|
أردوغان وسوريا المستعصية على الفتح
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 4900 - 2015 / 8 / 18 - 12:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مازال " رجب طيب أدوغان " وسيبقى مصراً ، على إحياء الإمبراطورية العثمانية المنقرضة منذ قرن . متخذاً من " السلطان سليم " مثالاً له وقدوة . وخاصة لقيامه بفتح حلب .. وما بعدها . وذلك ليس حباً بالإسلام كما يدعي ، وإنما لأنه ، على خلفيته خداعه لقطاع شعبي إسلامي كبير " معثمن " في سنوات حراكه السياسي ، وعلى خلفية ثقافته الإسلامية ، وشخصيته العنيفة المغامرة ، لم يجد طريقاً لبناء مجده السياسي ، سوى هذا الطريق . لكنه اصطدم بالمبررات والذرائع والآليات ، التي ينبغي عليه أن يوفرها ، لتحقيق حلمه الإمبراطوري . كما اصطدم بعد بضع سنوات في هذا المسار ، بسقوط زميله " محمد مرسي " ، وانحسار نفوذه ، في العراق ولبنان والأردن ، ومازالت سوريا على امتداد سنوات أربع ، تقاوم كل أدواته وحلفائه ، المدنية والمسلحة ، بتصاعد حثيث لافت .
وقد اتضح ، أنه كلكما ازدادت معوقات حلمه ، كلما أحس أن اتخاذه " السلطان سليم " قدوة ، لم يكن خياراً حسناً ، وإنما كان فخاً انزلق إليه . لم يكن " السلطان سليم " بحاجة لمبررات وذراع ، ليغزو بها حلب 1516 ، ومن ثم كل بلاد الشام . كان عنده السيف ، وخلفيته القبلية المتخلفة ، ونزعات الغزو ، واللصوصية ، واستعباد الشعوب . وكان عنده خديعة " راية الفتح الإسلامي " المباركة من المراجع الدينية المنافقة ، التي تعلو فوق كل المبررات ، وتجلل بهالة من الإيمان المزيف مواقع المجازر .. وأشلاء القتلى .
بيد أن " أردو غان " رجل الدولة في القرن الواحد والعشرين ن وطالب الانضمام إلى الاتحاد الأوربي ، لا يستطيع " الفتح " على طريقة جده سليم . لقد حاول القيام " بالفتح " بالتسلل عبر عمليات التنظيمات الإرهابية الموالية له ، في أكثر من مكان في سوريا وفشل . ما دفعه إلى الدخول مع " التحالف الدولي الأمريكي " في الحرب ضد " داعش " . لعل ذلك يتيح له الفتح بوسائل أخرى ، ويمرر مشروعه " المنطقة الآمنة " في شمال سوريا على مقربة من المدينة الهامة حلب ، كجزء لازم في خرائط الحرب ضد " داعش " . وقد بدأ فعلاً باستخدام الحرب ضد " داعش " ، ضد حزب العمال الكردستاني التركي ، والكرد في سوريا ، وضد اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا، تحت عنوان " الدفاع عن تركيا " .
وقد لخص حربه " الدفاعية " ، بالتدخل لطرد الكرد السوريين من مناطقهم ، وتعزيز المناطق ذات الغالبية التركمانية ، في الشمال السوري ، وجعلها " منطقة آمنة " ، تحول دون قيام دولة كردية في الجنوب التركي ، والتخلص من عبء ومخاطر اللاجئين السوريين في تركيا ومن حكومتهم الانتقالية ، ومن مفاجآتهم " الداعشية " في الداخل التركي ، واستخدامهم ، واستخدام " المنطقة الآمنة " لانطلاق " الفتح العثماني الأردو غاني الجديد في سوريا .
والسؤال هنا " على ماذا يعتمد " أردو غان ؟ .. لاشك أنه يعتمد على التنظيم الإسلامي الدولي المتطرف ، الذي يشكل حزبه " العدالة والتنمية ، والأ خوان المسلمون الآخرون " محوراً أساسياً فيه ، وعلى حلفائه في المطامع في سوريا وفي الشرق الأوسط ، ويعتمد كما تدل ممارساته المتخبطة ، المتسارعة ، على رؤية سياسية ناقصة ، في قراءاته الوضع الدولي ، والإقليمي ، والتركي السوري ـ وفق معاييره ونزعاته المتوترة المتواترة .
* * *
الواضح أن " أردو غان " يقرأ المتغيرات الدولية المتسارعة ، بعيون عثمانية إمبراطورية ، وليس بعيون عضو من الدرجة الثالثة في " حلف الناتو " . إنه يرى أن تراجع هيبة وتأثير الولايات المتحدة ، القوة الأعظم ، أمام قوى عظمى جديدة ، وعجزها في تحقيق مخططها الشرق الأوسط الجديد ، وحسم بؤر الصراعات الإقليمية والدولية ، وفي مقدمتها سوريا والعراق وليبيا وأوكرانيا ، وفي إملاءاتها على مجلس الأمن الدولي ، وفي التحكم المطلق بحرب الإرهاب الدولي ، وأخيراً تسليمها بالكثير من الحقوق النووية في الاتفاق النووي الإيراني الدولي ، قد فتح المجال للدول المتوسط ممارسة نزعاتها الدولية الخاصة ، خارج الشرط التحالفي المشترك ، مثل تركيا ، والمملكة السعودية ، وإسرائيل .
وبالعيون الإمبراطورية يقرأ " أردو غان " المشهد الإقليمي أيضاً ، وليس بعيون الشريك ، الذي له مع الآخرين في الإقليم مصلحة ، لبناء منطقة سلام ، وتكامل اقتصادي مزدهر ، تحتل مكانة هامة في الاقتصاد العالمي ، لاسيما وأنها تملك مخزون الطاقة ، وقدرات النمو ، واتساع الأسواق . فهو يرى بلداناً تأكلها النيران ـ طبعاً هو مشارك فيها ـ ومعظم دوله مهددة بالفشل . والقوى الدولية لا تبادر ، ولا تريد أن تبادر لوقف هذا الانحدار . قبل أن تمرر اتفاقًاً ، دولياً ، إقليمياً ، شاملاً ، يوزع النفوذ والمصالح في الإقليم كما تريد .
ولذا ، يرى " أردو غان " أن الإقليم يكاد يكون خاوياً من دولة .. أو دول .. قادرة على اللعب الحاسم في أحداثه . ويرى أن الفرصة التاريخية لتحقيق الإمبراطورية العثمانية سانحة ، بل وتستدعيه أن يقتحم سوريا .. من معبر " المنطقة الآمنة " المزعومة .. وعلى أجنحة الحرب ضد " داعش" ، أو بوسائل يفرزها الواقع المتغير بتسارع مذهل .
وتتمثل هذه الفرصة ، بأن الدول التي كان يمكن أن تتحرك على منعه من تجاز حدوده ، ليس بوارد لديها الآن ، أن تفتح معه حرياً دفاعاً عن سوريا . فإيران تعكف على تكريس الاعتراف الدولي بحقوقها النووية ، وحصاد ثمار هذا لاعتراف ، تنموياً ، واقتصادياً ، وتجديداً في علاقاتها الدولية ، على مختلف المستويات ، ومصر غارقة في صراعاتها على السلطة وفي حربها ضد الإرهاب ، والعراق يغرق في دوامة الحرب والدم والتمزيق ، ومن خارج الإقليم ، ليس بوارد أن تزج روسيا أو الصين ، كما حدث في الخمسينات في القرن الماضي ن لتمنع إلتهام تركيا لقطعة أرض من سوريا ، سيقطن فيها سوريون تركمان ومهجرون .
إن قراءة " أردو غان " الأهم ، في لعبة الإمبراطورية ، هي قراءة خريطة البنية السكانية السورية . وبالضبط ما يخص الحضور التركماني في سوريا ، ودور الجيش التركماني في الحرب السورية ، الذي يعتمد عليه ، بقدر لا يقل أهمية عن اعتماده على ألويته العسكرية التركية النظامية . وعلى " جبهة النصرة ، وحركة أحرار الشام الإسلامية . فمنذ اندلاع الحرب 2011 وتصاعد عدوان الإرهاب الدولي على البلاد ، برز " جيش التركمان " الأردو غاني " المؤلف من ( 14000 ) مسلح من السوريين المغرر بهم ، منهم ( 7000 ) مسلح بحلب وريفها ، موزعين على ألوية وكتائب ، تضم كل منها ما بي ( 30 ـ 50 ) مسلحاً ، يتقاضى الفرد فيها ( 100 ) دولار في الشهر .
وقد حملت الألوية والكتائب الأردو غانية أسماء سلاطين بني عثمان مثل ( السلطان عبد الحميد ، والسلطان محمد الفاتح ، والسلطان مراد ، والسلاجقة ن وأحفاد الفاتحين ، ونور الدين الزنكي ) . وقد شاركت الكتائب والألوية " الأردوغا نية " في كل المعارك التي خاضتها جيوش الإرهاب الدولي ضد الجيش السوري ، وخاصة في حمص . وعند اقتحام حلب والسيطرة على بعض أجزائها ، استقرت هذه الكتائب والألوية ، في الأحياء ذات الغالبية التركمانية مثل ، أحياء الهلك ، والشيخ فارس وبعيدين ، والشيخ خضر . ويعتبر عضو البرلمان التركي " محمد شا ندر "الرئيس الفخري للتركمان في سوريا . وهناك ما يسمى ( المجلس العسكري التركماني ) الذي من بين مهامه التنسيق مع الجهات التركية ، والحرب ضد الأكراد .
إن قراءات " أردو غان " الدولية ، والإقليمية ، والتركية السورية ، تحفزه ، على إقامة " المنطقة الآمنة ، كخطوة أولى في مسار فتح سوريا . ما يبرهن على عزمه على المغامرة ، هو أنه في الوقت الذي أعلن فيه الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية " أن أمريكا لم تتفق مع أنقرة على إقامة المنطقة الآمنة " كان رئيس الوزراء التركي " أحمد أوغلو " في موقع عسكري تركي متقدم على الحدود السورية ، يتفحص بمنظار حربي ضخم ، مسرح العمليات ، الذي سيقتحمه الجيش التركي في الأراضي السورية لإقامة " المنطقة الآمنة " . وفي الوقت الذي كان فيه وزير خارجية إيران ، يهم لتلبية دعوة تركية لزيارة أنقرة ، للتنسيق معها حول مبادرة سلام في سوريا ، شن المسلحون الموالون لأردو غان هجمات نارية مدمر ، على عدد من المدن والمواقع السورية ، وخاصة ، حلب ، واللاذقية ، ودمشق ، والفوعة ، وكفريا .
* * *
إن كل هذه القراءات ، والإجراءات ، التي قام بها أردو غان ، للقفز إلى " المنطقة الآمنة " ، ومنها إلى آفاق " الفتح ، تعرضت للاهتزاز ، نتيجة تراجع شعبية حزبه " العدالة والتنمية " ، وخسارته الأغلبية في البرلمان التركي ، التي كان يعول عليها ، لتعديل الدستور التركي ، وحصوله على صلاحيات رئاسية سلطانية ، ونتيجة تفاقم الأزمة مع " حزب العمال الكردستاني " الذي عاد إلى المواجهات المسلحة مع السلطات التركية ، التي تزامنت مع تصاعد حجم ونبرة المعارضة ، الكردية ، والعلمانية ، واليسارية ، ضد نظام أردو غان . وعليه يبدو ، أنه ليس أمام أردو غان ، المتخلق " بالعناد " العثماني ، إلاّ أن يغامر ، بأي شكل كان ، لفرض " المنطقة الآمنة " كمنجز إقليمي ، وعثماني تركي في آن . وإلاّ سيفقد حلمه الإمبراطوري ، ولن يتمكن من العثور على تاج الإمبراطورية وسط أطلال هزائمه المتلاحقة .
إن كل السوريين ، وخاصة الأشقاء من أصول تركمانية ، الوطنيين الشرفاء ، الذين كان انتماؤهم للوطن السوري ، قبل قيام الإمبراطورية العثمانية بزمن طويل ، سيقلبون السحر على الساحر ، وسيجد أردو غان نفسه ، ليس بحاجة لنظارات جديدة ، وإنما لعيون جديدة ، ليعرف كيف يقرأ التاريخ .. وكيف يقرأ الحاضر والمستقبل .
إن العالم ليس كما يتصور أردو غان . إن تصوراته نابعة من خلفياته المتخلفة المأزومة . لقد نسي أردو غان ، من هم ( يوسف العظمة ، وصلاح الدين الأيوبي ، وإبراهيم هنانو ، وخالد العظم ، وهاشم الأتاسي ، وفارس الخوري " ونسي طيف تمسكوا بهويتهم الوطنية السورية ، قبل موروثاتهم التاريخية ، ودافعوا مع ( صالح العلي ، وسلطان باشا الأطرش ، وسعيد العاص ، والشيخ محمد الأ شمر ، ورمضان شلاش ، وشكري القوتلي ، وسعد الله الجابري " عن الوطن ، وحافظوا عليه . وهم كلهم رموز الوطنية السورية الشجاعة الخالدة ، الذين وحدوا الشعب السوري .. وانصهروا فيه بشرف .. وكانوا صفاً واحداً ثابتاً دائماً .. وطردوا المحتل العثماني ثم المحتل الفرنسي .
إن السوريين ليسوا كتلاً أقلوية يسهل التلاعب بها ، كما يتصور أردو غان . وإنما هم .. جميعهم مجتمع واحد .. تكون .. ونمـا .. وتكاثر .. وكبر .. عبر حضارات عظيمة . وهم مجتمع تعددي قوي بأطيافه العريقة المتعددة .. قبل وجود إمبراطوريته العثمانية الظلامية بآلاف السنين .
إن السوريين الآن يكتبون الأسطر الأخيرة من ملحمتهم الوطنية الإنسانية الجديدة ، في حربهم ضد عدوان جيوش الإرهاب الدولي .. وضد أدواته وأسلحته المدمرة المتوحشة . وسيتقاسم المقاتلون الأبطال ، والشهداء ، وملايين المحاصرين في المدن والأرياف ، والمهجرين .. مجد وشرف الانتصار في هذه الملحمة .. فيما سيتقاسم الخونة والمعتدون عار وبؤس هزيمتهم .
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
آفاق
-
المطلوب قبل فوات الأوان
-
دفاعاً عن سوريا ووحدتها أرضاً وشعباً
-
معركة ميسلون بين الأمس واليوم - إلى يوسف العظمة -
-
الرعب الإسرائيلي المتجدد من التاريخ
-
لماذا تريد أمريكا رحيل الرئيس ؟ .
-
السلام والأمان والأمل .. بين الممكن والمعجزة .
-
الريحان .. والأمير والسلطان إلى ضحايا كوباني
-
موسم الغزو البربري المفتوح
-
ارتدادات الحرب السورية
-
ما ذنبنا .. ؟ ..
-
الوحدة الوطنية .. أو الضياع
-
المعارضة السورية إلى القاهرة .. ثم إلى أين ؟
-
المعارضة في زمن الحرب
-
مابين داعش والتحالف السعودي الأميركي
-
عاصفة الحزم إلى الشام .. وبلاد الشام
-
ياعمال العالم و يا أيتها الشعوب المفقرة اتحدوا
-
مقدمات الانهيار .. ومقومات النهوض
-
مذبحة اليمن مستمرة و بعدها إلى الشام
-
السياسة والحرب والحلقة المفقودة
المزيد.....
-
هيغسيث: إسرائيل حليف مثالي للولايات المتحدة
-
علماء يكشفون كيف وصلت الحياة إلى الأرض
-
ماسك يرد على ترشيحه لنيل جائزة نوبل للسلام
-
برلماني أوكراني: زيلينسكي يركز جهوده على محاربة منافسيه السي
...
-
رئيس جنوب إفريقيا يحذر نظيره الرواندي من عواقب الفشل في وقف
...
-
مستشار سابق في البنتاغون: على واشنطن وموسكو إبرام اتفاقية أم
...
-
منعا للتضليل.. الخارجية الروسية تدعو إلى التحقق بعناية من تص
...
-
ترامب -يعلن الحرب- على دعم فلسطين داخل المؤسسات التعليمية
-
لوبان لا تستبعد استقالة ماكرون
-
ترامب يوقع أول قانون بعد عودته إلى المنصب
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|