القادة ومنهم بشار، أن يتجنبوا مصير صدام حسين لهم ولشعوبهم، وذلك بتبني طريقة غروباتشوف في الإصلاح السياسي بأنفسهم، ويقودوا عملية التحولات السلمية التدريجية، ليوفروا على أنفسهم وشعوبهم ما حصل في العراق والصومال من قبل. ولكن لا حياة لمن تنادي. فركبوا رؤوسهم وكان ما كان.
إن سبب فرار السوريين، أيها السادة، هو ليس "جحيم" بشار الأسد، بل جحيم الإرهاب الإسلامي السعودي –القطري- التركي المتوحش وبمباركة ودعم من أمريكا وإسرائيل. مرة أخرى نقول، أن كلامنا هذا ليس من باب نظرية المؤامرة، لنلقي غسيلنا على شماعة الغرب وإسرائيل، كما يفعل الحكام العرب ليبرروا مظالمهم و تخلف شعوبهم، بل هناك حقائق أعترف بها الكتاب والباحثون والسياسيون الغربيون أنفسهم، و هناك شواهد حية مازالت طرية عالقة في الذاكرة تؤكد صحة ما نقول. فقبل عامين طلب كل من الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، من برلماناتهم تخويلاً لدعم "الثوار" بقصف القوات العسكرية السورية للإطاحة بنظام بشار الأسد، كما فعلوا بليبيا من قبل. ولحسن الحظ، امتنع المشرعون في كلا البلدين منح هذا التخويل. و لما تدهورت الأمور وانكشفت حقيقة هذا الإرهاب المتوحش المدعوم غربياً وإقليميا، راحت أمريكا وبريطانيا تقصف قواعد أعداء بشار الأسد من داعش، وجبهة النصرة، وأحرار الشام، من الوحوش البشرية التي لم يسلم منها حتى المعالم الحضارية القديمة، كما حصل أخيراً في آثار مدينة تدمر (Palmyra) السورية التاريخية. لقد اتضحت الأمور الآن، ولا نحتاج إلى المزيد من الجهد لنثبت دور السعودية وقطر وتركيا في خلق ودعم التنظيمات اإرهابية التي دمرت سوريا والعراق، فالمئات من تقارير الصحف الغربية تشهد بذلك وبتكرار، والذي ينكر هذه الحقيقة فهو إما أعمى البصر والبصيرة، أو متعمد في التستر على الجناة الحقيقيين. وآخر هذه الشهادة جاءت من الكاتب والصحفي الأمريكي الشهير، توماس فريدمان، المقرب من البيت الأبيض، في صحيفة نيويورك تايمز، في مقال له بعنوان تهكمي:(Our Radical Islamic BFF, Saudi Arabia)، أي (صديقنا المتطرف الإسلامي إلى الأبد هو السعودية)(2). وخلاصة ما قاله فريدمان: "ان السعودية وليست إيران، هي التي تدعم الارهاب في العالم، وان واشنطن تتغاضى عن ذلك طمعا بالنفط السعودي... ". جاء مقال فريدمان ردا على مطالبات تقدم بها مائتان من جنرالات امريكيين متقاعدين، للكونغرس تدعو الى التصدي للاتفاقية النووية مع ايران بدعوى ان ايران تمول الارهاب العالمي". فتصوروا مدى تأثير اللوبي الإسرائيلي والخليجي على أمريكا. وربما ستكون لنا عودة في مقال لاحق في هذا الخصوص.
أما الدور الأمريكي في دعم الإرهاب الداعشي والقاعدي، فهناك شهادات كثيرة من المسؤولين الأمريكيين أنفسهم، وقد ذكرنا مراراً ما جاء على لسان السيدة هيلاري كلنتون، المرشحة لرئاسة الجمهورية في هذا الخصوص. كما و شهد مؤخراً نائب الرئيس الأمريكي الأسبق ديك تشيني، في مقابلة له مع CNN بمناسبة صدور كتاب له مع إبنته ليز، إعتبر أن الرئيس الحالي باراك أوباما هو المسؤول المباشر عن نشوء تنظيم “ داعش” الإرهابي.(3)
خلاصة القول، أن الملايين من السوريين يفرون من جحيم الإرهابيين التكفيريين المدعومين من السعودية وقطر وتركيا وإسرائيل وأمريكا، وليس من نظام بشار الأسد، كما يدعي بعض السياسيين الغربيين والإعلام العربي الخليجي. أما الغرض من الضربات التي توجهها القوات الجوية الأمريكية على قواعد داعش في سوريا والعراق، فهي ليس للقضاء عليها نهائياً، بل لإبقائها ضمن حدود معينة، لا تستطيع الخروج منها وتتجاوز الخطوط المرسومة لها مسبقاً. وعلى الحكومة السورية، والحكومة العراقية مقاضاة هذه الدول وخاصة السعودية وقطر وتركيا، في الأمم المتحدة والمحافل الدولية الأخرى، بما سببته من خسائر بشرية ومادية على الشعبين العراقي والسوري. [email protected] http://www.abdulkhaliqhussein.nl/ ـــــــــــــــــــــ روابط ذات صلة 1- والد الطفل السوري إيلان لـ CNN: سوف أجلس بجوار قبر أولادي لقراءة القرآن حتى الموت.. ولا أريد أي شيء من العالم http://www.akhbaar.org/home/2015/9/197397.html
2- Thomas L. Friedman: Our Radical Islamic BFF, Saudi Arabia http://www.nytimes.com/2015/09/02/opinion/thomas-friedman-our-radical-islamic-bff-saudi-arabia.html?emc=eta1&_r=0 3- ديك تشيني: باراك أوباما هو المسؤول عن نشوء داعش http://arabic.cnn.com/world/2015/09/01/wd-010915-cheney-iraq-isis
4- أفضل الشامي: بين (اعتصامات) الشارع السُنّي، و(تظاهرات) الشارع الشيعي.. رؤية عراقية مقارنة http://www.akhbaar.org/home/2015/9/197459.html
5- دريد لحام للرئيس الأسد : كنت أحبك أما الأن يا سيدي فقد انقلب حبي !! http://www.shaamtimes.net/news-detailz.php?id=37683
#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البديل عن حكومة الطوارئ
-
مناقشة هادئة مع دعاة حكومة الطوارئ
-
حذار من تحريف التظاهرات عن أغراضها المشروعة
-
حوار مع القراء حول سقوط الموصل
-
هل حقاً المالكي هو السبب في سقوط الموصل؟
-
معوقات الإصلاح السياسي والإداري
-
مرحى لقرارات العبادي الإصلاحية
-
أزمة كهرباء، أم أزمة أخلاق؟
-
لعبة حكومة الإقليم مع العراق و تركيا
-
هل تركيا على خطى سوريا؟
-
تصريحات المالكي وغضب السعودية ومرتزقتها؟
-
حول الاتفاق النووي الإيراني
-
تحية لذكرى ثورة 14 تموز المجيدة
-
المعضلة العراقية والحلول المقترحة
-
الوهابية، حركة فاشية دينة يجب تجريمها
-
الإسلام والغرب والإرهاب (متابعة)
-
وثائق ويكيليكس تفضح مملكة الشر
-
الإسلام والغرب والإرهاب
-
لماذا يحتاج الغرب إلى عدو دائم؟
-
داعش ذريعة لتغيير النظام في العراق
المزيد.....
-
شاهد ما حدث عندما تم اختراق إشارات مرور في شوارع واشنطن
-
طالب لـCNN عن منفذ إطلاق النار بجامعة فلوريدا: طُلب منه مغاد
...
-
السعودية: فيديو القبض على 4 يمنيين في مكة والأمن العام يكشف
...
-
ماذا يعني منح جائزة DW لحرية الرأي والتعبير لأرملة نافلني؟
-
دراسة: الأطعمة فائقة المعالجة تترك بصمتها في دماغك!
-
روسيا تسجن صحفيين سابقين في DW بسبب المعارض الراحل نافالني
...
-
تهديدات ترامب ورسائل إيران المتضاربة تربك جولة المباحثات الث
...
-
المكسيك تسجل أول إصابة بشرية بـ-داء الدودة الحلزونية-
-
تونس.. أحكام بالسجن تصل إلى 66 عاما في -قضية التآمر على أمن
...
-
شبه جزيرة القرم تحتفل اليوم بانضمامها إلى روسيا
المزيد.....
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
-
الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف
/ هاشم نعمة
-
كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟
/ محمد علي مقلد
-
أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية
/ محمد علي مقلد
-
النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان
/ زياد الزبيدي
المزيد.....
|