|
المال السياسي هدم الحياة الحزبية وأنهى دور الأحزاب !!
نبيل عودة
كاتب وباحث
(Nabeel Oudeh)
الحوار المتمدن-العدد: 4902 - 2015 / 8 / 20 - 18:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
المال السياسي هدم الحياة الحزبية وأنهى دور الأحزاب !!
(ان شخصا فردا، أصبح قادرا ان يهزم حزبا سياسيا تاريخيا بتنظيمه وإعلامه ورجالاته!!)
نبيل عودة
ما هو دور المال السياسي في التأثير على نهج الأحزاب العربية في إسرائيل؟ هل خدم المال السياسي أي مشروع وطني، اجتماعي، ثقافي، تعليمي، صحي أو اقتصادي للجماهير العربية؟ هل باستطاعة أي مواطن عربي ان يشير إلى مضمون ايجابي واحد أنجزه المال السياسي للمجتمع العربي؟ عشت الحياة السياسية منذ شبابي المبكر. تثقفت في حركة سياسية تنويرية كانت تشكل النواة الطليعية في الفكر والثقافة بين الجماهير العربية. طبعا اعني الحزب الشيوعي بقيادته التاريخية التي تشكلت من أبرز المثقفين والمناضلين العرب منذ سنوات العشرين للقرن الماضي. ماذا تبقى اليوم من ذلك التنظيم؟ من فكره مثلا؟ لا تقولوا لي الماركسية هي التي كانت وما تزال محوره الفكري. هذا قول لا علاقة له بالواقع. كانت ماركسية ذلك الجيل ماركسية إنسانية تمد التنظيم بروح رفاقية من التعاضد والتعاون والتكافل. ذلك النهج تلاشى منذ وقت طويل ويمكن القول مع انتهاء الدور التاريخي الذي لعبته الطليعة السياسية. إني أدعي ان المال السياسي كان الجرثومة التي أنهت الحياة الحزبية من مجتمعنا. انظروا اليوم بدون رأي مسبق إلى واقع الأحزاب العربية. ماذا تجدون عدا أسماء أعضاء كنيست شبه معزولين عن حياة أعضاء أحزابهم (ونسبيا عن مجتمعهم ايضا)، يعتبرون من الفئات الاجتماعية – اقتصادية التي تشكل رأس السلم في إسرائيل. طبعا نحن اليوم أمام ظاهرة شاملة من نهاية حقبة الأحزاب السياسية، هذه الظاهرة أكثر بروزا في الدول الأوروبية، خاصة بما يتعلق بأحزاب الحركة الشيوعية، هناك نجد أنها تحولت إلى مجرد مكاتب وبعض الممثلين البرلمانيين. هل سمعتم مثلا خبرا عن حزب شيوعي فرنسي؟ أو ايطالي؟ عن موقف أي منهما من أحداث عالمنا؟ اليسار يفقد مكانته ليس لأنه يسارا إنما بسبب أخطاء فكرية دأب عليها لوقت طويل لم تقد إلى انجاز أي مطلب اجتماعي أو اقتصادي. نحن واجهنا نفس العقليات السياسية، دأبت على التمسك بمواقف فكرية فقدت مشروعيتها الحياتية. التمسك بمقولات نظرية وفلسفية تجاوزها التطور العاصف للنظام الرأسمالي وللفكر الفلسفي عامة، دون ان يحاولوا فهم مضمون التغيرات، وضرورة تطوير فكرهم وفلسفتهم وتنظيمهم بما يطابق التطور التاريخي السياسي، الاقتصادي والاجتماعي للمجتمعات المعاصرة. طبعا هذا جانب واحد من الأزمة، الجانب الذي أود ان اطرحه هو تدفق المال السياسي على الأحزاب بأساليب وكميات غير مسبوقة. استطيع ان أقول انه لم يقم أي تنظيم سياسي إلا على قاعدة مالية. المال لم يكن لأهداف سياسي أو ثقافية أو اجتماعية، إنما من اجل بقاء التنظيمات وتغطية نشاطاتها وكسب شعبية نثبت مكانتها السياسية وسط الجماهير العربية. السياسات كانت طبقا لهدف جوهري:الكسب السياسي! ليس مهما المستوى الثقافي التي يتمتع به الجمهور، الأهم كسب الأصوات. ويبدو ان المنطلقات كانت، إننا نحن قادة هذه الأحزاب لدينا من الثقافة والمعرفة ما يكفي شعبنا كله، الشعب ليس بحاجة للمزيد من الوعي والتثقيف، نحن المثقفون نقرر له مصالحه. اعترف ان نهج الحزب الشيوعي في بداياته وحتى سنوات السبعين كان مختلفا، ويعتمد على تطوير وعي كوادره، مدهم بالفكر والمعرفة . هذا الدور تلاشى وانتهي مع نهاية دور الطليعة السياسية. هذه المرحلة رافقت أيضا بداية تدفق المال السياسي، من الواضح ان الأشطر والأبرع في التجنيد كان عزمي بشارة، وهو بسبب هذا المال السياسي "غادر وطنه قسرا" الى مليارات قطر!! الأحزاب الأخرى أيضا لم تفتقد لمصادر تمولها، ملايين الدولارات تدفقت على الأحزاب، انتهى العصر الذي كان الحزب يعيش من اشتراكات أعضائه وحملته المالية ، انتقلنا إلى مرحلة التخمة من المال المتدفق. انتشرت الجمعيات أيضا، لكن يجب التمييز بين جمعيات تقوم بمهام معروفة ومحددة وتجمع الميزانيات لها، وبين أحزاب جعلها المال تبتعد عن قواعدها السياسية ويضمحل تنظيمها، ويتشقق إلى كتل ذات مصالح. عندما تزداد الفجوة بين قادة الأحزاب وكوادرها، يفقد الحزب حياته الحزبية الداخلية بين أعضائه.لا يمكن ان استوعب ان يعيش قائد حزب وصل بفضل أعضاء حزبه إلى منصب سياسي أو بلدي، ويتمتع بمعاش مرتفع جدا ، يجعله من الفئات الأولى في السلم الاقتصادي – اجتماعي في الدولة، وبين موظفين في نفس الحزب لا يجدون قوت يومهم بمعاشات منخفضة لا تساوي سدس ما يتمتع به قادة حزبه. اكثر من ذلك هناك تقلص بعدد موظفي الأحزاب. لأن التوزيعة الاقتصادية داخل الحزب هي توزيعة رأسمالية، حسنا نرفضها فكريا، لكننا نطبقها بكل قوتنا. وفرة في المال وسوء في التوزيع، لكنه سوء مخطط!! لم تعد الصيغة الطبقية صالحة لتعريف الأحزاب. لا تحدثوني عن حزب طبقة عاملة مثلا، لا أجدها في قيادة الحزب ولا في علاقاته الداخلية بين قادته وكوادره. لا تحدثوني عن يسار سياسي أو وطني كل مشاغله إقامة صناديق لتجنيد الأموال. أقيمت مثلا مؤسسة للثقافة في أحد الأحزاب. تلقت ملايين كثيرة من مصادر عديدة.. ماذا أنجزت؟ أي مشروع ثقافي تركته في مجتمعنا بحيث يمكن ان نتذكرها به؟ دار لنشر الإبداعات المحلية مثلا؟ دعم للمسرح؟ دعم لفرق الفنون الموسيقية والراقصة؟ دعم لفن الرسم والنحت؟ هل استخدمت بعض هذه الأموال مثلا لدعم مشروع تنويري في المدارس العربية؟ هل استخدمت مثلا لتطوير مكتبات عامة أو مدرسية؟ هل استخدمت في دعم مؤسسات صحية في مجتمعنا عبر شراء تجهيزات ضرورية؟ هل كرست بعض هذه الأموال في دعم دراسات طلابنا في الجامعات مثلا، وكلنا نعرف ما يعانيه الشاب العربي من مشاكل مادية ولوجوستية معقدة؟ المال السياسي كان له هدف جوهري أساسي، الحفاظ على التنظيم، الصرف على الانتخابات، والكسب السياسي المباشر وغير المباشر. بدأنا نفتقد لمضمون التنظيم الثوري. القريب من الصحن يرى بالتنظيم موضوع حياة أو موت، جيبته هي مبادئه!ّ الكادر البسيط بدا يمل ويبتعد. الفساد أصبح سائدا. القيادات السياسية لم تعد تمثل إلا نفسها. هل يمكن ان ننظر إلى قادة الأحزاب كقادة للوسط العربي؟! من هنا أرى ان المال السياسي لم يبن بقدر ما هدم، وبقدر ما سيهدم!! من هنا نرى ان شخصا فردا، لا يملك حزبا ولا أموالا سياسية ولا تنظيما حزبيا ولا كوادر معبئة فكريا وتنظيميا، أصبح قادرا ان يهزم حزبا سياسيا تاريخيا بتنظيمه وإعلامه ورجالاته!! [email protected]
#نبيل_عودة (هاشتاغ)
Nabeel_Oudeh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الديوك تعقد مجلسها الأمني
-
صديقنا اختار الموت في يوم قائظ
-
إفلاس الأحزاب السياسية افقدها دورها في الحكم المحلي!!
-
حتى نجدد مشروعنا الثقافي!!
-
فلسفة مبسطة: مفاهيم الجنون !
-
فلسفة مبسطة: نسبية القيم
-
هل تجاوز التاريخ شعار دولتان لشعبين ?!
-
فلسفة مبسطة: مفهوم النسبية
-
أدوات الجريمة...!!
-
فلسفة مبسطة: فلسفة القانون
-
فلسفة مبسطة: ما هي الفلسفة؟
-
فلسفة مبسطة: فلسفة مذهب النفعية
-
في ذكرى رحيل الناقد د. حبيب بولس (1948 - 2012)
-
فلسفة مبسطة: الشبيحة
-
بلدة بلا خطايا...!!
-
فلسفة مبسطة: مفهوم حقوق الإنسان
-
فلسفة مبسطة: الثورة، النظام والشعب
-
فلسفة مبسطة: التفكير الانديكتيفي..!!
-
فلسفة مبسطة: سنة أولى فلسفة
-
كل شيء يبدأ بخطوة واحدة...
المزيد.....
-
بتوبيخ نادر.. أغنى رجل في الصين ينتقد -تقاعس الحكومة-
-
مصر.. ضجة حادث قتل تسبب فيه نجل زوجة -شيف- شهير والداخلية تك
...
-
ترامب يعين سكوت بيسنت وزيراً للخزانة بعد عملية اختيار طويلة
...
-
ترامب بين الرئاسة والمحاكمة: هل تُحسم قضية ستورمي دانيالز قر
...
-
لبنان..13 قتيلا وعشرات الجرحى جراء غارة إسرائيلية على البسطة
...
-
العراق يلجأ لمجلس الأمن والمنظمات الدولية لردع إسرائيل عن إط
...
-
الجامعة العربية تعقد اجتماعا طارئا لبحث تهديدات إسرائيل للعر
...
-
ابتكار بلاستيك يتحلل في ماء البحر!
-
-تفاحة الكاسترد-.. فاكهة بخصائص استثنائية!
-
-كلاشينكوف- تستعرض أحدث طائراتها المسيّرة
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|