|
جذور العنف الجنسي
ندى المخزنجي
الحوار المتمدن-العدد: 4895 - 2015 / 8 / 13 - 09:06
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
ترجمة ندى المخزنجي الناشر وحدة الترجمة – مركز الدراسات الاشتراكية
بقلم ساندرا بلادوورث
هناك شيء وضيع في قلب هذا المجتمع. سيل مستمر من التقارير التي تستعرض الاستغلال الجنسي.
ليس فقط العنف المنزلي من قبل الذكور، والذى ينصب عليه معظم انتباه الرأي العام. هناك استغلال وإيذاء تجاه الأطفال من قبل الكهنة والمعلمين فى كل مؤسسة دينية، للمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة والمرضي العقليين والأطفال، والذين من المفترض أن يكونوا تحت الرعاية في المؤسسات، في السجون ومعسكرات اعتقال اللاجئين، الموقع الإلكتروني “Same Same” يقدم تقارير عن معدلات مماثلة من العنف الجنسي من قبل الشريك العاطفي في علاقات الـ “LGBTI” (المثليون والمثليات ومزودجي الميول والمتحولون جنسيا وثنائيو الجنس) كما في العلاقات الغيرية.
ومع ذلك، وفي مقابل كل الاهتمام المنافق والاستفسارات من السياسيين وقادة الشرطة، نادرا ما تكون هناك محاولة لشرح هذه الحقائق الرهيبة فيما عدا عبارات قليلة فارغة المحتوى عن “ثقافة عنف الذكور”. عنف الذكور أمر سائد وشائع فى مجتمعنا ولكن هذه الحقيقة لا تفسر الحوادث المتنوعة والمنتشرة من العنف الجنسي، متضمنة الحوادث التي يكون المعتدى فيها امرأة – 41% من المثليات تعرضوا للعنف الجنسي من شريكاتهن.
وكما قال كارل ماركس، إذا رغبنا في فهم السلوك البشرى، علينا أن نبدأ بالبنية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع. قد تبدو الروابط بين تنظيم الإنتاج والعنف الجنسي شيئا يصعب ملاحظته ورؤيته ومع ذلك فعلينا تحديدها.
فى الرأسمالية، يقول ماركس، فإن قدرتنا على العمل، بدلا من أن تكون مبدعة ومصدر للإشباع والترابط مع الآخرين، هي مغتربة عنّا، خارجة عن سيطرتنا.
جموع العمال ليس لهم قول في التحكم بأوضاع العمل أو ما إذا كان هذا العمل مفيدا أو يستمتعون بعمله. لو أنك تقدم القهوة أو تقوم ببيع الملابس أو ألعاب الفيديو فأنت لا تعرف كيف تم إنتاج هذه الأشياء وهل أنتجت بالسخرة أو بواسطة عمال منظمون يُدفع لهم جيدا. يمكن أن يكونوا على الطرف الآخر من العالم أو على ناصية شارعك، لكن الأهم أنهم لا يعرفونك ولا يعرفون من يشتري ما أنتجوه.
هذا الوضع أنتج العديد من العواقب. يبدو أن حيواتنا تخضع لسيطرة قوى غريبة وخارجة عن السيطرة مثل “الاقتصاد” و”السوق”. نواجه العالم كمكان مغترب ومشتت، وينتج عن ذلك تغريب الإنسان عن أخيه الإنسان.
ما يشير إليه الفيلسوف الماركسى بيرتيل أولمان كـ “تقطيع الطبيعة البشرية لعدد من الأجزاء غير الشرعية” والهيمنة الفعلية للرأسمالية على حياتنا، تخلق مشاعر الضعف وانعدام الحيلة عند المستغَلين، وتضع ستارا من الغموض على بنية النظام.
لو أنك لا تستطيع رؤية كيفية عمل المجتمع فإنه إذًا من الصعب عليك رفض أفكار “المنطق العام” والتي تبدو أنها تعكس خبرة ما ولكن في الحقيقة يتم الترويج لها لتبرير هذا المجتمع، مثل أننا نحتاج لأرباب العمل لتنظيم المجتمع أو أننا جميعا أفراد مسئولوون عن ما نفعله في حياتنا، أو أن النساء غير مناسبين لإدارة شئون الدولة، أو أن العلاقة الجنسية الطبيعية الوحيدة هى العلاقة الغيرية وهلمّ جرا.
فى النظام الرأسمالي سيطرة السوق والإنتاج هدفهما الربح. كل شئ يمكن عرضه للبيع، بما في ذلك الجنس. وهكذا يتم تشييء أجسادنا وتستخدم لبيع السلع، ويُحط من قدر تلك الأجساد في الأفلام الجنسية. يتم تغريب جنسانيتنا، بتصويرها فى الأفلام الجنسية وجزء كبير من الثقافة الشعبية منفصلة تماما عن التفاعل البشري.
عادة هناك فجوة عميقة بين الصورة المرسومة على علبة الشيكولاتة للزوجين المحبين السعيدين وبين توتر وإجهاد العمل والنضال لتغطية نفقات المعيشة. وجود تم تغريبه بالفعل، طوقته هيمنه الغيرية الجنسية والعلاقات الأحادية يمكن تحطيمه بالتوتر والمرارة.
وهكذا فقد تم دمج بعض الرجال اجتماعيا بطريقة تجعلهم يفترضون استحقاقهم للسيطرة على الآخرين، وبمعرفتهم أن المرأة تمتلك حقوق وفرص أقل، يصبون إحباطهم وخيبة أملهم على شريكاتهم.
وبالرغم من ذلك، فالعديد من العوامل مثل الخوف من الوحدة والخوف من الوشاية لرئيس عمل وقلة فرص والاستقلال الاقتصادى وخدمات الدعم، يمكن أن تدفع بأي، شريك أنثى أو ذكر، غيري أو مثلي، للتململ في التخلي عن العلاقة وبالتالي يصبح عرضه للإكراه والأذى.
العنف الجنسي المؤسسي المؤسسات الهرمية الرأسمالية تعتمد على أشكال للتنظيم تُسطح كل العلاقات البشرية وتميت التعاطف الإنساني وبالتالي تمتهن إنسانية البشر.
وكمثال، نجد أنه حتى الهيئة الملكية المختصة بحالات الاعتداء على الأطفال تجرّد هؤلاء الذين يقومون بسرد تجاربهم عن الإعتداء من أى هوية، وتضع الجناة وهؤلاء الذين تستروا على جرائمهم على قدم المساواة مع ضحاياهم بالإشارة إليهم جميعا بـ “أصحاب المصلحة”. الكنيسة الكاثوليلكية، والتي تروج أنها مهتمة بالرفاهية والسعادة الروحانية الدنيوية لأتبعاها، لا تستطيع الرد بطريقة إنسانية ومراعية على الأشخاص الذين عانوا بوضوح على يد كهنتها الذين يستغلون الأطفال جنسيا.
المضطهدون بشكل خاص أكثر عرضة للأذى تحت سلطات المؤسسات. الأطفال يُعتبرون ملكية خاصة لأهاليهم، ليس لديهم أى حقوق، ويمكن نزعهم برغبتهم أو بدونها إذا أعلنت الحكومة أن أسرتهم ليست آمنة، ويلقون إلى ظروف من الاستغلال المستمر. انتماء الأسرة للسكان الأصليين في أستراليا يزيد من فرص نزع الأطفال عنهم.
المسنون وذوو الاحتياجات الخاصة والمرضى يُصنفون ويُعرفون ليس بحقوقهم ولكن بحسب احتياجاتهم الجسدية. العديد منهم يرضخون تحت سيطرة آخريين متوقع منهم تأديبهم والسيطرة عليهم داخل أجهزة المنظومة البيروقراطية.
من هم في موضع المسئولية مثل حراس السجن ومعلمي المدارس والمضطلعين بالرعاية وغيرهم هم أنفسهم مغتربين، وغالبا ضعيفي التدريب ويتقاضون رواتب ضعيفة ويعملون عدد ساعات طويلة. بقدر ما يجسدون الصرامة وطريقة حياة منضبطة هم في الأغلب يعانون من البؤس وعدم الرضا.
ولكن لأن دورهم يدربهم على التعامل مع البشر كأشياء، تعد قفزة قصيرة بالنسبة لهم معاملة الأشخاص المسؤلين منهم كأشياء خاضعة لانفعالاتهم، لنوبات الإحباط أو الغضب أو الإحتياجات الجنسية. يمكن أن يكون هناك اختلاف غير واضح تماما بين تجاهل احتياجات الشخص تحت سلطتهم وبين الإكراه الجسدي والنفسي والاستغلال.
عندما يؤدون دور المُضطهِد في التسلسل الطبقي، فإن أفعالهم لا تعتبر معادية للبشرية ولكن فقط “ضرورية”. المحافظة على النظام هو دورهم وأيا كان كيف سيتم تحقيقه. المجتمع لا يؤيد التصرفات المسيئة بانفتاح، خالقا هالة من السرية تعكس خصوصية معظم النشاطات الجنسية ،هكذا جُعلت ممارسة السلطة أمر مثير وشهواني. وهذا يفسر جزئيا لماذا الكثير من الاستغلال يكون جنسي.
على الجانب الآخر، الاعتداء الجنسي بشكل واضح تجربة أكثر وطأة في صدمتها من الضرب المبرح أو الأشكال الاخرى من السيطرة. المعاناة الظاهرة في قصص الألم المبرح والانتحار التي تعذب حيوات هؤلاء الذين تعرضوا للاعتداء كأطفال أو نساء على يد شركائهم الذكور واضحة كالشمس.
الكليشيه السائد لتجارب الرجال في السجن هو الخوف من الاغتصاب والذى يُرى كأسوء ما يمكن حدوثه لرجل. موقف عُزز كثيرا برهاب المثلية ولكن أيضا له علاقة بالإهانة القادمة من الانحطاط لوضع امرأة.
لذلك الاعتداء الجنسي أو حتى التهديد به يمكنه تدمير إرادة الضحية ومقاومتها أكثر من أشكال الانضباط أو العقاب الأخرى فى المواقف المؤسسية.هذه الديناميكية مماثلة لتلك في العلاقات الشخصية، حيث الجهود للهيمنة على الشريك أو منعهم من مغادرة العلاقة يمكن أن تتفاقم إلى تصرفات عنيفة.
والأكثر من ذلك فالدولة تروج وتقنن استخدام العنف الجنسي كطريقة مقبولة لفرض الانضباط والسيطرة. على كل المستويات، من المتعارف أن هذا لا يجب أن يحدث، ولكن للاعتراف بحدوثه بالفعل سيؤدي إلى تمزيق القشرة الخارجية للنظام والاحترامية. لذلك يتم التسامح والتغطية على مثل هذه المواقف، ويتم استهدام المبلغين بدلا من المعتدين وتقديم حصانة من كشف الغطاء عن الاعتداء.
الحكومات وقوات الشرطة حول العالم، ولقرون، قامت بحماية الكنائس والمؤسسات الأخرى بينما حمت بل وقامت بترقية المعتدين.
بتعزيزها لتلك الإشارات، تقوم الحكومات حول العالم باستخدام الاغتصاب كسلاح حرب ضد الرجال والنساء على السواء. ويتم استخدام هذه الطريقة على نطاق واسع في الأنظمة التي تنتهج التعذيب. ففي سجن أبو غريب سيء السمعة فى العراق، شارك الجنود الأمريكيون – نصفهم تقريبا من النساء وقائدتهم الجنرال جانيس كاربينسكي – في ممارسات تضمنت الاغتصاب وأيضا طرق إهانة وإذلال ذات طابع جنسي، أُعدت بشكل مدروس لتضع اليأس في قلوب كلا من النساء والرجال.
ما الحل؟ بالتأكيد ليس المزيد من السجون أو العقوبات الإلزامية المطولة والمفضلة لدى الحكومة والشرطة. كل هذه الأفعال لا تُعد روادع بل تُعد تقوية للهياكل التي تُطبّع العنف الجنسي وتنتج أشخاص أعنف وأكثر اغترابا.
بأخذ في الاعتبار الحدود البنيوية للاختيار الفردي والدينامية داخل الأنظمة البروقراطية التي تدفع تجاه امتهان الإنسانية، تعد نقطة مثيرة للتفاؤل أنه ليس الكل من يفترض بهم حفظ النظام والانضباط يقومون باستغلال من هم تحت رعايتهم أو سلطتهم. الكثيرون يتمسكون ببعض التعقل والإحساس بالمسئولية لحماية الأشخاص في المؤسسات التي يقودونها.
هذا يشير إلى طريق للخروج من هذا المسنقع. التنظيم النقابي والنضال الجماعي يمكنهما الترويج لأفكارالتضامن والوعي الطبقى، لذا فهذا يمكنه مضاعفة الاستجابات الإنسانية والمحترمة من قبل من هم في موضع سلطة على آخرين أو فى علاقات غير متساوية. بالرغم من ذلك، ومن أجل القضاء على العنف الجنسي تماما، سيتحتم علينا تدمير الهياكل والبِنى التي يتجذر فيها هذا العنف.
*نُشر هذا المقال لأول مرة، باللغة الإنجليزية، في 3 أغسطس 2015 في مجلة “ماركسيست ليفت ريفيو” الأسترالية
#ندى_المخزنجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الصين: سوق مضاربة “العم شي” ينهار
المزيد.....
-
التسجيل في منحة المرأة الماكثة في المنزل 2025..إليكم التفاصي
...
-
مبارك عليكن.. الوكالة الوطنية للتشغيل توضح كيفية التسجيل في
...
-
الوكالة الوطنية للتشغيل anem.dz: حقيقة زيادة منحة المرأة الم
...
-
عندي بسكليتة ما بعرف سوقا ركبنا عليها.. حدث تردد قناة وناسه
...
-
الرفيقة سومية منصف حجي عضوة المكتب السياسي للحزب في قراءة في
...
-
الرفيقة لبنى الصغيري عضوة المكتب السياسي : البلاغ كان محط ان
...
-
الرفيقة نادية تهامي عضوة المكتب السياسي : مراجعة مدونة الأسر
...
-
الرفيقة سومية منصف حجي عضوة المكتب السياسي للحزب : بناء مجتم
...
-
مصر.. تأييد حكم الإعدام لـ سفاح التجمع -قاتل النساء-
-
ينتظرها نقاش في البرلمان.. مدونة الأسرة بالمغرب تدخل مرحلة ا
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|